في هوى البلاد

 


 

 

أنا مريضٌ بمرضٍ اسمُهُ "السودان". عادةً أنا لا أعترفُ بهذا المرض. لكنّه "زَنَقَنِي" في دربٍ ضيِّقٍ الآن وفضح كلَّ ادِّعاءاتي "العالميّة" الطّابع، في ما أكتبُ خصوصاً، من جهةِ بيانِهِ، بالدموع والارتجافِ عندَ الغناء، أنّه يرقُد خشناً وجميلاً كالخرائبِ القديمةِ المليئةِ بسرٍّ لا تبلغه "ماكيناتُ" هذا العصر وطبيعتُه المسوّرة بالأوامر المدنيّة الإمتلاكية البغيضة من أمثال "لا تتعدّى على هذه الأرض"، "ممنوع منعاً قاطعاً دخول هذه الحديقة المملوكة ل........ الخ.. الخ.. "؛ كيف تكونُ الحدائقُ جميلةً إن كانت أسيرةَ هذا الإمتلاك القاصّ لأجنحةِ وحشيّتها الحرّة والحابس لها في أناقة المدنيِّ التي لا رعشةَ بدائيّةَ بها؟ كيف تكون؟ .. كيفَ تكون؟ أنا دادائيٌّ من هذه الناحية فلا تعذروني .. ولن أهتمّ! وما مرضي بـ"السودان"، خصوصاً في بعضِ نواحيه المتطرِّفة المستدعيةِ غناءاً شائعاً وسبعينياً سودانياً مثل "شوق لي الشّينة لو صعبة"* وغناءاً ستِّينياً أعمقَ في رومانسيّتِهِ و"عنصريّتِهِ" الإيحائيّة مثل "وين زُرْقَ العيون لي العينيهو سود"، إلاّ تعبيراً كينونياً وعنصريّاً (كما في العناصر الأربعة، وقيلَ الخمسة) عن هذا الأمر في مستوىً مُهَوَّشٍ ومُهَلْوِسٍ ولا معقول– كالعادة!– يضطرُّ الناس– والشُّعراء منهم خصوصاً– إلى أن يُسَمُّونَهُ، بعموميّةٍ مُحرِجَةٍ– كما في استغاثة محمود درويش لمريديه أن "ارحمونا من هذا الحبِّ القاسي":- "عشقَ الوطن".

صيف 1998م
إبراهيم جعفر

khalifa618@yahoo.co.uk

 

آراء