قانون النقابات المرقع: لماذا الخوف من القضاء؟ (6)

 


 

صديق الزيلعي
2 September, 2021

 

ناقشت في الحلقات السابقة قضايا شكلت اطارا عاما لفهم حثيات تطور قضية اصدار قانون للنقابات، وما دار حوله، وخطورة عدم التصدي له، قبل اجازته النهائية من قبل اجتماع المجلسين (باعتباره السلطة التشريعية في غياب المجلس التشريعي). وأوضحت تواطؤ المجلس العسكري مع فلول النقابيين الاسلامويين، وتلكؤ وبطء الحكومة الانتقالية في اعداد قانون النقابات البديل، لإنها تهربت من الغاء قانون 2010، وعدم اهتمام ما يسمى بالحاضنة السياسية المشغولة بالمحاصصات. وأوضحت خطورة الدعوة لعزل المهنيين عن العمل النقابي، ثم اشرت لموضع الخطر في المادة المتعلقة بالاتحادات باعتبارها تمهيد قانوني صريح وتهيئة للوضع النقابي واعداده ليغرق في الصراعات والانقسامات، وتضيع الوحدة النقابية، السلاح التاريخي المعروف في العمل النقابي. اليوم اواصل لأناقش قضية وضع مسجل النقابات.
أدخل البريطانيون، التسجيل الاجباري للنقابات، في قانون 1948. ومنذ ذلك الحين، أصبح بندا ثابتا في كل القوانين النقابية. التسجيل الاجباري، المعمول به في السودان، هو أحد اشكال التسجيل، وليس الشكل الوحيد. هناك التسجيل الاختياري، كما هو الحال في عدد من البلدان الاوربية، ومن يقوم بالتسجيل ينال بعض الامتيازات من الدولة. ويرتبط التسجيل الاجباري بالجهة التي تديره (مكتب المسجل)، وتبعية تلك الجهة الإدارية لمن يعينها. إضافة لذلك السلطات التي تملكها أو تمارسها (بوضع اليد) تلك الجهة الإدارية، ولنا في السودان أمثلة مشهورة حول تلك الممارسات والتجاوزات.
أدعو، قبل مواصلة النقاش، كل الكوادر النقابية، السابقة والحالية، لأن تفتح ملف مكتب مسجل النقابات، عبر العصور، والادوار الذي لعبها داخل الحركة النقابية. وان يتم نشر تلك الحقائق والاحداث والمعلومات وتمليكها للرأي العام السوداني. هذا الجهد، ان انجز، سيكون مفيدا في معرفة وتوضيح الدور المحوري والهام لهذا المكتب وسط الحركة النقابية، وسيكون ذلك الجهد دعم حقيقي للحملة لإيقاف تسلط مكتب المسجل، الناعم أو الخشن.
هنا عدة أسباب للدعوة لتعيين قاضي في موقع المسجل. أولها استقلال القضاء والقاضي عن السلطة التنفيذية، التي تتدخل باعتبارها مخدما أو انحيازا لأصحاب العمل. وابضا لان مستشار النيابة العامة، حسب تجربة الثلاثين عاما الماضية، ليس مستقلا، وسيكون داعما لما تريده السلطة التي عينته ويمكنها عزله، اذا حاد عن خطها، وتكاسل في تنفيذ مرادها. تعيين قاضي يعطي أطراف النزاع الثقة في حيدة الممارسة وعدالة الحكم.
نلاحظ ان القانون المرقع يحدد ان يكون المسجل بدرجة كبير المستشارين القانونيين. هذا التحديد لانه سيمارس عملا ذا طبيعة قانونية، مما يستدعي ان يكون حاملا لتلك الدرجة القيادية. وهذا الوضع يهزم حجة بعض المدافعين عن القانون بان المسجل لا يمارس تدخلا في النزاعات. فاذا افترضنا انه لا يمارس أي تدخل لماذا تم تحديد تلك الدرجة القانونية الرفيعة له؟
نقطة أخرى ، يقدمها بعض المدافعين عن القانون، بان من يتضرر من قرارات المسجل يمكنه اللجوء للقضاء. وهذا الرأي، هو دعوة صريحة لتعطيل العمل النقابي وتمرير قرارات المسجل، لان اللجوء للقضاء بعد صدور قرار المسجل، الذي يحدد القانون ان ينفذ فورا، مما يجعل الزمن المستهلك في انتظار انعقاد المحاكم، وأساليب بعض المامين في تأجيل الجلسات، خصما على العمل النقابي لتمرير ما يريده المسجل، ولتأثيره المباشر على الصراع داخل النقابة المعينة.
اختم وأقول، كيف يرفض من يقول انه يؤمن بحرية واستقلالية العمل النقابي ان يكون مكتب المسجل تابعا للقضائية وتحت الاشراف المباشر لقاضي؟ وكيف يثق ، في نفس الوقت ، في موظفي النيابة ويدعم استمرارهم في التحكم في الحركة النقابية؟

siddigelzailaee@gmail.com

 

آراء