عمر الشاعر يرنو لزمن المشاعر النبيلة

 


 

 



abusamira85@hotmail.com
لما تشتاق للعواطف تملأ دنياك بعبيرها. و(لما) في لغة العرب تفيد النفي والتأكيد والحين، ويعرفها بعض النحاة بـ (لما) الحينية. وهناك من يرى أن استخدام (لما) في مطلع القصيدة، دلالة على قوة الشاعرية.
أما (لما) عند تفكيك النص، فتدل على تغلغل الزمان في النص. ويعني هذا التغلغل ارتباط المكان بالزمان. ويقود هذا الارتباط (الزمكاني) عند البنينويين إلى تداعي الجغرافيا والتاريخ إذا كنت فهمت قراءة النص بتفكيكه حسب الطريقة البنيوية.
المهم أولا أن (لما) الحينية قادتنا إلى الحديث عن زمن المشاعر النبيلة، وهي مرحلة عاشها السودان بين العامين 72 و75 من القرن الماضي. ونسميها هكذا تقديرا لأن عواطف السودانيين ومشاعرهم الوطنية قد تسامت آنذاك لتحقق عدة إنجازات قومية.
والمهم ثانيا، وهذا استدراك لسدنة التحليل السياسي ومدمني معارضة حقبة مايو حتى الآن، أن الفترة التي يغطيها زمن المشاعر النبيلة، أوفاها الدكتور منصور خالد أحد عتاولة السدنة الذين قالوا في مايو وقائدها ما لم يقله مالك في الخمر حقها حين وصفها، بـ (أعوام البشائر).
والمهم ثالثا، أن الظروف الحلوة قادتنا إلى دنيا الرجل الجميل عمر عبد الله محمد إبراهيم الشهير بـ (عمر الشاعر). والحديث عن إسهام عمر الشاعر غنائيا وشعريا لا ينفك عن سيرته الذاتية فوالد عمر من العركيين الأشراف الذين ترجع جذورهم إلى المغرب. وقادت سبل كسب العيش والد عمر من مدني السني إلى كسلا التي يلفها القاش غربا  ويغطيها الجبل غربا ويحرسها سيدي الحسن رضي الله عنه ونفعنا بجاهه، والعبارة أوصى بها العلامة عبد الله الطيب وله فيها خبر وقصة تجدون تفاصيلها في كتابه (حقيبة الذكريات). في كسلا اقترن والد عمر بوالدته التي تعود أصولها إلى الشايقية الدويحاب من نوري.
عمر الشاعر للذين لا يعرفونه رجل يمتلك الكثير من المشاعر المتدفقة القوية تجاه الآخرين وتجاه كل ما يحيطه، حين تراه وسط الطلاب في ردهات جامعة المستقبل، يزرع البشرى والسعد مثل من يرنو إلى أفق بعيد فحواه مستقبل مشرق لهم. ويمتلك أيضا نوعا من المشاعر تسعده وتشعره بحلاوة الحياة بالعيش مع الآخرين يسعد لرؤيتهم، يضحك لكلمتهم، يأنس بتجمعهم، وهم قد لا يعرفون حبه لهم.
على صعيد الحكم الرشيد في زمن المشاعر النبيلة، كان قطار السلطة الحاكمة قد غادر محطة (بيك يا مايو يا سيف الفداء المسلول نشق أعداءنا عرض وطول)، واستقر نحو وسطية سودانية بمزاج استوعب كل النماذج الجيدة في حقيبة الفن السياسي السوداني تمكنت البلاد بفضلهم من كتابة أول دستور دائم للبلاد.
في ذلك الزمان سار تيار الحياة في البلاد كرحلة عمر متشابكة من سلاسل لانتصارات تقف بي الكلمات هنا حيث فعلا تحول بعض ما كان من أحلام فقط نبض محبرة روح وعقل إلى إنجازات شديدة العذوبة, تجلو الصدأ عن المشاعر الإنسانية, وتعيد الحياة للمعاني النبيلة.
في دهاليز الرياضة شهد ذلك العصر فوز السودان بكأس الأمم الأفريقية للمرة والأولى والأخيرة حتى الآن. كان الفريق القومي السوداني سودانيا خالصا، يدرب الفريق الراحل عبد الفتاح حمد، ويقوده الكابتن أمين محمد زكي إبن توتي الذي سجله صديق منزول في فريق الهلال مقابل زجاجة بيسي كولا، كنوع من الضيافة دفع سعرها قريب للكابتن أمين كان شاهدا للحظة التوقيع. وهنا تلقى أمين الدرس الأول في التربية الرياضية من أمير الكرة السودانية، حين قال له (أنت هنا لكي تعطي الهلال العظيم، لا لكي تأخذ منه)، ليت الذين يجوبون أدغال أفريقيا لاستيراد اللاعبين (المواسير) بملايين الدولارات، يهتمون بمثل هذه الدروس الوطنية.
في زمن المشاعر  النبيلة إزداد هذا التيار قوة وثباتا من خلال مجموعة من الفنانين والشعراء، يؤمنون بأن الفن مادته الإنسان, ولابد أن يعود للإنسان حبا وأملا فى حياة ومستقبل أكثر نبلا وإنسانية، والمجال لا يتسع لنماذج، لكن لم يكن غريبا أن يشدو امبراطور الأغنية السودانية (قلت أرحل) التي كانت فتحا جديدا في الأغنية السودانية من جهة مضمون النص ومن حيث اللحن الذي أبدعه وأكمله وردي من داخل السجن بالدندنة بدون آلات موسيقية.
وشهد زمن المشاعر النبيلة الموجة الخامسة من سيرة الغناء الحديث في السودان، بظهور الراحل مصطفى سيد أحمد وغدار دموعك. الحاصل أن هذه الموجة وقفت عند مصطفى سيد أحمد، وغالب الظن أنها انتهت بوفاته، وثمة صعوبة في الحديث عن ظهور موجة سادسة، وأرجو من الأستاذ الجنرال أحمد طه أن يصححني أن كنت مخطئا في هذا الظن. ذلك أن الموجة الأولى جاء بها إبراهيم الكاشف، ثم جاءت الموجة الثانية بظهور الثلاثي: أحمد المصطفى، حسن عطية، وعثمان حسين. وتربع في الموجة الثالثة الثلاثي: محمد وردي، محمد الأمين، وعبد الكريم الكابلي. وانتشرت الموجة الرابعة بلونية جديدة قدمها الثلاثي: زيدان إبراهيم، أبو عركي البخيت، وخليل إسماعيل.
وعودة لعمر الشاعر، فهناك أشخاص لا نعلم تأثيرهم في حياتنا إلا عندما نقترب منهم. فالاقتراب من عمر حرك الشجن إلى زمن المشاعر النبيلة، خاصة أن عمر صاحب تجربة ممتدة، وألحان معتقة، وقصائد مغناة يمسك عن ذكرها، لكنه يسعى لتدوينها في ديوان بعنوان (إلى عينيها).
ويبقى الأمل أن نعيش حلما يقينيا بكل المشاعر، ولا نلام على ما تنبضه حروفنا من حب وعشق ولوعة.


 

آراء