عبء التاريخ.. حان وقت سودان الخارج لإنهاء الحرب

 


 

حمد الناير
16 August, 2023

 

alnaierhamad20@gmail.com

لا يمكن إنقاذ السودان الآن من هذه الحرب والدمار إلا بواسطة ابنائه وبناته في الخارج. ولم لا، وقد فشل النظام الحزبي السوداني في الداخل. اولا، فشل النظام الحزبي في الداخل في تجنب الحرب، وثانيا، فشل في وقفها حتي الآن. إن العجز المريع عن تكوين جبهة مدنية عريضة لوقف الحرب بعد مضى قرابة خمسة أشهر على إندلاعها ما هو إلا إمتداد وتعبير عن عجز القوى المدنية بكل فصائلها وأقسامها: كل الاطراف تنادى بالجبهة المدنية الواسعة لإيقاف الحرب، ونسمع ونقرأ أن هذا العدد من الاجسام النقابية والشخصيات الوطنية والاحزاب والتحالفات ومنظمات المجتمع المدني قد التقت او تعتزم اللقاء في سبيل تأسيس هذه الجبهة المدنية، ولم تلح تلك الجبهة المدنية في الافق الا متخيلة. مصدر العجز واضح وهو حالة الانقسام التي اعترت الحركة السياسية السودانية منذ حكومة حمدوك الاولى. حالة الانقسام تلك التي كانت في حد ذاتها حرب مدنية ضروس بين الاحزاب سبقت حرب السلاح الحالية ، بل هي في الأساس ما اعطي الفرصة ومهد الطريق لحرب السلاح. لقد بدا واضحا أن الاحزاب سجينة في رؤى وتحالفات لا طائل منها وليست على استعداد للتحرك منها قيد أنملة.
في المقابل تدهشك وحدة السودانيين في الخارج، رغم اختلافاتهم الحزبية، قدرتهم على الحوار والتوحد والفعل رغم انف احزابهم المتشرزمة في الداخل. وهذا يحدث الآن وبكل حمية في كتير من عواصم العالم. أراهم زملاء قدامى واصدقاء في دور الجاليات السودانية وفي المأتم وفي اعراس الجيل الثاني منهم التي كثرت هذه الايام، بارك الله فيهم وفي تربيتهم للبنين والبنات. اراهم من تيارات مختلفة حزب أمة واتحاديين وشيوعيين وجمهوريين وناصريين وبعثيين ومؤتمر سوداني واسلافهم من المحايدين ومستقلين يجتمعون ويتفقون وقادرون على الفعل. كأنما الحكمة السودانية هجرت السودان معهم الى المهاجر. الجبهة المدنية العريضة ضد الحرب في متناول اليد في الخارج بينما هي بعيدة المنال بين ساسة الداخل الذين ادمنوا الانقسام وادعوا احتكار الحقيقة. إنتظر! قد يعيق توحدها بعض ساسة الداخل الذين تسربوا الى الخارج مؤخرا.
ولم لا، وساسة الداخل الآن عاجزون عن تكوين هذه الجبهة في أحلك كارثة يمر بها الوطن منذ الاستقلال. ولم لا وساسة الداخل يتدفقون الآن الى الخارج، بينما في الخارج تقاليد عمل استقرت ومجتمعات تدقق حسها الوطني، ربما بفعل الغربة، وصفت رؤيتها وترسخت فكرة الصالح العام لديها وصارت اقرب للاتفاق والمساومة الواقعية من الاختلاف. وهم في الأصل رصيدا لا يعوض من رأس المال الإجتماعي الذي فقده الوطن جراء هجرتهم ولكن ظلوا على ارتباطهم بهم. في ظل هذا الواقع، حان لسودانيين الخارج التدخل وهنالك الف مبررا لذلك. كان سودانيو الخارج يقولون ليس من حقنا ان نقول "بغم" الا في دعم خيارات الداخل، انحصر دورهم في الدعم في حالك الليالي ساعات الفيضانات والسيول والعناية بضحايا التعذيب والدفع في كشوفات المرض والنشر وإعادة النشر والتضامن والاتصال بأمنيستي انترناشنال ..الخ والنصح في احسن الاحوال، لا ينتظرون شكرا او شكورا، وكأنه فقط كفارة الخروج. لم يعد الأمر كذلك بعد أن فشل ساسة الداخل، رغم احترافهم السياسة التي صارت أكل عيشهم وصاروا طبقة تتكرر اسماؤهم من عهد عاد، لم يعد الأمر كذلك بعد أن فشلوا في التوحد وصدعوا رأسنا بالحديث عن الكتلة التاريخية والقوى الحية والمساومة التاريخية وووو....
خمسة أسباب تدعو لتدخل مجتمعات سودان المنافي في الخارج لوضع حد لعجز ساسة الداخل:
اولا، انتقل ساسة الداخل الى الخارج دفعة واحدة مع إندلاع الحرب وراحوا يتجولون في عواصم العالم والاقليم يجترون نفس التجارب القديمة مكنكشين في نفس الرؤى والتحالفات ،عاجزين عن أي خطوة واحدة الى الأمام غير التحذيرات والوعود. وكأن عمر الطيب الدوش كان يرقبهم حين قال:
شنو الجدَّ
عشان نتجارى بين القاهرة
وجدة
بين القومة والقعدة
شنو الجدَّ
إذا فشلتم في الداخل في التوحد، ما الذي سيجعلكم تنجحون من الخارج؟ ثم، ما الفرق بينكم والخارج الآن؟ بل سودان الخارج مؤهلا أكثر منكم على توحيد الأمة.
ثانيا، ليس لسوداني الخارج طموح في الحكم، مكتفين بمهنهم مهما كانت، من الطبيب الى سائق الشاحنة والتاكسي، ويربون اسرهم واولادهم وبناتهم حامدين شاكرين. نظرهم خالي من التشويش وغلاله العمي وبريق السلطة بعد تعرضهم لتجارب مجتمعات تبنوها وتبنتهم وخروجهم من زحمة مولد تضخمت فيه ذوات الافراد والاحزاب. قد يقول قائل ماذا عن الوزير فلان او الوكيل الذي أتوا به من الخارج؟ نقول هذا من فساد الداخل وتسوياته ونرجسية اقلية ضامرة وفاشلة ومقطوعة في الخارج لم تفك أغلال الداخل عن كاحلها. الميكانيكي وسائق بص المدرسة في الخارج يربي اطفاله ويرسل المال لذويه واصدقائه في الداخل في الافراح والاتراح وكل ما يطمح فيه إجازة هادئة بين العشيرة والاصدقاء. اي خزانة أو وزارة مالية في السودان قادرة على دفع مرتبه؟ ولماذا؟ هل انقطع دابر المتخصصين في الداخل؟ هذا فساد الداخل فلم ينتخب الخارج وزيرا او مديرا. نساء ورجال الخارج في أغلبيتهم الساحقة لا يطمحون في اي كرسي وحين يتحولون الى كتلة واعية بنفسها سيكون لهم وسائلهم في شكم شرارهم. بينما ساسة الداخل يعدون: لن نشارك في حكومة حمدوك. ويخلفون الوعد. لن نحاصص ويرتكبون المحاصصة ويجترحون لها المبررات الغبية. سودان الخارج لا يرغب في أن يحكم وكل ما يرغب فيه أن يكون ضمير الأمة ومستودع اخلاقي في ظل إنهيار كامل لقيم واخلاق العمل العام وعجز الاحزاب وفشلها.
ثالثا، حان لشعب السودان أن يلقن المجتمع الدولي والموظفيين الأمميين وساسة الداخل درسا في العولمة: الا يتحدث هؤلاء عن العولمة وأن العالم صار قرية وكذا؟ هل العولمة هي فقط في حرية حركة البضائع والصمغ والفول والسمسم والاتصلات وفيسبوك وتوتيتر؟ العولمة تشمل الفجيعة والحنين وخيبة الأمل وتشمل الانسان في مجتمعات الغربة والارتحال الذي لم تنبت جذوره. لذا على سوداني الخارج التحرك بقوة لمليء فراغ الفشل. ولهم الف الف حق في التدخل ونزع زمام المبادرة واجبار احزابهم على التوحد واجبار من يحمل السلاح على وضعه في الأرض. إذا كان شعب السودان هو من إخترع الانتفاضة الشعبية في أفريقيا وأكل الربيع العربي والنيم ثلاث مرات والعرب واللاتنيين غرقى في دكتاتوريتهم، لم لا يلقن العالم درسا جديدا في إنهاء الحرب من حيث لا يحتسب ساسة العولمة.
رابعا، افراد ومجموعات مجتمعات الخارج قادرون على العمل سويا رغم الاختلافات الفكرية والحزبية، بل لهم القدرة على الإنجاز. بينما فقدت سياسة الداخل واحزابه كليا القدرة على ذلك. ربما تكونت هذه القدرة في الخارج من الإحساس بالهويات الجديدة والرؤية الجديدة للذات والآخر. ربما من المشاركة في إنتخابات البلديات ومجالس المدارس والانتخابات العامة، ربما من القدرة على التحرر النسبي من عقلية القبيلة والشلة والكتلة التي ميزت احزاب السودان. في هذا الوقت على وجه التحديد، لابد ان تشحذ هذه القدرة الى مداها الاقصي وأن يتحول إنسان الخارج من مراقب تقتله الحسرة الى فاعل يقرع وينهر ويقوّم ويأخذ زمام المبادرة.
خامسا، القدرة اللوجستية: قدرة السودانيين في الخارج المهولة على الحركة والتنظيم والمبادرة مقارنة بالداخل. صحيح أكل العيش مشكلة في كل مكان، والبعض يعمل في وظفتين. لكنه في مجمله، للشغل في الخارج بنية محددة ومرسومة كجداول الماء ويتيح الحرية للفواتح والعزاء والتهنئة ومعاودة المرضى بل لحضور حفلات المغنيين المخضرمين والشباب، اضف الى ذلك قدرة العامل المبتديء على وضع حفنة من الدولارات او الدراهم في صندوق دار الجالية دع عنك الميكانيكية وسائقي الشاحنات والاطباء. لماذا يدفع الخارج لساسة في الداخل غير منتجين؟ لماذا يخضع الخارج لمبادرات ورؤي فاسدة لم تمنع الحرب ولم تقدر على إيقافها. لماذا يمول الخارج إعادة إنتاج الفشل؟
لا يمكن أن توقف اي حرب الا إذا كانت هنالك أغلبية ساحقة على إتفاق تجردها من اي مبرر أخلاقي مهما كان. هذه مهمة الخارج: تخليق هذه الأغلبية في الداخل والخارج. اي خطوة سياسية جبارة لابد أن يسبقها إتفاق جمعي- بما في ذلك اسقاط اي دكتاتورية، بما في ذلك الاضراب السياسي والعصيان المدني الذي هو في التحليل النهائي عبارة عن إتفاق جمعي- مهمة الخارج هي خلق هذا الاتفاق الجمعي الذي عجزت عن إنتاجه أحزاب الداخل وساسته. الخارج يملك كل الوسائل لصياغة هذه الإغلبية وعليه الخوض في ذلك بتوحيد قواه في القارات الست. وعندها ستتفجر طاقات لا تخطر على بال الآن، كل ما ورثه السودان من فنون العمل العام والنضال المدني السلمي سينفجر في وجه دعاة الحرب.

 

آراء