قراءة سريعة لأحداث سريعة: الترابي يشارك في انقلاب البشير الثاني
في عام 1998 أطاح الترابي بالنظام الديمقراطي مستعينا بالتنظيم السري للاخوان المسلمين داخل القوات المسلحة فأتي بعمر البشير رئيسا للسودان وشاعت يومذاك مقولة ذهبت الي السجن وذهب الي القصر في محاولة من عرّاب الإنقلاب التمويه علي الزعماء السياسيين بأن ماحدث لاعلاقة للجبهة الإسلامية به, وفي عام 1999 اطاح البشير بالترابي لأن الأخير شرع في التخطيط للإطاحة به عبر تقليص صلاحياته وإبعاد العسكريين مجلس قيادة الثورةعن الحكم وتحويل الانقلاب من "مرحلة الثورة الي مرحلة الدولة" وفي غمرة الصراع المكشوف الذي استمر سنوات طويلة, كان الترابي يشكل خطرا داهما علي النظام لكونه عرابه وصانع رموزه ,وحافظ اسراره فأد خل السجن خمسة مرات وخرج وهو مصر علي محاربة النظام, وحتي لايجد الترابي نفسه يقاتل المعركة بمفرده انضم الي قوي المعارضة المدنية "قوي الاجماع الوطني "التي قبلته في صفوفها قبل ان يعتذر عن إنقلابه الذي اجهض الديمقراطية الثالثة, وهاهو التاريخ يعيد نفسه فيقود البشير انقلاب قصر Palace coup في صالح الترابي ليطيح بالصقور علي عثمان ,ونافع والجاز وبقية العقد, ثم يتبع ذلك كتأمين لخطواته المقبلة بمجزرة كبري راح ضحيتها 68 من كبار ضباط جهاز الأمن يعتقد انهم علي صلة قبلية ! بنائبة السابق علي عثمان ,ويرجع المطلعون علي علي ماوراء الكواليس, ان كل الخطوات التي قام بها البشير ومنها خطابه المشهور الذي قوبل بسخرية واسعة من الناس كان امرا مدبرا جري ترتيبه مع الترابي نفسه والذي كان في مقدمة حضور المناسبة بجانب الصادق المهدي ,وغازي صلاح الدين, ويلاحظ ان تعليق الترابي علي الخطاب كان لطيفا لغويا حين وصفه بأن لا جديد فيه وتلاعب بالالفاظ , ويعزز ماذهبنا اليه المحلل السياسي الاستاذ محجوب محمد صالح الذي زار الدوحة اخيرا والذي اكد ان كل خطوات البشيرالإطاحية لم تكن عشوائية كما يظن البعض وإنما جرت بسرية ماسونية تامة شارك فيها بالتخيط المشترك مع البشير الترابي وبدور قطري كما ذكرت ذلك صحيفة العرب اللندنية التي اكدت "اهتمام الدوحة الشديد بمساعدة حكومة البشير على التماسك بوجه عاصفة الربيع العربي، كآخر معقل لحكم الإسلاميين في العالم العربي بعد أن فشلت قطر في الدفع بالإخوان إلى الحكم في أكثر من دولة عربية والحفاظ على مواقعهم فيها، حيث كان سقوط حكم الإخوان في مصر بمثابة نكسة كبرى لـ"المشروع" القطري ويتساوق هذا التحليل مع زيارات الترابي المتكررة للدوحة والتي جاء معظمها تحت غطاء المشاركة في ندوات ومؤتمرات نظمتها مراكز ابحاث قطرية, من جهة ثانية يري مراقبون إن تصريحات الترابي حين اعلن العفوعن كل ما تعرض له من اذي تحت شعار عفا الله عما سلف كان المقصود منه ان معركته الشخصية مع الرئيس البشير قد انتهت اوفي طريقها الي الإنتهاء ,ويعزز هذه المقولة ان إنتماء الترابي الترابي اصلا الي قوي الأجماع الوطني كان عملية تكتيكية الهدف منها إضفاء الشرعية الوطنية علي صراعه مع البشير بأعتباره صراعا من اجل عودة الديمقراطية للبلاد, ولكن في حقيقة الامر إن االترابي طوال سنوات معا رضته للنظام كان يحلم بالعودة سريعا الي مجد ضاع منه سيما وهو علي اعتاب التسعين , و يري الاستاذ محجوب محمد صالح في جلسة حوارطويلة معه ان الترابي بأقترابه من البشير يريد ان يكون في الواجهة إستباقا الي سد الطريق امام الصادق المهدي في اي قسمة للكعكة السياسية إذا كان قد تبقي منها شيء, وفي الوقت نفسه يكون هو حارس البوابة الذي يأذن بالدخول لمن يرغب في الجلوس علي المائدة الجديدة فى محاورة النظام ,ولكن هل ستأتي سفن الرجل بما لا تشتيه رياح السياسة؟ هل يستطيع الترابي ان يكون طوق نجاة لنظام مصاب بالأينمياء السياسية في معزل عن الواقع الاقتصادي المحتضر؟ هل يستطيع الرجل الخوض لوحدة في هذه المعجنة التي يطن من فوقها الذباب, هل يستطيع تحت شعار بناء حركة اسلامية جديدة عبر حزبه المؤتمر الشعبي ان يتجاوز الجبهة الثورية التي فشلت حملة البشير الصيفة في القضاء عليها, هل نظر الرجل للفوضى التي تضرب كل انحاء السودان حتي وصلت عصابات النهب المسلح الي اوساط الجزيرة ؟ هل قرأ الرجل جيدا بيان حلفاؤه القدامي المصرون علي إسقاط النظام حتي لوصار هو والمهدي ظهيرا له, هل فات علي الرجل المتغيرات العميقة التي حدثت في الساحة السودانية والتي لم تعد مستعدة لقبول نبيذ قديم في قنان جديدة كما يقول الغربيون, هل هل, كل هذه الاسئلة ستظل شاخصة مادامت جذورالأزمة في السودان تسافر بعيدا في التربة ومادام الترابي يبحث عن السلطة والجاه لا عن عودة الحريات وحقوق انسان السودان ,كل السودان .
s.meheasi@hotmail.com