على مصر ان تختار

 


 

 


بسم الله الرحمن الرحيم
حاطب ليل 

ان نسيت في هذة الدنيا لن انسى ذلك المقال الذي كتبه ملك الصحافة العربية الراحل احمد بهاء الدين عن السودان في النصف الثاني من ثمانينات القرن المنصرم يوم ان كان الجدل على اشده في الساحة السياسية السودانية حول الشريعة الاسلامية  فقبل النميري كان الجدل حول الدستور الاسلامي ولكن النميري –غفر الله له - بخراقته  حوله الي الشريعة والفرق بين الاثنين جد كبير فالحديث عن الدستور يمكن الاتفاق حوله لانه عباره عن مبادئ فضفاضة ولكن الشريعة قانون معد للنفاذ على العموم هذة قضية اخرى سرحنا فيها مع انها ليست موضوعنا اليوم
الراحل المقيم احمد بهاء الدين كتب على اهل السودان ان يختاروا بين شريعة في الشمال او اسلام في كل السودان –عليكم الله تمعنوا في دقة الصياغة دي – هذة العبارة يمكن ان يقام عليها متنا في مجلدات , لقد كان واضحا يومها ان الاستقطاب بين دعاة الدولة الدينية والعلمانية كان حادا وانه بعد ابتزاز  الاسلاميين للاحزاب التقليدية اصبح الجنوب هو راس الرمح لمقاومة الدولة الدينية وكان واضحا انه في حالة السكوت عن الدولة الدينية والاهتمام بالتنمية ورتق النسيج الوطني ان الجنوب سوف يصبح جزءا من الثقافة السوداناوية وان طال الزمن بينما الاصرار على اقامة الدولة الدينية سوف يؤدي الي ان يتخذ الجنوب موقفا مضادا  لحماية نفسه بالفدرالية او الكونفدرالية او حتى الانفصال وقد كان
تاسيسا على ما قاله بهاء الدين فيمكننا ان نقول لمصر  اليوم عليكي ان تختاري بين حلايب او كل السودان فقصة حلايب بين البلدين تاريخها معروف للكل من بداية القرن السابق والانجليز وعبد الله خليل وناصر وارتداء البشير للصديري الي مقابلة السيسي لزعماء عشائر حلايب والواضح الان ان السودان يتحاشى الدخول في مواجهة مع مصر من اجل حلايب ولكنه في نفس الوقت لم ولن يعلن تنازله عنها  و رغم ان مصر وضعتها يدها عليها فالاعلام المصري يتباهى بالاجراءات الاستفزازية التي تتخذ في حلايب , ثم تاتي حكاية الاسلام السياسي لتزيد الطين بلة علما بان حكومة السودان اعلنتها مرارا انها لن تتدخل في الخيارات المصرية واحسب ان مصر السيسي لها نفس الموقف
الامر المتفق عليه رسميا وشعبيا ان المصالح الحيوية التي تجمع بين البلدين كبيرة  وان البلدين اذا ركزا على ما يجمع بينهما سوف تتقلص تدريجيا مساحة الخلاف بينهما فدوما الاجندة الايجابية اذا احسن تكييفها  سوف تزحف على السلبية ولكن اذا اصر الاعلام المصري على تقديم حلايب التي هي الان بين يدى مصر فان هذا سيوقف بل سيؤدي بتلك الاجندة الايجابية وسوف تتلملم  الاجندة السلبية من اسلام سياسي وسد النهضة والذي منه
نقول الاعلام المصري لان الاعلام في مصر بعد ثورة يناير ثم بصورة اوضح بعد ثورة يونيو اصبح هو المتحكم في السياسة المصرية وبعض كبار الاعلاميين اصبحوا يشكلون الواقع المصري بصورة تفوق ما كان يفعله مرسي وعدلي منصور فالاعلام في مصر اضحى صانعا للحدث وليس تابعا له وهذة قصة اخرى .  الان بعد انتخاب المشير عبد الفتاح  السيسي سيكون هناك فراغا قد تم ملاه ويصبح المؤمل ان ترجع لمؤسسة الرئاسة هيبتها وساعتها سوف تختار مصر بين حلايب او كل السودان  وللحديث بقية ان شاء الله
(ب )
حلايب .. بقية حديث
قلنا بالامس ان حلايب المتداولة بين البلدين هي الان التي لها قابلية لتقطيع حبال الوصل بين البلدين وهذا لايرجع  للاستيلاء المصري عليها فحسب  بل لان الاعلام المصري وبالصفة التي ذكرناها عنه امس  ينفخ في نيرانها  فحلايب الان بين يدى مصر كما كانت بالامس بين يدى السودان فالسودان لايمكن ان يعلن استغناه عنها مهما كان شكل  الحكومة  التي تحكمه ومصر بالمقابل هي الاخرى لن تتنازل عنها حتى ولو عاد جمال عبد الناصر ليحكمها من جديد فحلايب قد تبلورت في شكل ماذق حقيقي ولكن مع ذلك قلنا انه يمكن التعاطي معها ويمكن جدا تهدئة اللعب فيها ويمكن جدا ابعاد جالون البنزين عن عود ثقابها واذا امعنا في التفاؤل فاننا نقول يمكن  التفاهم حولها كل ذلك يبدا وينتهي بالعمل في الاجندة الايجابية التي تخدم مصالح البلدين
في السودان معارضة مسلحة وفي مصر معارضة دامية ولاشك ان المعارضتين سوف يسعدان باى توتر في العلاقة بين النظامين هذا اذا لم نقل انهما سوف يسعيان لذلك ولكن المؤكد ان قدرتهما محدودة في ذلك الامر اللهم الا اذا تطوع اي من النظامين وقرر الرهان على معارضة البلد الاخر وهذا امر غير وارد في المستقبل القريب . الوضع الاقليمي بدات فيه ملامح تمحور جديد ولكنه لم يتشكل بعد فمن غير المستبعد ان تعمل  قوة اقليمية معينة تسعى لتكريس هيمنتها لاستعداء اي من الدولتين على  الاخرى ولكن يبقى الرهان على ان  البلدين لهما من الارث السياسي والحضاري ما يمنعهما من خوض حرب وكالة حارة كانت ام باردة او مابين هذة وتلك . القوى الدولية دون شك قد يكون لها دور في تاجيج الحالة بين مصر والسودان ولكن حالة السيولة الدولية مقابل حالة السيولة الاقليمية تعطي البلدين فرصة لممارسة السياسة من منطلقات ذاتية
الاسلام السياسي او علاقة الدين بالدولة يبدو للناظر من الخارج انها يمكن ان تكون مصدر عكننة للعلاقة بين البلدين ولكن الذي يجري في البلدين في هذا الشان قد يوفر فرصة للقول بغير ذلك فمصر سعت وتسعى للتخلص من الاسلام السياسي  داخلها بالتي هي اخشن اما في السودان فهناك مراجعة فعلية تتم الان مهما انكر القائمين على الحكومة ذلك  فمصطلح الدولة المدنية قد تحكر في  اذهان الصفوة الاسلامية  السودانية

ودستور ابو الاعلى المودودي لااحد يذكره ناهيك عن سيد قطب واخرين ثم ثانيا تجربة العلاقة بين البلدين في الربع قرن المنصرم اثبتت ان اختلاف التوجه بين الانظمة في البلدين يمكن ان تكون ليست بذات اثر ولكن المشكلة في الافراد المسيطرين في البلدين سياسيين كانوا ام اعلاميين بدوافع ذاتية او دفعيات خارجية
اما المصالح المشتركة بين البلدين لاا ظننا في حاجة لذكرها  لابل حتى المخاطر المشتركة لاتحتاج لكثير جهد لابرازها فالمهددات التي تحيط بالبلدين لاحصر لها وهناك من يحاول استعداء اي منهما على الاخرى لكي يسهل الانقضاض على ذات التي يستعديها لكل هذا قلنا على مصر ان تختار بين حلايب او كل السودان هذا فيما يتعلق باللحظة الماثلة فمن يدري ربما ياتي يوما  يقال فيه ان على السودان ان يختار بين حلايب او مصر كلها فهذة الدنيا دوارة فلتجنب هذة وتلك على اهل الدراية في البلدين ان يرسموا خارطة طريق لعلاقة سوية وطبيعية  بين البلدين هذا اذا كان في البلدين من يحفل باهل الدراية
(ج )
ابرار وكرار  
الدكتور كرار التهامي بالاضافة لتخصصه العلمي – صيدلة -  فهو اديب كبير واعلامي بالممارسة والدراسة وموسوعي الثقافة  لذلك عندما يكتب مقالا صحفيا يستلزم منا قراءاته بكل ما نملك من  بصر وبصيرة ونحمد له  ان بدا هذة الايام يتحفنا بمقالات قيمة في الراى العام  حيث ذكر في احداها انه بالتزامن مع قضية ابرار الزين وان  شئت قل مريم يحيى قد حدث ان خرجت احدى الاردنيات من الديانة المسيحية واعتنقت الاسلام وتزوجت مسلما وحبلت منه فما كان من اسرتها الا ان قتلتلها اشد واشر قتلة ومزقت احشائها ولكن الاعلامي العالمي سكت  عن هذة الحادثة ولم تسر بها القنوات والاسافير كما حدث مع ابرار/ مريم نحن نتفق مع كرار في ان الاعلام العالمي وان شئت قل الجهات المسيطرة على الضخ و(الرش)  الاعلامي عالميا  جهات مطففة ولكنه حكم القوي على الضعيف وهذة سنة بشرية 
الفرق يادكتور كرار بين الاردنية والسودانية اللتين غيرتا دينيهما هو ان الدولة في حالة الاردنية لم تتدخل في قضية تغيير الدين ولو تدخلت سيكون تدخلها في القضية الجنائية التي ارتكبتها الاسرة اما في السودان فالامر اصبح امر دولة لان قانون الدولة به مادة تجرم الخروج عن الدين الاسلامي فاصبح الفرق بين القضيتين كبير جدا فالاولى قضية جنائية مع فظاعتها يحدث في الغرب ماهو افظع منها بكثير بينما في السودان اصبحت الدولة طرفا  و خصما في القضية وهذا ما يثير استغراب الغرب وما يجعل القضية جاذبة للاعلام وسوف نخطئ اذا اعتبرنا ان الاعلام الذي حظيت به قضية ابرار/ مريم كله استهداف ومؤامرة فالقضية تحمل في جيناتها ما يجذب الاعلام الغربي لانها صادمة للثقافة الغربية
سنكون مبالغين اذا قلنا ان قضية ابرار / مريم جاذبة للاعلام العالمي لانها صادمة للثقافة الغربية وحدها فحتى في العالم الاسلامي ولابل تحديدا نحن في السودان القضية بالنسبة لنا جاذبة اعلاميا ليس لاننا اصبح فينا نصيبا من ثقافة الغرب وحقوق الانسان والذي منه بل لان مثل هذة القضايا نادرة وليست متواترة الحدوث واظن ان وجود مادة الردة في صلب القانون الجنائي السوداني كان مفاجاة للكثيرين  واذهب الي اكثر من ذلك واقول ان الراى العام السوداني لايريد اعداما –رجما- لابرار ليس لانه ضد الحدود الشرعية بل لان الفقه الاسلامي القديم والمعاصر فيه خلاف حول حد الردة وهنا يمكن ان نتكفي بقول مولانا جلال الدين المراد الذي انتدبه مجمع الفقه الاسلامي لاستتابة ابرار فقد عبر عن استيائه على الطريقة التي فرضت عليه للتفاهم معها وقال ان هذا كان ينبغي ان يكون في جلسات مطولة بعيدا عن قاعة المحكمة ثم وصل شيخ جلال الي خلاصة مفادها ان ابرار اما مقهورة ام مسحورة وفي تقديري ان الشيخ هنا ابرز الشبهات التي تبطل الحد
مع كل الذي تقدم لابد من ان نحمد لاسرة ابرار السلوك الانساني  الذي برز منهم تجاه بنتهم  ولم يفعلوا ما فعلته الاسرة الاردنية فهذة الاسرة السودانية لم تلجا للدولة لكي ترجم لهم ابنتهم بل لتساعدهم في ارجاع بنتهم الي حضن الاسرة وقد اعلنوا على رؤس الاشهاد قبولهم لها  اذا رجعت لحضنهم  وتزويجها من ابن عمها وهذا الذي كان ينبغي ان يعكسه اعلامنا السوداني وبالمناسبة في الحتة دي في مفارقة بين الدولة والمجتمع في السودان وانا مابفسر وانت ما تقصر 
(د)
السودنة ثم السودنة 
محاكمة ابرار /مريم فهمها العالم على اساس انها انتهاك للحريات الدينية واعتقال الصادق المهدي لمدة شهر  فهمه العالم على اساس انه انتهاك للحريات السياسية  منع الصحف من الصدور او مصادرتها او منعها من تناول بعض الموضوعات وايقاف واستدعاء الصحفيين انتهاك لحرية التعبير  (يا عالم شلتو حالنا وخليتونا منظرة ومسخرة قدام العالمين)  لعل هذا هو لسان حال الكثيرين من اهل السودان المنفتحين على العالم او على الاقل حال اعلامنا و اقل من الاقل بعض المنتمين للحكومة . لقد بدا لي من هذة الحيثية اننا محتاجين لاعادة النظر في كثير من فهمنا لقضايانا
يبدو لي انه لابد لنا سودنة قضايانا بمعنى ان لاتكون نظرتنا للامور بمنظار العالم لها ثم تتملكنا فوبيا مايقوله العالم عنا  الدعوة هنا الي انه ينبغي  ان ننظر للامور بمنظارنا الذاتي اولا بغض النظر عن توافقنا اوعدمه مع هذا العالم فمثلا قضية ابرار / مريم فكما ذكرت قبل يومين هنا  ان الراى العام السوداني المسلم يتمنى ان لاتطبق عليها  عقوبة الرجم  مع الايقان ان المحكمة الموقرة قد حكمت عليها بموجب القانون الساري .  فقد يسالني سائل كيف عرفت اتجاه الراى العام ؟ هل هناك جهة قامت باستطلاع راى عام حول قضية ابرار/ مريم  ؟ الاجابة انه ليست هناك جهة قامت باستطلاع الراى العام ولكن كم يقول الاثر السنة الخلق اقلام الحق فكل الكتابات الصحفية التي كتبت في الصحافة السودانية وعلى كثرتها لم اقف على مقال واحد يطالب برجم ابرار /مريم للمتدينين منطقهم ولغير المتدينين منطقهم ولكن كلهم التقوا على ان رجم ابرار ليس مطلبا شعبيا  باي حال من الاحوال
خد عندك اعتقال الصادق المهدي كان يمكن تفاديه بعدة تدابير قانونية او سياسية ودون اي مساس بحرية القضاء او تعريض امن لبلاد للخطر هذا اذا ارادت الحكومة عدم التضحية بالحوار الذي دعت اليه ويمكنني هنا ايضا ان ازعم ان الراى العام لم يكن واقفا  في صف اعتقال الصادق المهدي فكل الكتابات التي وقفت عليها قبل منع النيابة للصحافة من تناول هذة لقضية كانت تدعو النائب العام لاستخدام صلاحياته الممنوحة له بموجب المادة 58 من قانون الاجراءات الجنائية وبعضها يدعو رئيس الجمهورية للتدخل لانهاء الاعتقال وبعضهم يطلب من النيابة عدم تجديد امر الحبس  وكل هذة يتيحه القانون ثم جاءات الوساطة الشعبية التي اثمرت جهودها في اطلاق سراحه لتثبت ما ذهبنا اليه 
كذلك التضييق على الصحافة باى من السبل المذكورة اعلاه ومنعها من تناول بعض المواضيع  لايجد تعاطفا من الراى العام السوداني  وقد تم نصح الحكومة مرارا وتكرارا انه مع السموات المفتوحة الاسافير الحائمة لاجدوى من منع النشر لابل التضييق على الصحافة المكتوبة يجعل الناس يفزعون للاعلام البديل والمتاح وبهذا حتى الصحف التي ابقت عليها الحكومة سوف يهجرها الناس وكذا الاعلام الالكتروني من تلفاز وراديو التابع للدولة سوف يهجره الناس نتيجة سيطرة الحكومة عليه وسيكون ضارا بالوطن اذا اصبح اعلامه مهجورا ولجا الناس للوسائط الخارجية متلقيين ومنتجين
خلاصة قولنا هنا ان المسالة ليست ما يريده العالم بل مانريده نحن السودانيين فاذا تطابقت رؤية العالم معنا وهذا امر طبيعي لاننا جزءا منه فاليكن ذلك ونحن لسنا غواه مخالفته بسبب و بدون سبب ولكن ان ننظر لقضايانا بمنظار العالم ففي هذا تغريب لقضايانا فالادعى ان ننظر لقضايانا باعيننا قبل عيون الاخرين
(ه)
وعن النيابة يتواصل الحكي
أخي / عبد اللطيف البوني
ولقد سعدت بحق لتطرقك لموضوع مهني مهم  وهو اجراءات ماقبل المثول  امام القاضي تناولته وكأنك من قبيلة القانونيين فلله درك
ودون الدخول في تعقيدات قانونية نقول أن ذلك النظام كان يتلخص في الآتي:
1/ أن تتولى الشرطة التحريات في مرحلة ما قبل المحاكمة تحت الرقابة القضائية وقد تحققت كثير من النجاحات لأن التحريات كما قلنا سابقاً ونقول الآن أنها مهارات ومعارف إكتسبتها الشرطة بحكم المهنة فهي ليست عملاً قانونياً بحتاً يدرس في الجامعات فجمع المعلومات مثلاً متوفر للشرطة بحكم انتشارها وبحكم التصاقها وتفاعلها مع الجمهور وميدانية أدائها.
ثم إنك لا يمكن أن تفصل مهمة منع الجريمة الموكول أمرها للشرطة دون منازع لا يمكن أن تفصلها عن مهمة اكتشاف الجريمة (التحري)، وللشرطة أدواتها المعروفة من الدوريات والمراقبات وأعمال التسجيل الجنائي وقس على ذلك مهام أخرى متوفرة للشرطة دون غيرها، لكل ذلك فإن النظام الذي كان سائداً حتى سبعينيات القرن الماضي والذي كان يتيح للشرطة التحري تحت الرقابة القضائية اللصيقة أثبت أنه الأفضل، فقد كان قاضي الجنايات (Police Magistrate) يتابع الدعوى الجنائية منذ تقديم العرائض وفتح البلاغات، فقد كان متاحاً لكل متضرر أن يتم قبول بلاغه بعد أداء اليمين واقتناع القاضي ضد كائناً من كان، ولا أعتقد أن ذلك متاحاً الآن بنفس الصورة، كما يشرف قاضي الجنايات على التحريات وكان قانون الإجراءات الجنائية يقيد فترة التحريات ويحدد موعد إبقاء المتهمين بحراسة الشرطة بل أنه يلزم أن ترفع أي حالات قبض للقاضي خلال أربعاً وعشرين ساعة.
وكان القضاة يهتمون جداً بحماية حقوق المتهمين كما أوردها القانون المستمد من فقه القانون العام الذي يحرص على ذلك إعمالاً بمبدأ (Habeas Corpus) (أحضر الشخص) ولا أقول أن ذلك غير متاح الآن ولكن كان ذلك إلتزام قانوني لجهة ليست جزءاً من الجهاز التنفيذي.
ولأن مرحلة ما قبل المحاكمة مرحلة مهمة فقد كانت مسئوليتها تقع بالكامل على الشرطة تحت الرقابة القضائية ولذلك كانت كل أقسام الشرطة تبذل قصارى جهدها وكان معظم الضباط يتولون التحري في تنافس شريف بينهم وكانت رئاسة الشرطة تصدر منشورات تحديد فيها وتلزم الضباط بالتحري حسب جسامة البلاغات، وقد تغير الأمر الآن إذ نأى الضباط عن ذلك لأنه لم يعد لهم أي مجال في التحري وأصبحت التحريات يجريها صف الضباط وأحياناً صغار الضباط..
وربما رأت بعض الجهات أن يظل أمر تحريك الدعاوي الجنائية بيدها إبتداءاً حتى لا تؤخذ من حيث لا تحتسب وأذكر في هذا المجال ودون تضخيم  للذات أنني شخصياً وفي قسم الخرطوم جنوب وفي سبعينات القرن الماضي باشرنا إجراءات جنائية ضد شخصيات هامة في الاتحاد الاشتراكي وقبضنا عليها أيام العهد المايوي ولأننا كنا نستند على إجراء قانوني صحيح ومساندة قضائية قوية فإن كل ما حدث لنا هو أن تم نقلنا إلى جهة أخرى وتلك قصة أخرى سنعود إليها لاحقاً.
نصل إلى هذا أن الأمر واضح ومن غير صالح صانعي القرار في الأنظمة الشمولية تطبيق النظام القديم الذي يضمن الرقابة القضائية على الدعوى الجنائية منذ بدايتها حتى النهاية ولذلك فإن صديقي البوني سيظل يصفر دون جوى.
والله المستعان،،،،
فريق شرطة م /مستشار قانوني بالنائب العام م/ المحامي والاستاذ الجامعي / د. فضل احمد محمد





عبد اللطيف البوني
aalbony@gmail.com
///////////

 

آراء