قراءة في كتاب الدكتور حيدر إبراهيم علي 2-3
التجديد عند الصادق المهدي: الإشكاليات والاختلالات
قراءة في كتاب الدكتور حيدر إبراهيم علي
بقلم صديق محيسي 2-3
يتناول كتاب الدكتور حيدر ابراهيم علي التركيبة الفكرية للصادق المهدي بأعتبارها قائده في التعامل مع السياسي اليومي والثقافي والأقتصادي, ويري ان البناء الفكري للشخصية السياسية هو الذي يرسم طريق تعاملها مع قضايا الحياة عامة , وهي نظرية متفق عليها علميا اذ لايصدر من افعال من شخصية ما الا وكانت وراء ذلك مرجعية معرفية يستمد منها مواقفه وقراراته, وكما قلنا في الحلقة الاولي ان المهدي كزعيم سياسي يختلف عن بقية الزعماء السياسيين التقلديين بكونه دؤوب علي تحصيل المعرفة من مصادرها المختلفة عكس صنوه الميرغني الذي يعادي المعرفة اصلا ويحارب حامليها بلاهواده ,غير ان كتاب حيدر يطرح اسئلة كثيرة من اهمها هل وظف الصادق المهدي معرفته عمليا في شئون السياسة ؟ بمعني اخر هل افادت هذه المعرفة الناس في حياتهم عندما تتحول الي مأكل , ومشرب , وتعليم , وصحة ؟, وهل يعتمد المهدي فعلا في معرفته علي نظرية محددة ثابتة ام متجددة فى حل معضلات الحكم التي من اهمها ايضا موقفه تجاه الانظمة الاستبدادية ومن بينها اخر نموذج شمولي قهري وهو نموذج البشير, والي ان يجاوب الكتاب لاحقا علي هذه الاسئلة فأن الصادق المهدي يعتبر ( الحوار مصدرا هاما في تكوينه السياسي فقد انفتح علي التيارات المختلفة معه جذريا. إذ يقول أنه اهتم بالاتجاهين المسيطرين علي المثقفين السودانيين: الإخواني والشيوعي. فقد كان ضد منطق الادانة، وفتح الحوار-وفق قوله- في وقت قطيعة واستقطاب. ويقول أنه عقد20 جلسة حوار مع عبدالخالق محجوب قبل انقلاب25 مايو1969. وكان قد عقد اجتماعا مع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي-قبل الحل-محاولا تهدئة رد الفعل. إذ قال بوجود موجة شعبية وتهييج الجماهير، وأن الرئيس أزهري تبني القضية والنتيجة قرار سياسي نافذ. وتمني ألا تكون شرارة فتنة، ورغم تحفظ الشيوعيين، يري (المهدي) أن الثمرة كانت ايجابية. أنه اجري حوارات غير نمطية ذات مضمون حقيقي وليس خصاما لأنها فعالة. وكان طرحه اوسع مما كان موجودا-حسب قوله وتسبب في تطور موقفه السياسي، وفي تحريك حزب الأمة من موقع المحافظة وتبني أجندة التغيير.) وهنا يحق للمراقب ان يسأل ايضا ما اذا كان المهدي قد التزم بهذين العنصرين وحولهما الي افعال مادية , اي اتبع القول بالفعل؟ ففيما يتعلق باعتماد المهدي علي لحوار مع الاخر لفهم هذا الاخر وانتقاء ما ما هو مفيد من افكاره اثراء لرؤية حزبه فيكذبه اخرون ومن داخل حزبه بأن الحوار يكون دائما وراء ظهر الرجل ,او انه يؤمن بنظرية الحوار الذي يخطط قواعده وموضوعاته هو وبعد ذلك ينسب نتائجه الي قواعد حزبه التي لم تشارك اصلا فى صنع ذلك الحوار , وينطبق هذا علي القوي السياسية الاخري التي يحاورها المهدي شريطة ان تكون محصلة الحوار تصب في افكاره وتصوراته ’ وليس ببعيد عن الاذهان اعادة الصادق المهدي المهدي الامين العام السابق للحزب من جديد في منصبه بالرغم من ان الحوار الديمقراطي اطاحه لفشله في ادراة الحزب مما يؤكدان يمارس الديمقراطية صناعته هو وليس صناعة الجماعة
يرد حيدر ان عدم اصالة تجديد الصادق (إلي غياب البناءء الفكري المتكامل والمتسق ، أو نظرية فكرية قائمة بذاتها؛يمكن أن نطلق عليها"مدرسة الصادق الفكرية" أو"النظرية" علي منوال النظرية الماركسية أو البنيوية مثلا.فهو يواجه قضية أو مسألة ثم يبدأ في الاجتهاد والبحث عن الإجتهاد.فالصادق يتعامل بردود الفعل أي يشرع في الاجتهاد بعد ظهور حدث أو تحد يتطلب موقفا أو فتوى.وليس العكس،أن نختبر الحدث أو التحدي الجديد علي ضوء اجتهاد موجود اصلا لديه،أو نظرية قائمة مرتبطة باسم(الصادق).والمثال علي ذلك اتفاقية سيداو التي فرضت علي(الصادق)أن يكتب مباشرة وبتركيز في ضرورة الاجتهاد علي ضوء الحدث.وهذا وضع يمكن قبوله،ولكن قضية المرأة ماثلة قبل(سيداو). فقد كانت المناسبة هي المرة الأولي التي يفرد حيزا معتبرا لها في كتاب،وليس مجرد تناول عابر،تحت عنوان:ضرورة الاجتهاد لمواجهة تحديات العصر ومنها سيداو.وهذا هو الموقع الذي فصّل فيه الكتابة عن الاجتهاد.ويحصر الاجتهاد في سبع قضايا تكثر حولها الاسئلة ويعتبرها الراغبون في فهم الإسلام أو اعتناقه عقبات في سبيل قبولهم الإسلام،وهي:الرق،الجهاد،المرأة،الحدود التعامل مع الآخر الملي وسائر الاقليات،دولة الخلافة والعلوم الطبيعية.واعتقد ان أكثر قضيتين مثيرتين للاهتمام في الاسلام المعاصر،هما: المرأة والمال(الربا والاقتصاد)،كما يظهر في طلب وعرض الفتوى .ويقرر (الصادق)بأن قضية تحرير المرأة تمثل أحد أركان تجديد الفكر الإسلامي.ويقول في السطر التالي مباشرة، وبدون ذكر لما هو الرابط:-"إن قضية تجديد الفكر الإسلامي قد اكتسبت إلحاحا بسبب الحرب الأطلسية الرابعة المعلنة ضد الإرهاب العالمي".(حقوق المراة ولكن يبدو أنه يريد من ذلك ايجاد مدخل مريح لطرح موضوعه المفضل: الصراع بين اجتهادات الغلاة والغزاة.ثم يحسم الأمر بالترويج للمنهج الصحوي والذي يعطيه تسميات عديدة ولكن تلتقي كلها في رفض الانكفائية والغلو.ويقول بأن مصير العالم الإسلامي يصطرع عليه الغلاة والغزاة وهما يتوعدانه بأحد مصيرين:الهروب الي الماضي علي يد الغلاة ،أو الهروب إلي الخارج علي يد الغزاة.وهذه عودة الي المانوية المقلوبةأو الثنائية،وهي منهج ضروري لترجيح الوسطية في النهاية.فهو في هذه الحالة لا يوازن بين الخير والشر،ولكنه يحذو من الشر والشر لكي يصل الي القول:-" إن الحياة لا تقبل فراغا ولا ينقذنا من أحد المصيرين إلا اجتهاد الحماة الذي يطرح حلا اجتهاديا مدعوما بسند شعبي قوى قادر علي ايجاد حل لجدلية الغلو والغزو بمشروع نهضوي يكون تحرير المرأة أحد أركانه
ويري حيدر ايضا (الصادق) يتميز بعقل فقهي بامتياز وليس فلسفيا.وهذا سبب غلبة التفكير بالقياس( analogy ) ، وهو منهج لاتاريخي؛ علي تحليلاته ونتائجه.وهو يتحدث عن الاجتهاد باستمرار وليس عن الابداع،والخلق،والابتكار.فالاجتهاد بناء،وتحسين،وتجديد،وأصلاح علي ما هو موجود اصلا؛وليس انشاءا.واشكالية(الصادق)فوق ذلك،أنه يجتهد علي اجتهاد آخر،هو فكر المهدية.ومثل كل فكر ديني محافظ،تجنب(الصادق) مغامرة الابداع والتجديد الجذري خشية الوقوع في البدعة،وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة للنار.ورغم نقده المتكرر للنصوصية،إلا أنه اتكأ علي النصوص كلية وأكثر من الاستشهاد بالآيات القرآنية والاحاديث الدينية.ولم يقارع العقلانيين المسلمين، أو يشيد علي بناء عقلانيين مسلمين مثل إبن رشد والمعتزلة، واخوان الصفا،وجابر بن حيان ،ومحمدعبده،والطهطاوي،وغيرهم. ولا توجد إحالات لكثير من هذه الشخصيات في أغلب كتابات(الصادق)،رغم أنه ذكر قراءته لبعضهم،مثل ابن رشد.بالطبع ليس بالضرورة أن يرجع لكل من اطلع علي كتاباته؛ولكن الكثير من هذه الكتابات تلتقي بقضايا التجديد التي تشغل فكره.ومع أن (حسن الترابي)يميل إلي الاستعراضية والإثارة؛إلا أنه صرح بفتاوى جرئية وجديدة.ودافع عن آرائه رغم حملات العلماء الضارية عليه.والاستاذ محمود محمد طه،قال بآراء أزعجت منام المحافظين حتي اوصلوه الي المشنقة.
ويشير كتاب حيدر الي أن الصادق يكون في كثير من الاحيان أقرب الي الفقيه منه الي الفيلسوف أو المفكر.لأن عقل الفقيه يعمل داخل نصوص جاهزة ولا ينتج نصوصا خاصة به،وتحمل افكاره المميزة والمتفردة التي يعرف بها حتي وإن لم يوقع عليها باسمه صراحة.والفقيه لا يتعدي تفكيره تفسير وتعليل وتوضيح الواقع الذي جاءت به النصوص المقدس. ومن الواضح أن(الصادق)ملتزم بالشرط التقليدي للإجتهاد وهو الإجتهاد فيما ليس فيه نص.ففي تعليقه علي اتفاقية(سيداو) كنت أتوقع أن يأتي باجتهاد جرئ في موضوعات مثل ميراث المرأة أو المساواة عموما.فهو يسهب في الشرح والاستدلال والتعليل،وعندما تأتي لحظة اتخاذ القرار ،والحسم بموقف فكري يبقي كمرجعية تنسب للصادق،يقف دون ذلك.وتلاحقه صفة المعلق أو المعقب أو شارح المتون أو عارض الاحداث.فهو يمشي علي دروب الآخرين ولم يفترع دربه الخاص كمجتهد حديث أو معاصر يرجع لكتاباته مثل سيد قطب،أو محمود شلتوت،أو شيخ بخيت،أو محمد الغزالي،أو يوسف القرضاوي،أو مالك بن نبي، أو الطاهر عاشور؛وغيرهم من الأسماء المؤثرة راهنا.
يري (الصادق) أن أهم نظريتين حول مكانة الأنسان في الكون هما: النظرية اللاهوتية التي تعتبر الانسان متلقيا للحقيقة من الغيب عبر الوحى، فمعارفه هي ما نزل به الوحى. وتقابلها النظرية الناسوتية، المناقضة لها تماما، والتي تعتبر الإنسسان مستقلا بذاته، ومعارفه هي ما تطولها قدراته العقلية والتجريبية. (نحو مرجعية. . ، ص35) . ومن الملاحظ اهتمامه باختيار لغة تميزه، فقد اشتهر بأن له لغة وكلمات (jargon) . ورغم هذا الحرص، جاءت ناسوت نافرة بحمولتها المسيحية. وفي تعريف للناسوت واللاهوت، نقرأ: -"والايمان بلاهوت السيد المسيح وناسوته يعني بأن المسيح هو إله كامل وإنسان كامل، وأن لاهوته لا يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا ترفه عين". (موقع كنيسة الاسكندرية الكاثوليكي) . وكان بامكانه استعمال مصطلح الانسانية الأكثر تداولا (humanism) أو الإنسية ،أو النزعة الإنسانية،أو المذهب الإنساني . ولكن يبدو أنه ينسب هذا المفهوم للفكر العلماني أو الليبرالي لذلك تجنبه، رغم ملائمته وانتشاره. الناسوت لايريد استخدام الانسانية وهو المفهوم السائد وفضل الكلمة المسيحية وليدة الخلافات حول طبيعة المسيح(أحاديث الغربة، هذه محاولات التأصيل أو حب الاختلاف عند المهدي.
ويتجنب ايضا مفهوم التنوير المرتبط بالانسانية كحقبة تاريخية ورؤية فلسفية. ويرجع هذا الموقف لمطالبته بأسلمة المعرفة وهذا شعار توفيقي منتشر بين النخبة الاسلامية. فهو يقرر ضرورة التخلص من فكرة طغيان المادية علي عهد التنوير الغربي مما جعل العلوم تفترض صحة الطبيعة المادية للكون والحياة. بالاضافة الي أن غلبة الحضارة الغربية جعلتها تفترض أن إنجازات الإنسان المعرفية من عطاء
ويلاحظ المؤلف ما اسماه (تجول(الصادق) بين هذه المفاهيم العديدة،والمذاهب المختلفة،ونحت المصطلحات؛عن رغبة في تجنب حسم موقفه من دور العقل في المعرفة مقابل عالم الوحي والشهادة.فكل هذه المقابلات والثنائيات الناسوت واللاهوت،العلمانية والدينية،العقلانية والغيبية؛ هي مجرد أطر ليملأها بنقاش العقل والوحى الغيب.فهو يخلق من نقاشه لهذه الموضوعات فرصة لاستعراض عيوب العلمانية ولتمرير توفيقيته المستحيلة بين العقل والغيب.فهو يبدأ بتحديد توجهين للعلمانية،توجه أصولي فلسفي يجعل كل أمر الإنسان محصورا فيما تدركه الحواس،وتوجه علماني محدود يقف عند فصل الدين عن الدولة.(معالم وللكاتب حرية غريبة مطلقة في التصنيف،قد يدعوها:الاجتهاد،ولكن حتي هذا له شروط وقيود.وهنا يشعر القارئ بوجود علمانية فلسفية واخري سياسية،ولكن هل يعني ذلك عدم ارتكازها علي أسس فلسفية؟كلاهما يلتقي في جذر فلسفي واحد:الانسانية الفلسفة التي اعادت القيمة للإنسان،والتي يصر (الصادق)غلي تسميتها بالناسوت.ويختلط تعريف العلمانية الفلسفية بعدد من الفلسفات المتشابهة تلتقي في إدراك الحواس،مثل:الفلسفة المادية،والوضعية،ةالعلمية(أو العلموية).والعلمانية تختلف عنها جميعا في الاهتمام،إذ لا يشغلها الادراك بالحواس بل موقع الإنسان في عملية الإدراك(الإنسانية).أن يكون الإنسان مصدر الإدراك وليس أي قوة خارجه بغض النظر عن وسيلة الإدراك-عقلية أو حسية- شرط ألا تفقده دوره كمركز لهذا الإدراك.ولكنه يصر لأهداف السجال أن يطابق بين العلمانية والوضعية حين يكتب:-" كان تصور الفلسفة العلمانية أن الدين مرحلة طفولة للإنسان وأنه سوف يشب عن طوقها.ولكن تاريخ الفكرة والمجتمعات أدرك أن في ذلك التصور تسطيحا زائفا للحالة الإنسانية"0(ص45).أولا، أظنه قصد تاريخ الفكرة اثبت وليس أدرك.ثانيا،هو يتحدث عم وضعيين أمثال اوغست كونت(1798-1857 الذي قسّم مراحل الفكر وتنبأ بانجسار الدين في المجتمعات الصناعية.ثالثا،رغم أن(الصادق) واسع الإطلاع ولكنه عيبه الانتقائية عند العرض أو مناقشة الآراء.إذ لا أظنه لم يسمع بالمسيحية العلمانية،فهي لن تقول بنهاية الدين.
ويري الكاتب كذلك ان المهدي يسير في ا لخط نفسه لخط مدرسة تحجيم العقل أو القائلين بعجزه أو محدوديته؛خاصة في حقائق الدين.ويقول أنها أمور غيبية آتية من وراء الحس لا بواسطته فهي ليست مناقضة للعقلانية بل فوق العقلانية ويضيف بأن هنالك تساؤلات يطرحها العقل باستمرار ولكنه غير قادر علي الإجابة عليها،مثل:كيف وجد الكون؟وكيف نشأت الحياة فيه؟وما هو مصير الكون؟ويقرر أن هذه الاسئلة مع أهميتها لا تستطيع المعارف المستمدة من الحواس والعقل والتجربة الإجابة عليها.والجواب عليها-حسب رأيه- يأتي من الإيمان بإفادات الوحي.موقف مقبول منه رغم الاختلاف، ولكن من غير المقبول الأحكام المتطرفة في خصومتها والتي تميل الي الحط باستعمال لغة أقرب الي السب.ويكتب معلقا علي العلميين حين يحاولون معالجة الاسئلة السابقة:-" وإلا فالإجابات البشرية التي قدمتها أضخم العقول إجابات سخيفة وببساطة تنتج العقول الضخمة،لأنها تختلف معه،السخف؛ولكن من أين اكتسبت صفة الضخامة؟فهي في رأي(الصادق) غير مكتملة لأنها تهمل أو لا تدرك وجود معارف اخري لها وسائل معرفية غير العقل؛يكتب:-" نحن نشهد في حياتنا وجود معارف بوسائل وراء الشعور مثل قراءة أفكار الآخرين،والرؤيا الصادقة، والتنبوء بما هو آت،والاستبصار الروحي،وتأثير النفس الإنسانية علي ما حولها بوسائل غير حسية،وهي حقائق تدل علي وجود لا تدركه الحواس وهو موضوع تدرسه الباراسيكولوجي ولم يقلنا هل الباراسيكولوجي علم علمي أم مجرد خواطر واحاسيس وتهويمات؟لايوجد علم حقيقي بهذا الأسم ،لأنه يفتقد الموضوعات والمناهج التي تصدر عن العلم. فقد كان مجرد موضة بين بعض الاكاديميين المتوسطين، وقد نشطوا أكثر في الاتحاد السوفيتي السابق والمعسكر الشرقي.وهذه بلدان كانت تشكو من خواء روحي وديني،فلجأت (للخزعبلات).ولم تعترف به الجامعات المحترمة في الغرب،بل وجدت معاهده الخاصة تمويلات من افراد.وتوقفت عام2010 آخر مجلة اوربية للباراسيكولوجي.والأهم من ذلك ،هذه المعارف طالما مصدرها الوحي فلماذا نبحث لها في شرعية علمية بالصاقها ونسبها الي علم وهمي؟وسرعان ما يعود مجددا الي الدين والوحي ليسند مقولته،يكتب:-"وقد أشار النبي(ص) لهذه الظاهرة حتي قال عن الرؤيا الصادقة إنها جزء من النبوة،زبعض وحي الأنبياء كان في شكل رؤى صادقة".(نفس المصدر السابق).ويقول بأن النبي(ص) ذكر من سماهم بالمحدثين.
يري الكتاب ايضا ان ادوات واستنتاجات(الصادق) تغلب عليها النزعة الايديولوجية علي حساب المعرفي.فقد اصبح أسيرا لأيديولوجية مايسميه إسلام الصحوة،وهي التي تقف وراء كل تنظيره ومواقفه.واعني بالأيديولوحية:أي مجموعة نسقية مغلقة من الافكار.وهي التي تؤدي الي تكوين عقيدة قائمة علي الوعي الزائف،ومع الزمن تشكل لدي معتنقها وثوقية أو دوقمائية،وثوابت، لا تتزحزح مهما ابدي صاحبها من مرونة.وهذه هي آفة الفكر الصادقي الذي يقوم صاحبه بجهد لا يكل لتقديم صورة المسلم العصري المجتهد،ولكن يبقي له دوما جزاء الحسنة الواحدة.فهو يكافح لإجبار الواقع لكي يدخل في بطن أيديولوجيته لكي يحلله.وفي هذه لا يكون باحثا عن الحقيقة ،ولكن مبررا لقناعاته الجاهزة.والبعد عن الواقع يعني بالضرورة السقوط في هاوية المثالية والخيالية،ومحاولة تشييد اليوتوبيات التي توجد في اللامكان.لذلك،هذه النماذج والتوصيات التي يملأ بها مئات الصفحات لا يمكن أن يكون لها وجود في السودان وتظل سابحة في عالم الخيال والمثل. ويشير الكاتب الي ميل (الصادق) الي التفكير من خلال الثنائيات(المانوية المقلوبة) في شكل نماذج مثالية صافية ما امكن أي تشتمل علي كل الصفات والخصائص التي تجعلها مختلفة تماما عما يقابلها. وهذا يعني خلو النموذج من أي تناقض محتمل. لذلك، يخلو تصنيف (الصادق) غالبا من الدينامية والتغير والجدلية (أي وجود الشئ ونقيضه) . فهو يضع العلمانية في تقابل وتضاد كاملين مع الدين، الانكفاء مقابل الاستلاب، الماضي أو المستقبل. ورغم أن هذه الطريقة معوقة للنهج التوفيقي الذي يسير عليه، لأنه في عملية التوفيق لابد أن نجد في المعطي النقيض ما يصلح بقدر من التعديل والملائمة ما يصلح للدمج أو الإضافة في المعطي الآخر أو الأصل. وفي سعيه لبناء هذا النموذج المثالي، يلجأ الي انتقاء الشاذ والاستثنائي ليجعل منه القاعدة والعام. كما يلجأ الي احكام متعسفة ولكنها تساعد في التصنيف والتوصيف المؤدي إلي بناء النموذج المثالي النقي. فمن الواضح أن جماعات الانكفاء والغلو ، قليلة وغير مؤثرة. وكذلك، جماعات الاستلاب والتغريب الكامل. ولكنه يخلق منها النموذج الذي يستنطقه الافكار التي يرغب في مناقشتها ودحضها ويشيد نظرية متكاملة لنموذج مثالي، للاتجاه الانكفائي مع الماضي مقابل التعامل الاستلابي مع الوافد. ويرجع جذور الاتجاه الأول الي قفل باب الاجتهاد واعتماد حركة الفقه الإسلامي علي انتاج السلف وتقديسه. وهناك أسباب اخري لهذا الركود الفكري المؤسس علي التقليد، وهي عوامل داخلية وخارجية. ويركز (الصادق) علي ثلاثة عوامل داخلية. أولها: معرفي ، ويقصد : - " أن حقائق الوحي وصلت في الكتاب والسنة، وأن ما فعله المجتهدون من السلف هو استخدام القياس والإجماع وسائر أدوات الاجتهاد المشروعة لتمديد تلك الحقائق حتي تشمل كل الحياة العامة والخاصة. لذلك صارت النتيجة تبيانا للإرادة الإلهية بعلم واجتهاد السلف، فما علي الخلف إلا اتباعهم العامل الثاني: استبدادي مع تحول الحكم الي ملك عضوض. خاصة مع وضع السلطة الأحادية قيدا صارما علي كل اجتهاد يمس شرعية السلطة من قريب أو بعيد. أما العامل الثالث فهو دفاعي؛ويشرح: -" لقد انفتح المسلمون علي كافة حضارات وثقافات وأديان العالم المعمور فأثروا فيها وتأثروا بها، فخشي حماة العقيدة والشريعة من حلوليات الاستشراق وعقلانيات اليونان، والتمسوا دفوعات كثيرة مثل: من تمنطق تزندق أما العوامل الخارجية، فتتمثل في الانحصار الجغرافي والحركة البطيئة للقاح الحضاري باستثناء الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية الحديثة. فقد انفردت الحضارتان بالانتشار السريع وتجاوز الجهوية إلي العالمية. وحسب رأيه ، فإن هذه الصفات المشتركة جعلتهما متنافستين، واعطت التنافس بينهما خصوصية. وهذا تعبير بلغة اخري عن صدام الحضارات المخفف الي "تنافس" والذي استمر لمدة ألف عام - كما يقول- كانت خلالها القوة السياسة والعسكرية الإسلامية خطرا مباشرا علي وجود واستقلال دول أوربا الغربية. ولكن الغرب تجنب ذلك الخطر، وظهرت الحضارة الغربية الحديثة في النهاية أكثر قوة وهيمنة، ولكن يتهمها (الصادق) بالاستعلاء. وهذه الوضعية التي شجعت الاتجاه الانكفائي علي رفض الحضارة الغربية المطلق والتحديث. ولكن هذا الموقف السلبي وانكارمنجزات الغرب، شديد الضرر علي تقدم المسلمين. وهنا يدعو إلي – ما يسميه-"التأصيل بشكل صحوي بعيدا عن تقليد الماضي والانكفاء عليه رفضا لمنجزات الحضارة الحديثة".
يتبع
sedig meheasi [s.meheasi@hotmail.com]