في اليوم العالمي للمسرح .. بقلم : بدرالدين حسن علي

 


 

 

badrali861@gmail.com


    فاسيليف : المسرح هو الجانب الأكثر شفافية من الضوء  
 
    في كلمة اليوم العالمي للمسرح الذي يصادف السابع والعشرين من مارس ، كانت
    كلمة هذا العام 2016 من نصيب المخرج الروسي الكبير أناتولي فاسيليف ،
    تساءل فيها : فيم حاجتنا إلى المسرح وفنونه في أوقات كهذه ؟ وأضاف قائلا
    : المسرح حاليا تتضاءل أهميته أمام ساحات الميادين وأراضي الدول ، والتي
    بدورها صارت مسرحا نرى عليه تراجيديا حقة من صلب واقعنا المغاش .
    خقيقة هذا هو السؤال الصعب الذي يواجه الآلاف من ممارسي المسرح وقد
    إعتراهم الأحباط بعد سنوات من الدراسة والبحث والتجريب ، وتكبدوا المشقة
    وعانوا الصعاب ، وها هم اليوم يرثى لهم في الكثير من أقطار العالم ، وذات
    السؤال يطرحه ملايين البشر وقد أدركهم الملل ، وهناك من يرى أنه مضيعة
    للوقت وتبذيرا للمال وفنا عفى عليه الزمن وأصبح من مخلفات الماضي في زمن
    السينما والتلفزيون والفيديو كليب .
    وبحزن دفين يتساءل فاسيليف : هل المسرح يعني في نظرنا ونظر الكثيرين تلك
    المقصورات والشرفات المذهبة والمقاعد الوثيرة مخملية الملمس ، وكواليس
    المسرح المتسخة ، وأصوات الممثلين التي يعتورها الإرهاق، أتفق مع فاسيليف
    أنه  أعلى العكس من ذلك كله شئ جد مختلف: محض صناديق سوداء يعلوها الطين
    وتلطخها بقع الدماء، وبداخلها كومة من الأجساد المكشوفة الممسوسة بنزق
    الجنون.
    عن أي شئ يحدثنا المسرح؟
    أقول: كل شيء
    فبمقدور المسرح أن يخبرنا عن كافة الأشياء
    فهو الذي يقص علينا أخبار الآلهة في علاها السماوي، و أخبار المساجين
    الذين يذوون في بطء داخل كهوف منسية تحت الأرض، وهو الذي يخبرنا عن عاطفة
    تسمو بالبشر وترتقي، أو عشق يورد أصحابه مورد الندم والأذى، وقد يرينا
    عالما لا يجد الأخيار لهم فيه مكانا، أو يكشف واقعا يسود فيه الخداع
    ويبسط الزيف سلطانه. وقد يخبرنا عمن يحيون داخل بيوتهم في دعة وأمان،
    بينما الأطفال بوجوه ذابلة في مخيمات اللاجئين يغالبون جوعهم ويعانون شظف
    العيش، وهو الذي يؤكد أن الجميع عائدون لا محالة إلى الصحراء القاحلة،
    وأننا مع مجيء كل يوم مجبرون على مفارقة بعض من نحب …نعم! بمقدور المسرح
    أن يحدثنا عن كافة الأمور والأشياء.
    والآن، فقد تنامت الحاجة إلى المسرح خلال الخمسين أو السبعين عاما
    الأخيرة على وجه الخصوص، فلو انك نظرت إلى الفنون الجماهيرية في مجملها
    فستدرك على الفور ان المسرح — وحده — هو القادر على إحداث ذلك التواصل
    الحميمي المباشر : تلك الكلمة التي تمضي مباشرة من فم إلى فم آخر، أو
    نظرة من عين لعين أو إيماءة من يد ليد ومن جسد لجسد. فالمسرح لا يحتاج
    إلى وسيط كي يفعل مفعوله بين البشر بل هو بمثابة الجانب الأكثر شفافية من
    الضوء: وهو في هذا لا ينتمي إلى الجنوب أو الشمال أو الشرق أو الغرب فما
    هو إلا جوهر النور نفسه، يشع علينا من أركان العالم الأربعة فيتعرف عليه
    الجميع من فورهم سواء أكانوا ممن يحبون المسرح أم ممن يعادونه.
    أقول إننا نحتاج المسرح القادر على أن يظل مختلفا بل وأيضا نحتاج أنواعا
    مختلفة ومتنوعة من المسرح.
    وعلى الرغم من هذا يخيل لي انه من بين جميع أشكال المسرح وأنواعه يظل
    احتياجنا للأنواع القديمة المهجورة الاحتياج الأكثر إلحاحا على الإطلاق.
    إذ لا أجد نفعا يرجى من وضع المسرح المرتكز على أشكال طقسية في تناقض
    زائف مع مسرح الأمم ” المتحضرة”. فقد أصاب الوهن الثقافات الدنيوية وأخذت
    قدرتها على الفعل تضعف يوما بعد يوم وحل ما يسمى ب”المعلومات الثقافية”
    محل الأشكال البسيطة والأولية للوجود مزيحا إياها عن مكانها فإذا بها
    اليوم وقد بدت أبعد منالا من أن نجدد صلتنا بها.
    ولكني أرى الأمر الآن بجلاء تام: فها هو المسرح يفتح أبوابه علي مصراعيها
    معلنا ان الدخول مجاني للجميع.
    فلتذهب كل الأجهزة الالكترونية والحواسب إلى الجحيم! اذهبوا إلى المسرح
    واتخذوا أماكنكم في الصفوف الأمامية وفي الشرفات وارهفوا السمع لكل كلمة
    تنطق علي مسامعكم وتـأملوا مليا كل مشهد حي يتجسد أمامكم! هاهو المسرح
    أمامكم فلا تتركوه نهبا للنسيان، ولا تتركوا فرصة تمضي دون أن تتشاركوا
    فيه… فلعلها تكون الفرصة الأثمن والأندر في خضم حيواتنا اللاهثة الخاوية
    من المعنى.
    نعم نحن في حاجة إلى المسرح بكل أنواعه وأشكاله …
    نوع واحد فقط من المسرح لا يحتاجه إنسان، ألا وهو مسرح السياسة
    وألاعيبها، مسرح مصائد الفئران السياسية، مسرح محترفي السياسة ومشاغلهم
    العقيمة غير المجدية.
    إن مسرح الإرهاب اليومي ليس مما نحتاجه بكل تأكيد. جماعيا كان هذا
    الإرهاب أم فرديا. لسنا بحاجة إلى مسرح الدماء والجثث الملقاة في الشوارع
    والميادين وفي العواصم والأقاليم. فياله من مسرح مزيف قوامه الصراع
    الكاذب بين الأديان والعرقيات!

    الأحد 27 مارس يصادف اليوم العالمي للمسرح ، الذي جرى الإحتفال به في
    السابع والعشرين من مارس 1962في باريس ، تزامنا مع إفتتاح مسرح الأمم ،
    واتفق على تقليد سنوي يتمثل بأن يكتب إحدى الشخصيات المسرحية البارزة في
    العالم بتكليف من المعهد الدولي للمسرح رسالة دولية تترجم غلى أكثر من 20
    لغة ، وتعمم إلى جميع مسارح العالم حيث تقرأ خلال الإحتفالات المقامة
    بهذه المناسبة ، وتنشر في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية .
    زمان في السبعينات في السودان  كنا نطالب بذلك في المسرح القومي بام
    درمان ، وكانوا يصفوننا بالعملاء والخونة أعداء الوطن !!!
    رسالة اليوم العالمي للمسرح لعام 2016 يلقيها المخرج الروسي الكبير
    أناتولي فاسيليف ، نقلها إلى العربية من اللغة الروسية د. حازم عزمي

 

آراء