عرمان..الملعب الخطأ … بقلم: ضياء الدين بلال
ضياء الدين بلال
27 April, 2009
27 April, 2009
بحسابات السياسة من الواضح أن الأستاذ ياسر سعيد عرمان رئيس كتلة الحركة الشعبية بالبرلمان قد اختار الملعب الخطأ، حينما اختار من كل مواد القانون الجنائي المادة المتعلقة بجريمة (الزنا) ليسجل اعتراضاته وتحفظاته عليها..!
فعرمان بذلك يكون قد وضع نفسه في أفضل مكانٍ يُمكِّن خصومه من انتياشه...!
كان على عرمان أن يدرك أن هذه التحفظات والملاحظات لو جاءت من أي شخص آخر من نواب الحركة الشعبية لمرت دون كثير ضجيج، ولكن لصدورها منه جاءت ردود الفعل عليها تحمل كثيراً من الفواتير السابقة بتواريخ قديمة.. فواتير مرحلة من نشاط جامعة القاهرة فرع الخرطوم في منتصف الثمانينات وحادثة اغتيال الاقرع وبلل وصدى هتافات شباب الإسلاميين وأناشيدهم ضد عرمان في معسكرات الدفاع الشعبي.
ما قاله ياسر في البرلمان وفّر أفضل الفرص لتسديد أعنف الضربات لوجهه.. ومضت بعض الضربات تحت الحزام.. فكثير من الإسلاميين لا يطيقون لعرمان اسماً ولا ذكرى وهو يبادلهم ذات المشاعر القديمة وإن احتفظ بعلاقات جديدة مميزة مع بعض قادتهم بعد اتفاقية السلام..!
كان على عرمان بذكائه السياسي وحسه الاعلامي أن يحسب ردود الأفعال التي يمكن أن تترتب على اقترابه من المكان الذي هو فيه الآن.
مع ذلك بغض النظر عن صحة ما نُسب لعرمان، أو أن تشويهاً تم لكلامه كما قال، ليس من المصلحة العامة - التي هي مناط التكاليف الشرعية - أن يستغل هذا الحدث لتصفية الحسابات السياسية بالطريقة التي يتم فيها التحريض والتهييج الآن عبر خطاب تكفيري مثقل بالأجندة السياسية.. فهذا الأسلوب يجر كثيراً من المصائب للبلاد وان حقق بعض المصالح التكتيكية والاعتبارات الدينية للبعض.. فالسيناريو المتحرك هذه الأيام يعيد للاذهان الحملات التي انطلقت في المساجد وعبر رسائل الموبايل ومظاهرات المحاكم ضد الراحل الاستاذ محمد طه محمد أحمد. فالخطاب التحريضي من المتشددين الدينيين ومن العنصريين بعد ذلك هو الذي مهد المسرح لأبشع جريمة وفي سنوات الخرطوم الاخيرة.
إذا قال ياسر عرمان ما نسب اليه أو ان تحريفاً قد تم لحديثه أو انه تراجع عن ما قال.. فقد وجد تحت قبة البرلمان رداً منطقياً وقوياً من د. غازي صلاح الدين رئيس كتلة المؤتمر الوطني، وكان ذلك يكفي.. اما السير في طريق التكفير والإساءات ذات الطابع الشخصي - ضد عرمان أو غيره - فمخاطره تهدد سلامة المجتمع أكثر من شخوص المستهدفين، كما أن هذه الأسلحة كما يقال دائماً ذات طبيعة ارتدادية.. فإذا قدرت لك الاقدار ان تستبيح سيرة شخص ما فتحسب ان تقدمك أقدار أخرى غنيمة لأعداء الغد..!
الصراع السياسي إذا لم يحتكم إلى الوسائل والأساليب السليمة والتعابير النظيفة فهو أقرب طريق للمأساة.. والسياسة كما يقول هيكل هي فن تجنيب الشعوب الكوارث والأزمات.