عودة إلى المعطيات وفرص الحل

 


 

فيصل بسمة
29 December, 2023

 

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

الحرب الدآئرة الآن تسببت في الكثير من المآسي ، و أورثت الشعوب السودانية معاناة عظيمة ، و تحاول جهات عديدة و لأغراض و منطلقات شتى إستمرارها أو إيجاد حل لها ، و يمكن فرز الجهات إلى معسكرين:
(أ)- معسكر إستمرارية الحرب و إستدامة الأزمة:
١- مليشيات الجَنجَوِيد:
و هي مليشيات باطشة و فالتة فرضت وجودها في الساحات و الأرجآء السودانية في زمن الغفلة عن طريق القتل و الترويع و قطع الطريق و شرآء الذمم الفاسدة ، و لديها مصلحة في إستمرارية حالة الحرب و الفوضى و اللادولة ، فلا رواج لبضاعتها الخاسرة في زمن الإستقرار و الأمن و القانون ، و لهذا فسوف تقاوم كل محاولات الوفاق و الحلول بقوة السلاح و عن طريق إحداث الخوف و نشر الذعر على أوسع نطاق ، و يساندها في مسعاها المدمر كفيلها الأجنبي ، الذي وجد في مليشيات قطاع الطرق (الرَّبَّاطَة) ضآلته ، و السلاح الذي يحمي مصالحه ، و يسهل له إستنزاف الموارد السودانية...
و مصير هذه المليشيات المتفلتة التشظي ، و ذلك لأنها تحمل في داخلها عناصر فنآءها و المتمثلة في تركيبتها العشآئرية/الجهوية و ممارستها الهمجية اللأخلاقية ، و سوف يصاحب سقوطها فوضى و إنتهاكات و فظاعات و خراب عظيم ، و سوف يكون أمر حسمها جد عسير ، و ذلك لأنه يتطلب وجود دولة قادرة ذات سيادة و قوانين و أجهزة أمنية تمنع و تدافع و أخرى عدلية تحاسب و تعاقب ، و هو أمر يبدو غير متاح في الوقت الحاضر ، و مجرد التفكير فيه قد يصيب العقل بالشلل ، لكن الخلاصة هي أن لا دور لهذه القوة الهمجية في الأجهزة الأمنية المستقبلية ، و أن لا بد من محاسبتها...
٢- القوى الأجنبية الوالغة في الشأن السوداني:
و سوف تواصل هذه القوى مجهوداتها في إزكآء نار الحرب و إستدامة الأزمة السودانية و تجنيد العملآء المحليين الذين يسهلون لها نهب الموارد السودانية ، و مما يساعدها على النجاح في مساعيها و بلوغ أهدافها: نشاط عملآءها المحموم في إزكآء نار الحرب و إحداث حالة الفوضى و اللادولة و إحجام/تحييد القادرين من الشعوب السودانية عن أخذ زمام المبادرة...
٣- الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان):
جماعات التنظيم الكيزاني الشيطاني لها مصلحة حقيقية في إستدامة الحرب ، و يبدوا أنها تؤمن بأن الحرب و القتال هي الوسيلة الوحيدة المتبقية التي ربما تعيدها إلى سدة الحكم ، و الشاهد هو أن تصميم الجماعة على إستلام السلطة يفسدُ و يُعَوِّقُ كل محاولات الإصلاح و الخروج من الأزمة ، فما من مبادرةٍ صادقةٍ تلوح في الأفق إلا و بادرت تنظيمات (الجماعة) إلى تخريبها و إفسادها بالفتن و الخطاب النفاقي الإقصآئي الذي يرتدي عبآءة الدين يخفي تحتها بضاعته المتطرفة و المنفرة ، فإذا ما ذكر الوفاق الوطني تقافزت الجماعة (الكيزان) إلى حشر تنظيماتها في المحافل ، و شرعت في أعادة شريط خطاباتها السمجة عن: شرع الله و العلمانية و الكفر و الإلحاد و العمالة و الإرتهان للأجنبي ، و إذا ما تداعت الناس إلى نصرة الجيش سارعوا إلى المناداة بمعارك الشرف و الكرامة و ترديد شعارات إراقة الدمآء عن طريق: البَلْ و الجَغِم و المَتِك!!! ، و إذا ما دُعِيَ الناس و استنفروا إلى المقاومة الشعبية تسللوا بين الصفوف و صعدوا إلى المنابر و نعقوا نفاقاً و تقيةً بالشعارات و الأناشيد الجهادية...
لذا فإن أول خطوات الحلول الجآدة تستلزم إستبعاد تنظيمات الجماعة (الكيزان) المضلة و الفاسدة عن الساحتين السياسية و العسكرية ، و عزلها و تعطيلها إلى حين حلول ميعاد محاسبتها على ما إرتكبته من الفساد و الجرآئم في حق الشعوب السودانية...
(ب) معسكر إيقاف الحرب و السلام:
و يضم المعسكر الجهات التي سوف تربح من حالة الإستقرار
١- الأجهزة الأمنية:
و لا بد للدولة القادرة من أن تمتلك أجهزة تشريعية و تنفيدية و أمنية و قضآئية فاعلة ، لكن جميع أجهزة الدولة السودانية تراوح الآن ما بين المعاناة و الإعطاب و الغياب ، فالأجهزة الأمنية و في مقدمتها القوات المسلحة تمر بمرحلة إنعدام وزن و تخبط عظيم على مستوى قياداتها و عملياتها ، و هي في أمس الحاجة إلى عقول راجحة تصلحها حتى تستطيع القيام بواجباتها الأساسية/الإحترافية في حفظ الأمن و سيادة/سلامة الدولة بعيداً عن ألاعيب السياسة و إغرآءات النشاطات الإقتصادية...
أما السؤال عن الكيفية التي يحدث بها هذا الإصلاح؟ فيبدوا أن الإجابة عليه ربما يمتلكها ، في الوقت الحاضر على الأقل ، بعضٌ من منسوبي هذه الأجهزة من الذين تفوقت مرجعياتهم الأخلاقية و أجهزة مناعتهم الوطنية على فساد و جراثيم أفكار الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) التي سرت و استوطنت في أوردة و شرايين تلك الأجهزة و لأكثر من ثلاثة عقود...
و هذا الإصلاح المعني عند ترجمته إلى لغة الأمن و السياسة يعني أحد أمرين لا ثالث لهما: أولهما الإنقلاب العسكري و ثانيهما التمرد على القيادة ، و ملعومٌ أن الإنقلابَ العسكري أمرٌ عصيٌ ، و أن خطوات إنجازه العملياتية في وجود حالة الفوضى و اللادولة تبدو غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع إن لم تكن مستحيلة ، و أما التمرد العسكري و في غياب أجهزة الدولة الفاعلة فليس سوى إضافة المزيد من الفوضى و التعقيد إلى هَردَبِيس و لامعقول الأزمة السودانية...
٢- الأحزاب السياسية و منظمات العمل المدني:
هيمنة تنظيمات جماعة الإخوان المتأسلمين (الكيزان) على أمور السياسة و الحكم في بلاد السودان ، و أساليبها الملتوية الفاسدة في ممارسة السياسة و إدارة الدولة و الأمر العام و الإقتصاد و لعقود طويلة قد أضر/أعاق كثيراً مراحل تطور و نمو الأحزاب الطبيعي ، و أفقدها المقدرة على المعارضة الفعالة و التعامل البنآء مع العمل العام و إيجاد الحلول لمشاكل الجماهير ، و قد ظهر فقر و عجز الأحزاب و فشلها جلياً خلال التجربة الإنتقالية الأخيرة ، و تنطبق ذات القاعدة على منظمات العمل المدني التي تعاني من الفوضى و سوء التنظيم ، و التي لا تخلو إداراتها و عملياتها من شبهات الفساد...
الأحزاب السياسية و منظمات العمل المدني بوضعها الراهن عاجزة و غير مؤهلة لمخاطبة هموم الجماهير ، و لا تملك المقدرة على المساهمة في إيجاد حلول للأزمة السودانية ، و هي في حوجة مآسة إلى الإصلاح و التأهيل و إعادة التنظيم ، مما يعني أن قيادة الأمر العام و السياسي في الوقت الحاضر سوف تعتمد في المقام الأول على مساهمات و مبادرات الشخصيات الوطنية الراشدة و الحكيمة...
٣- الحركات المتمرد المسلحة:
و الشاهد هو أن الحركات ”التحريرية النضالية“ السودانية لا تعمل في أزمنة الحروب!!! ، فحالة السلم تعني بوار تجارتها المرتكزة على: التكسب من معاناة القواعد الجماهيرية و المناورات و المحاصصات و التطفل و الإرتزاق السياسي و الإقتصادي ، هذه الحركات تعاني كثيراً من الفساد و سوء القيادة ، و لا يملك أغلبها طرح جآد أو حلول للأزمة السودانية ، و هي إسوة بالأحزاب السياسية و منظمات العمل المدني في أمس الحاجة إلى إعادة التأهيل و التنظيم...
٤- الشعوب السودانية الصامتة و المراقبة و المقاومة:
و يبدوا أن شرآئح عريضة/نسبة عالية من الشعوب السودانية تعتمد إعتماداً عظيماً على: الصمت و الصبر و سلاح الدعآء!!! ، و تنتتظر حدوث المعجزات ، و يبدوا أن كثيرين منهم يعولون كثيراً على الآخرين يمدونهم بالمساعدات و يد العون ، و يبدوا أنهم ربما لا يعلمون/يعوون أن سلاح الدعآء يكون أكثرَ فعاليةً عندما تصاحبه المبادرات و الأفعال...
و على الرغم من هذه القتامة إلا أن تجارب الإنتفاضات السودانية العديدة ، خصوصاً الثورة الأخيرة ، قد أبانت أن قطاعات عريضة من الشعوب السودانية ، و إذا ما صممت و شآءت ، فإن بإمكانها إلحاق الهزيمة بالظالمين و إحداث التغيير...
التدخل الأجنبي:
و هنالك جهات عديدة من المعسكرين تؤمن بأن تعقيدات و تركيبات الأزمة السودانية لا يمكن حلها سودانياً ، و أن الحل الحاسم يتطلب التدخل الدولي و وضع السودان تحت مظلة الوصاية الدولية لفترة طويلة من الزمن يتم خلالها بسط الأمن و الإستقرار و إعادة بنآء أجهزة الدولة السودانية ، و يظل هذا الخيار من أسوأ الخيارات المتاحة ، و قد يعني حال حدوثه نهاية الدولة السودانية و تشظيها ، و الدليل على ذلك تدخلات/خيبات الأمم المتحدة في: فلسطين و جمهورية الكنغو و دول جنوب شرقي آسيا و الصومال و العراق و أفغانستان و سوريا و ليبيا...
الخلاصة:
المسألة/الأزمة السودانية بالغة التعقيد و عصية على الحل ، و يبدوا أن غالبية الفاعلين في ساحات بلاد السودان السياسية و الفكرية و الأمنية لا يملكون حلولاً مقنعة للأطراف المشاركة في خلق الأزمة/الكارثة ، و يبدوا أن مدى الحرب الدآئرة سوف يتسع ، و أن أمدها سوف يطول...
لكن الأمل ما زال معقوداً على شباب الثورة السودانية يقودون المقاومة و العمل الشعبي الذي سوف يؤسس لميلاد الدولة السودانية الجديدة و يحقق الأهداف و الغايات ، خصوصاً و أنهم قد أثبتوا ، و ضد كل الصعاب و الرهان ، أنهم يمتلكون المقدرات و الخبرات الضرورية التي تؤهلهم لقيادة و تنظيم الحراك الجماهيري كما حدث إبان ثورة ديسمبر ٢٠١٨ ميلادية الظافرة...
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

فيصل بسمة
fbasama@gmail.com

 

آراء