قادة الحركات الذين لم تغن عنهم قواتهم و لا جيوشهم، هل السلام يعني تحييد الحركات “المسلحة” سياسياً؟!
مـحمد أحمد الجاك
9 May, 2022
9 May, 2022
بـهدوووء_
ظل قادة الحركات الموقعة علي اتفاق السلام يبررون موقفهم "المخزي" من انقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١م بأنهم محكومين باتفاق سلام و ترتيبات أمنية، فإن كان ذلك السلام و تلك الترتيبات ستفضي إلى حركات منزوعة الأنياب العسكرية و مقلمة الاظافر السياسية فانهم ملتزمون بها كذلك؟؟
هؤلاءظلوا يبررون انجيازهم للانقلاب بأن اعتراضهم يعني العودة للحرب، ناسين او متناسين انهم حركات سياسية في الاصل خرجت من أجل قضايا سياسيا و مطلبية محددة وأن حملها للسلاح كان إضطراراً ، لكن هذا هو عيب حركات الكفاح المسلح الاصيل و هو انها تنسي الأجندة السياسية و تتحول إلى عسكرتاريا تماماً كطبقة كبار ضباط الجيش.. يلمح قادة الحركات إلى أن الخلاف بين العسكر و الاحزاب بأنه خلاف لا يعنيهم و انه خلاف داخل جبهة واحدة (ماهي؟، أ هي جبهة المركز .. هل هي عودة لذلك الخطاب الفاشل؟)
هل كان خروجهم اصلا من اجل مطالب جهوية و حصص سلطوية و (سلطة للساق) أم من اجل مبدأ العدل و قيمة الديمقراطية؟ أنظر كيف يساوون بين قوة انقلابية دكتاتورية و احزاب مدنية ديمقراطية. قادة الحركات يظنون أن قوتهم مانعتهم و جيوشهم، متناسين أن السلام نفسه ما كان ممكناً لولا ثورة شعبية سلمية سياسية ..
حركات "الكفاح" تحولت بمرور الوقت إلى عصابات ارتزاق "ليبيا و تشاد" و قابلة للتخلي عن الشعارات و المبادئ السياسية و قادرة علي عقد صفقات سياسية مع الجيش و الاستخبارات لاقتسام السلطة و الموارد. الحركات التي ما عادت "حركات سياسية" ستخسر الجولة المقبلة و هي تظن انها ربحت الحرب، فالانقلابيين بعد ان يضمنوا استتباب الأمور و تصفية المقاومة الثورية سيعودون الي ذات لعبة القط مع الحركات و حينها ستحتاج الحركات الي وقت طويل حتي تقوي للوقوف علي ساقيها من جديد!
عقار الذي ينصب نفسه استاذاً لمادة "السياسة للسياسيين" هل نسي كيف انفرد النظام برفيقه الحلو عام ٢٠١٢م و أجلاه من كادوقلي إلى كاودا؟ ثم استدرج عقار نفسه في صبيحة عيد الأضحي و اجلاه من الدمازين إلى نواحي قيسان و المابان؟، و حتي اتفاق السلام الذي ابرمه معه نافع عام ٢٠١٣م، و الذي كان افضل عمل يقوم به نافع في حياته (اتفاق نافع - عقار) من الذي رفضه قبل ان يجف حبر توقيعه؟ أ ليس هو المكون العسكري الحاكم اليوم؟!
اما مناوي الذي يمارس الفلسفة السياسية بافلاطونية هل نسي كيف تسكع في شوارع "السلطة المركزية" بلا عمل حتي اضطر لأن يعود إلى الخروج؟ بينما يتسكع اليوم في شوارع السلطة في الهامش بذات العجز؟
مجزرة كرينك و ما سبقها من مجازر هي اشارات علي ما يقبع في مقبل الشهور و السنوات، و نهب مقرات بعثة الأمم المتحدة في نيالا و الفاشر و فشل السلطات في استعادة المنهوبات و المسروقات و توظيف تلك المقرات لخدمة اهل دارفور (لا أن تكون مقر اقامة فارهة لسلطان دارفور مناوي!!) تؤشر علي إن الحركات لا تحمل شئ مختلف للمواطن الذي ادعت انها قاتلت لأجله. تعليق او تجميد مسار الشرق هو كذلك مؤشر إلى مصير يمكن أن ينتظر بقية المسارات متي ما كانت مصلحة المكون العسكري تقتضي ذلك؟ حينها لن يكون للأوراق التي عليها توقيعات أية قيمة سياسية او قانونية او اخلاقية. امام قيادة الفصائل المسلحة خياران لا ثالث لهما اما مع الثورة و لجان المقاومة و قوي التغيير، . او مع المكون الانقلابي و اللجنة الامنية و قوي الردة و اجهاض التغيير و الانتقال الديمقراطي المدني .
قوي تهيئة المناخ!!
قوي اعلان الحرية و التغيير هي تحالف الهبوط الناعم نفسه، كل القوي التي شاركت في اطلاق اعلان الحرية و التغيير، بما فيها التي انسحبت لاحقاً هي قوي هبوط ناعم، لا يستثني من ذلك تياري تجمع المهنيين و الحزب الشيوعي و التجمع المدني ..
و إن كان "الهبوط الناعم" مصطلح اطلق علي عملية احداث تحول في النظام البائد لصالح اجراء اصلاح ديمقراطي .. و "قوي" الهبوط الناعم هي القوي المؤمنة بامكان دفع النظام البائد نحو التحول الديمقراطي (فإن كل القوي الحزبية المعارضة للانقاذ انخرطت بشكل او آخر في مرحلة من مراحل الشراكة او الحوار و حتي التي اعترضت لم تفعل ذلك لمبدأ إنما لكونها اشترطت - تهيئة المناخ)
قوي الهبوط الناعم هي القوي التي لم تؤمن في يوم بأن في الامكان احدث تغيير بثورة شعبية و لم تعمل لأجل ذلك قط،بهذا المعني فإن كل القوي السياسية في الساحة ليست قوي تغيير ثوري و اصلاحات جذرية انما قوي تحول ناعم و شكلي و بطئ لا أحد يعرف متي يبدأ و لا متي ينتهي؟!
كل القوي السياسية التحقت التحاق بحركة الاحتجاج التي اندلعت في ديسمبر .. تماما كما حاولت ان تلتحق بحركة سبتمبر ٢٠١٣م و فشلت بل و استهمت في افشال الحراك. ربما كان غاية طموحها ان تفاوض النظام من مركز قوة لأول مرة بعد ان كانت تحاوره من مركز ضعف و متي ما قرر هو أن يتحاور، لكن الشعب وضعها في مركز متقدم للغاية حتي انها لم تستوعب ذلك !!
و ظلت تداور و تناور و تبحث عن تفاوض داخل مباني القيادة و وزارة الدفاع حتي وجدت ضالتها في الوسيط (محمد حسن ولد لبات)،الاحزاب السودانية ليست قوي هبوط ناعم فقط لأنها لم تتصور ان ثورة شعبية ممكنة، بل لأنها تعايشت طوعاً او كرهاً مع الاوضاع غير المستقيمة التي اقامها النظام البائد، كل دخلت كمجموعات او افراد في صفقات و مساومات مع النظام البائد.. قاسمته بشكل او بآخر الموائد و المواقف ..
البعض يعتقد ان التغيير الثوري و الجذري صعب و مكلف بل و مستحيل، و يروج بدلاً عنه لاصلاحات! هي الهبوط الناعم نفسه، فالاصلاح هو من اهداف الثورة و ما يمكن اصلاحه لا يتم هدمه، إنما الهدم للاطلال و لانقاض المؤسسات ..
الثورة وفرت و لا تزال توفر ارضية للاصلاح و التغيير؛ لكن عقليات الهبوط ترفض اغتنام الفرصة لعجزها و تسعي للتسويات من مركز ضعف رغم انها يمكن أن تقف في مركز القوة ..
كيف يمكن لهبوط ناعم أن ينجح في:
بلد جيشه مسيس بالكامل، و فاسد؟، و في بلد تتبني فيه الدولة مليشيا قبلية و تفرضها بقانون و تسميها قوة وطنية؟
و في بلد شرطته مسيسة و فاسدة؟
و في بلد قضاءه غير مستقل و غير نزيه و مسيس بالكامل، و أضحي الافلات من العقاب فيه ديدن و منهج و اسلوب عمل رسمي؟
و في بلد جهاز النيابة العامة خاضع بالكامل لمشيئة جهاز الامن و المخابرات؟
في بلد مؤسساته العلمية و البحثية "الجامعات" تم تسيسها بالكامل؟، تم تسيس المعرفة العلمية؟ و اضحت الدرجات العلمية مجرد القاب تفاخرية بلا قيمة؟
و في بلد خدمته العامة المدنية خضعت بالكامل لسيطرة "الحزب الحاكم"؟
و في بلد تم تجريف نقاباته المهنية و العمالية بالكامل؟؟
؟! في بلد تم ضرب قطاعه الاقتصادي الخاص و افقاره و احلال قطاع خاص موالي للحزب الحاكم و السلطة محله
فشلت الاحزاب لأنها ليست مبدئية في تصميم و اقامة خطاب سياسي قوي يتصدي للممارسات النظام البائد من فساد بلغ مرحلة الوباء في المال العام و انتهاكات لحقوق الانسان بلغت مرحلة ان الأساس هو الحط من كرامة الانسان، و جرائم حرب، و تفريط في احد أهم المبادئ و هو "وحدة التراب الوطني و وحدة الأمة السودانية".. و العزلة الدولية التي ادخلوا فيها السودان لثلاثين عاماً، مع هيمنة ثقافة و نهج الافلات من العقاب حتي اضحي الإفلات من العقاب هو القاعدة و الأصل و ليست الاستثناء.
فشلت الاحزاب في التوصل لذلك الخطاب ناهيك عن التمترس خلفه و مواجهة النظام البائد و اضعافه و اسقاطه رغم ان ذلك النظام ظل يرتكب من الاخطاء في كل يوم ما يضعغه و يمكن من اضعافه أو حتي اجباره علي تقديم التنازلات ..
احزاب انحصرت مطالبها في "تهيئة المناخ" و التي عنوا بها اطلاق معتقليهم و زيادة هامش الحريات السياسية، و بلا أي اشارة للمطلوبات المتعلقة بالمخازي و الخطايا الثمانية التي تعرضنا لها اعلاه
نظام بكتل من الاخطاء و لم يضطر إلى تقديم تنازلات طيلة فترة سيطرته، و التنازل الوحيد الذي قدمه (نيفاشا ٢٠٠٥م) لم يكن علي حساب السلطة إنما علي حساب الشعب و الدولة و الوطن!
إن انقلاب اكتوبر هو مؤشر علي سقوط خيار الهبوط الناعم، و مع ذلك فإن سلطة الانقلابيين بعد تجريبها كل الحيل خلال ستة أشهر من عمره لم يتبقي له الا اعادة احياء خيار الهبوط الناعم؛ و ذلك إلى حين أن يتمكن من فرض سلطة أمر واقع.
و إن كان الانقلابيين في مأزق، فان الشعب السوداني كله في مأزق مماثل، فبعد ما بذل من جهد و ما قدم من تضحيات ها هو يجد نفسه في موقع ضعف يتطلب بزل المزيد من التضحيات! كل ذلك بسبب قوي الهبوط الناعم (الحرية و التغيير)، و الخروج من هذا المأزق الوطني و السياسي يتطلب أن تتخلي تلك القوي عن عقلية و خيار الهبوط الناعم و تتخذ مواقف اكثر جذرية و أصدق ثورية.
ولأجل هذا كله تحتاج البلاد إلى هدنة سياسية مثلما تحتاج إلى هدنة اجتماعية.. تحتاج إلى أفعال ومبادرات ليرى الناس أن الوضع يتحسن، وأن ثمة أملا في الأفق بعيدا عن الشعارات والمفاهيم المستحدثة مثل الوعود بتأسيس جمهورية جديدة التي لن تعني شيئا للمواطنين طالما أن وضعهم الاقتصادي والاجتماعي يسير نحو الأسوأ.
وخلاصة القول أن البلاد لم تعد تحتاج إلى خسارة الوقت، السودان أهم من حسابات السياسيين وأجنداتهم وخططهم، والذي يقدر منهم أن يبادر للقطع مع حالة الفراغ فليفعل.
تحتاج البلاد إلى حوار يقطع مع الاستثمار السياسي والعسكري ويستهدف أساسا وضع أساسات للحل الاقتصادي والاجتماعي، ذلك أنه لا الديمقراطية الشكلانية الاستعراضية (المنقوصة)غير المكتملة عملت شيئا لإنقاذ الاقتصاد وحماية أوضاع الناس من مخلفات الأزمات، ولا الحكم العسكري الاستبدادي الفاشي الذي جاء بقوة السلاح و الذي يراكم الصلاحيات عند جهة واحدة قد طمأن الناس على أمنهم وعيشهم.
mido34067@gmail.com
/////////////////////////
ظل قادة الحركات الموقعة علي اتفاق السلام يبررون موقفهم "المخزي" من انقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١م بأنهم محكومين باتفاق سلام و ترتيبات أمنية، فإن كان ذلك السلام و تلك الترتيبات ستفضي إلى حركات منزوعة الأنياب العسكرية و مقلمة الاظافر السياسية فانهم ملتزمون بها كذلك؟؟
هؤلاءظلوا يبررون انجيازهم للانقلاب بأن اعتراضهم يعني العودة للحرب، ناسين او متناسين انهم حركات سياسية في الاصل خرجت من أجل قضايا سياسيا و مطلبية محددة وأن حملها للسلاح كان إضطراراً ، لكن هذا هو عيب حركات الكفاح المسلح الاصيل و هو انها تنسي الأجندة السياسية و تتحول إلى عسكرتاريا تماماً كطبقة كبار ضباط الجيش.. يلمح قادة الحركات إلى أن الخلاف بين العسكر و الاحزاب بأنه خلاف لا يعنيهم و انه خلاف داخل جبهة واحدة (ماهي؟، أ هي جبهة المركز .. هل هي عودة لذلك الخطاب الفاشل؟)
هل كان خروجهم اصلا من اجل مطالب جهوية و حصص سلطوية و (سلطة للساق) أم من اجل مبدأ العدل و قيمة الديمقراطية؟ أنظر كيف يساوون بين قوة انقلابية دكتاتورية و احزاب مدنية ديمقراطية. قادة الحركات يظنون أن قوتهم مانعتهم و جيوشهم، متناسين أن السلام نفسه ما كان ممكناً لولا ثورة شعبية سلمية سياسية ..
حركات "الكفاح" تحولت بمرور الوقت إلى عصابات ارتزاق "ليبيا و تشاد" و قابلة للتخلي عن الشعارات و المبادئ السياسية و قادرة علي عقد صفقات سياسية مع الجيش و الاستخبارات لاقتسام السلطة و الموارد. الحركات التي ما عادت "حركات سياسية" ستخسر الجولة المقبلة و هي تظن انها ربحت الحرب، فالانقلابيين بعد ان يضمنوا استتباب الأمور و تصفية المقاومة الثورية سيعودون الي ذات لعبة القط مع الحركات و حينها ستحتاج الحركات الي وقت طويل حتي تقوي للوقوف علي ساقيها من جديد!
عقار الذي ينصب نفسه استاذاً لمادة "السياسة للسياسيين" هل نسي كيف انفرد النظام برفيقه الحلو عام ٢٠١٢م و أجلاه من كادوقلي إلى كاودا؟ ثم استدرج عقار نفسه في صبيحة عيد الأضحي و اجلاه من الدمازين إلى نواحي قيسان و المابان؟، و حتي اتفاق السلام الذي ابرمه معه نافع عام ٢٠١٣م، و الذي كان افضل عمل يقوم به نافع في حياته (اتفاق نافع - عقار) من الذي رفضه قبل ان يجف حبر توقيعه؟ أ ليس هو المكون العسكري الحاكم اليوم؟!
اما مناوي الذي يمارس الفلسفة السياسية بافلاطونية هل نسي كيف تسكع في شوارع "السلطة المركزية" بلا عمل حتي اضطر لأن يعود إلى الخروج؟ بينما يتسكع اليوم في شوارع السلطة في الهامش بذات العجز؟
مجزرة كرينك و ما سبقها من مجازر هي اشارات علي ما يقبع في مقبل الشهور و السنوات، و نهب مقرات بعثة الأمم المتحدة في نيالا و الفاشر و فشل السلطات في استعادة المنهوبات و المسروقات و توظيف تلك المقرات لخدمة اهل دارفور (لا أن تكون مقر اقامة فارهة لسلطان دارفور مناوي!!) تؤشر علي إن الحركات لا تحمل شئ مختلف للمواطن الذي ادعت انها قاتلت لأجله. تعليق او تجميد مسار الشرق هو كذلك مؤشر إلى مصير يمكن أن ينتظر بقية المسارات متي ما كانت مصلحة المكون العسكري تقتضي ذلك؟ حينها لن يكون للأوراق التي عليها توقيعات أية قيمة سياسية او قانونية او اخلاقية. امام قيادة الفصائل المسلحة خياران لا ثالث لهما اما مع الثورة و لجان المقاومة و قوي التغيير، . او مع المكون الانقلابي و اللجنة الامنية و قوي الردة و اجهاض التغيير و الانتقال الديمقراطي المدني .
قوي تهيئة المناخ!!
قوي اعلان الحرية و التغيير هي تحالف الهبوط الناعم نفسه، كل القوي التي شاركت في اطلاق اعلان الحرية و التغيير، بما فيها التي انسحبت لاحقاً هي قوي هبوط ناعم، لا يستثني من ذلك تياري تجمع المهنيين و الحزب الشيوعي و التجمع المدني ..
و إن كان "الهبوط الناعم" مصطلح اطلق علي عملية احداث تحول في النظام البائد لصالح اجراء اصلاح ديمقراطي .. و "قوي" الهبوط الناعم هي القوي المؤمنة بامكان دفع النظام البائد نحو التحول الديمقراطي (فإن كل القوي الحزبية المعارضة للانقاذ انخرطت بشكل او آخر في مرحلة من مراحل الشراكة او الحوار و حتي التي اعترضت لم تفعل ذلك لمبدأ إنما لكونها اشترطت - تهيئة المناخ)
قوي الهبوط الناعم هي القوي التي لم تؤمن في يوم بأن في الامكان احدث تغيير بثورة شعبية و لم تعمل لأجل ذلك قط،بهذا المعني فإن كل القوي السياسية في الساحة ليست قوي تغيير ثوري و اصلاحات جذرية انما قوي تحول ناعم و شكلي و بطئ لا أحد يعرف متي يبدأ و لا متي ينتهي؟!
كل القوي السياسية التحقت التحاق بحركة الاحتجاج التي اندلعت في ديسمبر .. تماما كما حاولت ان تلتحق بحركة سبتمبر ٢٠١٣م و فشلت بل و استهمت في افشال الحراك. ربما كان غاية طموحها ان تفاوض النظام من مركز قوة لأول مرة بعد ان كانت تحاوره من مركز ضعف و متي ما قرر هو أن يتحاور، لكن الشعب وضعها في مركز متقدم للغاية حتي انها لم تستوعب ذلك !!
و ظلت تداور و تناور و تبحث عن تفاوض داخل مباني القيادة و وزارة الدفاع حتي وجدت ضالتها في الوسيط (محمد حسن ولد لبات)،الاحزاب السودانية ليست قوي هبوط ناعم فقط لأنها لم تتصور ان ثورة شعبية ممكنة، بل لأنها تعايشت طوعاً او كرهاً مع الاوضاع غير المستقيمة التي اقامها النظام البائد، كل دخلت كمجموعات او افراد في صفقات و مساومات مع النظام البائد.. قاسمته بشكل او بآخر الموائد و المواقف ..
البعض يعتقد ان التغيير الثوري و الجذري صعب و مكلف بل و مستحيل، و يروج بدلاً عنه لاصلاحات! هي الهبوط الناعم نفسه، فالاصلاح هو من اهداف الثورة و ما يمكن اصلاحه لا يتم هدمه، إنما الهدم للاطلال و لانقاض المؤسسات ..
الثورة وفرت و لا تزال توفر ارضية للاصلاح و التغيير؛ لكن عقليات الهبوط ترفض اغتنام الفرصة لعجزها و تسعي للتسويات من مركز ضعف رغم انها يمكن أن تقف في مركز القوة ..
كيف يمكن لهبوط ناعم أن ينجح في:
بلد جيشه مسيس بالكامل، و فاسد؟، و في بلد تتبني فيه الدولة مليشيا قبلية و تفرضها بقانون و تسميها قوة وطنية؟
و في بلد شرطته مسيسة و فاسدة؟
و في بلد قضاءه غير مستقل و غير نزيه و مسيس بالكامل، و أضحي الافلات من العقاب فيه ديدن و منهج و اسلوب عمل رسمي؟
و في بلد جهاز النيابة العامة خاضع بالكامل لمشيئة جهاز الامن و المخابرات؟
في بلد مؤسساته العلمية و البحثية "الجامعات" تم تسيسها بالكامل؟، تم تسيس المعرفة العلمية؟ و اضحت الدرجات العلمية مجرد القاب تفاخرية بلا قيمة؟
و في بلد خدمته العامة المدنية خضعت بالكامل لسيطرة "الحزب الحاكم"؟
و في بلد تم تجريف نقاباته المهنية و العمالية بالكامل؟؟
؟! في بلد تم ضرب قطاعه الاقتصادي الخاص و افقاره و احلال قطاع خاص موالي للحزب الحاكم و السلطة محله
فشلت الاحزاب لأنها ليست مبدئية في تصميم و اقامة خطاب سياسي قوي يتصدي للممارسات النظام البائد من فساد بلغ مرحلة الوباء في المال العام و انتهاكات لحقوق الانسان بلغت مرحلة ان الأساس هو الحط من كرامة الانسان، و جرائم حرب، و تفريط في احد أهم المبادئ و هو "وحدة التراب الوطني و وحدة الأمة السودانية".. و العزلة الدولية التي ادخلوا فيها السودان لثلاثين عاماً، مع هيمنة ثقافة و نهج الافلات من العقاب حتي اضحي الإفلات من العقاب هو القاعدة و الأصل و ليست الاستثناء.
فشلت الاحزاب في التوصل لذلك الخطاب ناهيك عن التمترس خلفه و مواجهة النظام البائد و اضعافه و اسقاطه رغم ان ذلك النظام ظل يرتكب من الاخطاء في كل يوم ما يضعغه و يمكن من اضعافه أو حتي اجباره علي تقديم التنازلات ..
احزاب انحصرت مطالبها في "تهيئة المناخ" و التي عنوا بها اطلاق معتقليهم و زيادة هامش الحريات السياسية، و بلا أي اشارة للمطلوبات المتعلقة بالمخازي و الخطايا الثمانية التي تعرضنا لها اعلاه
نظام بكتل من الاخطاء و لم يضطر إلى تقديم تنازلات طيلة فترة سيطرته، و التنازل الوحيد الذي قدمه (نيفاشا ٢٠٠٥م) لم يكن علي حساب السلطة إنما علي حساب الشعب و الدولة و الوطن!
إن انقلاب اكتوبر هو مؤشر علي سقوط خيار الهبوط الناعم، و مع ذلك فإن سلطة الانقلابيين بعد تجريبها كل الحيل خلال ستة أشهر من عمره لم يتبقي له الا اعادة احياء خيار الهبوط الناعم؛ و ذلك إلى حين أن يتمكن من فرض سلطة أمر واقع.
و إن كان الانقلابيين في مأزق، فان الشعب السوداني كله في مأزق مماثل، فبعد ما بذل من جهد و ما قدم من تضحيات ها هو يجد نفسه في موقع ضعف يتطلب بزل المزيد من التضحيات! كل ذلك بسبب قوي الهبوط الناعم (الحرية و التغيير)، و الخروج من هذا المأزق الوطني و السياسي يتطلب أن تتخلي تلك القوي عن عقلية و خيار الهبوط الناعم و تتخذ مواقف اكثر جذرية و أصدق ثورية.
ولأجل هذا كله تحتاج البلاد إلى هدنة سياسية مثلما تحتاج إلى هدنة اجتماعية.. تحتاج إلى أفعال ومبادرات ليرى الناس أن الوضع يتحسن، وأن ثمة أملا في الأفق بعيدا عن الشعارات والمفاهيم المستحدثة مثل الوعود بتأسيس جمهورية جديدة التي لن تعني شيئا للمواطنين طالما أن وضعهم الاقتصادي والاجتماعي يسير نحو الأسوأ.
وخلاصة القول أن البلاد لم تعد تحتاج إلى خسارة الوقت، السودان أهم من حسابات السياسيين وأجنداتهم وخططهم، والذي يقدر منهم أن يبادر للقطع مع حالة الفراغ فليفعل.
تحتاج البلاد إلى حوار يقطع مع الاستثمار السياسي والعسكري ويستهدف أساسا وضع أساسات للحل الاقتصادي والاجتماعي، ذلك أنه لا الديمقراطية الشكلانية الاستعراضية (المنقوصة)غير المكتملة عملت شيئا لإنقاذ الاقتصاد وحماية أوضاع الناس من مخلفات الأزمات، ولا الحكم العسكري الاستبدادي الفاشي الذي جاء بقوة السلاح و الذي يراكم الصلاحيات عند جهة واحدة قد طمأن الناس على أمنهم وعيشهم.
mido34067@gmail.com
/////////////////////////