في السادس من أبريل ماذا يريد السودانيون؟

 


 

 

بـهدوووء_
هو يوم محدد لخروج السودانيون في كل أنحاء البلاد، حيث سيخرج الناس في المدن و الحواضر و القري سيكون هتافهم يشق عنان السماء، في هذه الكرنفالات رسم السودانيون لوحة تطلعاتهم وأحلامهم في قيام الجمهورية التي يجب أن تقوم علي اساس مشروع وطني معالمه واضحة وضوح الشمس. أهم هذه المعالم هي تأسيس دولة المواطنة المتساوية حيث الناس سواسية أمام القانون، دولة تجرّم التمييز علي أساس العرق أو اللون أوالدين أو النوع، وهذه الدولة يجب أن تحكم بواسطة نظام ديمقراطي حقيقي يفصل بين السلطات ( أعني السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية و تكون لكل سلطة صلاحياتها ولا تتغول فيه سلطة علي أخرى). هذه الدولة يجب أن تضمن و تصون الحريات الاساسية المنصوص عليها في الميثاق العالمي لحقوق الانسان (من حرية التنظيم و حرية التعبير وحرية الضمير و غيرها) و بناء المؤسسات التي تصون هذه الحريات هو اساس ضمان صيانة الكرامة الانسانية. هذه الدولة ايضا يجب أن تقوم علي اساس تحقيق العدالة الاجتماعية و العدالة النوعية في بنيانها الدستوري مما يلزم بتطوير سياسات تضمن توفير سبل الحياة الكريمة لكل افراد المجتمع خصوصا المستضعفين و المهمشين. هذه الدولة ايضا يجب أن تضمن و تحمي التنافس الحر في مجال الابداع و الابتكار و و ريادة الأعمال بوضع القوانين و السياسات التي توفر هذه البيئة. في تقديري هذه الدولة يجب أن تتبني نظام شبه رئاسي حيث أن السلطة التنفيذية و السيادية تقسم ما بين رئيس الجمهورية و رئيس الوزراء حيث يقوم الرئيس بتعيين رئيس الوزراء علي أن يحصل علي موافقة البرلمان و هذا ليقيني أنه ليس بامكان اي قوي سياسية الحصول علي اغلبية لتفادي مشاكل حكومات التحالفات في الديمقرطيات البرلمانية، فكرة انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب مباشرة يمكن أن تضمن التفاف الناس حول رمز وطني يساهم في معالجة تهتك النسيج الاجتماعي و الاحتقانات الأثنية. هذه خطوط عريضة للاجابة علي سؤال ماذا يريد السودانيون؟
أما في أمر كيف يمكن الوصول إلى هذه الدولة المنشودة اي ماهي الآليات التي ستوصلنا إلى أرض الميعاد فهذا أمر قابل للتغيير، فأي وسيلة أو آلية ما قد تكون مفيدة اليوم لكنها غير مفيدة في الغد و هذا أمر يجب أن يخضع للتغيير حسب احتياجات المجتمع و حسب البرامج و التوجهات السياساتية. في الوقت الراهن اي في هذه المرحلة أولا يجب انهاء انقلاب العار هذا بكل السبل والوسائل (مشروعة وغير مشروعة)، فهذا لا يهم كثيرا طالما وصل بنا الأمر للحديث عن الحفاظ على ما تبقى من البلاد وإلا لن يكون هنالك وجود للسودان ذاته .
يجب أن نسقط هذا الانقلاب الذي يتهاوى بفعل الضربات القوية التي يتلقاها من كل الاتجاهات وأن تأتي المرحلة الانتقالية التي تؤسس لبناء الدولة، هنالك واجب ما قبل البناء الذي يجب أن يتم قبل أن نبدأ في الحديث عن تأسيس هذه الدولة، و أول هذه المطلوبات عودة اللاجئين و النازحين، تفكيك دولة المصالح الريعية التي حولت مؤسسات مثل الجيش و الأمن و الشرطة الي مؤسسات استثمارية لا تخضع لاي رقابة من قبل جهاز الدولة و كأنها هي ليست جزء من جهاز الدولة بل كائن متعالي علي اي شيء في هذه الدولة. و السودانيون يريدون أن يسبق ذلك توحيد كل الميليشيات و جيوش الحركات المسلحلة في جيش واحد يعاد بنائه وفق عقيدة قتالية جديدة اساسها الاحترافية و حماية الدستور وفق ماورد في التصورات عن شكل الدولة في ماذا يريد السودانيون في عاليه، يجب أن لا يترك أمر اعادة بناء (ليس اصلاح) هذه الاجهزة الأمنية للقادة العسكريين و كفى فهذا أمر يهم كل السودانيين و من صميم حقهم في رسم و تحقيق اعادة البناء وفق هذه الرؤية للدولة السودانية الحديثة. يريد الشعب السوداني أيضا أن تبدأ عملية اعادة بناء مؤسسي للخدمة المدنية بشكل عام و بالأخص الاجهزة العدلية من قضاء و نياية، وأن تكون النياية العامة من صلاحيات وزارة العدل بدلا من جعل وزراة العدل مجرد مستشار للحكومة ففكرة استقلال القضاء هي مبدأ و ليس مسألة وظيفية، ففكرة عدم تبعية النيابة العامة لوزراة العدل أو أن يكون وزير العدل هو النائب العام لا تعني بالضرورة استقلالية النيابة العامة، الاستقلالية هي ثقافة و سلوك مؤسسي يحتاج الي توطين. هنالك ايضا مهام مثل قيام التعداد السكاني و التوافق علي قانون انتخابات.
يريد السودانيون أن يخرج الجيش و العسكر من الحياة السياسية و تأسيس سلطة مدنية انتقالية كاملة و تحديد جدول زمني و رؤي و برنامج لتوحيد الجيوش وفق عقيدة محددة اساسها ماذا يريد السودانيون و الشروع في نقل ملكية الشركات المملوكة للجيش و الأمن و الجيش و الشرطة لوزارة المالية علي أن يقرر المجلس التشريعي ماذا يجب أن تفعل الدولة بهذه الشركات ويحدد استمراريتها أو تحويلها إلى شركات ملكية عامة أو خصخصتها. يريد السودانيون إنهاء دولة الظلم والقتل والاغتصاب والخوف والارهاب والقمع.
يريد السودانيون أن يتم التوافق على اعلان دستوري للجميع و اجراء حوار حوله و دعوة كل القوى الثورية والقوى السياسية و النقابات و اتحادات العمال و لجان المقاومة وبقية منظمات المجتمع المدني من غرفة تجارية و أندية رياضية و طرق صوفية للحوار و التوقيع عليه و عقد اجتماع أو مؤتمر موسع لتصعيد قيادة تكون هي القيادة التأسيسية للجمهورية الثانية و اعلانها الدستوري هو الإطار العام للمشروع الوطني الذي ظل غائبا في السياسة السودانية. هذا الاعلان هو بمثابة الأجندة الوطنية التي تقدم بها السودانيون من مختلف قطاعاتهم و مناطقهم و اثناياتهم و سحناتهم نساءا و رجالا و علي الحكومة الانتقالية التي ستأتي العمل علي انفاذه، و إذا طال أمد المقاومة لهذه المجموعة الانقلابية فهذا الاعلان الدستوري نتمنى أن يكون هو برنامج عمل المقاومة و مشروعها الوطني.أحلام وطموحات أقل ما يمكن قوله عنها أنها بسيطة في مجملها وليست مستحيلة وهى حقوق مواطنة عادية ومشروعة فهل تسمعونهم؟!
لماذا السادس من أبريل دون سواه؟
لطالما احتفيتُ بيومِ مولدي الموافق للسادس من أبريل، هذا التاريخ المجيد الذي أحطت بعنواينه العامة منذ نعومة أظفاري لأبز به أندادي، فأنا مفتونٌ بهذه البلاد وفانٍ بكليتي في لحظات ميلادها المجيدة، تحرير الخرطوم على يد الإمام محمد أحمد المهدي، وإعلان الإستقلال من داخل البرلمان ورفع العلم على سارية سرايا المستعمر، إسقاط نظام الجنرال إبراهيم عبود في أم الثورات، ثم عزل الجنرال جعفر نميري إبان انتفاضة مارس أبريل صبيحة السادس من نيسان أبريل في العام ١٩٨٥، ومارس ماسك كتف أبريل يهتدي به في سنين التيه والضياع.
هذا التاريخ لم يكن ذو أهمية إلا في دوائر ضيقة على أهمّيته، فهو يشكل إحدى لحظات التحرر الفارقة في تاريخ شعبنا، ولكن لطالما قلت أنا بحاجة لإعادة تعريف هذا التاريخ وتكثيف معناه في النفوس، وكثيرا ما سألت الله ذلك، حتى تعانقت أرواح السودانيون وائتلفت أفئدتهم في ذكراه العطرة من العام ٢٠١٩، لتنفتح كنوز معانيه ودراريها.
‏ليس لرمزية إسقاط نميري الموضوعة في الإعتبار، فلقد أعدنا تعريف التاريخ من جديد، حتى باتت دلالة السادس من أبريل مرتبطة بثورتنا لا بالإنتفاضةِ وبيان سوار الدهب، وإن كانت لأكتوبر ليلة متاريس، فلديسمبر ليالٍ طِوال، طوقناها بمتاريسٍ شامخاتٍ عفرتها الدماء وروتها الدموع. بل لأنه كان تتويجا لمخاض البسالات العسير لقرابة الأربعة أشهر، عملت لجان الأحياء بجد لمناشدة الشارع، أعدّ النظامُ كل آلته القمعية لتعويقه وكسرِ شوكة المقاومة من خلاله، لم يخطر ببال أحدٍ أن ينجح، حالة من الإحباط والترقب تملأ القلوب والعقول، بيد أنّ كل ثائرٍ وضع على عاتقه مهمة إنجاحه، من التعبئة وحتى الخروج ولو مات وحيدا، فكان موكبا مدويا أفزع قيادات النظام البائد وفلوله وقض مضجعهم، كانت المليونية الأولى التي جسدت الرقم بكتلته الحرجة، عشرات بل مئات المواكب جاءت من كل فجٍّ عميق، الجميع وضع على عاتقه مسؤولية تحقيق الشعارات التي حدت الثوار منذ بدايات الثورة في أرض الواقع، والوصول بها إلى نهاياتها..
أخيرا فقد تعاهدنا على أنّنا الجيل الذي سيدفع ضريبة طَي صفحة الإنقلابات العسكرية، وها نحن ذا نستكمل المسير غير عابئين بالتعب، إذ لا يمكننا الإستلقاء أثناء المعركة، وتواثقنا في ليلةٍ بألفِ ليلةٍ وليلة على أنّ السادِس مِن أبريل ليسَ سِدرة منتهانا، بل هو درَجٌ سامٍ نخطوهُ بوُسْعٍ وثبات نحو تمام الوصول، وسنصلُ إن شاء اللهُ تحقيقاً لا تعليقاً.
يا شِـراعاً أوصلَ الزّوْرَقَ للشَـاطئِ فجـرا

mido34067@gmail.com
/////////////////////////

 

آراء