غازي ، قال ولم يقل

 


 

 



في ذات نهار من نهارات ابريل المنصرم لبيت دعوة كريمة من مركز التنوير المعرفي بالخرطوم لحضور ورشة علمية تتعلق باوضاع السودان السياسية الحالية اشترك في تقديم اوراقها لفيف من الاكاديميين والمختصين بهذا الشان واعطيت جلستها الاولى للدكتور غازي صلاح الدين العتباني لعرض ورقة قدمها من قبل في خارج السودان فقد ذكر انه قدمها في بريطانيا وعنوان الورقة (بناء الدولة السودانية بعد الانفصال )
في الوقت المحدد افتتح الدكتور النقرابي مدير المركز  الجلسة التي كانت عامرة بالحضور حيث اكتظت القاعة لدرجة استجلاب كراسي اضافية ثم قدم الدكتور حسن سيد سليمان استاذ العلوم السياسية لتراس الجلسة وقدم الدكتور حسن الدكتور غازي الذي استعرض ورقته و(فيما بعد تحصل كاتب هذا العمود على نص الورقة ليكون هذا  الاستعراض منها )  بدات  الورقة  بسلبيات الدولة الادارية والدولة الوطنية حيث جاء (ان الدولة الوطنية في السودان فصلت عند الاستقلال على مجموعة اثنية معينة هم سكان وادي النيل الامر الذي ادى الي سيطرة قادة الطائفية الدينية والعشائرية القبلية ونخب المتعلمين على حساب المجموعات السكانية الاخرى . هذا وقد وظف الحكام موارد الدولة لصالحهم عن طريق التوظيف والرخص التجارية وعقود المقاولات... ) انتهى . العبد لله تذكر هنا الكتاب الاسود
ثم عرجت الوقة على تجارب السودان السياسية ومشكلة المركزية الي ان دخلت في اتفاقية السلام الشاملة ذاكرا سلبياتها واسباب فشلها ثم تناولت ازمة الهوية السودانية وبناء الدولة الاقليم متحفظا على النظام البرلماني الليبرالي وضرورة تطوير نظام ديمقراطي تعددي جماهيري يمثل القوى الحديثة ويحقق تطلعات الشعب وفصل في هذا الامر متجاوزا الدولة الي تكامل اقليمي لدول المنطقة ووصل الي القول (تجمع الدول الوطنية على مستوى اقليم وادي النيل والقرن الافريقي على اساس رابطة فيدرالية فضفاضة سيمثل المزيد من التحرر من عصبية الهوية الوطنية وينسجم مع طبيعة الاسلام العالمية والعولمة الاقتصادية والثقافية ..) ثم وصلت الورقة الي خلاصة مفادها (ان الاسباب الحقيقية لانهيار اتفاقية اديس اببا وفشل اتفاقية السلام الشامل يكمن في عدم بناء الدولة السودانية حسب طبيعة النظام السياسي الذي كيفته عوامل التاريخ والجغرافيا ...)
عودة الي القاعة فمبجرد ان فرغ غازي من استعراض ورقته اعتذر للحضور بالانصراف لان لديه مواعيد اخرى(يومها كانت هجليج ملتهبة)  فسرت همهمات احتجاجية لان كثير من الحضور لديه ما  يقوله فيما قاله المحاضر فطلب رئيس الجلسة من غازي ربع ساعة اضافية لسماع بعض المداخلات والرد عليها شريطة ان لاتتجاوز المداخلة دقيقيتين وقد كان ثم انصرف غازي بعد الربع ساعة
لحظت ان استاذ اساتذة الفلسفة في السودان الدكتور عبدالله حسن زروق والذي كان من الحضور كان يرفع يده بالحاح لتقديم مداخلة  ولكن للاسف لم يحظى بفرصة  . بعد رفع الجلسة ساقني الفضول اليه فقال لي وبغضب اكاديمي واضح هل نحن حضرنا لكي نستمع لمجموعة افكار كان يمكن ان ترسل لنا مع بطاقة الدعوة ؟ ثم تساءل هل وظيفة مراكز البحث طرح الافكار ؟ انه منهج عقيم وخاطي ان تكون مهمة رجال الدولة ومراكز البحث الاستراتيجي  تقديم افكار افكار افكار فقط . او كما قال
(2 )
من المداخلات الموجزة التي قدمت لغازي تلك التي قال بها الاستاذ جحا(مرشح رئاسي سابق)  وقد  كان معترضا لعدم تعرض الورقة لهوية السودان الاسلامية وقد قال جحا  ان اسلامية الدولة السودانية هو مايميزها ولابد من اي بناء دستوري ان يقوم على تعريف السودان بانه دولة اسلامية لان سكان السودان مسلمين وبالتالي ليس لهم الخيرة في ان يكونوا محايدين تجاه الدين او كما قال  . رد عليه الدكتور غازي ردا لاينم على خلاف معه ولا اتفاق معه ولكن ذكر انه عندما قدم هذة الورقة في لندن انبرى له احد المعارضين للنظام الحاكم في السودان متحدثا عن الهوية فرد عليه غازي بالقول من قال لك ان الدستور يجب ان يكون  مشتملا  على هوية الدولة ؟ ليس بالضرورة ان يذكر في الدستور ان  اللغة العربية هي لغة السودان الرسمية فاسقط في يد ذلك المعارض كما قال غازي
في تقديري ان قول غازي ان الدستور الذي يقترحه سيكون خاليا من ذكر هوية الدولة فيه جديد اذا نظرنا لموقع غازي السياسي والفكري من الانقاذ فعدم ذكر اللغة الرسمية الذي ضرب به المثل يجعلنا نفترض وبالقياس ان الدستور سيكون خاليا من ذكر الدين الرسمي (لمزيد من التدقيق غازي ضرب مثلا لخلو الدستور من ذكر الهوية باللغة وليس بالدين) اي انه سكت عن الدين لحاجة في نفسه والسكوت في معرض الحاجة لبيان بيان كما يقول علماء الاصول  فالدين من مكونات الهوية كما اللغة لابل اكثر منها
غازي يقترح دستورا خاليا من الهوية وبهذا يكون دستورا اداريا بحتا وفي تقديري ان هذا اقتراح متطور للخروج من الجدل الذي اقعدنا كثيرا ربما يرى غازي ان مسالة الهوية مسالة محسومة في الواقع المعاش ولاتحتاج الي تنظير فاللغة العربية لاتحتاج الي نص دستوري لكي يثبتها في تربة السودان وكذا الدين الاسلامي او ربما كان يرى ان تقف الدولة على مسافة واحدة من كل الاديان او الافهام المتعددة للدين الاسلامي فان كانت هذة الاخيرة فيكون غازي قد اتفق مع الدكتور محمد محجوب هارون الذي استعرضت له هذة الصحيفة قبل اسابيع ورقة قال فيها مثل هذا الراى في جلسة منزلية تفاكرية ثم هناك الدكتور التيجاني عبد القادر الذي قد توسع في شرح الدولة الادارية غير عابئ بالوصف بالعلمانية وهنا يثور السؤال هل هناك فهم جديد لعلاقة الدين بالدولة لدى النخبة الاسلامية في السودان ؟
يبدو ان جدل الهوية او التنازع الهويوي (لو جاز التعبير) الذي كان سائدا في السودان قد انتهى عمليا بانفصال الجنوب مهما كان راينا في هذا الانفصال على الصعد الاخرى ثم ان تجربة الانقاذ الطويلة في الحكم وهي ترفع شعار اسلمة الدولة كفيل بان تجري الحركة الاسلامية مراجعة مواقفها  من الهوية في تقديري انه ينبغي لها ان تراجع موقفها من الهوية الوطنية . وكما يقولون المعرفة قوة
و(خليك واضح ياجميل )
abdalltef albony [aalbony@yahoo.com]

 

آراء