فترة الثقافات المبكرة من تاريخ السودان القديم 16 (الحلقة الأخيرة) 

 


 

 

ahmed.elyas@gmail.com

منطقة ما بين حلفا وأسوان

المنطقة الواقعة بين حلفا وأسوان (بين الشلالين الأول والثاني) التي غمرتها الآن مياه بحيرة النوبة كانت منذ بداية تاريخ وادي النيل جزءاً من الأراضي السودانية. وقد لعبت هذه المنطقة دوراً بارزاً في تأسيس تاريخ السودان القديم. غير أن هذا الدور لا يزال واهياً ويكاد يكون غائباً في وعينا القومي بتاريخنا القديم. وقد أدى التعرف على تاريخ مملكة تا ستي (مملكة قسطل) إلى إلقاء الضوء على تاريخ هذه المنطقة، وتبقى المزيد من الاهتمام والبحث في تاريخ الممالك التي نشأت في هذه المنطقة بعد سقوط مملكة قسطل - المعروفة تحت اسم المجموعة ج - حتى أصبحت المنطقة جزءاً من مملكة كوش الأولى.

وتماشياً مع التوجه الذي يسعي إلى التوقف عن استخدام الحروف للدلالة على بعض حقب تاريخنا القديم، فقد اقترحت من قبل استخدام "حضارة ما قبل قسطل" بدلاً من استخدام " حضارة المجموعة أ" وتم استخدام ذلك في موضوعات "الثقافات المبكرة" وأود هنا أيضا أن أقترح استخدام " حضارة ما بعد قسطل" للدلالة على ح      ارة المجموعة ج وهي الممالك التي نشأت بعد سقوط مملكة قسطل في شمال السودان القديم. فيكون تسلسل تاريخ تلك الفترتة كالآتي:

أ‌-    فترة حضارة ما قبل قسطل في الألف 4 ق م

ب‌-  فترة مملكة قسطل في نهاية الألف 4 وبداية 3 ق م

ت‌-  فترة حضارة ما بعد قسطل القرن 24 أو 23 ق م ، معاصرة لمرحلة كوش القديمة

ث‌-  دخول منطقة حضارة ما بعد قسطل ضمن حدود مملكة كوش في مرحلتها الوسطى

وسوف يتم في هذا المقال استخدام "حضارة ما بعد قسطل" بدلآً من استخدام "حضارة المجموعة ج" وأود أن أقترح أيضاً استخدام:

أ‌-    "حضارة المِدجاي" بدلاً من "البان قريف"

ب‌-  "حضارة بلانة" بدلاً من "المجموعة المجهولة"

وهذا الموضوع ليس دراسة لحضارة ما بعد قسطل بل يهتم فقط بجانبين، الجانب الأول: التعرف على مؤسسي حضارة ما بعد قسطل (المجموعة ج) وعلاقاتهم بالمناطق المجاورة لهم، والجانب الثاني: التعرف على الممالك التي قامت في المنطقة.

وتسليط بعض الضوء على ما ورد من تباين آراء الباحثين حول تنظيماتهم السياسية. وآمل أن يكون ذلك كمقدمات للمساهمة في  بحث ودراسة تاريخ حضارة ما بعد قسطل.

 

من هم مؤسسو حضارة ما بعد قسطل

تأسست حضارة ما بعد قسطل (المجموعة ج) في منطقة النوبة السفلى بين الشلالين الأول والثاني، غير أن نشأتها المبكرة ارتبطت بكرمة جنوب الشلال الثاني كما ارتبطت أيضا بالمناطق الصحراوية المواجهة للشلالين الأول والثالث شرقاً وغرباً.فقد ذهب بعض الباحثين إلى أن مؤسسي حضارة ما بعد قسطل ظهروا أولاً في منطقة كرمة قبل انتقالهم شمالاً إلى النوبة السفلى شمال الشلال الثاني. (Honegger, 2018, p 31 – 32; Torok, 2009, p 63, Arkell, p 46)

وبينت المخلفات الأثرية وجود مقابر ما بعد قسطل في كرمة في عصر كوش القديمة 2500 – 2050 ق م (كرمة القديمة) وتبين أن ممارسات الدفن فيهما متشابهة. كما وُجِدت بعض أنواع فخار ما بعد قسطل بصورة واضحة في كرمة.

وفسر بعض الباحتين وجود آثار ما بعد قسطل في كرمة والشبه بينهما باحتمال دخول أصحاب حضارة ما بعد قسطل من شمال الشلال الثاني إلى منطقة كرمة بعد سقوط مملكتهم، وتم التواصل وحرية التنقل بين المنطقتين. ويشير ذلك إلى التماثل بين الحضارتين. كما اتضح أن بعض طريقة تزيين فخار ما بعد قسطل هي نفسها طريقة تزيين فخار جماعة ما قبل قسطل، ولوحظ استخدام روث البقر في صناعة الفخار عند الجماعتين. ويدل ذلك على تواصل نوع من صناعة الفخار استمراره لوقت طويل دون انقطاع بين جنوب وشمال الشلال الثاني.  (Honegger,2018, p 24, 27, 30; Honegger, 2020, p 148; Bonnet, p 66; Torok, 2009, p 62; Roy. P13, 32)

ولعل هذا التواصل يسند رأي بعض الباحثين القائلين بأن النوبة السفلى لم تخل تماماً من السكان بعد سقوط مملكة قسطل (Honegger, 2018, p 27; Honegger, 2020, p 144) وترى حفساس أنه في الثلاثة قرون التي تلت سقوط مملكة قسطل (2900 – 2600 ق م) كان بعض الرعاة يرتادون النيل للرعي والسقي. وفي عصر الأسرة السادسة بدأ نشاط النوبة والمصريين في المنطقة. (Hafsaas, p 137)

وطرح أسامة عبد الرحمن النور فرضيتي وليام آدمز بأن جماعة ما بعد قسطل إما أن يكونوا أحفاد جماعة ما قبل قسطل، أو أنهم وجود فاصل زمني طويل بينهما. (أسامة عبد الرحمن النور، ص 214)

وربط بعض الباحثين نشأة مؤسسي ما بعد قسطل المبكرة في النوبة السفلى بسكان قسطل الذين هاجر بعضهم بعد سقوط مملكتهم إلى منطقة لقية غرب النيل، ويرون أنهم عادوا إلى النوبة السفلى ليساهموا في تكوين جماعة ما بعد قسطل.  Torok, 2009, p62; Rampersad, p 274; أسامة عبد الرحمن النور، 211) ويرى ماثياس لانج أن ذلك التواصل ظل مستمرا حتى بعد قيام ممالك ما بعد قسطل في النوبة السفلى. (Lange, p 112)

وإلى جانب الصورة الواضحة التي رسمها الباحثون لمؤسسي حضارة ما بعد قسطل في منطقتي جنوب وشمال الشلال الثاني ربطت بعض الآراء مؤسسي ما بعد قسطل بتحركات سكانية من مناطق شمال السودان القديم شرق وغرب النيل إلى النوبة السفلى ومساهمتها في تأسيس جماعة ما بعد قسطل.(أسامة عبد الرحمن النور ص 109 – 110) وقد أيد بيتس (Bates, p 145) رأي ريزنر الذي رجح أن المجتمعات التي أسست حضارة ما بعد قسطل كانوا قبائل صحراوية متجولة ذات أصل نوبي يعيشون على أطراف الصحراء.

ويبدو إن الجفاف في منتصف الألف الثالث قل الميلاد قد أدى إلى تحرك مربي الماشية من وادي هور ومنطقة لقية إلى النوبة السفلى. (Torok 2009 p 61) ويرى آركل أن تتبع ثقافة جماعة ما بعد قسطل يوضح أنهم أتوا من المناطق الصحراوية الواقعة جنوب وغرب وشرق الشلال الثاني حيث طوروا ثقافتهم وكانوا أصحاب مواشي مستقرينsedentary Cattle owner  بأبقارهم ذات القرون الطويلة، وربما كانوا فرعاً من التمح، وربما عاش بعض التمح في وقت ما على وادي هور. وفي تراث التاما الحاليين - كما يرى آركل - أنهم كانوا يعيشون في منطقة بئر النطرون الجافة اليوم شمال وادي هور. (Arkell, p 46, 47) كما يرى بيتس أيضاً أن أصحاب حضارة ما بعد قسطل ربما ينتمون إلى فرع من التمح. (Bates, p 252)

ذكرت أناندا ياكفيلو أن اسم التمح ظهر أولاً في عصر الأسرة المصرية السادسة في نصوص حرخوف ووني. (Iacoviello, p 20) فقد ذكر حرخوف (سليم حسن ج 10 ص 27) في رحلته الثالثة أنه "وجد رئيس يام الذي كان ذاهباً ضد بلاد تمحوا لمحارتها"  وذكر وني أن الجنود المرتزقة في جيشه أتور من مناطق واوات وارثت ويام وكاو وتمحو ومزاوي. (سليم حسن ص 27 و34) ويبدو أن التمح تحركوا بعد أن ضرب الجفاف مناطقهم نحو عام 2800 ق م إما نحو الواحات المصرية أو نحو صحراء النوبة متبعين الطريق الذي سلكه حرخوف فيما بعد. وربما استخدم المصريون التمحو كخفراء أو أدلاء على طرق التجارة في منطقتهم. (Iacoviello, p 22)

يقول بيتس عن التمح:"يبدو بوضوح أنهم فرعاً من التحنو، ويتكونون من عدد من القبائل. وكان المصريون يرجعون إليهم بـ "سود الجنوب" مثل الارتت والمازوي  واليام والواوات وكاو" (Bates, p 46)  ويرى بيتس (ص49) أنهم الجيران الشماليين لواوات، وربما كانوا في واحة كركرو أو سليمة أو ربما كانوا على النيل.

وكان التمحو يعيشون في الواحات المصرية، ويرى سليم حسن أن جنود تمحو في جيش وني ربما أتوا من الواحة الخارجة وهي أكثر احتمالاً من قدومهم من واحة كركر (ج 10 ص 70 - 71). ويرى أورك بيتس أن التمح أو التمحو (تجار حجر التمح) فرع من التحنو الذين يتجولون في الصحراء الليبية، وأن التمح يتكونون من عدد من القبائل كان المصريون يرجعون إليهم  مع اثنيات الارتت والمازوي واليام والواوات والكاو. وكان التمح كما يرى أورك بيتس في عصر حرخوف ينتشرون جنوبا في واحات كركر أو سليمة أو ربما على النيل حيث تقل المقاومة ضدهم بخلاف توسعهم شمالاً، لكنهم لم يختلطوا بالعناصر المحلية. (Bates, p 43, 46, 49)

وهكذا يتضح ارتباط مؤسسي حضارة ما بعد قسطل بمنطقة النيل بين الشلالين الأول والثالث وبالمناطق الصحراوية المجاورة لهذه المنطقة شرقاً وغرباً. وكانوا يمثلون فرعاً من الثقافة الإقليمية التي انتشرت بين صحراء العتباي والقاش شرقاً ومنطقة لقية ووادي هور ونبتا بلايا غرباً كما وضحت أبحاث ماري جتو (Gatto) وماثياس لانج (Lange)

فقد أدت التغيرات المناخية التي اجتاحت مناطق شمال السودان القديم شرق وغرب النيل إلى تحركات السكان نحو مصادر المياه وبخاصة نحو منطقة النيل بين الشلالين الأول والثالث منذ الألف الرابع قبل الميلاد. وكان لتلك التحركات السكانية دوراً واضحاً في تكوين جماعة ما بعد قسطل وتأسيس حضارتها حتى أن حفساس (Hafsaas, p 159) رأت أن مؤسسي حضارة ما بعد قسطل تكونوا من:

أ‌-    سلالة جماعة ما قبل قسطل الذين ربما ظلوا مستقرين في النوبة السفلى بعد سقوط مملكتهم.

ب‌-  تحركات من الصحراء بسبب الجفاف

ت‌-  خليط مع سكان منطقة كرمة.

وكما ربط بعض المؤرخين ظهور جماعة ما بعد قسطل والتغيرات المناخية في الصحراء (Iacoviello, p 20; Torok, p 61) ربطوا أيضاَ ظهورهم بالأوضاع في مصر في عصر الأسرة السادسة. فقد ذكر آركل الحملات المصرية في عصر الملك ببي الأول نحو 2242 ق م أضعفت سكان النوبة السفلى أصحاب ثقا وسهلت دخول مهاجرين للمنطقة أسسوا حضارة ما بعد قسطل. (Arkell p 44 سليم حسن، ج 7 ص 90)

ويرى توروك وحفساس أن المهاجرين الجدد أسسوا أنفسهم في المناطق الخصبة في النوبة السفلى في دكا وعنيبة وفرس منذ بداية الأسرة السادسة في القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد وأصبحوا مصدر إزعاج لمصر. (Torok, p 63; Hafsaas, p 163)  وقد أوضحت آثار الأسرة السادسة أن منطقة النوبة السفلى كانت آهلة بالسكان، كما كانت الحياة عامرة أيضاَ في المناطق المجاورة لها شرقً وغرباً.

 

شمال السودان القديم في عصر الأسرة السادسة

ورد ذكر 12 موقعاً في شمال السودان القديم في نصوص حرخوف وسبني ووني في آثار الأسرة المصرية السادسة (2494 – 2345 ق م). وقد وردت أغلب هذه المناطق في نصوص حرخوف في مناطق جنوب مصر الواقعة غرب النيل. ذكر حرخوف أن جلالته أرسله "إلى إقليم "يام" للكشف عن الطرق المؤدية الى هذا الإقليم الأجنبي" (سليم حسن، ج 10ص 26) وذكر في رحلته الثانية إنه خرج عن طريق الفنتين وانحدر نحو "ارتت" و"مخر و"ترس"، وفي رجوعه انحدر من مخيم رئيس "ستو"[ساتجو] وارثت. وفي رحلته الثالثة ذهب إلى يام عن طريق الفنتين إلى ارثت وماخر وترس ثم واوات. وسار على طريق الواحات فواحة كركر فواحة دنقل وبذلك تحاشى المرور من شمال بلاد النوبة" ووجد حرخوف رئيس يام ذاهباَ لحرب "بلاد "تمحوا" حتى حدود غرب السماء. (سليم حسن، ج 10 ص 27 و68)

ويرى كثير من الباحثين أن واوات وإرجت وساتجو تقع بين الشلالين الأول والثاني على هذا الترتيب المذكور من الشمال إلى الجنوب   Torok, p 61, 116; Roy, p 11; 208, 259)  سليم حسن، ج 10 ص 39 – 40، 46)

وذكر سبني أنه ذهب "لإحضار جثة والده من واوات وارثت. ووضح أن الأحوال قد هدأت في هذه البلاد الأجنبية ... وفي الأقطار ... التي تسمى عا و ثر، ثم عاد نحو واوات ووثك" (سليم حسن، ج 10 ص 31) ويتضح مما ذكره سبني عن مناطق عا وثر ووثك أنها تقع في ماكن ما غرب النيل ربما بجوار النوبة السفلى لأنه تواصل معها عبر طريق واوات وارثت. وذكر وني أن الجنود المرتزقة في جيشه من مناطق واوات وارثت ويام وكاو وتمحو ومزاوي (سليم حسن، ج 10 ص 34) مزاوي (أو مزا ومجا) تعرف بأنها مناطق البجة الحالية.

فالمناطق التي ذكرت في عصر الأسرة السادسة هي واوات وارثت وساتجو (ستو) ومخر (ماخر) وترس ويام وتمح وعا وثر ووثك ومراي وكا (كاو). وورد ذكرها في عصر ملكي الأسرة السادسة مرنرع وببي الثاني في القرن 23 ق م أي أن هذه المناطق كانت معاصرة لقيام حضارة ما بعد قسطل كانت معاصرة لبداية حضارة ما بعد قسطل.

فإذا قبلنا بوقوع واوات وارثت وساتجو على النيل بين الشلالين الأول والثاني وكونها مراكزاً  أو أصبحت مراكزاً لجماعة ما قبل قسطل، يتبقى التساؤل حول علاقة بقية المناطق بحضارة ما بعد قسطل، فالمناطق العشرة التي ذكرها حرخوف وسبني اقترن ذكرها بمراكز ما بعد قسطل واوات وارثت وساتجو غرب النيل.

 

ممـالك ما بعد قسطل

بدأ استيطان مؤسسي ما بعد قسطل كمستوطنات صغيرة في دكا وعنيبة وفرس. (Torok, p 62; Hafsaas, p 138) وقسمت مراحلها التاريخية بين نحو (2400/2300 – 1600 ق م) استناداً على مخلفاتها الأثرية كالآتي: (Torok, p 63)

-    الفترة المبكرة a1 2500 -2020 ق م وتقابل كوش القديمة

-    الفترة الوسطى من آخر 1bو11a 2050 – 1750 ق م وتقابل كوش الوسطى

-    الفترة الأخيرة b11 و111 وتقابل الجزء الأول من كوش الكلاسيكية حتى 1600 ق م

ولم تتفق آراء الباحثون حول توصيف تطور مجتمعات جماعة ما بعد قسطل ونظم الحكم التي أسسوها فتناولوها نحت مسميات زعامات ورآسات وممالك من خلال ما ورد عنها في النصوص المصرية القديمة. فسليم حسن تناول حكام ارثت وواوات كـ "أمراء"، وفي نص حرخوف وصف حكام يام واوات وارثت وستو(ساتجو) بـ "الرؤساء". وفي نص وني وصف حكام بلاد ارثت وواوات ويام والمزاوي بـ "الزعماء"، وفي نص ببي نخت وصف حكام واوات وارثت وساتجو بـ "الملوك". ووصف حكام بلاد ارثت وواوات ويام والمزاوي في نص وني بـ "الزعماء"، ووصفهم بـ "الملوك" في نص ببي نخت. (سليم حسن، ج 10 صفحات 21 و30 و37)

ويرى تورك أنه مع بداية الأسرة السادسة وانتظم سكان النوبة السفلى في زعــامات أظهرت ملامح الطريق لبناء الدولة archaic state فقد تطورت من زعامات بسيطة simple Chiefdoms على مساحات صغيرة كل واحدة نحو 115 كيلو متر ضمت مناطق صغيرة مثل دكا (واوات) وعنيبة (إرتت Irtjit) وفرس (ساتجو Satju) إلى زعامات مركبة كبيرة شملت كل المنطقة بيت الشلالين الأول والثاني (Torok, p 58)

ووصف تورك (Torok, p 58, 59) وحفساس (Hafsaas, p 172) مجتمعات ما بعد قسطل بالزعــامات single chiefdom. كما ذكر تورك أن واوات وارثت وساتجو كونت polities (حكومات) ويعلق ديفد ادوارد (Edward, p79) ان المصطلح الذي يستخدم لوصف الوضع السياسي لمجتمعات ما بعد قسطل غامض وأحياناً متضارب بضعها يستخدم chiefdoms وأحياناً يستخدمون Tribal Confederacy

فقضية ألقاب حكام ما بعد قسطل وتصنيف أنظمة حكمهم تتطلب البحث ومراجعة ترجمة النصوص التي وردت عنها في اللغة المصرية القديمة. فقد ذكر أوكنور:

"أن الكتاب المحدثون ترجموا كلمتي"heka, wer"  اللتان وردتا في الآثار المصرية إلى "ملك" بالنسبة لحكام الشرق الأدنى، وترجمتا إلى "زعيم" للحكام النوبيين. وفي الحقيقة يوجد دليل معتبر يوضح أن تكوين الدولة عملية راسخة في عصر البرونز في النوبة. ولذلك ينبغي أن نراجع الكثير من أفكارنا عن الأوضاع السياسية المبكرة في النوبة.     "(O’Connor, p 10)

فقد أتت ألقاب حكام ما بعد قسطل في نص وني كما ذكر توروك هكذا (wqɜt, ḫɜswt) ووضح توروك أن معنى هذين اللقبين "حكام المناطق الأجنبية" ورغم ذلك استخدم تورك لقب "زعماء" كلقب لحكام ما بعد قسطل بدلاً من لقب "حكام" الذي ورد في النص. (Torok, p 59)

كما أتى لقب حاكم يام هكذا "qɜḥ" في نص حرخوف، ووضح توروك أن هذا اللقب يعني "حاكم". وذكر وأن كلمة qɜwḥ بمعنى "حكام" أطلقت على قادة عدد من polities (واوات وارثت وساتجو). وعلى نفس الصفحة تناول توروك نص الملك مرنرع الذي جاء فيه "أن الملك مرنرع أخضع حكام (ḥqɜw) واوات وارثت ومدجاي" فقد ورد في النص لفظ (ḥqɜw) الذي يعني حكام - كما ذكر توروك – غير أنه في تعليقة على النص يطلق على قادة هذه المناطق "رؤساء" بدلاً من حكام التي وردت في النص. (Torok, p 60)

ويضرب أسامة عبد الرحمن النور (ص 223) مثلا في اختلاف آراء الباحثتين وتوصيفهم لتطور الأنظمة السياسية في السودان القديم بما ذكره أوكنور حيث يقول: "يقول أوكنور بأن تريقر يقيم التحالف الذي نشأ بين واوات وارثت وساتجو في عهد الدولة القديمة بمثابة كونفدرالية هشة يترأسها "زعيم" في حين أن حاكم ذلك الإتحاد كان "ملكاً حقيقياً". ويصف تريقر شكل الحكم في يام المعاصرة للاتحاد بحسبانها "مشيخة مزدهرة"

ويبدو أنه من بين أسباب التقييم غير المنصف من بعض الباحثين لتطور الأنظمة السياسية المبكرة للمجتمعات السودانية القديمة – كما يرى جارسيا أنه:

"خلافاً لما كان يفترض عن الحضارة الفرعونية فإن الأبحاث الجيولوجية الحديثة وإعادة تقييم المصادر المكتوبة بينت أن الدولة في وادي النيل أخذت مسارين مختلفين لكنهما متداخلين. فمن ناحية تعتبر مصر كمثال للقوة الفعالة والسلطة المركزية والنظام البيروقراطي واستمرارية المؤسسات في مجتمعات عصر البرونز، ومن ناحية أخرى كانت هنالك "نوبيا" التي ينظر إليها كدولة هامشية متخلفة تحت ظل جارتها القوية في الشمال"  (Garcia, p 337)

------------------

هذا هو الموضوع الأخير في سلسلة موضوعات: "فترة الثقافات المبكرة من تاريخ السودان القديم" والغرض من عرض هذه الموضوعات هو تبادل الأفكار والنقاش من أجل المزيد من البحث والدراسة لهذه الفترة المهمة والمؤسسة لتاريخنا القديم.

وسوف أقوم بمراجعة هذه الموضوعات - مراعيا ما قد يرد من ملاحظات وأفكار الزملاء والمهتمين بدراسة تاريخ السودان القديم - لنشرها مع بعض الموضوعات التي طرحت من قبل بعنوان "مراجعات في تاريخ السودان، الجزء الثاني"

 

المراجع

-    أسامة عبد الرحمن النور، دراسات في تاريخ السودان القديم، أم درمان: مركز عبد الكريم ميرغني.

-

-    Arkell, A. J. History of the Sudan, London: University of London, 1961.

-    Bates, Oric, The Eastern Libyans: An Essay, London: Frank Cass & Co. Ltd, 1970. First published 1914

-    Edward, David N. The Nubian Past: An Archaeology of Sudan, London: Routledge 2004.

-    Emberling, Geoff “Pastoral States: toward a Comparative Archaeology of Early Kush” ORIGINI, XXXVI. 2004.

-    Emberling, Geoff and Williams, Bruce Beyer (eds.) 2020, The Oxford Handbook of Ancient Nubia,Oxford University Pres. https://doi.org/10.1093/oxfordhb/9780190496272.013.10

-    Garcia, Juan Carlos Moreno, “States Biuling and Diverging Political Paths in the Nile Valley: Trade, power and Wealth 4000 – 1750 BC” in Surplus without the State-historical Forms in Prehistory, 10th Archaeological Conference of Central Germany, October 19 – 21, 2017 in Halle (Saale) 337-374.

-    Gatto, Maria Carmela, “Ceramic Traditions and Cultural Territories: the Nubian Group in Prehistory” Sudan and Nubia, Bulletin no. 6, pp 8 – 19, 2002.

-    Hafsaas, Henriette “The C-Group People in Lower Nubia: Cattle Pastoralists on the Frontier Between Egypt and Kush” in Emberling, Geoff and Williams, Bruce Beyer (eds.) in Emberling, Geoff and Williams, Bruce Beyer (eds.) 2020, p 157-177

-    Honegger Mattheu, “New Data on the Origin of Kerma” Proceedings of the 13th International Conference for Nubian Studies, Neushatel 1- 6 September 2014, Peeters Leuven-Paris-Pretol, CT, 2018.

-    Honegger, Matthieu, “The Pre-Kerma Culture and the Beginning of the Kerma Kingdom” in Emberling, Geoff and Williams, Bruce Beyer (eds.), pp 143-155, 2020,.

-    Iacoviello, Annalinda (2014) “Some Remarks on the Tjemhu Libyan” Journal of Ancient Egyptian Interconnection” Vol. 6:4, 2012, p20 – 29. http://jaei.liberery.arisona.edu

-    Lange, Mathias “The Archaeology of the Laqiya Region (NW-Sudan): Ceramic, Chronology and Culture” in Caniva I and A. Roccati (eds.) Acta Nubica,. Proceedings of the 10th International Nubian Studies, Rome2006, 19 – 14 September 2002, pp 107 – 115.

-    O’Connor, D. “Chiefs or Kings? Rethinking Early Nubian Politics” EXPEDETION , Vol. 35, no.2, 1993 pp. 4 – 13.

-    Rampersad, Sabrina Roma, the Origin and Relationships of the Nubian A-Group. A PhD thesis, dept. of near and Middle Eastern Civilizations, University of Toronto, 1999.

-    Ross, Larry, Nubia and Egypt 10 000 BC to 400 AD, New York: The Ewin Mellen Press, 2013.

-    Török, Laszlo, Between Two Worlds The Frontier Region between Ancient Nubia and Egypt 3700 BC – AD 500 by Leiden • Boston, 2009

 

 

آراء