عملية جرد لمعروضات مزاد جوبا العلني
4 October, 2009
mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]
من وصفوا مؤتمر جوبا الأخير بأنه مؤتمر تاريخي كانوا محقين، لأنه حفل بكثير من المفارقات المدهشة، حيث ظل يؤجل مرة بعد مرة، ولم يكد ينعقد إلا بعد سبعة تأجيلات. وهو أمر قياسي بدع، يدخله بجدارة في سجلات موسوعات الرصد، الذي تتابع عجائب الدنيا، كموسوعة جينيس العالمية وغيرها.
ولم يخل المؤتمر بعد ذلك من عجائب وغرائب أدهى، حيث ألغى أوراق العمل المقدمة إليه جميعا، ولم نسمع بمؤتمر قبل هذا فعل شيئا مثل هذا في أي مكان أو زمان.
ويبدو أن هذه الأوراق لم تكن ذات أهمية من حيث الأصل، ولم تكن تساوي أكثر من ثمن الكاغد والحبر الذي سوده، فتفرغ المؤتمر من ثم لمهمته الأساسية في المزايدة، وممارسة الضغط على الشماليين، وترهيبهم بالمجتمع الدولي.
المزايدة على الشماليين:
ومن تابعوا وقائع مؤتمر جوبا، واطلعوا على بيانه الختامي، اتضح لهم أن السمة الغالبة عليه، والكاشفة عن غرضه، هي سمة محاسبة الشماليين، وانتقادهم، والتشنيع عليهم، والتمهيد بذلك لهدف فصل الجنوب عن الشمال، وهو الهدف الذي أعد له موجهو حركة التمرد في دوائر اليمين الديني الأمريكي المخذول.
ومع تهديد قادة المؤتمر بالانفصال، وتلويحهم المستمر به، ما فاتهم أن يطالبوا الحكومة السودانية، بأن تفرض ضريبة دفاع على الشماليين، وتوجه عائدها لصالح لإقليم الجنوبي.
ثم طالبوها بأن تفتح الحدود مع الشمال بعد الانفصال، وأن تمنح الجنوبيين حق الدخول والخروج من السودان، وأن تعطيهم حق العمل به كما يشاؤون.
فهو ليس مجرد انفصال فقط إذن، وإنما عملية استنزاف واستباحة تامة للشمال، واتجاه لفرض الإتاوات عليه لصالح دولة الجنوب.
وعلى هذا بقي المشاركون في المؤتمر المشبوه، من زمر الشماليين الآبقين، يتوددون إلى قادة حركة التمرد دون حياء أو كبرياء.
وبدا بعضهم وكأنه جنوبي أكثر من الجنوبيين أنفسهم، وقد تنافس في انتحال هذه الصفة بشكل لافت للأنظار، كل من الصادق المهدي، وابن عمه الغريم.
ولا عجب فكل منهما يريد أن يردف حركة التمرد على صهوة جواده الضعيف العاجز، وهي تريد أن تردفهما معا، ومعها المؤتمر الشعبي، على صهوة جوادها الجامح النفور.
المهمِّش الأكبر:
وفي مؤتمر جوبا طاب للشخص الذي مارس التهميش، أفظع ما مورس في تاريخ السودان الغابر والحديث، أن يتحدث في موضوع التهميش.
هذا الشخص هو المدعو مبارك الفاضل المهدي، الذي عاش عمره كله في حنايا المركز (في أم درمان)، وظل يترشح ويفوز في الانتخابات (الديمقراطية) العامة، في أقصى حواشي الهامش (في أم كدادة) بغرب السودان.
جاء مبارك الفاضل ليحدثنا من جوبا عن التهميش، وضرورة التصدي له، ومحاربته، حيث قال ولم يطرف له جفن، ولم تخنقه عبرة، ولم يلوعه وخز ضمير:" إن التئام شمل مؤتمرنا هذا في جوبا عاصمة الجنوب الحبيب يؤسس لتصحيح المسار وإعادة التوازن للسياسة الوطنية السودانية من خلال توسيع المشاركة في صياغة الشأن الوطني منهين بذلك عقوداً من انفراد المركز بالقرار والهوية، وتهميش بقية مكونات الكيان السوداني".
ولعل مبارك الفاضل يبدأ بعد إذ قال هذا القول في إعداد نفسه ليوم حساب قريب، طالب بنصبه نصابو مؤتمر جوبا لسياسي الشمال.
وفيم يكون الحساب، إن لم يكن في تهميش مبارك الفاضل لأهالي أقاصي الهامش، في أم كدادة، بهذا الأسلوب الإستغلالي الشنيع؟
فليبدأ الحساب بمبارك الفاضل الذي ظل يطالب أهالي أم كدادة، بحق الطائفة الاستغلالي، أن يصوتوا له، من دون أن تتاح له أو لهم فرصة أن يعرفهم أو يعرفوه. ومن دون أن يعيش معهم ولو أسبوعا واحدا من حياته في بلادهم، التي زادها ترشيح نفسه فيها، وانتهابه لحقوق أهلها السياسية، عن طريق التضليل الطائفي، تهميشا على تهميش.
وبعد أن فاز مبارك الفاضل بأصوات أهالي أم كدادة، لم يكلف خاطره يوما أن يزورهم، ولو زورة واحدة، ولا أن يخدمهم، ولو خدمة عابرة من بعيد.
جنوبي أكثر من الجنوبيين:
ولا يعفي مبارك الفاضل من هذا الحساب العسير، أن يتملق الجنوبيين، مهاجما الشماليين، متهما إياهم بالظلم في قوله المرتج:" لقد كان رفض المؤتمر الوطني لمقترح الدكتور جون قرنق بنيفاشا لتمويل الإعمار في الجنوب بنسبة من الدخل القومي واصراره على تمويل الجنوب بنسبة 50% من ايرادات البترول المنتج في أراضيه كان ذلك أول اجهاض لعملية الوحدة الجاذبة، فالجنوب المقعد بالحرب فرض عليه أن يمول الشمال بـ 50% من البترول المنتج في اراضيه، بينما الشمال ممثلا في حكومة المؤتمر الوطني بالمركز لا يساهم بشيء في تنمية الجنوب فكيف بالله تتحقق الوحدة الجاذبة؟؟".
وهذا كله تخرص في تخرص، وكذب في كذب.
على أنه ليس من الغريب أن يستمرئ شخص مثل مبارك الفاضل هذا التخرص والكذب، ويتحراهما، ويصر عليهما، حتى لربما كتب بهذا في زمر الخراصين الكذابين.
وإلا فانظر إلي مبارك الفاضل هذا كيف يسوق تخرصاته وأكاذيبه حتى بعد أن انكشف زيفها، وانفضح ما فيها من ادعاء الزور.
وكيف يقول مبارك الفاضل هذا القول بعد ما أثبتت المحكمة الدولية في لاهاي أن أكثر بترول السودان المتنازع عليه هو من حق الشمال أساسا، وأن الشمال كان وما زال يصرف منه بسخاء، وبلا منٍ، ولا أذى، على الجنوب.
عرض الصادق في المزاد:
ولم يكن مناسبا أن ينفرد مبارك الفاضل بهذه المزايدة بما فيها من خطل وخداع. وكان لابد أن يتدخل ابن عمه مزايدا عليه بهذا المزاد المفتوح.
وهكذا جاء الصادق ليقدم عرضا آخر في المزاد، زايد به على عرض ابن العم، فكيف يتيح له أن يهزمه أو ينازعه ولو في مزاد ما فيه سوى بيع الكلمات.
لذلك دعا الصادق المهدي إلى مراجعة بروتوكول اقتسام الثروة، الذي قبل به الجنوبيون من قبل وارتضوه، واعتقدوا في قرارة أنفسهم أنه أعطاهم أزيد مما طلبوا، وطالب أن يزادوا عليه، حتى يزدادوا عنه رضا.
البهجة الزائدة:
ولقد كان ابتهاج الصادق بانعقاد مؤتمر جوبا ابتهاجا فاق الحد، وقد بدا متحمسا للمؤتمر بأكثر من حماسة أصحابه في حركة التمرد له، بل أكثر من حماسة أصحاب فكرته الحقيقيين، في دوائر اليميني الأمريكي، وحماسة وكيلهم المعتمد لدينا، وهو هذا الشخص المتطرف جدا، والخطير جدا، وأحد بقايا دولة المحافظين الجدد البائدة: روجر ونتر.
وفي غمار تهليل الصادق المهدي للمؤتمر انساق في مبالغاته إلى حد غير متصور، فأسبغ عليه صفة برلمان السودان الشعبي، زاعما أنه أوسع مؤتمر للسودان في العصر الحديث.
ولم يسأل الصادق نفسه كيف يكون هذا برلمانا، وهو كيان غير منتخب؟
ولم يسأل الصادق نفسه كيف يكون هذا برلمانا للسودان، وهو تجمع لم تشارك فيه أكثر الأحزاب السودانية وأكبرها؟
ولم يسأل الصادق نفسه كيف يكون هذا برلمانا وطنيا، وقد تم تمويله بثمانية عشر مليون دولار، جاءت من الخارج، وخصمت من ميزانيات جمعيات الإغاثة الأجنبية المزعومة، التي تعيث فسادا في أرض السودان؟
ولم يسأل الصادق نفسه كيف يكون هذا برلمانا بإمكانه أن يقرر مصائر بلادنا، وهو لا يعدو أن يكون تكتلا غوغائيا، لم يصدر منه سوى التهريج، والكيد، والتعريض بالمؤتمر الوطني؟
ولم يسأل الصادق نفسه كيف يكون هذا برلمانا، وأعضاؤه يرفضون إقامة الانتخابات؟ وأي برلمان في الدنيا يرفض إقامة الانتخابات المفترض أن يتكون على أساسها؟
ولم يسأل الصادق نفسه كيف يكون هذا برلمانا للسودان، وهو قد أبان عن نفسه بمقرراته التي ختم بها جلساته، أنه مجرد أداة تآمر انفصالية، تمهد لفصل الجنوب، وتمزيق عموم أرض السودان؟
خلاص عملنا المؤتمر الدستوري:
هذه الأسئلة المنطقية الكبرى، فاتت كلها على فطنة الصادق المهدي، فلم يكن مستغربا ألا ينتبه إلى أمر أدنى من ذلك كان أزيد له نفعا.
وهو أن يزعم أن هذا المؤتمر، الذي انعقد بجوبا، هو عين المؤتمر الدستوري، أو المؤتمر الجامع، الذي ظل يلهج بفكرته منذ أواسط ثمانينيات القرن الماضي، ولا يفعل شيئا عمليا نحو تنفيذها، إنما يطلب أن ينفذها له الآخرون.
لقد كان الأجدر بالصادق المهدي أن يدعي الآن، أن فكرة هذا المؤتمر نبعت من رأسه الوسنان، جريا وراء عاداته في تجيير إنجازات الآخرين، ونسبتها إلى نفسه. حيث أنه يعرف جيدا أنه شخص بلا إنجازات، من أي نوع، وهو أدرى الناس بهذا النقص المعيب، الذي يجلل تاريخه السياسي الطويل.
ولكن فات على فطنة الصادق، أو فات عليه في زحمة المزاد الصاخبة، أن ينتبه لكل هذا، وفاته بذلك أن ينال نصيبا مفروضا من شرف مريب.
الترابي وحارسه في المزاد:
وأما صهر الطائفية، وخادن حركة التمرد حاليا، حسن الترابي، الذي غدا لا يكف عن اجتراح البدع، وارتكاب المعاصي السياسية المروعة، فقد فاجأنا بتعيين حارسه الشخصي، عضوا في مؤتمر جوبا، نائبا عن الشخصيات القومية السودانية.
وهذه أول مرة نسمع فيها بشخصية قومية سودانية، مهنتها حراسة إحدى الشخصيات السودانية القومية، أو التي كانت قومية، ثم أخذت قوميتها وشعبيتها تتراجع، وتتضعضع، وتتآكل، وتتلاشى، كما هو الحال في وضعية حسن الترابي ومأساته الهائلة، التي هي مأساة تاريخية بكل معنى حقيق، مأساة لا تزال تعصر قلوبنا أسى، وإن كنا نعتصم ونتأسى في شأنها، وشأن ما فعل يفعل بدار فور، بالصبر، والتصبر، والتجمل، والتجلد، ومطالعة مآسي ودروس التاريخ الأليم.
وفي سياق مكايدات الترابي، التي يتسلى بها في ختام عمره المديد، شاء أن يبذر مزيدا من بذور الفتنة بين رئيس الجمهورية ونائبه الأول، فزعم أن البشير لا يستشير سلفا في أمر تعيين الولاة، وتعيين الولاة هو أحد التعلات الخرافية، التي شق بها حسن الترابي ظهره يوم الخصام .
ثم دعا حسن الترابي من حضروا برلمان إبليس، ومؤتمر الفتنة، إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية القادمة، وما ذلك إلا لأنه يزمع هو شخصيا أن يقاطعها، إذ تبين له أن حزبه لن ينجح منه أحد .
وقد شاء الترابي أن يعلل مقاطعته المزمعة للإنتخابات، بموضوع دار فور، وهي الدار التي خرَّبها، وما يزال يدير فيها الفتن والإحن، التي يتحمل وزرها أمام الله، بعد أن يتحمله أمام الشعب.
فهو الشخص الذي يهدد الأمن بدار فور، بواسطة العصابات الإرهابية التابعة لحزبه، عصابات العدل والمساواة، وفي الوقت نفسه يشترط ضرورة إجراء الانتخابات بكل دوائر دار فور، حتى يخوضها هو في الخرطوم.
الدكتورة الطروب:
وكما استخدم الترابي قضية دار فور، استخداما معيبا، لصالح وضعه السياسي المهتز، فقد جاءت الدكتورة الطروب لتستخدم قضية الشرق استخداما معيبا، لصالح وضعها السياسي المهتز.
انتقدت هذه الدكتورة الظريفة التي تتزعم جبهة في الشرق المؤتمرين بجوبا، لعدم اهتمامهم بقضية الشرق، كما قالت، برغم أن الشرق كان مسرحا للعمليات القتالية ضد نظام الخرطوم.
ووبخت المؤتمرين لأنهم لم يذكروا الشرق، ولو على سبيل المزايدة الذي ذكروا به دار فور.
وقد كان من أطرف ما قالته هذه الدكتورة الطروب إن الانتخابات العامة القادمة غير ضرورية، وغير ممكن إجراؤها في الشرق المهمش. واتهمت قومها بالأمية :" وأضافت: كيف سيصوّتون للانتخابات وهم لا يعلمون عنها شيئاً ولا يعرفون القراءة ولا الكتابة؟".
ومعنى هذا أن الانتخابات العامة ينبغي أن تؤجل إلى أن تمحى الأمية تماما في شرق السودان، وبالأحرى في جميع بقاع السودان.
أي أن تؤجل الإنتخابات إلى أجل غير مسمى، ولا يسمى أبدا.
وهذا المنطق الذي جادلت به الأستاذة الجامعية هو أشنع من منطق حسن الترابي، وما طالبت به كان أكثر بكثير مما طالب به زعيم أمة ( لن ينجح أحد)، الذي طالب بتأجيل الانتخابات إلى أن تحل مشكلة دار فور، التي لا يألو جهدا في تسعير ضرامها، وكل ما خبت نارها، أزمع السفر إلى أوربا ليشب أُوارها من جديد.
الحركات الهامشية الحقة:
وقد كان اشتراك الدكتورة الطروب في المؤتمر اشتراكا هامشيا، لأنها شاركت في جلسته الافتتاحية ورجعت إلى الخرطوم. فهي تريد أن تحافظ على مركزها في السلطة، وعلى مركزها الهامشي، في الحركة السياسية الهامشية، التي تتردد بين الهامش والهامش.
وأما الحركات الهامشية الحقة، وعلى رأسها حركة (حق)، فلم يكن اشتراكها بمؤتمر جوبا هامشيا، وقد كان لها حق كبير في حضور المؤتمر، وكان لها حق في إعداد أوراقه الملغاة وإسهام غير منكور.
وقد تكاثر عدد الحركات الهامشية في المؤتمر، حتى بلغ أكثر من عشرين حركة هامشية، لم يسمع الناس بأسماء أكثر من نصفها قبل اليوم.
وتطفلت واحدة من قادة هذه الحركات الهامشية، فوجهت حزبي الأمة، وحزب المؤتمر الشعبي، وغيرها من الأحزاب الحاضرة في مؤتمر الغي، إلى ترشيح سلفا كير لرئاسة الجمهورية.
ولم يأت ترشيحها هذا من حب في سلفا أو الجنوبيين، وإنما عن ضغن وكراهية وِقلىً في البشير والشماليين.
وهكذا قامت الفتاة الماركسية هالة عبد الحليم رئيسة حركة (حق)، بدعوة المؤتمرين لإعطاء رئاسة السودان للجنوبيين، وهي دعوة تم تجاهلها، ولم يوافق عليها الحضور، وذلك لسبب بسيط واضح، وهو أنهم لا يريدون الإنتخابات من أساسها، ولو أرادوها لما منحوا ذلك المنصب لسلفا كير.
وهل يعقل أن يفرط الصادق وابن عمه وصهرهما في (حق) كهذا ويمنحوه لسلفا كير؟
ما دام الأسف:
وبينما كان الصادق والمبارك والترابي في غمرتهم يتزايدون، ويتبارون في إرضاء حركة التمرد وتملقها، كانت هي تعد لهم كمينا خطرا وتخضعهم لحساب عسير.
وهكذا بدأت محاسبة الصادق، وابن العم، والصهر الحليف، بطريقة مذلة مهينة، وذلك قبل أن ينفض السامر من جوبا.
وهي المحاسبة الاستفزازية المغرضة، الظالمة، وغير المسؤولة، التي نجا من سخافتها أهل الكياسة والتروي من المؤتمر الوطني ومن والاهم من الوطنيين.
وقد كان في أماني الأمين العام لحركة التمرد، باقان أموم، أن لو كان أقطاب المؤتمر الوطني حاضري هذا المؤتمر الذميم، حتى ينالوا نصيبهم الأوفى، من الإهانة والتقريع، الذي صبه مالك عقار على رؤوس السياسيين الشماليين، في الندوة التي قدمت ببرلمان الجنوب.
فقد وصف مالك عقار الشماليين بأنهم عبيد، نقلا عن نعت آخرين لهم بهذا الوصف.
وقد جاء عقار بهذا الكلام السوقي الهابط، بعد أن اتهم الشماليين بأنهم يرددون هذا الوصف نفسه عن الجنوبيين.
قالت وكالات الأنباء: وشن نائب رئيس الحركة الشعبية مالك عقار هجوما عنيفا على الشماليين لوصفهم الدائم للجنوبيين بالعبيد، الشيء الذي استحسنه الحضور من الجنوبيين وألهبوا القاعة بالتصفيق الحاد. وبدت علامات الدهشة والاستغراب على قادة الأحزاب الذين أصابهم رشاش نائب رئيس الحركة الشعبية.
ولكن نجا قادة المؤتمر الوطني من هذا النصب غير الأخلاقي الذي نصب بجوبا، وفوجئ به الحزبيون الشماليون اللاهثون الذين حضروا المؤتمر.
وكان هذا أبلغ دليل على أن هؤلاء السياسيين الشماليين الغافلين ما كانوا عالمين ببعض خفايا المؤتمر، وبعض أجندته، وبعض ما أعد لهم فيه من الكيد اللئيم.
ومن هنا نفهم دواعي أسف باقان أموم الذي أبداه غداة قدومه من لندن لافتقاده المؤتمر الوطني في مؤتمر جوبا.
فباقان أموم الذي لا يحتفظ بأواصر ود أو حسنى مع المؤتمر الوطني، ولا يضمر رغبة في التعاون معه في أي صعيد، أبدى حرصه على حضور قادة المؤتمر الوطني لمؤتمره المشبوه، وذلك حتى يوقعهم في الفخ، ويصب عليهم زذاذا متصلا من سباب.
تفرقوا مأزورين غير مأجورين:
ولكن وعي الوطنيين نجاهم، بينما خذل سواهم من أهل الخيبة، ممن جاؤوا لينصروا من سبوهم وأغلظوا لهم في السباب.
ولم تكن جردتنا هذه سوى جردة سريعة لبعض ما عرض بسوق جوبا من المزايدات: مزايدات السياسيين الجنوبيين على الشماليين، ومزايدات السياسيين الشماليين الانتهازيين لصالح السياسيين الجنوبيين المزايدين.
وهي المزايدات البغيضة التي فضحت كلا الطرفين ولطختهما بما لا مزيد عليه من التلطيخ.
وفي رأينا أنه لو صرفت دائرة الإعلام، بالمؤتمر الوطني، كل مخصصاتها، من أجل نسج دعاية، لتشوية سمعة ما يسمى بالحركة الشعبية، وللنيل من شتات الأحزاب الشمالية المؤتمرة بأمرها كحزبي الأمة، وحزب المؤتمر الشعبي، ما كانت لتفلح مثلما أفلح مؤتمر جوبا في تحقيق هذا الغرض السلبي.
حيث تجمع أنصار الباطل الحزبي، المتدثرين بدثار حركة التمرد، ومارسوا بمؤتمرها الذي انعقد بجوبا، كل أنواع التهريج، والمزايدة، والتهديد، والوعيد، والتمني، ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم مأزورين غير مأجورين.
وقريبا من هذا ما قاله عبد الرحمن سعيد، نائب زعيم التجمع، بعد أن سأله سائل: طيب ماهو أقصى ما يمكن أن يفضى إليه مؤتمر جوبا برأيك؟ قال لا فض فوه: أن يجتمعوا ثم ينفضوا.
من الكاسب الأكبر في المزاد؟
وهكذا اجتمعوا، وأكثروا من اللغو، ثم انفضوا، وآبوا بالخسارة، والخيبة، والخذلان، بينما أُوتي المؤتمر الوطني نصرا عزيزا لم يكن في الحسبان.
وبغير جدال يمكن أن يقول القائل إن المؤتمر الوطني كان هو الكاسب الأكبر من وراء مؤتمر جوبا.
فقد كشف هذا المؤتمر للشعب السوداني، مدى هزال المعارضة السياسية، اللا مبدئية، اللا وطنية، وأبان عن تهافتها، وانتهازيتها، وزيفها، وعدم التقائها إلا على هدف سلبي وقتي، يتلخص في معارضة المؤتمر الوطني، وسبِّ الشعب السوداني الشمالي، والعمل على ابتزازه، مع التهرب من الاستحقاق الانتخابي، والاتجاه إلى ممارسة التخريب، مع العزم على فصل الجنوب.