اقترب الجنيه السوداني من العودة الي قواعده سالما بعد التوعك الذي اصابه قبل الموعد المضروب لاعلان الجنائية الد\ولية من موقفها الخاص بالسودان. و هاهو الجنيه يقترب من سعره المقابل للدولار الواحد بجنيهين ، اذ يقف الان عند عتبة 2.3 جنيه للدولار الواحد. تم ذلك بفضل الاجراءات السريعة و المهمة التي اتبعها بنك السودان المركزي حول ضوابط التعامل بالنقد الاجنبي و ضخه للعملات الاجنبية بالصرافات بشكل غطي الطلب الذي ارتفع عليها مع احجام البنوك و الصرافات عن التفريط في ما لديها من عملات اجنبية قبل تدخل المركزي. العبرة بالنتائج و هو الامر الذي اشرنا اليه في مقال سابق تعرضنا فيه الي ردود الافعال المنتظرة لقرار الجنائية الدولية و تداعياته علي الاقتصاد السوداني و قد كانت النتائج ايجابية. حقيقة مهمة هي ان النظام النقدي يشكل قلب عمليات النشاط الاقتصادي و بالتالي فان جودة مؤشراته دليلا قويا علي صحة الأداء. الحديث يدور حول الدولار و ليس عن أي وحدة نقدية اخري مما يدل علي اهمية العملة الامريكية التي تزداد مع الأزمات و تكتسب ثقة كبيرة في السوق لم تتمكن العملة الاوربية الموحدة " اليورو " من زحزحتها. بالتالي كلما حدثت هزة ما او عند حدوث فوضي او خوف لاي سبب كان يكون الدولار هو ملاذ المدخرين و المكتنزين معا. بعد تدخل بنك السوداني المركزي بتلك الضوابط علت نبرة حول التحرير الاقتصادي و هنا تظهر واحدة من اهم نتائج الازمة المالية العالمية التي اعادت الروح الي الدور الاقتصادي للدولة و جعلت من التدخل الحكومي في ضبط الاسواق و توجيهها قاعدة اساسية لسلامة الاداء الاقتصادي و للحفاظ علي أي مكاسب اقتصادية او الحد من الخسائر ان لم يكن من الممكن تجنبها. بالتالي فان الحديث عن التحرير الاقتصادي بانه منافي لتدخل الدولة في الاقتصاد قد أصبح ذريعة غير مقبولة في اي اقتصاد في العالم المتقدم منه و النامي و المتخلف. يدحض تلك الاقوال و يدعم فرضيتنا نجاح ادارة الرئيس الامريكي اوباما في تمرير خطة الانقاذ البالغة 787 مليار دولار من بين القواطع الجمهورية و بعض الديمقراطيين المعارضين لها في الكونغرس الامريكي بعد ان تم اجراء تعديلات بسيطة علي الخطة لا تمس جوهرها. تهدف تلك الخطة الي تحقيق عدد من النتائج الكلية خلال عامين . من اهم مقاصد الخطة توفير فرص عمل جديدة تتراوح بين ثلاثة و اربعة ملايين فرصة جديدة و تخفيض معدل البطالة من نسبتها الحالية التي تقترب من 9% الي حوالي 2% و تحقيق الاستقرار المالي في الاسواق و تحقيق معدلات نمو عالية و تنشيط الاقتصاد الامريكي و ذلك من خلال تخفيضات كبيرة في الضرائب من جهة و زيادة الاستثمار الحكومي في البنيات التحتية من جهة اخري. اذا كانت تلك هي اهداف خطة الانقاذ الحكومي في اقوي اقتصاد في العالم ناهيك عن كونه طليعة الاقتصاد الرأسمالي و رأس رمحه، و اذا كانت تلك هي اهدافه الكلية فماذا تبقي من بعد للدولة من دور تلعبه في النشاط الاقتصادي اكثر من ذلك. مع العلم ان ما تم في امريكا من حيث الحجم و نوعية التدخل لا يمكن ان يحدث الا في دولة رأسمالية كبري تتمتع بقدرات مالية كبيرة بحيث تستطيع ان تزيد من الانفاق الحكومي في نفس الوقت الذي تخفض فيه من معدلات الضرائب. من غير المفيد ان نتحدث في هذه الظروف عن ان التدخل الحكومي في الاقتصاد يضر بالتحرير الاقتصادي لان التحرير في حد ذاته لا يعتبر هدفا مقدسا لا يجب المساس به و انما هو هدف للدرجة التي يحدث اثارا ايجابية علي الكفاءة الاقتصادية و يؤدي الي زيادة المكاسب الكلية من النشاط الاقتصادي بشكل يحفز المؤشرات الكلية التي اشرنا اليها في خطة الانقاذ. و بالتالي فان تفعيل الادوات المالية و النقدية و توسيع دور الانفاق الحكومي في التنمية أمرا لا غناء عنه خاصة في دولة نامية مثل السودان تتكاثر فيها معوقات الاداء الاقتصادي مما يتطلب من الدولة ان تركب عيونا دائرية لمراقبتة . mnhassanb@yahoo.com