عزل الداعين إلى الحكم الديني

 


 

 




بدأ تاريخهم منذ أيام  حملة ابن أبي السّرح على النوبة ، وتبعته سلسلة من المعارك إلى عام 1504 م، عام حلف عبد الله جماع  و عمارة دُنقُس الذي قضى على المملكة المسيحية وأحرق " سوبا " وتكونت دولة الفونج.

(1)

جاء حكم الخليفة "عبد الله ود تورشين" من بعد حكم "محمد أحمد المهدوي" القصير عام 1885 م. من تلك السلالة والنهج جاء هؤلاء الذين أذاقوا شعبنا الويلات  . سكنت جرثومتهم من بعد الحكم الثنائي ، زماناً حتى هزموا أجيال الصفوة  من الخريجين ، فابتلعوهم داخل عباءة الطوائف الدينية ، باسم الغلبة الجماهيرية ، والديمقراطية التي يسرت لهم الطريق فدانوا لها وأصبحت وسيلتهم للسلطة، حتى صعد الأمر إلى قضية الدستور الإسلامي ، الذي ظل يراوح مكانه إلى أن تيسر لدعاة الدولة الدينية أن يُحركوا الشفرة الثقافية  عام 1965 ، بما اصطلح عليه بقضية الطالب " شوقي محمد علي " وحلّ الحزب الشيوعي السوداني ،  والارتداد عن الدولة المدنية . ونهض " الدستور الإسلامي " من الرماد ليبتز عواطف الجمهور .
سكن الأمر بعض الوقت حتى زُينت لرئيس مايو أن يقيم الدولة الدينية على أشرعة " أحكام الطوارئ " ، وظلت النُسخ المتعاقبة من صناعة قوانين لتلك الدولة متداولة ، وصادفت هوى من أصحاب الطوائف الدينية وحركة الإخوان المسلمين ، واستمسك بها الإخوان من بعد انقلابهم عام 1989 م .

(2)

كانت التجربة المسيحية في تاريخ دول الشمال عسيرة على الحياة الاجتماعية . ملكت الدولة الدينية بالقوة السلطة ومعظم الأراضي وسادت آلية التكفير  ، حتى جاء الزمان أن تضمُر في دويلة لا تصل مساحتها إلى خمسة كيلومتر مربع ، تملك الوجدان ولا تحكم .
هذه هي التجربة التي يريد لنا دعاة الدولة الدينية أن يفرضوا علينا سيرتها ناراً تحرق الأجساد  بتلك القسوة ، لنظل نراوح مكاننا ، نتراجع إلى الخلف و نستهلك الحضارة وأسبابها التي يصنعها الآخرون ، وأن نعيد التاريخ الدامي لحياة تفرّ من الواقع ، وترتد إلى قيم  الماضي !.

(3)

نبدأ الآن في تتبع سيرة " تجربة الحكم " عند صحابة رسول الله، وهم يجتهدون لبناء دولة ، ليست لها أمر من عقيدة ، يحاولون تطبيقها قبل أن يدفن رسول الله ، وذلك من خلال السرد الوارد في " تاريخ الطبري – تاريخ الأمم والملوك " لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري ( 224 – 310) هـ . راجعه وقدم له وأعد فهارسه " نواف الجراح " . ونستبق المتحفظين على كل ما أورده الطبري بما يسمونه تقيّةً " بالإسرائيليات " في نصوص الطبري ، لتقف دعوى تنهض  كي لا نفتح السيرة التاريخية الحقيقية للذين أصبحت محبتهم للرموز التاريخية من صحابة على درجة في تقديس الأفراد ، فنكشف السيرة التي تلبس سلوك الذين يمشون على الأرض ويتجولون في الأسواق مثل سائر الناس ، ويحبون السلطة ويدافعون عنها بالسيوف والرماح . لم تأخذهم مقولة النبي الأكرم : ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، فشاع القتل باسم السلطان وطاعته، وظلت نهجاً  إلى تاريخنا الحاضر  .

(4)

من تاريخ الطبري
من المجلد الثاني : ص 514 – 516 :
ذكر الخبر عما جرى بين المهاجرين والأنصار في أمر الإمارة في سقيفة بني ساعدة
*
حدثنا هشام بن محمد عن أبي مخنف قال : حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري أن النبي (صلعم ) لما قُبض اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة ، فقالوا : نولي هذا الأمر بعد محمد ( صلعم )  “سعد بن عبادة " وأخرجوا سعداً إليهم ، وهو مريض فلما اجتمعوا ، قال لأبنه ، أو بعض عمه : إني لا اٌقدر لشكواي أن أسمع القوم كلهم كلامي ، ولكن تلق مني قولي فأسمعموه ، فكان يتكلم ويحفظ الرجل قوله فيرفع صوته فيسمع أصحابه ، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه : يا معشر الأنصار ، لكم سابقة في الدين ، وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب. إن محمداً (صلعم ) لبث لبضعة عشرة سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأنداد ، والأوثان فما آمن به إلا رجال قليل و ما كانوا يقدرون أن يمنعوا رسول الله (صلعم) ولا أن يعزّوا دينه ، ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيماً عموا به حتى أراد بكم الفضيلة، ساق إليكم الكرامة ، وخصكم بالنعمة فرزقكم الله الإيمان به وبرسوله ، والمنع له ولأصحابه والإعزاز له ، ولدينه والجهاد لأعدائه فكنتم أشد الناس على عدوه منكم ، وأثقله على عدوه من غيركم حتى استقامت العرب لأمر الله طوعاً وكرهاً ، وأعطى البعيد المقادة صاغراً داخراً حتى أثخن الله عز وجل لرسوله بكم الأرض ودانت بأسيافكم العرب ، وتوفاه الله ، وهو عنكم راض وبكم غرير عين. استبدوا بهذا الأمر فإنه لكم دون الناس. فأجابوه بأجمعهم أن قد وفقت في الرأي وأصبت في القول ، ولن نعدوا ما رأيت ونوليك هذا الأمر ،فإنك فينا مقنع ولصالح المؤمنين رضا ، ثم أنهم ترادوا الكلام بينهم ، فقالوا : فإن أبت مهاجرة قريش فقالوا : نحن المهاجرون وصحابة رسول الله الأولون ، ونحن عشيرته ، وأولياؤه فعَلام تنازعونا هذا الأمر بعده ، فقال طائفة منهم : إنا نقول : إذاً منا أمير ومنكم أمير ، ولن نرضى بدون هذا الأمرأبدا ، فقال سعد بن عبادة حين سمعها : هذا أول الوهن !
*
أتي عمر الخبر فأقبل إلى منزل رسول الله ( صلعم ) فأرسل إلى أبي بكر ، وأبو بكر في الدار وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، دائب في جهاز رسول الله (صلعم) فأرسل إلى أبي بكر أن أخرج إليّ فأرسل إليه أني مشتغل فأرسل إليه أنه قد حدث أمر لا بد لك من حضوره ، فخرج إليه ، فقال : أما علمت أن الأنصار قد اجتمعت في "سقيفة بني ساعدة “يريدون أن يولوا هذا الأمر سعد بن عبادة وأحسنهم مقالة ، من يقول : منا أمير ومن قريش أمير ، فمضيا مسرعين نحوهم ، فلقيا أبا عبيدة بن الجراح ، فتماشوا إليهم ، ثلاثتهم ، فلقيهم عاصم بن عدي ، وعويم بن ساعدة فقالا لهم : ارجعوا ، فإنه لا يكون ما تريدون ، فقالوا لا نفعل ، فجاءوا وهم مجتمعون ، فقال عمر بن الخطاب : أتيناكم وقد زوّرت كلاماً أردت أن أقوم به فيهم ، فلما أن دفعت إليهم ذهبت لأبتدئ المنطق ، فقال لي أبو بكر : رويداً حتى أتكلم ، ثم انطق بعد بما أحببت فنطق فقال : عمر فما شيء كنت أردتُ أن أقوله إلا وقد أتى به أو زاد عليه .
*
فقال عبد الله بن عبد الرحمن : فبدأ أبو بكر فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : إن الله بعث محمداً رسولاً إلى خلقه وشهيداً على أمته ليعبدوا الله ، ويوحدوه ، وهم يعبدون من دونه آلهة شتى ويزعمون أنها لهم عنده شافعة ،ولهم نافعة ، وإنما هي من حجر منحوت وخشب منجور ، وثم قرأ :
{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }يونس18
وقالوا {... أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى }الزمر3
فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم ،فخص الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه والإيمان به والمواساة له والصبر معه على شدة أذى قومهم لهم ، وتكذيبهم إياهم ، وإجماع قومهم عليهم، فهم أول من عبد الله في الأرض وآمن بالله ورسوله وهم أولياؤه وعشيرته ، وأحق الناس بهذا الأمر من بعده ، ولا ينازعهم ذلك إلا ظالم ، وأنتم يا معشر الأنصار ، من لا ينكر فضلهم في الدين ولا سابقتهم العظيمة في الإسلام رضيكم الله أنصاراً لدينه ورسوله ، وجعل إليكم هجرته وفيكم جلة أزواجه وأصحابه ، فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا أحد بمنزلتكم فنحن الأمراء ، وأنتم الوزراء لا تفتانون بمشورة ، ولا نقضي دونكم الأمور ، قال : فقام الحباب بن المنذر بن الجموح فقال : يا معشر الأنصار ، أملكوا عليكم أمركم ، فإن الناس في فيئكم وظلكم ، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم ، ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم أنتم أهل العز، والثروة ، وأولو العدد والمنعة ، والتجربة وذوو البأس والنجدة ، وإنما ينظر الناس إلى ما تصنعون ، ولا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم ، وينتقص عليكم أمركم فإن أبى هؤلاء إلا ما سمعتم فمنا أمير ومنهم أمير .
*
فقال عمر : هيهات لا يجتمع اثنان في قرن ، والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم ، ولكن العرب لا تمنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم وولي أمرهم منهم ، ولنا بذلك على من أبى من العرب الحجة الظاهرة ، والسلطان المبين من ذا ينازعنا سلطان محمد ، وإمارته ، ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مُدلٍ بباطل أو متجانف لإثم ومتورط في هلكة !، فقام الحباب بن المنذر ، فقال : أملكوا على أيديكم ، ولا تسمعوا لمقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر فإن أبوا عليكم ما سألتموه فاجلوهم عن هذه البلاد ، وتولوا عليهم هذه الأمور فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم فإنه بأسيافكم دان لهذا الدين ممن لم يكن يدين، إنا جذيلها المحك ، وعذيقها المرجب ! أما والله لئن شئتم لنعيدنها جزعة ، فقال عمر : إذن يقتلك الله ! فقال أبوعبيدة : يا معشر الأنصار ، إنكم أول من نصر وآزر ، ولا تكونوا أول من بدّل وغير .
*
فقام بشير بن سعد أو النعمان بن بشير ، فقال : يا معشر الأنصار ، إنا والله لئن كنا أولي فضيلة في هاد المشركين ، وسابقة في هذا الدين ما أردنا به إلا رضا ربنا وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا ،فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك ، ولا نبتغي به من الدنيا عرضاً فإن الله ولي المنة علينا بذلك ألا إن محمداً من قريش وقومه أحق به وأولى وأيم الله لا يراني الله أنازعكم هذا الأمر أبداً ، فاتقوا الله ، ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم فقال أبوبكر : هذا عمر وهذا أبوعبيدة فأيهما شئتم فبايعوا ، فقالا : لا والله ، لا نتولى هذا الأمر عليك ، فإنك أفضل المهاجرين و {.. ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ..}التوبة40 ،وخليفة رسول الله على الصلاة، والصلاة أفضل دين المسلمين فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك أو يتولى هذا الأمر عليك،ابسط يدك نبايعك ، فلما ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه فناداه الحباب بن المنذر :يا بشير بن سعد عقتك عقاق ما أحوجك إلى ما صنعت، أنفست على ابن عمك الإمارة ؟ فقال : لا والله ، ولكني كرهت أن أنازع قوماً حقاً جعله الله لهم . ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد ، وما تدعو إليه قريش ، وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة ، فقال بعضهم لبعض ، وفيهم أسيد بن حضير ، وكان أحد النقباء : والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة ، ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيباً أبداً فقوموا فبايعوا أبا بكر فقاموا إليه فبايعوه فانكسر على سعد بن عبادة ، وعلى الخزرج ما كانوا أجمعوا له من أمرهم .
قال هشام : قال أبو مخنف : فحدثني أبوبكر بن محمد الخزاعي أن أسلم أقبلت بجماعتها حتى تضايق بهم السكك فبايعوا أبا بكر فكان عمر يقول : ما هو إلا أن رأيت مسلم ، فأيقنت بالنصر ، قال هشام : عن أبي مخنف قال عبد الله بن عبد الرحمن : فاقبل الناس من كل جانب يبايعون أبا بكر . وكادوا يطئون سعد بن عبادة، فقال ناس من أصحاب سعد : اتقوا سعداً لا تطئوه ، فقال عمر : اقتله قتله الله ، ثم قام على رأسه ، فقال : هممت أن أطأك حتى تندر عضدك، فأخذ سعد بلحية عمر ، فقال : والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة ، فقال أبو بكر " مهلاً يا عمر ، الرفق ها هنا أبلغ فأعرض عنه عمر، وقال سعد : أما والله لو أن بي قوة ما أقوى على النهوض لسمعت مني في أقطارها وسككها زئيراً يجحرك وأصحابك . أما والله إذا لألحقنك بقوم كنت فيهم تابعاً غير متبوع ! ،احملوني من هذا المكان فحملوه فأدخلوه في داره وتُرك أياما ثم بعث إليه أن أقبل فبايع فقد بايع الناس ، وبايع قومك ، فقال : أما والله حتى أرميكم من نبلي وأخضب سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي وأقاتلكم بأهل بيتي ، ومن أطاعني من قومي فلا أفعل وأيّم والله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي...

(5)

هذا أول نزاع الصحابة على السلطة ، وجاء مقتل الصحابي عثمان بن عفان أثناء خلافته  ، ثم معركة الجمل بين جيش الصحابي علي إن أبي طالب وجيش أم المؤمنين عائشة ، وقُتل في تلك المعركة الصحابيان المبشران بالجنّة : " طلحة " و " الزبير " .ثم جاءت معركة صفين بين معاوية بن أبي سفيان وعلي ابن أبي طالب " معركة بين كُتاب الوحي " ، ثم مقتل " عبد الله بن الزبير " وتعليق جثمانه أمام الكعبة المشرفة ، ثم معركة كربلاء ... ،كلها عبر لمن يعتبر. نزاع على السلطة ، وكل يرفع راية العقيدة !!

(6)

آن للدروب الضبابية أن تفارق الذين يؤمنون بالحريات وبالقيم الإنسانية النبيلة .
عندما صيغت مواد حقوق الإنسان  وتم تضمينها في دستور 2005  السوداني :
(1) تكون وثيقة الحقوق عهداً بين كافة أهل السودان، وبينهم وبين حكوماتهم على كل مستوى، والتزاماً من جانبهم بأن يحترموا حقوق الإنسان والحريات الأساسية المضمنة في هذا الدستور وأن يعملوا على ترقيتها؛ وتعتبر حجر الأساس للعدالة الاجتماعية والمساواة والديمقراطية في السودان.
(2) تحمى الدولة هذه الوثيقة وتعززها وتضمنها وتنفذها.
(3) تعتبر كل الحقوق والحريات المضمنة في الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والمصادق عليها من قبل جمهورية السودان جزءً لا يتجزأ من هذه الوثيقة.
(4) تنظم التشريعات الحقوق والحريات المضمنة فى هذه الوثيقة ولا تصادرها أو تنتقص منها.
،لم يكن النص خبط عشواء ، بل حقيقة صعدت إليها الإنسانية من بعد معارك واقتتال  دام مئات السنين ، وذاقت البشرية مرّ الحنظل كي تنهض تلك الرسالة الإنسانية وترفرف عالياً . إذ تقول المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان :
المادة 2.
{ لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلا عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلا أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود.}  

(7)

جئنا بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، كي يكون فاصلاً، يحسم الخلاف ، فليس هناك  ارتداد عنه تحت أي مبرر ، فكثير من الذين يتحدثون عن الخصوصية الثقافية ، أو خصوصية المعتقد، يرغبون الإفلات  من تناول الحقوق والأحكام  التي تتحكم في  أصحاب ديانة من الديانات  أو عادة من العادات أو ثقافة من الثقافات التي تبيح انتهاكات حقوق الإنسان ، بدعوى أنها أصل من أصول الثقافة أو الدين والخصوصية  ، وتميُّز الهوية ، فيختلط  الأمر  بين ( الهوية ) و( الحقوق  الواجب توفرها للبشر ) .

(8)

آن أوان الصبر على المكاره ، وأن يعتزل الصفوة عدنا  ، هذا الضباب السلطوي الكثيف باسم الدين. وأن ينفض التحالف بين الوطنيين وبين دعاة الدولة الدينية وأن يفارق الوطنيون الذين يتخذون من العقيدة مطيّة ، ويصنعون من النصوص الدينية  بسماحتها آلة قهر قانوني ، ويلبسونها رداء القوانين ، من إجراءات ونصوص وضبط ، وصياغة أحكام، يتحدثون فيها باسم الرب، يتسلطون على المرأة  وعلى رقاب الناس باسم طاعة  ولاة الأمر، ويدّعون أنها النصوص المقدسة وهم الممسكون بمفاتيح تأويلها !! .
لقد تآلف كل الذين يسعون للسلطان  وهم يركبون  ظهر العقيدة ، يتحكمون في الشفرة الثقافية ، ليطالوا رقاب البسطاء ، ليخضعوهم بأن سلطتهم نابعة من أهداف الطائفة ، ختمية كانت أم مهدوية ، أو غيرها من طوائف الإسلام الذي يهدف السلطة من تنظيم الإخوان المسلمين عبر أصنافهم  المتعددة ، بمسمياتهم كلها ،التي تدّعي كل واحدة منها  أنها الفئة الناجية . تراوح مكاناً بين التكفير في أعلاه ، والضيق بالحريات في أدناه . آن الأوان لتطليق التحالف بين الذين يتخذون الدين مطية للسلطة  وبين غيرهم . لقد آن للوطنيين والذين على أكتافهم النهضة المأمولة أن يفارقوا درب التنظيمات الإسلامية وأحزاب الطوائف ، وأن يدخروا جهدهم لرفع الوعي وبناء حياة إنسانية معافاة ، تتخذ من الشباب نصيراً ، وأن تهزم كل التحالفات التي وأدت الديمقراطية ، التي لا يحسن أصحاب الطوائف إدارتها ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه . إن الدرب طويل وشاق ، ولكن فرز الذين يريدون أن يجرّوا المجتمع إلى الخلف أوجب :

صدق الشاعر الخليل  حين قال :

يا بلادي كم فيك حاذق  
غير إلهك ما أم رازق

عبد الله الشقليني
26 يوليو 2014





abdallashiglini@hotmail.com
//////////

 

آراء