• أخطأ المؤلف في بيان تاريخ ميلاد الشيخ " قريب الله بن أبي صالح بن الشيخ أحمد الطيب البشير " حين أثبت في الترجمة الواردة بصفحة 315 من النسخة المترجمة ، لهذا الشيخ العلم من أعلام الطريقة السمانية ، أن مولده كان في العام 1871 ، بينما هو في الواقع في العام 1866م ، كما يرد في سائر المصادر المعتمدة ذات الصلة. • وفي معرض ترجمته للملك السوداني " النبَتي " " كشتا " ، الواردة بصفحة 322 ، والهجاء المشهور هو " كاشتا " بألف بعد الكاف ، وهو مؤسس ما تعرف بالأسرة الخامسة والعشرين في تاريخ مصر القديم ، تلك الأسرة التي حكمت مصر والسودان معاً منذ حوالي منتصف القرن الثامن قبل الميلاد ولقرابة القرن من الزمان ، قال المؤلف إن كاشتا قد " أسس سلسلة من الملوك من ذوي الدم الليبي حكموا كوش ومصر لمائة عام بدرجات نجاح متفاوتة .. " الخ. والشاهد هو أن فرضية الأصل أو الدم الليبي في أولئك الملوك السودانيين " النبتيين " الأقحاح العظام ، قد ثبت خطأُها منذ عقود ، ولم يعد أحد يعتد بها ، بل بات أغلب العلماء المحققين يرجحون الأصل النوبي المحلي لتلك الأسرة ، التي ربما كانت جذورها البعيدة تعود إلى عهد مملكة كوش الأولى " كرمة " 2500 – 1500 قبل الميلاد. • وثمة خطأ صغير ربما يكون طباعياً ، في ترجمة الضابط والإداري الكبير " محو بك أورفلي " المتوفى في عام 1828م ، والذي خلد اسمه في الذاكرة السودانية بسبب شجرة نسبت إليه " شجرة محو أو ماحي بك " التي نشأ من حولها حي عريق من أحياء جنوب الخرطوم اتخذ اسمه من اسمها. ترد ترجمة محو بك في الصفحة 337 ، وفيها يقول المؤلف ، وربما هذا من المترجم ، إن علي خورشيد أغا ، قد حل محل محو بك مديرا على سنار في بداية عام 1926م ، بينما المقصود بالطبع هو عام 1826م. • ترجمة الطيار الفرنسي " مارك بوربيه " المنشورة بصفحة 339 من النسخة المترجمة ، ليس لنا عليها من ملاحظة أو تعقيب بعينه ، سوى أنها قد استرعت انتباهنا لاشتمالها على معلومة هي غاية في الأهمية ، ألا وهي أن الطيار المذكور ، كان هو قائد أول طائرة تحلق في أجواء السودان وتهبط على أرضه على الإطلاق. ذلك بأنه قد حط بها في الخرطوم بتاريخ 13 مارس 1914م ، وقد كان ذلك حدثاً مدوياً وقتها. قلتُ: حبذا لو اختير هذا التاريخ من كل عام ، يوماً وطنياً للطيران المدني في السودان. أم أنه فعلاً كذلك ، ومما يُحتفل به سلفا. • ترجمة " محجوب الميرغني " 1825 – 1912 بصفحة 343 ، والخاصة بذلك الزعيم الديني " الختمي " المدفون في ضريحه الكائن بمقابره الشهيرة بالخرطوم بحري ، كان على المترجم – في تقديرنا – أن يشفعها بالإشارة إلى أن المترجم له يعرف على نحو أكثر لدى عامة السودانيين بلقبه: " السيد المحجوب ". • في صفحة 352 ، ترد ترجمة " محمد بيلو ماي ويرنو " 1876 – 1944م ، الذي يعرّفه المؤلف بأنه " شيخ قبيلة هوساوي وابن أتاهيرا سلطان سوكوتو الذي يزعم أنه حفيد السلطان الفولاني الكبير عثمان دان فوديو " أ.هـ. أما ما عربه المترجم ب " أتاهيرا " فحقيقته هو " الطاهر " ، وأما قول ريتشارد هل إن محمد بيلو ماي ويرنو " هوساوي " ، وأنه يزعم زعماً فقط – وليس حقيقة كما يُستشف من كلامه - أنه حفيد الشيخ عثمان دان فوديو الفولاني الأصل ، فلا ندري على أي شيء أسسه. ذلك بأن المعروف والشائع هو أن " محمد بيلو " المذكور ، هو حفيد الشيخ عثمان دان فوديو حقيقةً. وهذا باب واسع في تاريخ العلاقات والصلات بين شمال نيجيريا والسودان ، توفر على البحث والتأليف فيه نفر من كبار العلماء والأكاديميين السودانيين مثل: فتحي حسن المصري ، ومحمد أحمد الحاج ، وعثمان سيد أحمد البيلي ، وأحمد كاني ، وأحمد محمد البدوي ، والأمين أبو منقة وغيرهم. • جاءت في صفحة 356 من الترجمة ، فذلكة عن شخص يدعى " محمد بن حمد بن إدريس الفضلي " يُسمى بان النقا ، وعُرّف على أنه مؤسس أسرة اليعقوباب الدينية ، وأن سنة شهرته هي عام 1550م. والراجح هنا أن الشخص المترجم له هاهنا ، هو الشيخ " بانَّقا الضرير ". وهذا اللقب " الضرير " مهم للغاية في التعريف بهذه الشخصية ، ولا ندري لم أغفله المؤلف ، ولمَ لمْ يُشر إليه المترجم أيضا. أما أنَّ اسمه هو " محمد بن حمد بن إدريس الفضلي " فلا ندري أيضاً من أين أتى به ريتشارد هِل ، وأين سمعه أو وجده مكتوبا ؟ . إذ المعروف والمتواتر بين أفراد هذه الأسرة إلى اليوم ، أن والد الشيخ " بانقا الضرير " هو الشيخ " موسى أبو دقن " وليس " حمد بن إدريس " الذي ذكره هِل. وإنما سُمي الشيخ موسى أبو قُصَّة بن يعقوب بن الشيخ بانقا المذكور ، في الغالب تيمناً بجده ذاك " الشيخ موسى أبو دقن ". ثم إن ريتشارد هل زعم في ذات الترجمة أن الأصل المدقق للشيخ بانقا الضرير غامض ، مع أن مؤلف الطبقات ، الشيخ محمد النور ود ضيف الله ، قد نصَّ صراحةً على أن الشيخ بانقا جعلي فضلي من جهة أبيه ، أي فاضلابي وفقاً للصيغة السودانية العامية ، وأضاف ود ضيف الله أن أمه كانت فونجاوية بنت أخت " سندال العاج " أحد وجهاء الفونج حكام السلطنة الزرقاء ، فأين الغموض في ذلك. • ترجمة الشيخ " محمد بن علي بن قرم الكيماني " المصري الشافعي دفين بربر ، الواردة في صفحة 374 ، جاء فيها أنه " كان ذائع الصيت بحسبانه معلما للاهوت والشريعة الإسلامية الخ ". ويبدو أن المترجم قد وجده أمامه في هذا السياق في النص الأصلي كلمة Theology فعربها ب " اللاهوت " ، وكان الأوفق أن يترجمها ب " العقيدة أو التوحيد أو أصول الدين " ، لأنها مصطلحات إسلامية تؤدي المعنى تماماً في السياق الإسلامي ، أما مصطلح " لاهوت " فهو يحيل عادة إلى العلم المسيحي وإلى الثقافة المسيحية. • أما في الصفحة التي تليها ، أي صفحة 375 ، فإن المؤلف قد حدد تاريخاً متقدماً جدا في نظرنا لشهرة الشيخ " محمد بن عيسى بن صالح البديري الملقب بسوار الدهب " ، حيث أنه جعلها في العام 1504 م. فإذا كان والد الشيخ محمد هذا وهو الشيخ " عيسى بن صالح البديري " تلميذاً لعبد الرحمن بن جابر الذي سافر إلى مصر ، وتلقى العلم من شيوخ الأزهر ، وتحديداً على يد الشيخ " البنوفري " ، وعاد إلى السودان بعد منتصف القرن السادس عشر قطعاً ، لأن أخاه إبراهيم البولاد الذي سافر قبله إلى مصر ، رجع منها إلى السودان في عام 1570م كما يذكر الدكتور علي صالح كرار في كتابه عن الطرق الصوفية في السودان باللغة الإنجليزية ، فكيف يكون ابنه قد اشتهر في أول ذات القرن. والسؤال هو: على أي أساس بنى ريتشارد هل تقديره ذاك ؟. • وفي معرض ترجمته للشيخ "محمد الماضي أبو العزائم " 1870 – 1936م ، الواردة في صفحة 377 ، لاحظنا أن اسم هذاالشيخ قك كُتب بألف ولام التعريف " الماضي " ، بينما الشائع والمشهور عن هذا الاسم أن يكتب وينطق هكذا " ماضي " من دونهما. وملاحظة أخرى هي أن المؤلف قد قال إنَّ أتباع هذه الطريقة يسمون أنفسهم بالعوازمة ، بينما أن الشائع والمشهور أنهم يُعرفون ب " العزمية " ، وليس " العوازمة " كما هو مكتوب. • أما في ترجمة الشيخ " محمد المختار بن عبد الرحمن الشنقيطي التجاني " المتوفى في عام 1882م ، والموجودة بصفحة 379 من النسخة المعرّبة ، فقد هفا المترجم حين كتب أن هذا الشيخ اشتهر بام " ود الليَّة " وهذا خطأ ، وإنما الصواب هو أنه كان يُلقب ب " ولد العالية " أو " ابن العالية " وهي أمه. والواضح أن هذا الخطأ سببه هو غياب صوت العين الحلقي في اللغة الإنجليزية ، وهي لغة النص الأصلي. • وجاء بصفحة 381 ، في معرض ترجمة الشيخ " أبو سنينة: محمد بن نصر الترجمي الجعلي " ، أنه قد وُلد في " البويض " ، وهذا خطأ ، وإنما الصواب أنه ولد في " البويضة " بالتاء المربوطة في آخرها ، كما ورد في ترجمته بكتاب طبقات ود ضيف الله. • أما في الصفحتين 382 و383 ، فقد نُشرت ترجمة لشخص يدعى: " محمد الهلالي " ، ذُكر أن تاريخ وفاته هو 1872م. عُرِّف هذا الرجل بأنه " خارج عن القانون ، وفكي قدم من بحيرة فتري في باقرمي " ورُبطت سيرته بسيرة الزبير باشا رحمه ونشاطه في بحر الغزال. والشاهد هو أن لقب هذا الشخص هو " البِلالي " بجر الباء ، نسبة إلى قبيلة " البلالة " التي تقطن بوسط تشاد ، وليس " الهلالي " كما هو مكتوب. على أن الصيغة الشعبية الشائعة للنسبة إلى هذه القبيلة خصوصاً في تشاد هي " البلالاوي " بصفة عامة. وهناك خطأ آخر جاء في هذه الترجمة هو زعم المؤلف أن مقتله قد كان على يد رابح فضل الله أحد أتباع الزبير. والحق هو أن البلالي هذا قد قتله الزبير باشا بسيفة بعد مطاردة وصراع مثير ومباشر بينهما. وقد أوضح الزبير ذلك في مذكراته التي أملاها على الصحفية البريطانية " فلورا شو " من منفاه في جبل طارق في أواخر القرن التاسع عشر ، والتي توفر على ترجمتها ونشرها قبل نحو عقدين من الآن ، السفير " خليفة عباس العبيد " رحمه الله. قالوا: وعلى ذلك الفعل البطولي أنشأت شاعرة الزبير باشا تمدحه بقولها: دقنكْ في الرجال ماها الدقينة ام طُوطهْ في ساعة الحرب سنّكْ تفرْ مبسوطهْ سكيت البلالي لامن وقعْ في البوطهْ والبوطه هي البركة أو المستنقع. سمعتُ هذا المقطع الشعري ووعيته من أستانا العلامة الدكتور " جعفر ميرغني " حفظه الله قبل بضعة أعوام. • وفي معرض ترجمته للوجيه الحازمي " النور هُنوَّة " المتوفى في عام 1931م ، والواردة في صفحة 402 من النسخة المعربة ، جاء فيها أنه " ناظر الحلافة التابع لجزء من الحوازمة القاطنين في جبال النوبة الشرقية ". والراجح عندي أن ذلك الفرع من الحوازمة يسمون " الحَلَفهْ " بفتح الحاء واللام والفاء جميعها وتسكين الهاء ، وليس " الحلافة " بلام الألف كما هو مكتوب. • أما في معرض ترجمته لسير " هربرت وليام جاكسون " 1861 – 1931م ، الضابط والإداري البريطاني الشهير في فترة الحكم الثنائي ، والمنشورة بصفحة 412 من النسخة المعربة ، فقد لاحظنا أن المؤلف قد أغفل جانباً مهما من حياة جاكسون الشخصية ، وهو في تقديرنا أبرز جانب يجسد صلته المباشرة بالسودان والسودانيين ، وأولاها بالرصد والتدوين. ألا وهي حقيقة أنه تزوج بسيدة سودانية في " مروي " ، وله منها ذرية ما تزال موجودة وتسعى بين الناس في السودان إلى اليوم. واستبعد ألاّ يكون رتشارد هل على علم بذلك. وأخيراً ، عمد المعرِّب ، أم يا ترى نقل نقلاً أميناً عن المؤلف ؟ ، في معرض الترجمة للزعيم القبلي الهواري المصري " همام أبو يوسف " المتوفى في حوالي عام 1769م على وجه التقريب بحسب المؤلف ، عمد إلى ضبط اسمه بالشكل هكذا: " هُمام " بضم الهاء وترك الميم غفلاً عن التشكيل. والواقع هو أنَّ هذه الشخصية لها وجود طاغٍ في أدبيات تاريخ مصر في أواخر فترة المماليك ، خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي ، مثل تاريخ عبد الرحمن الجبرتي الذي يعرِّفه باسم " شيخ العرب هَمَّام " بفتح الهاء وتشديد الميم مع الفتح. فهل رسمه رتشارد هل Humam ونقله عنه المترجم وهو خطأ ، أم Hammām وهو الصحيح ؟. ومهما يكن من أمر في ختام هذه الحلقات ، فإننا لا بد أن نعرب عن شكرنا وامتناننا الجزيلين كسودانيين ، للبروفيسور الراحل رتشارد هل ، على هذه الخدمة الجليلة التي قدمها للعلم والمعرفة والتوثيق التاريخي ، لهذا الكم الهائل من الشخصيات المرموقة من السودانيين وغيرهم ، الذين كانت لهم أدوار أو صلات مشهورة مع السودان وتاريخه وأهله على مختلف الحقب المتعاقبة. على أن من حقه علينا ، كما أنَّ من حق المعرفة والحقيقة ايضاً ، أن نصدع بأرائنا وملاحظاتنا حول ما كتب ، على جودته وتميزه ، وخصوصاً مبادرته وسبقه ، لأن هذا هو - في نهاية المطاف - تاريخ بلادنا ، وبالتالي فنحن أولى – بطبيعة الحال – بالعكوف عليه دراسةً ، وتنقيحاً وتصويباً وتسديداً ومقاربةً ، غير هوابين ولا وجلين ، طالما أن ذلك يتم في إطار الموضوعية ، والحجاج المنطقي ، ووفقا للنهج العلمي السديد بقدر الإمكان. ولا بد بالطبع من كلمة ثناء وعرفان نزجيها لصديقنا البحاثة الهمام والمترجم الحاذق ، الأستاذ سيف الدين عبد الحميد النعيم ، على إنجازه لهذه الترجمة الجيدة لهذا السفر والمرجع التاريخي المهم ، آملين أن يجد فيما سطرنا من تصويبات وملاحظات على المتن ، ومقترحات للترجمة ، مادة تعينه على إخراج الطبعات القادمة من هذا العمل ، في ثوب أنقى وأنصع ، تكملة للفائدة. ولنذكِّرْ بهذه المناسبة ، أنفسنا وكل من يريد التصدي للتعريب في تاريخ السودان ، خصوصاً نقلاً عن اللغات الأوروبية المختلفة ، بأن عليه أن يجهِّز - علاوة بالطبع على تأهيله واستعداده ومعرفته للترجمة وممارسته لها وخصوصا تمكنه التام من اللغة التي يود النقل منها ومعرفته أيصاً بأساليب البيان اللغوي وحسن الإنشاء في اللغة العربية - أدوات العمل ومعيناته اللازمة لذلك ، والتي تبقى من أهمها إلى جانب المصادر والمراجع الأصلية المؤلفة باللغة العربية أساساً بواسطة علماء متخصصين في هذا الفن من بين السودانيين بالذات ، مثل مؤلفات مكي شبيكة ، و يوسف فضل حسن ، وضرار صالح ضرار ، وحسن أحمد إبراهيم ، وعبد القادر محمود عبد الله ، وأحمد محمد علي الحاكم ، وسامية بشير دفع الله ، وعمر حاج الزاكي وغيرهم على سبيل المثال ، بعض المراجع الأساسية التي لا غنى عنها لأي معرب ومترجم في تاريخ السودان مثل: كتاب تاريخ السودان وجغرافيته لنعوم شقير ، وتاريخ كاتب الشونة ، وطبقات ود ضيف الله ، ومذكرات بابكر بدري ، ونفثات اليراع للشيخ محمد عبد الرحيم ، وتاريخ السودان الحديث للبروفيسور محمد سعيد القدال الذي لخص جماع ما ورد فيما قبله من المصادر والمراجع في هذا المجال ، ورواد الفكر السوداني لمحجوب عمر باشري ، وموسوعة الأنساب لعون الشرف قاسم ، وحتى كتابه الآخر الشهير " قاموس اللهجة العامية في السودان ". هذا ، والله من وراء القصد ، وهو يهدي السبيل.