“عين” 

 


 

حامد بشري
19 October, 2021

 

أصبح من الصعوبة التكهن بمآلات الثورة السودانية وحتي خريطة القطر الجغرافيه ، ومرد ذلك في المقام الاول لعدم أمكانية السياسيين والمتتبعين للشأن السوداني بتنبؤ ما سيكون عليه الغد ناهيك عن المستقبل . هذا الوضع الأعتباطي الشاذ نتج من عدة عوامل ليس هذا مجال تفصيلها والخوض فيها الأ أنه من المؤكد أن الثورة أصبحت ضحية لمشاكسات أحزاب سياسية فيما بينها تفوقت فيها مصلحة الحزب علي الوطن في أجندتها أضافة الي خلافات غير مبدئية في قوي الحرية والتغيير وفي تجمع المهنيين وصراعات فيما بين قوي الإجماع الوطني وضعف ذاتي لحكومة المحاصصات الحزبية وتسّيد قرار في شلة المكون العسكري لمجلس السيادة بدعم من الحركات المسلحة التي فرضت نفسها بقوة البندقية في أتفاقية جوبا المليئة بالثقوب والتي بدلاً من أن تضع السلام علي أرض الواقع أصبحت هي من أهم مهددات السلام وأبتذاذ الوحدة الوطنية . هذه الحالة التي وصلنا اليها اليوم من أهم مسبباتها فقدان القيادة السياسية التي جعلت الكل يتغابي عمداً عن التضحيات الجسام التي قدمها الشهداء وأسرهم خلال الأعوام الثلاثين الماضية أضافة الي أرواح شهداء فض الأعتصام الذين لم تتمكن حكومة الثورة الي الآن من فتح بلاغ ضد أي من القتله الذين يدعي المجلس العسكري الحاكم أنهم مجهولي الهوية رغم وجود البينات الدامغة بأعترافات المتهمين أنفسهم . أضافة الي الوضع المأساوي حينما نري من ثار ضدهم الشعب ما زالوا يعيشون في أوضاع  معيشيه أفضل من غالبية شعب السودان حيث يتوفر لهم في أماكن حبسهم ضروريات الحياة مع أنتظام ثلاث وجبات مجانية ذات أصناف متعددة . هذه الحالة المقلوبة لا تقف عند المفارقة المعيشية وأنما تتمدد سياسياً حينما نضع العقبات أمام  تسليمهم الي محكمة الجنايات الدولية وفي نفس الوقت لا نرغب في محاكمتهم داخلياً والثورة تدخل عامها الثالث علي الرغم من أن جرائمهم التي شهد بها العالم تفوقت حتي علي جرائم النازية .

في الشهر الماضي وتحديداً في 21 سبتمبر ، تم الأعلان عن محاولة أنقلابية بقيادة اللواء عبدالباقي بكراوي . لا أريد أن أتطرق لحقيقة هذا الأنقلاب وعلاقته بفلول النظام السابق أو بالمسرحية السمجه الإخراج التي تمت الأسبوع الماضي بقاعة الصداقة أو حتي بما يجري في شرق السودان مروراً بما يسمي إعتصام لفلول مدفوع الأجر. ما يثير الدهشة في كل هذا هو الصمت المريب من جانب القائد العام للقوات المسلحة عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو وعدم أدانتهما للمحاولة الأنقلابية التي كانت تخطط لنزع السلطة العسكريه من بين أيديهما وهذه المحاولة علي الرغم من أعلان فشلها العسكري الأ أنها تفضح هشاشة قيادة المؤسسة التي أوكلنا لها وأئتمناها علي حراسة التحول الديمقراطي وبالطبع هذا لا يقدح في عدم تكرار المحاولة خاصة أمام طموحات البرهان في ضرب عرض الحائط بالوثيقة الدستورية وأستمرار تمسكه برئاسة الدولة . البيان الرسمي الوحيد الذي صدر من المؤسسة العسكرية هو ما أدلي به وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم ، أن قائد المحاولة الانقلابية هو اللواء ركن عبدالباقي الحسن عثمان بكراوي (54 عاما) ومعه 22 ضابطا آخرين برتب مختلفة وعدد من ضباط الصف والجنود .

وصل الاستهتار من المنظومة العسكرية بالشعب السوداني صانع الثورة التي أُنجزت بالتضحيات الجسام وبعد مضي أكثر من ثلاثة أسابيع علي محاولة عسكرية كانت من أهم أهدافها قطع الطريق أمام الإنتقال المدني الديمقراطي أن لم يفتح الله علي الفريق عبدالفتاح البرهان الذي هو رأس هذه المؤسسة بتنوير الشعب السوداني وقواته المسلحة عن أسماء الضباط المشاركين في هذه المحاولة أو أعضاء المحكمة العسكرية لمحاكمة المتهمين أذا تم تشكيلها ، ومن هم المدنيين الذين أشارت أصابع الأتهام الي ضلوعهم في هذه المحاولة . تجاهل البرهان بما تم يوحي بتورطه شخصياً أو منهم قريبين منه في هذه المحاولة . من المفارقات والي وقت قريب في حالة ثبوت أو حتي عدم ثبوت تهمة الإنقلاب ضد نظام الحكم القائم كانت عقوبة المشاركين فيه الأعدام حيث يتم تنفيذ العقوبة حتي ضد أولئك الذين لم يشتركوا فعلياً .

لا تنتهي حالة الإبتلآت التي أصابات الشعب السوداني من سياسات المجلس العسكري حيث تسربت أخبار قيام وفد سوداني برئاسة شقيق حميدتي الفريق عبد الرحيم حمدان دقلو نائب قائد قوات الدعم السريع بزيارة سرية الي أسرائيل في التاسع من سبتمبر وضم الوفد الفريق أول ﻣﻴﺮﻏﻨﻲ إدريس سليمان مدير منظومة الصناعات الدفاعية . آل دقلو بقيادة محمد حمدان عملوا جنوداً مخلصين في خدمة النظام السابق وما كان أحد أحلامهم أن يصلوا الي رتبة فريق خلاء في عهده ـ أتت الثورة وبعد الاطاحة بولي نعمتهم اذا بليلة القدر تتنزل عليهم حيث صار الاول يتبؤ منصب نائب رئيس مجلس السيادة والثاني يخلفه علي قيادة قوات الدعم السريع ويذهب في مهام رسمية الي دولة أسرائيل التي لم يجري الأعتراف رسمياً بها لإجراء مفاوضات بأسم السودان ، ما هو الهدف من هذه الزيارة السريه ؟ ومن هو الذي يقف من ورائها من الدول الخارجية ؟ ما هي المؤهلات الأكاديمية والعسكرية للفريق دقلو ومن معه للتفاوض بأسم مؤسسة عسكرية ؟ ومن هم أعضاء الوفد الذين مثلوا السودان أضافة الي ميرغني أدريس ؟ بالتأكيد القائد العام للقوات المسلحة علي علم بهذه الرحلات وخط سيرها حيث ضم الوفد ميرغني أدريس مدير منظومة الصناعات الدفاعية التي تتبع للقوات المسلحة . ما هي الملفات التي تمت مناقشتها في هذه الزيارة ؟ هنالك خلاف حاد في العلاقة مع أسرائيل وعدم أتفاق في الرأي العام السوداني علي أقامة هذه العلاقة . كيف يتثني للقائد العام أرسال وفد لهذه الدولة في هذا الظرف أضافة الي أن الوفد ضم رجل مشبوه بولائه للنظام السابق والفلول وأتهامات تحوم حول علاقته بطائرة مخدرات هبطت في مطار الخرطوم . تجاهل وزارة الخارجية السودانية وعدم علمها بهذه الزيارة يوضح عدم أعتراف المكون العسكري بالمكون المدني في هذه الشراكة في حين تأكيد رئيس الوزراء في معظم لقاءاته علي الشراكة المثالية بين المكونيين . القوات النظامية في السابق وحتي الآن لم يكن قانونها يسمح بأستيعاب الاخوة ناهيك من أن يكون أحدهم قائداً عاماً والثاني نائباً له.

وتتوالي المصائب والمحن حيث ورد الخبر التالي في الاسبوع المنصرم إن المحكمة العليا أصدرت قرارين بعودة مفصولين تابعين لوزارة الخارجية ووزارة العدل حيث أنهت لجنة إزالة التمكين وظائفهم بدعوى انتمائهم للنظام السابق . وأوضحت المصادر لـ(متاريس) أن دائرة الطعون في المحكمة العليا أصدرت قراراً بعودة مستشارين بوزارة العدل ودبلوماسيين بوزارة الخارجية فصلتهم لجنة إزالة التمكين قبل نحو عام.

رغم عدم المامي القانوني باجراءات الطعون وعدم اطلاعي علي حيثيات قرار المحكمة العليا التي أيدت عودة هؤلاء الدبلوماسييىن والمستشارين القانونيين وأبطلت قرار لجنة أزالة التمكين الأ أن لي تحفظاتي التي تصب في نقض قرار المحكمة العليا فيما يخص رجوع السيد عبدالغني النعيم وكيل وزارة الخارجية السابق. سبق أن تعرضت لهذه الحيثيات في معرض مقالي الذي نُشر بتاريخ 26 يناير الجاري تحت عنوان (وكيل وزير الخارجية السابق دقاني بكي وسبقني أشتكي) . من المصلحة العامة تذكير قوي الثورة بما جاء في المقال أذا توفرت أمكانية أستئناف قرار المحكمة العليا .

1-في العشرية الاولي من حكم الإنقاذ عمل السيد الوكيل السابق ببعثة السودان الدائمة للامم المتحدة في مدينة جينيف . هل لنا ان نلم بالتقارير التي تم رفعها في تلك الفترة ضد زملاء يعملون في نفس البعثة يتميزون بخبرة ودرايه في مجال العمل الدبلوماسي ولا ينتمون عقائدياً للمؤتمر الوطني مما تسبب في حرمانهم من العمل بالبعثة وأرجاعهم الفوري للخرطوم قبل إتمام الفترة المقررة لهم .

2-خدم الوكيل السابق بسفارة النظام بدولة سوريا ومن ثم مديراً لمكتب الرجل الثاني المجرم علي عثمان محمد طه . بالتأكيد له معرفة ودراية بالاموال والإلتزامات التي وعد النظام السابق بتقديمها للمؤتمر الشعبي العربي الإسلامي والتسهيلات التي قُدمت للحركات الارهابية ، هل لك بتوضيحها للشعب السوداني؟

3- ماهي الخدمات التي تمَّ تقديمها للطفل المعجزة وحزبه السياسي أثناء عمل الوكيل بكندا حتي تتم مكافأته وتمديد فترة أقامته بأتاوا الي سبعة أعوام عجاف في سابقة هي الأولي ، وماذا كسب السودان من بقائه في كندا طيلة تلك الفترة بخلاف شراء منزل للسفير ومبني آخر تم أستغلاله لتقوم عليه السفارة . ليس هذا فحسب وأنما من نافلة القول أن نذكر تم خرق لكل اللوائح حينما تم أبتعاثه من وظيفة سكرتير أول ليكون رئيس بعثه في دولة تعتبر من مصاف الدول العظمي

4-ولا يزال يكافأ علي ما قدمه للأنقاذ حيث تم أستدعاء سفير السودان بالبرازيل قبل أن يكمل عامه الأول لكي يُبعث بدلاً عنه بدون وجه حق ومن ثم يصبح وكيلاً لوزارة سيادية ، ماهو تبريره لهذا؟

5- أثناء خدمته التي امتدت الي ما يقارب الخمسة وثلاثين عاماً تمت خروقات مالية وادارية كثيرة بعضها يتعلق بالحقيبة الدبلوماسية وأجراءات أرسالها ومحتوياتها وفضها أضافة الي التدخل السافر من قبل عملاء المؤتمر الوطني بسفاراتنا بالخارج ، هل لك أن تطلع لجنة ازالة التمكين علي ما قمت به لمعالجة هذه الخروقات والمحاسبة عليها قبل أن تفكر في رفع أستئناف للعودة مجدداً الي أروقة الوزارة ؟

لا أري سبباً لقبولك للترشيح بان تكون سفيراً لحكومة الثورة في الأتحاد الأروبي ببروكسل أذ كيف ستدافع عن الثورة وأهدافها وبرامجها وأنت الذي خدمت نظاماً سياسياً أنقلب علي الديمقراطية والحريات وقتل وعذب وشرد آلاف السودانيين والسودانيات . قبولك للتعين سفيراً بالاتحاد الاوربي قبل صدور قرار بفصلك من لجنة التمكين له تفسير واحد أنك تريد أن تعمل علي تقويض الثورة من الخارج وتكون حلقة وصل مع فلول النظام الهاربه مع الحصول علي الإمتيازات المادية من الثورة التي اطاحت بالتمكين.

هذا القرار الذي صدر من المحكمة العليا بارجاع الوكيل السابق للخارجيه يلغي ضمنياً قرارات لجنة أزالة التمكين بفصل السفراء الدبلوماسيين الذين عملوا تحت أمرته لأنهم نفذوا سياسة الرئيس الذي يتربع علي قمة الهرم بالوزارة في حالة عدم وجود مخالفات أدارية ومالية ضدهم .

واخيراً ، في محادثة تلفونية خاصة مع إحدي خريجات مدرسة الخرطوم الرياضية فجأة تذكرت مؤسس المدرسة البروفسير محمد الامين التوم وزير التربية والتعليم السابق الذي تمت أقالته . وتذكرت حال الوزارة التي مازالت تنتظر لاكثر من عام أختيار وزير كفء ليشغل هذا المنصب وكذلك وظيفة مدير المناهج الذي كان علي رأسها الرجل الثوري الدكتور عمر القراي . وزارة بهذه الاهمية التي يعتمد عليها مصير النشئ في وضع خطط وبرامج تعليمية لا زالت شاغرة من دون وزير يقود دفة التغيير.

تعجبت لحال بلادي ونحن علي أبواب الأحتفالات بذكري ثورة أكتوبر العظيمة أذ تحف بنا المخاطر من كل جانب فآمنت بأن ثورة ديسمبر أصابتها "عين".


حامد بشري

18 أكتوبر2021


hamedbushra6@gmail.com

 

آراء