طريقة تعليم الكبار في السياسة السودانية
صديق محيسي
20 March, 2014
20 March, 2014
s.meheasi@hotmail.com
لا تزال طريقة تعليم الكبار في السياسة السودانية مستمرة في اخطر القضايا وتعليم الكبار كما هو معلوم طريقة ابتدعها الانجليز قبل ان يرحلوا من السودان لرفع الجهل عن الذين فاتهم قطار التعليم ,ولكنهم اي الذين ينخرطون في هذا النوع من التعليم لايصلون الي درجة التعلم الكامل ولكن يصبح في مقدورهم فك الخط , وقراءة وكتابة الخطابات لتسيير حياتهم اليومية, وما يمارس في السياسة السودانية الحالية هو اشبه بالحالة المذكورة, فبعد احد عشر سنة من المفاصلة بين الترابي صانع البشير, والبشير طارد الترابي يعود الاثنان مرة اخري ليقررا وحدهما في مستقبل الحكم في السودان الذي تقع مسئولية ضياعه علي عاتق الاثنين ,وما يجري بالفعل هو امر يتجاوز درجة الحيرة ليجعل المراقب يقترب من حافة الجنون , ومهما صرح الترابي ومؤيدوه من ان مايفعلوه هو محاولة "فتح الخشم " من اجل حوار يسع الجميع فأن خطوتهم هذه بالرغم من انها تصب في مصلحة النظام وتنعكس سلبا علي المعارضة فهي تنم ايضا عن إنتهازية سياسية ومياكافيلية قديمة يجيدها زعيم المؤتمر الشعبي, مالذي جعل الترابي ينحرف مائة وثمانون درجة ويبدا تدرجا مهادنة نظام ازاحة عن مشهدة احد عشر عاما فقد كانت اولي خطوات الدكتور الشيخ تجاه النظام حضوره الخطاب المفاجئة للرئيس البشير وهو ماقرأ كل الناس ماوراء سطوره من ان المسرح كان قد اعد قبل خطاب قصر الصداقة بشهور, ودشن ذلك اتصالات جرت من برلين مرورا بلندن والدوحة وإنتهاء بمزرعة الرئيس حسب مراقبين لتحركات الفريقين ,في بحث الحالة الثنائية للإخوة الأعداء فأن للترابي قضيتان يسعي لتحقيقهما قبل اي شيء اخر حتي لوكان مستقبل الحكم في السودان القضية الأولي هزيمة الذين إنقلبوا عليه واطاحوه احد عشر سنة في سلة المهملات , وهو ماحققه له البشير الذي يبحث طوق نجاة له من ورطته ,ويعيش الرجل متعته حاليا لرؤية الصقور وقد انسلمت منقاريها وإتنتف ريشها, ثم دافعه الثاني غير المعلن هي عودته هو شخصيا لخشبة المسرح الإقليمي كمنقذ للحركة الاسلاموية التي تسحق في مصر, وتشن عليها حربا شعواء في الخليج وتفارق الخط في تونس وتتحجم في ليبيا , اذن الترابي الان يعيش شهر عسله السياسي وهويري فئران مختبرات البشير تركض وتختبي ذعرا منه , ويسمع هاتفا من كهوفه الباطنية إن انت الا منقذ مرة اخري للاسلام والمسلمين.
في سيرة تعليم الكبار, او في هذا المشهد السوريالي تطيش اسهم الترابي وهو يعتقد انه سوف يستطيع جلب الجبهة الثورية الي مائدة المفاوضات "تصريحاته للصحف" , مثلما سوف يقنع السعوديين بإصلاح ذات البنوك وهونفسه مصنف في بيان الرياض التاريخي بالإرهاب, وتطيش اسهمه ايضا حين قرر وهو بعيد عن الجبهة الثورية وقوي الإجماع الوطني انه يستطيع ان يكون البوابة التي يدخل منها الجميع الي رحاب عدو الأمس حبيب اليوم ,ولكن و كما حدثني مراقب صديق للأحداث ان المجموعة القديمة التي اطاحها "طوطحها" البشير حذرته من ان الرجل خرج من الجحر وبين اشداقه سم كاف لأن يصرع فيل فعليك الحذر فالخطوة الأولي كانت جماعة علي بابا ,اما الثانية ستكون علي بابا نفسه,ووفق هذه الوصية فأن البشير يفاوض الأفعي وعصاه بالقرب منه ,أما الأخير فقد ترك الباب مواربا مع الإجماع الوطني بالرغم من الهجوم الكاسح الذي شن عليه.
وفي استدارة كاملة للبصر مرتين فأن علي المرء ان يتمثل مايجري اليوم في انحاء السودان من تمزق وإنفلات امني وفقدان للدولة المركزية ونمو دويلات صغيرة مثل دويلة الجنجويد, ودويلة موسي هلال ,ودويلات عصابات النهب المسلح في دارفور, مرة اخري نعيد القول بأن النظام لن يعلق حبل المشنقة في عنقه بمحض ارادته إذا قرأنا جيدا طبيعة الصراع , فالراكبون الجدد والمغادرون يعلمون جيدا ان اية حلول حقيقية للأزمة ترد فيها عبارات إلغاء القوانين المقيدة للحريات ,ووقف الحروب في دارفور والنيل الازرق ,والإفراج عن المعتقلين السياسين ,والرفع الكامل للرقابة عن الصحف فأن ذلك يعني بل الرؤوس للحلاقة في لاهاي ,وفي الخرطوم قطعها للذين تطاولوا في البنيان ونهبوا البلاد واشاعوا فيها الفساد, ومع كل ذلك فهل يستطيع الترابي إعادتنا الي للمربع الأول ؟هذا هو المشهد العبثي.