عمر الخيام

 


 

 

 

(1)

لن تجرؤ المُدن الشحيحة من إرث ماضيها أن تُغيبُك عن حليب أثداء الشياه وهي تتفرق على السهول والوديان، ولن يحرمنا المدام أن نفتح ورد سيرتكَ البهية بالحِكم المثقلة بأحمال اللغة الواجدة، وسلطانها الذي يُنهض التاريخ في مقام ذكرهم، ولن تُلهب ظهورنا سياط الذين محوا التاريخ بالنسيان أو إحراق الكُتب الشهية بالمغانم. جاء الذين فتشوا عن سيرتكَ بالفارسية، ولم يجدوا سوى رباعياتك دون غيرها من مناجم العلوم والحكم والشعر والمنافع المكتوبة.
أ يتوهج الذهب الموشى من بعد غيبة؟

(2)

حار الأدباء في فهم " عمر الخيام " منهم من عدّه مستهتراً بقيم الأديان ومنهم من أنزله منزلة الصالحين راسخي اليقين؛ فالخيام كان "جبرياً " يرى الإنسان تسيره قوة خفية لا يملك دفعها ولا تدع له الاختيار. بالرغم من أجواء الريبة التي قد تظهر في الرباعيات حول الحياة والموت، فهو موحد يؤمن بأن للكون خالق، وهو يؤدي فروضه وفق المعروف من المناهج والمُعتاد.
ربما كان "عمر الخيام" عصيًّ على التوصيف، لكن الرباعيات مكنوزة ، عند قراءتها تُنسينا تعب الدُنيا وبؤس حيواتنا وأن غداً في بطن الغيب واليوم لنا، تماماً كما يقول المثل: عش أيامك الحاضرة واغضض بصرك عن مُقبِل الأيام !.
أو حين يطلب المرء مُتع الشراب والغناء و ويؤمن أن النوم لا يطيل عُمراً ولا يقصِّره السهر!.
نامت الرباعيات نوم أهل الكهف، ثم نهضت ذات زمان على أيدٍ نفضت الأتربة عن الأوراق والمتون.

(3)

في المراجع الشرقية: النظامي السمرقندي "جهر مقاله " 550 هـ ـ طبع ليدن سنة 1909 م والشهرزوري " نزهة الأرواح " سنة 586 هـ ، طبع بطرسبرج سنة 1897 م والقفطي " تاريخ الحكماء " سنة 724 هـ ، طبع سنة 1903 م وابن الأثير وغيرهم وفي المراجع الغربية: م. دفريمري " تاريخ السلاجقة "، باريس سنة 1848 م و أ .فتزجرالد " رباعيات الخيام "، لندن سنة 1858 م و أ . روتفلد " عمر الخيام وعصره " ، لندن سنة 1922م

(4)

سيد المقال والمقام : عُمر
هبت الريح ناعمةٌ على الأسفار القديمة، فكشفت أوراق كنوزك، نفضت غبار السنين. في الفارسية كان الغناء الشعري الأول. درس الشاعر " أحمد رامي" اللغة الفارسية، وتجوّل بين دهاليز آدابها وفخامة جرسها، وقرأ ما دونتَ وأعاد ترجمة رباعياتُكَ شعراً للمكتبة العربية.

(5)
نمُرّ و نقطف من ترجمة أحمد رامي للرباعيات:
غد بظهر الغيب واليوم لي .. وكم يخيب الظن في المقبل
ولستُ بالغافل حتى أرى .. جمال دُنياي ولا أجتلي
.....................
قد مزق البدر ستار الظلام .. فاغنم صفا الوقت وهات المدام
وأطرب فإن البدر من بعدنا .. ينـزى علينا في طباق الرغام
.....................
أفق أطال الظل هذا السحر.. و هاتها صرفاً وناغ الوتر
فما أطال النوم عمراً ولا .. قصَّر في الأعمار السهر
...................
عاشر من الناس كبار العقول ... وجانب الجهّال أهل الفضول
واشرب نقيع السمِ من عاقل ..

(6)

كتب الشاعر أحمد رامي :
أوفدتني دار الكتب المصرية سنة 1922 م إلى باريس لدراسة الفارسية في مدرسة اللغات الشرقية ، فقرأت أبواباً عدة من " الشاهنامه " و " جلستان " و " أنوار سهيلي " المعروف بكتاب " كليلة ودمنة " ،و وقعت في يدي نسخة من رباعيات الخيام، التي قام بنشرها المستشرق الفرنسي " نيقولا" سنة 1867 م عن نسخة طهران فانقطعت لقراءتها وتوفرت على درسها.
واستطرد:
راجعت نسخ الرباعيات الخطية المحفوظة في دار الكتب الأهلية بباريس، وسافرت في مستهل 1923 م إلى برلين فراجعت النسخ الخطية بمكتبتها الجامعة وراجعت المخطوطات المتوفرة في المتحف البريطاني، وأخرجت الطبعة الأولى صيف سنة 1924 م، ثم أضفت مادة وأخرجت الطبعة الثانية في ربيع سنة 1931 م .”

(7)

كانت ولم تزل الرباعيات لمترجمها الشاعر أحمد رامي، سامر الليل عندما ينقطع الرجاء في الآمال، ويستدرك المرء أن الحياة بسحرها حلوة المذاق، فتانة المباهج. الليل وإلى الفجر وخيوطه الأولى، وقطرات الندى تنزلق على الورود فيُفسحُ الشجن للكائنات مكاناً ليكُن القلب رحيماً.

عبد الله الشقليني
3/5/ 2008 م

alshiglini@gmail.com
//////////////////

 

آراء