في وداع زين العابدين احمد .. ابراهيم علي ابراهيم يكتب: قتلونا .. ياسمح يازين

 


 

 



حينما رن جرس الهاتف في منزلنا بالقاهرة كان صوت الصديق والزميل الراحل زين العابدين احمد محمد صادحا وهو يقول لي: " يعني قايلين براكم البتقدروا تهربوا " .. فأيقنت ان المنافي استقبلت زائرا جديدا .
وزين العابدين رحمه الله لم يتم اعتقاله مثل كل الزملاء أو الوطنيين الشرفاء مثلما يحدث في تلك الايام الغبراء حيث يتم الاعتقال في بيوت الاشباح أو في سطوح الامن أو - المحظوظ – هو من يذهب -  للهلتون -  أو سجن كوبر كما يسميه المعتقلون , وإنما مورس معه نوع من التعذيب المستورد , فقد كان زبانية الامن يطلبون منه الحضور في الصباح الباكر .. ويظل في الانتظار طوال اليوم دون ماء أو طعام .. وفي المساء يقولون له اذهب وعد صباحا .. , وظل الزين علي هذا المنوال ولعدة اسابيع مما تسبب له في العديد من الامراض .. وهزل جسده .. وظل في حالة يرثي لها .. , مما دفع اسرته لإجباره علي الخروج من السودان , ولمن يعرفون الراحل العزيز يدركون كم هي مهمة شاقة علي الزين الذي لم يكن يستسيغ طعم الحياة خارج الخرطوم ..
هذه السادية .. وهذا الاسلوب الهمجي الذي عوقب به المرحوم لم يكن من وراءه اتهام أو تهمة .. وإنما بسبب قد لا يكون له علاقة به .. فقد كان يعمل في مكتب الشرق الاوسط بالخرطوم .. , وكانت الصحيفة أوانها تنقل الانتهاكات التي يتعرض لها الوطنيون في السودان .. , ولذا ظلت الصحيفة موضع اتهام من قبل اجهزة النظام .
وصل الزين إلي القاهرة متسللا عبر وادي حلفا في العام 1991م وقد كان منهك القوي يعاني الكثير من الامراض  .. وبدأ في العلاج لدي عدد من الاطباء , ثم انضم الي مكتب الشرق الاوسط في القاهرة منذ ذلك التاريخ ..
وأنخرط ضمن مجموعنا قرابة  (20) صحفيا , أقتسمنا الظروف الصعبة بكم من التماسك وكثير من الصبر والجلد والايمان برسالة الصحافة الوطنية النظيفة التي تصنع المستقبل , لا التي تحرق البخور وتدق الطبول .. كان في القلب منا زين العابدين بسماحته وبساطته وقلبه الطاهر العفيف .. ومواقفة الوطنية .. والتزامه وتمسكه بالديمقراطية  ..
كان هناك حيدر طه .. ومعاوية جمال الدين .. والمرحوم وديع ابراهيم خوجلي .. وفتحي الضو .. والمرحوم سامي سالم .. ونجاة عبد السلام .. وعوض ابو طالب ومحمد مصطفي الحسن ..ومحمد محمود.. وجهاد الفكي .. ومحمد عبد الرحمن .. وسعدية عبد الرحيم .. ومعتصم حاكم وحسن احمد حسن .. والمرحوم يوسف ابراهيم ( العشوائي ) وبدر الدين حسن علي .. وعطيات عبد الرحيم .. وكاتب هذه السطور ..
وكان هناك أيضا الاساتذه الكبار : حيدر ابراهيم والتجاني الطيب ومحجوب عثمان و فضل الله محمد والباقر احمد عبد الله وابراهيم عبد القيوم .. وحاتم السر
هؤلاء وغيرهم العشرات من الزملاء فليعذروني إذ لايسع المجال لذكرهم .. ,هؤلاء هم من قادوا ماكينة الاعلام الذي دافع عن الشعب السوداني في مواجهة النسخة الاولي من انقلاب الجبهة الاسلامية بزعامة ( المعارض اليوم) حسن الترابي .. فأية معارضة هذه يا استاذ الاجيال فاروق ابو عيسي ..
تلك صفحات من عقد السودان الاسوأ في تاريخه المعاصر تحتاج إلي من يكتبها حتي تلم بها أجيال الصحافة .. , كان هؤلاء يحترقون في حواري القاهرة بلا زاد .. ولا رعاية من أحد – إلي ان جاءت صحفهم – قرابة العامين – يحترقون لكي يضيئوا للآخرين ..
أحتضنتنا منتديات أشقائنا المصريين في انديتهم ومقاهيهم : " زهرة البستان " , "الندوة الثقافية " , " جي جي " , " أتيليه القاهرة " , وغيرها , وكأن تأثيرهم علي قطاع واسع من الصحفيين والمثقفين المصريين في القضايا التي تهم السودان كبيرا ..وصار هناك عدد لا يستهان به من المتخصصين في الشأن السوداني ..
رحم الله زين العابدين فقد كان في حياته يعتمد فلسفة البساطة .. البساطة في كل شيء .. في ملبسه ومأكله .. , ولو ان الذين اسهموا في طردة من البلاد عرفوه لأحبوه .. فهو ينتمي للسودان فقط .. لا لون سياسي له ولم ينتم  إلي حزب وإن كان أصدقاءه من كل الاحزاب .. وكل الفنانين أصدقاءه .. كان حبيبنا من كالدراويش أحباب الله .. لا يعنيهم من البسيطة سوي بساطتها .. " أغني أهليها سادتها الفقراء " ..
ولما كان الموت هو الحقيقة الوحيدة في هذه الحياة .. لكن ليس من الطبيعي أن يرحل كل هذا الكم من الرموز الوطنية في المنافي .. فقد أخذت المنافي : خالد الكد .. والخاتم عدلان .. وفتح الرحمن الشيخ .. وسامي سالم .. ووديع ابراهيم خوجلي .. وخلف الله حسن فضل .. وبشار الكتبي .. عبد الواحد كمبال .. ومحمد حسن شطه .. ويوسف ابراهيم ( العشوائي ) وعبد السلام حسن .. وغيرهم العشرات في قطاعات عديدة .. وكل منا له العشرات من الاحباب .. الذين كان الغياب من الوطن بعض اسباب هذا الرحيل المبكر .. وهذا الوطن يمتليء أبناءه – رغم ما نخفيه – بكم من الحميميه والتراحم .. والحنين .. مما لايتوفر للكثير من الشعوب من حولنا .. وربما كان هذا بعض ما يدفع هذه الرموز حد التضحية بحياتها من أجل أن تظل شعلة وقيم الحياة في بلادنا قائمة رغم ما يفعله قلدة النظام الفاسد وأزلامهم ..
وكيف يهنأ الناس في المنافي بالعيش وقد فقدوا مرابعهم .. وأهلهم واصدقاءهم .. والوطن في كل صباح يفتقد الكثير من كيانه وجغرافيته وأحبابه
بلغني أن الزين ذهب للوطن ليودع الناس .. فصعقت .. قالوا انه مريض .. , وحينما سألت ثانية استفسر صحة ما جاءت به الاخبار .. قيل انه بخير وظهر في التلفزيون السوداني ..
تبادلنا التعازي فيما بيننا وكان صديقنا عبد الحميد ميرغني يوده كثيرا وكان يقول : " حتي الزين الجميل رحل " قلت له عبارة صديقنا الراحل معتصم جلابي : هذه سنة أم جرس "
من منكم لايحب عم التجاني الطيب .. من منكم لا يحب محمد وردي .. من منكم لا يحب حميد .. هذا الذي كنت أسميه ( قراصة التمر ) كما كان البروف الراحل علي المك ينعت بشري الفاضل .. حتي حميد رحل ..

سلام عليك يازين العابدين في الخالدين ..
سلام عليك ياحبيب في علياءك ..
سلام علي وطنيتك ونقاءك وطهرك ..
إنا لله وإنا وإنا إليه راجعون
وإلي لقاء .
ابراهيم علي ابراهيم
شيكاغو
Aliibrahim1958@msn.com

 

آراء