عقبات التحول الديموقراطي في السودان

 


 

 

adamtairab@yahoo.co.uk

إستطاع الشعب السوداني بقوته وعزيمته وثورته العظيمة التي هبت في ديسمبر ٢٠١٩ أن يزيح أسوأ أنواع الأنظمة السلطوية عن حكم البلاد . إستطاع هذا الشعب أن يقتلع نظام الإنقاذ الإسلاموي الذي أعاق مسيرة التداول الشرعي للسلطة في السودان لأكثر من ثلاث عقود من الزمان ( ١٩٨٩–٢٠١٩ ) و التي من خلالها سَخر كل إمكانات البلاد المادية و دَجن قدر كبير من قطاعات المجتمع لتمويل و تعزيز و خدمة سياساته المُصممة لفصل عقول المجتمع عن بذور الوعي الذي يدعم عملية التحول الديموقراطي والحكم الرشيد في السودان ، الذي يستوعب كل قطاعات المجتمع . و عطل عمليات التداول السلمي للسلطة عبر الوسائل الديمقراطية و حَجم من دوائر المشاركة في إتخاذ القرارات المعنية بحكم البلاد وإستقرارها

بالرغم من أن الشعب السوداني إستطاع أن ينجز ثورتة العظيمة بكل شجاعة و أن يرسم ملامح سلطته الإنتقالية بكل جدارة و يُخلف من وراءه تجربة ثورية فريدة من نوعها آذهلت كل العالم من حيث الوسائل والتكتيكات الثورية التي أستخدمها الثوار لمجابهة نظام الإنقاذ القمعي ، إلا إن مسار هذه الثورة العظيمة في السوادان ما زال محفوفاً بالمخاطر و العقبات التي يمكن تلخيصها في الاتي

١-تحديات حماية مكتسبات الثورة

حماية هذة الثورة ومكتسباتها من الانقلابات العسكرية ، وتأمين طُرق الإنتقال نحو مرحلة التداول السلمي للسلطة يفرض حتمية الإعتمادات علي القوة التي لا نَفاد لها الا وهي قوة الظهور علي الشوارع . نعم أن الشعب السوداني وحده هو القادر علي تأمين مسار التحولات التي يُريدها و حماية إنجازاته الثورية و من ثم التأسيس لعملية التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الإقتراع . أثبتت كل التجارب الثورية التي خاضتها شعوب العالم التي إستطاعت أن تحرر أنفسها من قَبضات الأنظمة الدكتاتورية ، بأنّ الخروج إلي الشوارع هو السبيل الوحيد وصمام الأمان لرصف الطريق أمام عمليات التحول الديمقراطي ، وأن منطق الحكمة في السياسة وإستخدام صوت العقل (و علي أهميتها ) في كثيراً من الأحيان تعتبر وسائل غير مناسبة للتعامل مع طُفيلية الأنظمة الشمولية ، ما دام هم دائمًا يفتقدون و في حاجة الي الجوانب الأخلاقية التي يمكن أن تؤهلهم إلي درجة الإيمان والإلتزام بالمواثيق او العهود . لذا فإن الشوارع هي الملاذ الأول والأخير لحماية مكتسبات الثورة في السودان

٢-تحديات إدارة السلام المجتمعي

الصعوبات التي تواجهها الحكومة الإنتقالية الأن في إدارة ملفات السلام المجتمعي ولاسيما في تلك المناطق التي تأثرت بالحرب، تعتبر من أكبر العقبات التي تواجه عملية التحول الديمقراطي في السودان . ومن الأخطاء التي و ما زالت تتكرر هو بناء الحلول لمعالجة تلك الصراعات علي الإفتراضات الناقصة التي ترتكز فقط علي الإعتماد علي الحلول العسكرية ( قوات السلام او القوات المشتركة) دون الإلتفات إلي أهمية و مخاطبة الأسباب الجذرية لتلك الصراعات المجتمعية والتي تتمثل في الغياب الدائم لمشروعات التنمية وعدم العدالة في توزيع الموارد فيما بين قطاعات المجتمع . فعلي سبيل المثال لا الحصر ، نجد أن القوات المعنية بإنزال بنود الترتيبات الأمنية في دارفور لايمكنها بإي حال النجاح-في أداء واجبها ، اذا ما كان من المعطيات أن تعمل هذه القوات في نفس البيئة التي قامت عليها الحروب من دون وجود إشارة واحدة تدل علي مخاطبة تلك الأسباب التي قادت إلي تلك الحروب . فنجاح هذه القوات يتطلب أن يسير عملها جنبًا الي جنب مع تنفيذ بعض المشروعات التنموية في الإقليم ، او علي الأقل أن تصاحبها بعض مشروعات البنية التحتية مثل بناء الطرق والمدارس او توفير المصحات و محطات مياه الشرب

٣-صعوبة إعادة ترميم وبناء عقيدة القوات النظامية

جراء سياسات النظام البائد خضعت القوات النظامية لعمليات تخريب هيكلية وعقدية ، شلت من توازنها وحرفتها عن القيام بدورها و مسؤولياتها كقوات مناط بها حماية الدولة أرضًا و شعبًا ومؤسسات و أبعدتها عن عقيدتها الدستورية التي تنص علي حماية الشعب والوطن ، ولقنتها عقائد معنية بحماية الأفراد و الحزب الواحد . القوات النظامية في حاجة إلي إعادة تربيتها وطنياً وهيكلتها إدارياً حتي تقوم بواجباتها الدستورية بكفاءة و فعالية . كما أن هناك حاجة إلي إجراء موازنة لطيفة ما بين قوات الشرطة والجيش مع مراعاة أهمية زيادة قوات و نقاط الشرطة بصورة عامة ليمتد تواجدها في القري والبوادي بدلاً من الإنحسار فقط في العواصم و المدن . و من أجل إحداث التوازن و الشمول في بنية المؤسسات العسكرية حتي تعكس واجهاتها القومية فلابد من مراجعة الطرق والمعايير القديمة التي تتم بها عملية إختيار الضباط في الكليات التي تُخّرج القادة والضباط مثل الكلية الحربية و تلك الكليات التي تُخّرج ضباط الشرطة والأمن ، مع وضع طُرق ومَعايير جديدة وشاملة و قادرة علي توزيع الفرص بشكل مُنصف ما بين أقاليم السودان و حتي تُتاح فرص التمثيل و المشاركة لكل قطاعات المجتمع علي المستوى القيادي لهذه الموسسات العسكرية والأمنية

٤-الحاجة إلي بناء إجماع وطني لدعم مسار الثورة

بالرغم من أن ثورة ديسمبر تركت من خلفها قدر كبير من الوعي الذي يمكن أن يعزز من أهمية الشرعية الثورية الشعبية وضرورة التحول الديمقراطي ، بخلق أغلبية فاعلة من الشباب جندوا أنفسهم لمقامة محاولات العودة إلي دوائر الحكم الشمولي ، إلا أن هناك قطاعات كبيرة من المجتمع ما زالت تؤمن نسبيًا بمبادئ الحكم السلطوي و هي الأن تدافع عن السلطة الساقطة بهمس من وراء الستائر بإستخدام وسائل شتى من بينها كروت المبررات الدينية و محاولة الحكم علي السلطة الإنتقالية بالفشل في ملفات إدارة الإقتصاد والامور التي تتعلق بمعاش الشعب . معظم هذه القطاعات من الفئات العمرية التي تجاوزت مرحلة الشباب و رجالات الإدارة الأهلية و جزء من موظفي الخدمة المدنية الذين كانت لديهم مصالح ومنافع شخصية تربطهم بالنظام البائد

فهناك حاجة الي قدر كبير من الإستثمار في حملات التوعية وبرامج التدريب وهي التي يمكن أن تساهم في تخليص هذه الفئات او تحرر عقولهم من شوائب الشمولية التي ورثوها من نظام حكم الجبهة الإسلامية . هذة الإصلاحات في بنية تفكير المجتمع تعتبر ضرورية و هي في غاية الأهمية لبلورة الإجماع الوطني وتوحيد صفوف المجتمع لمساندة وتأمين مشروع الإنتقال الديمقراطي

٥-الحاجة إلي إسناد دولي و إقليمي

كذلك من العقبات التي تواجة عملية حماية مكتسبات ثورة ديسمبر العظيمة وتأمين مسار مشروع الإنتقال الديمقراطي ، هو الارتباك في إدارة ملفات العلاقات الخارجية ، السودان في حاجة إلي إعادة ترميم علاقاته الدولية والإقليمية و من ثم إعادة تشكيلها بالصورة التي تضمن بُناء إجماع دولي واقليمي لمساندة و تثبيت جذور السلطة الانتقالية المدنية في البلاد ، بالإضافة إلي خِدمة و حماية المصالح الإقتصادية لهذا الشعب العظيم . وهو الأمر الذي يتطلب تجاوز النمط التقليدي في صناعة العلاقات الدولية او حصرها في محاور بدائية مبنية علي أُسس الهوية العرقية و اللغة او الدين . نعم أن السودان في جاجة إلي نسج شبكات جديدة وقوية من العلاقات الدولية والإقليمية ليُعزز من مكانته عالميًا وإقليميًا كدولة لها إلتزام صريح و مُستدام تجاه التعاضد والتعاون الدولي والتكامل الإقليمي الذي توصي به كل المنظومات الدولية والإقليمية لخدمة مسار مشروعات النمو الإقتصادي والإنتقال إلي ممارسة الديمقراطية المستدامة والحكم الراشد

هذه العقبات قد تتداخل مع بعضها البعض لتزيد من الأمر تعقيدًا امام مسار عملية التحول الديمقراطي ، و بكل اسف الأن تستخدمها العناصر المؤيدة والمناصرة للنظام البائد كآليات و متاريس (كما هو الحال في شرق السودان وظاهرة الإعتصام امام القصر ) لعرقلة وإفساد حركة التحول الديمقراطي التي فرضتها ثورة ديسمبر

////////////////////////

 

آراء