طائر الطنان

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
تستدعيني سوالف الماضي من بين سرايات السنين العجاف وعرشها الشامخ بمعاني الحياة العميقة الي طيف ذكري من ألق الماضي التليد المعطر بهوي وجود السامرين الخالدين والعالقين في الذاكرة. تستلهني ذاكرتي العميقة الي مدينة (كادوقلي ) حاضرة جنوب كردفان , في الحي المعمور ( كليمو) حيث ينحبس هوي الأنفاس في داخلي ويخرج زفيرا كزئير الأسد المتشوق الي قطيعه التائهين عنه , وتقشعر مسامات جسدي حسرة وفراق , وحينما تأتي سيرة الاحبة و الاخوان والأصدقاء والمعارف عندها تحلق ذاكرتي نحو ذاك الألق الجميل , لم أكن يوما بعيد عنك أيتها الخضراء دائما الخضرة كخضرة رياض جنات الفردوس ومشرقة كضوء الشمس , وشاهقة كجبالك العالية فأنت روضة من رياض الجنة ودوحة بين ربوع الوطن الحبيب لا أستطيع أن أسلب من ذاكرتي شذي زهر من ربيع تلك الأيام الجميلة التي ولت ولا أنظر غيرها جمالا ولا بدرا غيرك انت, وبي سكر يتملكني كل يوم ويشغل ذاكرتي وأتعجب كيف يتملكني ذاك الشعور الجميل المضمخ بعاطر الذكري والشجن و بين نشوة التجرع وحلاوة السكر بطلاوة الذكري لان ألق الذكريات يدق في داخلي كقرع طبول المحبة للقادمين الي حضن الاحبة والعاشقون .
تحضرني وسط خضم هذه الذكري ألق جميل من الماضي البعيد من ذكري أجدادنا العظماء الذين تتجلي صفحاتهم كتب التاريخ وتفوح رائحة دماؤهم الطاهرة من مسامات التراب عبقا كالطل حينما تهطل زخات المطر على الثري، تجتاحني من بين سحابات الذكريات ذاك الشعور الجميل بالفخر والاعتزاز حينما أقرأ صفحات التاريخ المتواضع وفي سجلاته الورقية عن بطولاتهم ونضالهم من أجل كلمة واحدة وهي الوطن.
صدي أحداثهم على أرض الواقع كان وقعها فعالا وفاصلا في مجري تاريخ البلاد وحاضرها لأنهم استطاعوا أن يقولوا يا غريب يلا..... يلا ....... لي بلدك وقد كان نضالهم حرثا لاستقلال السودان الحبيب بعد أن عرف المستعمر بسالتهم وتضحياتهم الجسام عبر بملاحم قتاليه وتاريخية يشهدها العالم.
التحية تحضرني لكي أركع ساجدا لكل شهداء الوطن وكل من سالت دماؤه وسقت تراب الوطن وأنبتت سنابل الحرية والعدالة والسلام وكل من قرع جرس من أجراس الوعد والتمني ورفع صوته عاليا ضد الظلم والاضطهاد ونثر الامل والمناجاة بالكرامة والعزة للوطن والمواطن لهم جميعا نسج عقد فريد من درر الكلمات وعطر معانيها السامية.
اندلعت قبيل أيام حرب غضب وتراكمات من المصالح وعملاء تهمهم مصالحهم التي يتقاسمونها بين دماء الشعب وروحه الطيبة، وتضارب أفكار ومفاهيم لا نعلم خفاياها!!!! لا أظن الوطن والمواطن يستحقون ذاك الجحيم الحارق بعد عملا ثوري جليل جسد معاني الحرية والسلام والعدالة في شعاراته وتمكن من خلع نظام قهري مستبد جسد على صدورهم وأكتافهم سنين عجاف لا تعي ولا تنطق، شعب تحمل انفصال نصفه الحبيب في مؤاساه لا نعلم لماذا حتى الآن لماذا أنفصل شقنا الاخر!!!!! حكام وضعوا رؤوس شعوبهم على مقاصل الموت وشفرات الذل والإهانة والاضطهاد. لا أستطيع أن أصف أحاسيس أصحابي وأصدقائي وأهلي حينما أتصل عليهم وأستمع الي ما حصل وسيحصل، مصير من الموت المجهول يحلق على رؤوسهم كل يوم وجيوش من المارقين بنهبون ويسرقون ويغتصبون النساء ويحلون ما حرم الله. ما فائدة الحكام والسياسيون حينما لا ينظرون الي مستقبل البلاد ويرسمون خططا لمستقبله ويسعون لرفاهيه شعوبهم. ان الذي حصل في السودان اليوم كان يمكن ان لا يحصل ان كان لدينا حكام يعلمون كيف يدار الحكم والسياسة لان معطيات المعادلة السياسية الراهنة لاشتعال هذه الحرب كانت واضحة وجليا أمامهم من قبل كالشمس، ووجود جيشين في دولة واحده لا بد أن يغرق المركب. كما قال جدي (سلاطين) رحمه الله (وجود ربانين في سفينة واحد لابد أن تغرق وأن طال السفر أو قصر) لأنه علاقة طرفي النزاع كانت تنبني حينها على المصالح والمنافع الشخصية ليست مصلحة الوطن والمواطن، وحينما ينقلب ميزان المصالح تظهر التفتن والخلافات التي يضيع ضحيتها الوطن والمواطن وكما يقولون أذا اتفقوا نهبوا الوطن وإذا اختلفوا ودمروا كل شيء، مثل (ديك العدة).
في أحدي جلسات السمر العامرة ذكر لي أحدي أصدقائي الأعزاء يعمل في وكالة (الثلاثة حروف الأمريكية) بعد ألقيت عليه سؤلا عن السودان وأفريقيا ّّ لماذا نحن هكذا دائما حروب ومجاعات وكوارث وأمراض وتخلف؟؟!! ألقيت عليه هذا السؤال لآني كنت أطمع في سقاية مزرعة أفكاري بقليل من المعرفة!!! عندها تبسم بثقة عميقة بثقة عميقة وفي وجهه ملامح الحسرة والأسى لأنه عمل كثيرا في دول أفريقية عديدة يحمل في جيوب ذاكرته عمق واقع إفريقيا وجمال ملامح من ثقافاتها وألوان قبائلها المختلفة الزاهية وبعض اللغات المحلية، وأجابني بعد أن استأذنني بعدم الهجوم عليه بردود قوية ومعاديه لأنه يعلم اندفاعية دمائنا الحارة التي دائما ما تغذوا من يهاجمها بقوة. استطرد قائلا بأنه سيتحدث بصراحة وحريه وأنه سيقول الحقيقة من (غير ملابس) !!! قال إنكم أي غالبية الدول الافريقية تعيشون وكأنكم في الغابة دون قوانين ونظم تدير مفاصل الدولة والنظام وأن كانت هنالك قوانين يمكنكم خرقها بسهوله وتسخيرها نحو قطيع من الاشخاص الحدبون لمصالحهم الشخصية وأن أدي ذلك لضياع الوطن والمواطن، فأنتم تحبون قوانين الآسد في الغابة القوي أكل والضعيف مأكول سياسة (الغاء الآخر) وأن كان الخلاف في وجهات النظر. وتقدسون الشخصيات والأفراد ولا تحترمون القانون تحبون الشعارات القوية ولا تعملون بها، تحبون المظاهر الجوفاء والظهور في مراكز القوة والشهرة وتحبون التسلق على سلالم الآخرين دون بناء مجد لكم وللوطن هذا هو الواقع هناك ولكنكم ترتدون نظارات واقيه لمواجهته لذلك لم تصلوا للمجد أبدا ما دامت ليست هنالك عقيدة وطنيه تجمع غالبيتكم في صف واحد.
هنا صمت كالليل الدامس وصوت (أبو الجندب) بصليل صوته العالي برن في أذني وأحسست بالضياع والخوف من ذاك الاتهام والواقع الذي نهرب منه جميعا. ثم أستطرد قائلا:
هنالك خامات من العقول النيرة يريدون أن يضعون الآمل على نهاية النفق ولكن مطامح قطيع الأسود الاخرين يطفئون ذاك السراج المنير ولكن نصيحة مني يجب أن تطرقوا الصخر حتى يخرج لكم الصخر ماء وخضرة. (أنتم تقولون ذلك) فتبسمت له ابتسامة فيها الرضي بما قال ويشوبها نوع من الكرامة في نوعية التشبيهات بالحيوانات في الغابة ولكنني في داخلي غلبت على معاني الكلمات وما كان يعنيه من القول فأدغمت كلماتي واحاسيسي وتعقيبي عليه، وعلمت أن ما كان يعنيه صحيح، وكان الحديث طويلا ولكن هذه الجزئية التي تهم وطني. ولكنني اهتممت بهذه الجزئية التي تجسدت على وطني وحكامه ّّ. عرفت من خلال كلماته أنهم يحللون ثقافاتنا ومعانيها العميقة ويدرسون تاريخنا وأغانينا الحماسية وكل ما يدور حولنا فقلت له لماذا تهتمون بتفاصيل حياتنا وثقافاتنا ولغاتنا وأرثنا فقال لي بكل صراحة حتى نستطيع ترويض الحيوانات المفترسة في تلك الغابة الكبيرة ّّّّّ ونتقاسم معها الفرائس والغنائم الثمينة. وأنتم تقولون (من عرف لغة قوم أمن شرهم).
عندها رن جرس هاتفه واستأذنني في أن يتحدث في هاتفه، وبعدها قال لي خلي بالك من نفسك وأراك في وقت لاحق لابد لي من الذهاب الان، فقلت له اذهب وأنت من الطلقاء لأنك تستطيع أن تقرر مصيرك ومصير الآخرين ولكن الله كبير.
ذهب وابتسامته تشقشق في مخيلتي كالعصفور الذي يحوم حول زهرة يريد أن يمتص الرحيق منها وعرفت أن فرد من أفراد دوله القانون والنظام يمكنه أن يغير مجريات دول أخري في عالم الغابة ويسيطر على قطيع من الأسود.
عندما ذهب عني وجلست وحيدا مناجيا نفسي وشخصي الذي بدأ ضعيفا أمام تلك المعاني والتعابير والحقيقة المرة أدركت أن وطني هو قطيع من سرب تلك الدول وقادته المشؤومون الذين دائما ما يجلبون للوطن والمواطن الفتن والمصائب والشتات والحروب والانفصال. هم الذين يستظلون تحت هذه المعاني من الكلمات و الحروف ويتخذون من دلالاتها خنادق يقاتلون من خلاها الوطن والمواطن وينصبون أشرعة الوعد المؤطر بالقنابل وبين أرض الوطن الكبير يزرعون الألغام لقتل صغارنا حتى لا يرضعون الوطنية من ثدي الوطن حتي يولدون مفرقين في أرصفة المدائن والشواطئ في الغربة لكي لا يعرف انتماءاتهم الوطنية بين عولمة الدول وثقافاتها المختلفة ويذوبون في مزيج ثقافات وعقيدة أخري وتتوه انتماءاتهم الي الوطن وكذلك اللاجئون و المشردين من دولهم مرغمين بين غضب الهجرة القسرية و فقد ممتلكاتهم ويكون بلا انتماء ولا عقيدة وطنية .
هي فلسفة المستعمر الحديثة التي أوجدت في سياسة اشتعال الحروب والنزاعات في داخل الدول هي حقيقة (الفوضى الخلاقة) وهو مصطلح سياسي ويقصد به بأن تكون هنالك حاله سياسية بعد مرحلة من الفوضى المفتعلة يقوم بها أشخاص معينين بدون الكشف عن هويتهم وذلك بهدف تعديل الأمور لصالحهم , كما صرحت في مطلع 2005 وزيرة الخارجية الامريكية آنذاك ( كونداليزا رايس ) بحديث صحفي مع جريدة (الواشنطن بوست الامريكية) عن نية الولايات المتحدة في نشر الديمقراطية في العالم العربي والبداية في تشكيل ما يعرف ( بالشرق الأوسط الجديد ) وذلك عبر نشر (الفوضى الخلاقة) وكذلك يوجد هذا المصطلح في أدبيات ( الماسونية) القديمة فهي حقيقة ترسم ملامح للسيطرة من خلال تلك الفوضى وتأهيل نفسيات ومزاجية انسان الوطن في تقبل الطرف المنقذ أو (السوبرمان او سباي درمان) او الشخصيات الخيالية التي ترسمها خيالات (هوليوود) وذلك يتم بمساعدة أيادي خفيه من أبناء الوطن الذين نقدسهم ونطلق عليهم قادة وسياسيون وزعماء. هذه هي أحدي سناريوهات الطبيخ السياسي العالمي على دولنا التي يطلق عليها (دول العالم الثالث) من باب الاستخفاف والتهميش المقصود به الهاء الوطن والمواطن واحساسه بالدونية وعدم مقدرته بالنهوض بنفسه الا بمساعدة الدول الكبرى القوية. ولكن أفريقيا ودولها العديدة هي في مقامات المخزون العالمي الاستراتيجي للعالم. تعد من دول العالم الأول الذي تعتمد عليه كل دول العالم الغربي والامريكي والاسيوي الان. وهي قبلتهم في النزاعات وصراعات المصالح الاستراتيجية.
فأحذر يا وطن أن كلمات الحق التي يراد بها باطل أصبحت ترتدي قناعات مختلفة من أجل كسب الصراعات واجترار المكاسب فحرب الجنوب كانت خير عبرة ومثال كانت كلمة حق يراد بها تقسيم السودان والموارد وترويض الأسود وتشتيتهم وتوهانهم وسط الغابة والسهول والاستنجاد بالمنقذ!!! فالطبيخ الذي يطهى في نار هادئة دائما ما يكون مستويا ولذيذ.
حروب المصالح في أفريقيا الان أصبحت تدار بأطراف خفية من داخل الوطن وعملاء من الخارج وأسلوب وطبخ المشاكل الراهنة بشكل يتقبله غالبية الشعب. وبعدها يأتي الطائر الطنان ذو المنقار الطويل بهبوطه الناعم الذي يمتص رحيق الازهار برقة ونعومة لآنه يتلون بالون جميله ويهبط بنعومة لا يمس الزهرة الا بمنقاره الرفيع لكي يمتص رحيقها الجميل الحلو الطعم، فانه حينما يهبط على الازهار الناعمة الجميلة يهبط بنعومة وحذر يمتص الرحيق ويطير الي زهرة اخري تلك هي فلسفة الهبوط الناعم الذي ينتهجه (سوبرمان وسبا يدرمان) العالم الان فهل فطنا لذلك أيها القادة؟


SABENUALA@GMAIL.COM

 

آراء