عودة لقضية السودان والمحكمة الجنائية الدولية
6 February, 2009
جمال عنقرة
gamalangara@hotmail.com
لقد استقبل بريدي الالكتروني رسائل عديدة تعليقاً وتعقيباً علي مقال الاسبوع الماضي الذي حمل عنوان (ماذا لو أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرارها؟) وهو كان محاولة لقراءة ردود الفعل الحكومية المتوقعة حال صدور قرار من المحكمة الجنائية الدولية يوافق علي طلب المدعي العام لويس مورينو أوكامبو بتوقيف الرئيس السوداني المشير عمر البشير لمساءلته عما نسبه إليه من اتهامات بارتكاب جرائم حرب وإبادة في دارفور. ولقد تباينت ردود أفعال القراء وكذلك تباينت منطلقاتهم واتجاهاتهم. ومن غرائب المفارقات أن كثيرين من المتباينين اتفقوا علي التحفظ علي بعض ما ذكرت. ويبدو أني لم أوفق بالدرجة الكافية لتوضيح وجهة نظري، الأمر الذي اضطرني لمعاودة الحوار حول ذات الموضوع ــ موضوع السودان والمحكمة الجنائية الدولية ـــ .
فليس لأن الحكومة السودانية آمنت بما سرب إليها من صدور قرار يطلب توقيف الرئيس البشير فحسب، ولكنني دائماً ما أعتمد منهج (ديل كارنيجى) أستاذ علم النفس المشور، وصاحب الكتاب الأشهر في هذا المجال الذي وزع عشرات الملايين من النسخ بعشرات اللغات (دع القلق وابدأ الحياة) فمنهج كارنيجي يقوم علي اعتماد أسوأ الاحتمالات والتفكير في التعاطي معه بأحسن طريقة تقلل المخاطر إلي أدناها، ثم تهيئة النفس لاحتمال الخطر الأدني المتوقع. وبهذه الطريقة تعاملت مع قضية السودان مع المحكمة الجنائية الدولية. نتوقع أسوأ احتمال ونعمل علي تقليل مخاطره لدرجة يكون فيها قبوله محتملاً.
وأسوأ احتمال في هذه الحالة هو صدور قرار التوقيف، رغم أن هذا القرار لا يسنده منطق ولا عقل ولا قانون. وهذه مسألة يطول الحديث فيها. ولكن كيف يمكن التعاطي مع هذا القرار الأسوأ حتي لا يقود بلدنا ووطننا إلي كارثة.
ولنبدأ بالخيار الأسوأ في التعامل، وهو الدخول في مواجهة مع المحكمة الجنائية والعالم كله. وهذا الاتجاه يجب أن نثبت أولاً أن المقابل له ليس هو الإقرار بقرار المحكمة والاذعان إليه. فوجود المحكمة أمر معترف به، وهو وجود له مشروعيته. ومشروعية المحكمة لا تتعارض مع عدم مشروعية القرار. فالمحكمة قائمة ومشروعة ولكن مشروعية نظرها لقضية السودان محل نظر. ومحل نظر أكثر القرار الذي أصدرته، أو بالأصح يمكن أن تصدره. وهنا تكون المدافعة القانونية للقرار جائزة جواز وجوب لا ندب ولا استحسان. وهذا اتجاه واحد لمدافعة القرار قانوناً عبر الوسائل المعروفة بالطرق التي تودي الغرض دون أن تدخل الدولة في إقرار بمشروعية ما لا تريد الحكم عليه بالمشروعية.وهو الخيار البديل للمواجهة المطلقة، لأن أدني ما في المواجهة المطلقة أنها تشق الصف. ليس الصف الوطني المطلق فحسب، ولكنها تشق قبله الصف الوطني الحاكم والمتراضي مع الحكومة. ولقد تابعنا ما قالت به الحركة الشعبية من ضرورة للتعامل مع القرار بموضوعية وعقلانية. وبذات القول قال السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة المتراضي مع الحكومة.
أما الاتجاه الثاني لتلاف آثار القرار السالبة فهو إكمال ما بدأ من خطوات في طريق السلام والتراضي الوطني والتحول الديمقراطي. وهنا يطلب من الحكومة أن تكون أكثر عزماً وحزماً في الوفاء بكل ما اتفق عليه أهل السودان مواثيقاً وعرفاً. ويدخل في ذلك كل اتفاقات السلام ومطلوباتها من انتخابات رئاسية وبرلمانية واستفتاء. ويتبع ذلك، ويسبقه الوفاء بما قطعت الحكومة علي نفسها من عهود في شأن دارفور. وما قال به أهل السودان في مبادرتهم المعروفة. وكل ما من شأنه أن يجمع صف أهل السودان، ويوحدهم.
جريدة الأخبار المصرية الثلاثاء 3/2/2009م