قراءة في كتاب: محمود محمد طه وقضايا التهميش في السودان (5/5)

 


 

 

المؤلف: دكتور عبد الله الفكي البشير- عدد فصول الكتاب: سبعة فصول- عدد الصفحات: (664)، الناشر ط1: دار باركود للنشر والتوزيع، الخرطوم، 2021، ويجري العمل حالياً لنشر ط2، عن دار الموسوعة الصغيرة للطباعة والنشر والتوزيع، جوبا، 2024

بقلم سمية أمين صديق

المحـــاور
عن مؤلف الكتاب
مدخل
الحوار حول أطروحة المركز والهامش
مفهوم التهميش عند الأستاذ محمود محمد طه
التوجه العربي للسودان وتعميق التهميش وتعزيز الإقصاء
الأمة الأفريقية والدعوة لانسحاب السودان من جامعة الدول العربية
الحزب الجمهوري والعلاقات بين السودان ومصر
جنوب السودان والتاريخ الطويل من التهميش
محمود محمد طه هو السجين الأول والوحيد من أجل جنوب السودان
التنقيب عما بعد التاريخ المعلن: ملاحظات حول كتاب الدكتور سلمان محمد أحمد سلمان
قضايا التعدد الثقافي ونظام الحكم والمعرفة الاستعمارية واستمرار التهميش
الموقف من مؤتمر البجة/ البجا، أكتوبر 1958
تجليات ضعف الانفتاح على الأرشيف القومي عند المثقفين: الدكتور مجدي الجزولي نموذجاً
الدستور وقضايا التهميش
المرأة أكبر من هُمش في الأرض

حل قضية المرأة في أصول الإسلام حيث تطوير الشريعة الإسلامية

بيَّن عبد الله أن الأستاذ محمود محمد طه قرر وبصورة حاسمة انه: "لابد من تطوير الشريعة لمواجهة تحديات العصر ومطالب الإنسان". فمع تحديات العصر وتجدد مطالب الإنسان وتوسعها مع مرور كل يوم جديد، نجد أن المجتمع قد تطور تطوراً هائلاً، منذ نزول القرآن الكريم والى يومنا هذا، فهناك تطور كبير في المجتمع ككل، وفي وضع المرأة بصورة خاصة، وقد تطور وضعها من مستوى القصور الذي كان عليه في القرن السابع إلى مستوي هي فيه رشيدة، فقد أصبحت المرأة الآن مساوية للرجل، من حيث الحقوق والواجبات لذلك من الظلم أن تطبق عليها نفس قوانين القرن السابع، ومن هنا وجب أن يقوم القانون على مبدأ المسئولية، فالمرأة مسئولة أمام القانون، كما الرجل مسئول .
قدم هذا الفصل بالشرح، طرح تطوير شريعة الأحوال الشخصية، والزواج، ووقف عند مشروع: خطوة نحو الزواج في الإسلام، والذي طرحه الأستاذ محمود محمد طه عام 1971. كما بين الفصل ثلاثة موضوعات أثار البعض حولها، وهي موقف الأستاذ محمود محمد طه من الخفاض الفرعوني، و"المرأة مكانها البيت"، وموضوع إبقاء النسب في شروط الكفاءة ضمن الركن الثالث "الولي" من أركان الزواج.
قدم دكتور عبد الله قضية التهميش في السودان من خلال رؤية وتشخيص ومواقف الأستاذ محمود محمد طه، فقدم بعض النماذج لعدد منها، اتجه دكتور عبد الله في تناوله لقضية التهميش في السودان ، اتجاه يختلف بعض الشيء عن المنحى والاتجاهات التي ناقشت قضايا التهميش في السودان، والتي تناولها عدد من الكتاب والمثقفين بمساهمات عديدة ومهمة و مقدرة، وجميعها تصب في محاولات التفاكر لإيجاد الحلول لموضوع مُستفحل. وفي غاية الأهمية، وحقيق بأن يجد عظيم الاهتمام من كل حريص، ومهتم بقضايا السودان، وفي طليعتهم المثقفين، وتتزايد الحاجة للحوار والنقاش حوّل موضوع التهميش بصورة كبيرة خصوصاً في وضع السودان الراهن ، أخذ دكتور عبد الله، في الفصل الأول من الكتاب القُراء في رحلة عبر التاريخ ، مُتعمقاً بعض الشيء و متتبعاً خُطي الرحالة و الجغرافيين العرب والمسلمين، وما خطوه من كتابات في مدوناتهم، عاكسين صورة سلبية ودونية عن أفريقيا و مناطق السودان وشعوبها، تلك الكتابات التي ساهمت في تكوين فكرة خاطئة و تصوير (دوني) لإنسان المنطقة، ثم تسرب ذلك التصور إلى أوربا ، والذي أصبح بمثابة الإلية الأولي التي بُذرت بها أول بذور التهميش في أفريقيا والسودان ، فقد أُهمل ذكر الحضارة والأهرامات السودانية ، و حضارات أفريقيا ، حيث لم يرد لها ذكر عند المدونين العرب، كما تم تنميط سكان تلك المناطق بتصور ، يكاد يبعد عنهم صفات ( البشر) . كما أوضح لنا دكتور عبد الله، تأثر المستعمر الأوربي بما خطه الرحالة المسلمون والعرب وانعكاس ذلك بصورة جلية في تعاملهم كمستعمرين مع شعوب المنطقة (كتاب ديفيدسون)! . تناول الكتاب معنى التهميش وتعريفه ، ودخول مصطلح التهميش للسودان لأول مرة، ثم تناول فترة الستينات من القرن الماضي وحراكها وحضور السودان كجزء لا يتجزأ من ذلك الحراك العالمي الذي ازدهرت فيه حركات نضال الجماعات والشعوب توقاً للحرية ونجد ذلك في توضيح دكتور عبدالله : فعندما اندلعت ثورة أكتوبر المجيدة في السودان عام 1964، والتي كان من بين أهم أسبابها مشكلة جنوب السودان ، لم يكن السودان بمعزل عن مناخ ستينات القرن العشرين في العالم ، حيث شهد انتصار حركة الحقوق المدنية في أمريكا، Civil Rights Movement، حيث لحظات الاعتراف العالمي بالتعدد الثقافي، واستيعابه في القواميس السياسية والدساتير القومية، كما هو الحال في كندا .
لم تكن ثورة أكتوبر في بعض جوانبها، سوي تعبير عن الأشواق للتغيير بتناغم مع المشهد العالمي حيث انتصار حركة الحقوق المدنية، والاعتراف الدستوري بالتنوع الثقافي). كما ناقش الكتاب تفاعل المثقف السوداني مع موضوع التهميش وبعض الكتابات التي تناولت موضوع التهميش وبعض النظريات والأطروحات بحياد (الباحث والمُنقب)، ودعم كتاباته بالمصادر والمراجع بدقة وتوسع. وعن تناول الكتاب لمصطلح التهميش عند الأستاذ محمود محمد طه، لفت دكتور عبد الله الانتباه إلى أن الأستاذ محمود محمد طه، وهو أكبر من دافع عن حقوق المهمشين في السودان منذ أربعينات القرن الماضي وظل يدافع عنهم حتى صبيحة يوم 18 يناير 1985 عند تجسيده لمعارفه، لم يستعمل كلمة *تهميش* في كتاباته ألا أنه استخدم كلمة مستضعف و استضعاف... إلخ
خلص المؤلف من خلال دراسته لمشروع الأستاذ محمود محمد طه، من خلال كتبه ومحاضراته وأحاديثه...إلخ خلص إلى أن الأستاذ محمود محمد طه لم يستعمل مصطلحات الهامش والتهميش والمهمشين ومشتقاتها، وإنما وردت عنده مصطلحات: "المستضعفون "، و"الذين استضعفوا " و"المظلومون "، و"المغلوبون"، و"المهضومون"، و "المساكين "، و"الفقراء "، والمسترقون"، و"المستعبدون"، و"المُستذلون". كما أن جميع هذه المصطلحات جاءت بتكرار متفاوت، منذ إعلان مشروعه: الفهم الجديد للإسلام، في 30 نوفمبر عام 1951، ضمن كتبه، مقالاته، ومحاضراته، ورسائله، واللقاءات الصحفية معه. كما أشار إلى شرائح المستضعفين/ المهمشين، ومنهم العمال والفلاحين والأطفال والنساء والرجال. وأما المرأة، فهي عند الأستاذ محمود، أكبر من أُستضعف في الأرض. يقول دكتور عبد الله أن جُل هذه المصطلحات واردة إما في القرآن الكريم أو السنة النبوية، ويري دكتور عبّد الله أن معني كلمات الاستضعاف والذي يعني القهر والذل، والمستضعفين التي وردت في القرآن الكريم ومشتقاتها والتي استخدمها الأستاذ محمود محمد طه، قد وردت كثيراً عنده هي كمصطلح، أشمل وأدق في التعبير عن حالة الدونية "التي يعمل الجميع على وصفها ومن ثم معالجتها" من مصطلح المهمشين .
تتبع الكتاب مواقف الأستاذ محمود محمد طه من قضايا السودان وقضايا التهميش فيه والتي ناضل الأستاذ محمود محمد طه وعمل على إيجاد الحلول لها منذ العام 1945. وكما وضحها المؤلف من خلال فصول الكتاب، ونجد مثالاً لذلك، قضية مزارعي الجزيرة في العام 1946، وموقف الأستاذ محمود محمد طه وحزبه ومساندته لهم في وجه الحكومة في ذلك الوقت! كما فصل الكتاب في مواقف الأستاذ محمود محمد طه من قضية جنوب السودان والتي ناضل الأستاذ محمود محمد طه من أجلها، بل كان السجين الوحيد من أجل قضية جنوب السودان وذلك في عهد الاستعمار، وظل يناضل من أجلها حتى يوم تجسيده لمعارفه صبيحة يوم 18 يناير 1985. بين الكتاب أن الأستاذ محمود محمد طه قد دعا منذ العام 1955، إلى الحكم الفيدرالي لجميع أقاليم السودان وإلى تشجيع الحكم الذاتي نسبة لما يتمتع به السودان من تنوع ثقافي. فالتنوع الثقافي عند الأستاذ محمود محمد طه يزيد من حيوية الأمة السودانية، ولهذا ظل ينادي بضرورة احترام التنوع الثقافي وحسن إدارته منذ العام 1958. ومراعاة حالة جنوب السودان الخاصة، (التمييز الإيجابي). وعن هامشية السودان في المحيط العربي فقد كان الأستاذ محمود محمد طه رافضا ً للتوجه العروبي، وهو أول من نادي بضرورة الانسحاب من جامعة الدول العربية باعتبار أن السودان دولة أفريقية وشعب السودان شعب أفريقي له مكانته ووجوده في محيطه الأفريقي وهو أنفع وأجدى له ولدول الجوار الأفريقي، ويمكنه أن يقدم الكثير من خلال ذلك التواجد وتلك المكانة، وضح الكتاب مواقف الأستاذ محمود محمد طه العديدة في نصرة المستضعفين/ المهمشين. وقد احتل موضوع المرأة ونُصرتها موقعاً أمامياً عند الأستاذ محمود، وكما ذكر دكتور عبد الله قائلاً: "إن موضوع المرأة، كما يراه الأستاذ محمود محمد طه، هو أخطر شئون الأرض على الإطلاق، فالمرأة في الأرض، عند الأستاذ محمود محمد طه، كالقلب من الجسد. لهذا وجدت المرأة في مشروعه، الفهم الجديد للإسلام، مكانة، لم تبلغها في أي طرح فكري إسلامي أو غير إسلامي".
أعطي هذا الكتاب عمقاً بعيداً ومتشعباً لمعنى التهميش عما يتبادر للذهن لدي الوهلة الأولي، ويختلف عما جرت به الأقلام! فقد ظهر جلياً من خلال فصول هذا الكتاب أن مصطلح التهميش "مظلة واسعة تتعدي نظرية المركز والهامش وتتجاوز تقسيم السلطة والثروة!". وعن تقديمه لرؤية ومواقف الأستاذ محمود في نصرة المظلومين يقول دكتور عبد الله إن كتابه هذا قدم طرفاً من رؤية الأستاذ محمود محمد طه لقضايا التهميش في السودان، وهي رؤية تنطلق من مشروع الأستاذ محمود محمد طه، الفهم الجديد للإسلام، وهو مشروع ينشد إحداث التغير الجذري والشامل ليس في السودان فحسب، وإنما في فضاء الإنسانية جمعاء. وتقوم دعوة الأستاذ محمود محمد طه والتي هي دعوة لنصرة المستضعفين/المهمشين ، تقوم على بعث آيات الأصول من القرآن الكريم ( الآيات المكية) المنسوخة، ليقوم عليها الدستور الإنساني و هو كما يقول الأستاذ محمود محمد طه، الدستور الإسلامي الصحيح، حيث تطوير الشريعة الذي يرتفع فيه الإسلام من مستوي العقيدة إلى مستوي العلم ، وفي هذا المستوى الناس، رجالاً كانوا أو نساء فإنهم لا يتفاضلون بالعقيدة أو العنصر أو الجنس وإنما يتفاضلون بالعقل والخلق ، فالحر، عند الأستاذ محمود محمد طه لا يُربي بالإكراه والعصا و إنما يُربي باحترام عقله وإنسانيته. ولن يكون حظ المرأة، في هذا الميدان حظاً منقوصاً، وإنما هي فيه مؤهلة لتبز كثيراً من الرجال. والإسلام في هذا المستوى يعيش في مجتمعه جميع المواطنين على احترام وتساو بينهم ( بحق المواطنة) دون تميز ضد أحد باعتبارات الملة.

دار الوثاق القومية- مواقف وآراء وأفكار الأستاذ محمود محمد طه

يقول دكتور عبد الله: “على الرغم من عظمة مواقف الأستاذ محمود محمد طه الوطنية والإنسانية، وأصالة وجدة وأهمية وقيمة ما طرحه، وحاجة السودان إليه، مما ورد في فصول هذا الكتاب، وتوفر كل ذلك موثقاً في أرشيف السودان القومي بدار الوثائق القومية، كما هو مبين في هوامش الكتاب، وفي ثبت مصادرة ومراجعه، إلا أن أنه من خلال بحثه لم يجد لها أثراً في دراسات المثقفين السودانيين وغيرهم من المهتمين بالشأن السوداني".
عاب المؤلف على الأكاديميا السودانية خلو أعمالها من أي أثرٍ لمواقف الأستاذ محمود محمد طه وآرائه، سواء كان ذلك في أطروحات الدكتوراه والماجستير أو في أوراق المؤتمرات والندوات أو في الدوريات العلمية، إلا نادراً جداً. بل ذهب دكتور عبّد الله لأكثر من ذلك واصفاً الأكاديميا السودانية بالتماهي مع المؤسسة الدينية وعلمائها، وهي المعنية بالبحث عن حقيقة وتنمية الوعي وخدمة التنوير، كما يري أنها ظلت إلى يومنا هذا في مقاطعة لمشروع الأستاذ محمود محمد طه ولسيرته ومواقفه ولنضالاته، فعزلته عن منابرها وحواراتها وعن مشاريعها البحثية وموضوعات أطروحاتها الجامعية، وكذلك في دراسات المتخصصين في تاريخ السودان الحديث والمعاصر، الأمر الذي يكشف عن ضعف انفتاح الدراسات السودانية على أرشيف السودان القومي.
وقف الدكتور عبد الله الفكي خلال بحثه على طرح بعض المثقفين من السودانيين والعرب لأفكار الأستاذ محمود محمد طه في الكتب والأحاديث الإذاعية واللقاءات التلفزيونية، دون أن ينسبوها له أو إعطاءه ميزة الذكر أو حتى مجرد الإشارة إليه! في حين أنهم دائمي الاستشهاد بغيره من المثقفين والمفكرين السودانيين وغير السودانيين. وقد رجح الدكتور عبد الله أن مثل هذه الأفعال تفيد باستبطان تغييب عند البعض أو ادعاء أحقية في أفكار الأستاذ محمود محمد طه عند البعض الآخر، وهو فعل لا يحمد من حيث الأمانة العلمية أو في الدوائر البحثية لخدمة التنوير.
وقد خلص الدكتور عبد الله الفكي إلى أن إسهامات الأستاذ محمود محمد طه، والتي تمثل ، أهم مصدر ومرجع لشؤون السودان وقضاياه ، لم تُحظ بالدراسة والعناية الكافية من المتخصصين والمؤرخين ، بل طال الإلغاء بعض فصولها عن تاريخ السودان ، كما طالها التهميش والإقصاء .عن دوائر البحث العلمي في السودان.
تناول الكتاب في ختامه حراك ثورة ديسمبر والتضحيات العظيمة التي قدم فيها الشعب السوداني التضحيات الجسام رافعاً شعار السلمية وقد اختار دكتور عبد الله عنواناً عند الحديث عنها يقرأ( ثورة 19 ديسمبر والتاريخ الجديد للثورات الإنسانيّة ثورة تحالف المهمشين: المرأة والشباب والتي يري المؤلف أنها ثورة تم فيها استدعاء حراك ماضي الثورات وإرثه (ثورة أكتوبر 1964، وانتفاضة أبريل 1985، كما استدعت إرثاً حضارياً يعود لآلاف السنين، فقد استدعت المرأة السودانية بقوة عزيمتها وإصرارها على الانتصار مفردة الكنداكة…) يعتبر دكتور عبد الله أن ثورة الشعب السوداني في 19 ديسمبر بعظيم تضحياتها ، ليست ثورة ضد الإسلام السياسي الذي حكم البلاد مدي ثلاثين عاماً ( 1989- 1919) فحسب وإنما هي ثورة ضد الفهم القديم للإسلام، فالفهم القديم للإسلام حاضر خارج دوائر الإسلام السياسي، و يري دكتور عبد الله أن ثورة ديسمبر 2018 ماهي سوي نداء لمشروع الفهم الجديد للإسلام. وعنده أن هذه الثورة عبَّرت عن ثورة عقول، حيث الوعي الجديد وإعادة تعريف الذاتية السودانية، كما هي تعبير عن أشواق التحرر من الأوصياء على العقول. يستنهض المؤلف المثقفين السودانيين للقيام بواجبهم بإشعال الفكر و (عقلنة) الثورة “لنكون على مشارف "انفجار الثورة الكبرى" التي أشار لها الأستاذ محمود محمد طه، وأشار إلى أنها ثورة ستشتعل في عقول الجماهير، وهدفها التغيير الشامل والجذري. ومتى ما تمت الثورة الكبرى، والتي بكمالها تكون إدارة السودان على أساس التعدد الثقافي، وقيم الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان ، من أبجديات الحراك السياسي والفكري ، وعندها ستتم الوحدة بين أقاليم السودان المختلفة، بما في ذلك جنوبه ، الذي اختار اسم (جمهورية جنوب السودان) لدولته وفي هذا نبوءة مستقبلية لوحدة قادمة، كان قد أشار لها الأستاذ محمود محمد طه .

خاتمة
لقد ظلت مسألة التهميش تشغلني، وهي من الأمور المستعصية والمتعمقة في مجتمعنا السوداني، وهي كسلوك بشري مشين وقاسي، ولا يخلو منه مجتمع في العالم، مع التفاوت في مدي التعامل معه ومحاولات تلك المجتمعات لإيجاد الحلول له. معني التهميش عندي كان يقتصر على جانب واحد وبسيط يتمثل في النظرات الدونية من مجموعات قبلية أو اجتماعية نحو أخري تختلف عنها، وكل ذلك كان من المسائل المؤذية والمؤرقة التي يرفض عقلي تقبلها منذ الصغر .ولمَّا ظهر كتاب: محمود محمد طه وقضايا التهميش في السودان، كان عنوانه عنواناً جاذباً لي، فسعيت للحصول عليهمع كتاب آخر للدكتور عبد الله الفكي البشير. وما أن حصلت علىهما، حتى وقع اختياري لقراءته أولاً. كم كانت مفاجأة مُبهرة لي، مدي عُمق الطرح الذي تناول به الدكتور عبد الله موضوع التهميش من خلال فصول الكتاب السبعة، بدءاً من السرد التاريخي العلمي والشيق لحقبة القرون الوسطى وسردياتها وتأثير ذلك على أفريقيا والسودان، مروراً بتعريفه لمعني التهميش عموماً ثم معني التهميش (الاستضعاف) عند الاستاذ محمود محمد طه ومواقفه من التهميش. فالكتاب يجذب القارئ بصورة لا يتخللها الملل إطلاقاً، فكل فصل من فصوله السبعة يصلُح لأن يكون كتاباً مرجعياً قائماً بذاته. كذلك اعتمد الدكتور عبدالله منهجاً توثيقياً صارماً اعتمد فيه على عدد كبير من المصادر والمراجع، الأمر الذي يبعث على الاطمئنان لما اشتمل عليهمن معلومات وبيانات وتحليل وتشخيص، ولما خلص إليه من نتائج وخلاصات.. بدأت في قراءة الكتاب، ولما فرغت منه كاملاً، أعدت قراءته ثانية، فهو يستحق الدراسة والتمعن. لقد اشتمل الكتاب على تفصيل دقيق ومعلومات مهمة وجديدة تحكي عن مواقف الأستاذ محمود محمد طه، وعن النضال والمواجهة والمواقف العظيمة التي سجلها الحزب الجمهوري منذ قيامة في أربعينات القرن الماضي، وتفرد بها عن باقي الأحزاب المعاصرة له. كما ظل الأستاذ محمود في مواجهة لجبهات متعددة، سواء ضد المستعمر ودولتيه، أو ضد الطائفية، والكثير من الأحزاب السودانية، كما هو الحال في موقفه من قضية جنوب السودان، على سبيل المثال.
عالج الكتاب موضوع التهميش/ الاستضعاف في السودان بصورة جديدة وأوسع وأشمل استناداً على مواقف الأستاذ محمود محمد طه وتشخيصه لقضايا التهميش والحلول التي طرها. وفي تقديري أن الكتاب بز الكثير من الدراسات التي تناولت التهميش، بل بما قدمه من آراء جديدة للأستاذ محمود، فإن الكتاب يصب في معنى تعلىم المتعلمين واستنهاضهم لحجز الأماكن الأمامية من أجل نصرة المظلوم والمساهمة في بناء وطن الحرية والسلام والعدالة.
قدم لنا الكتاب الأُنموذج الأمثل وخارطة الطريق التي وضعها الأستاذ محمود محمد طه والمتنزلة من الفهم الجديد للإسلام. وفي يقيني أننا بإتباعها نستطيع أن نصل لوطن العدل والنماء والحرية والمساواة والسلام، خاصة وأن رؤية الأستاذ محمود محمد طه انطوت على تشخيص علمي ورصين، وطرحت الحلول الجذرية الناجعة لمشاكل السودان ومعضلاته المزمنة.
هذا الكتاب من الكتب النادرة والقيمة، وفي تقديري أنه يصلح ليكون بوابة العبور والمدخل للتعرف على طرح الأستاذ محمود محمد طه في الفهم الجديد للإسلام، والذي اشتمل على الحلول لمشاكل العالم الإسلامي، وفك التناقض الذي يعيشه المسلمون اليوم، بل الإنسانية جمعاء.
وعلى الرغم من محاولاتي في الكتابة عن هذا الكتاب إلا أن هناك شعور يتملكني بقصوري الكبير عن إعطائه حقه الكامل في إبراز ما حواه من عُمق وقوة وألق، فهو يزخر بالكثير الذي لم تسعه سطوري البسيطة عنه. في رأي ان هذا الكتاب من الكتب المهمة التي تُعرف بالسودان بصورة تختلف عما هي عليهالكتب المعنية بالدراسات السودانية، كما أنه يخاطب الراهن والواقع السوداني، ويقدم رؤية جديدة تجاه قضايا التهميش، وقضاياه المزمنة انطلاقاً من طرح الأستاذ محمود محمد طه، ولهذا فهو جدير بالاطلاع. ويستحق كذلك إقامة الحوار حوله في المنابر العامة، وقراءته في مجموعات من خلال أندية الكتب (نادي الكتاب)، وتزداد أهميته للأجيال الجديدة، وقطعاً ستجد فيه فائدة كبيرة. وفي تقديري إن هذا الكتاب يمثل اضافة حقيقة للمكتبة السودانية والإسلامية والإنسانية.

ما جاء في وصف الكتاب في غلافه الخلفي

 التهميش كمصطلح أمر جديد، ولكن بمفهومه القائم على الإهمال، والعزل، والقهر، وعدم إعطاء الأهمية أو الاهتمام المباشر، والتغييب في السجلات الرسمية أو التعبير عن حالة الدونية، للأفراد أو المجموعات أو الثقافات، ليس بجديد، ولا يخرج عن مفهوم الاستضعاف والظلم، كما أنه كممارسة في مسيرة البشرية، قديم ومتجدد، ويتجلى في أشكال عديدة.
 ظل المهمشون/ المستضعفون في العالم، عبر التاريخ، في حالة يقظة مستمرة، يقومون بالثورات من أجل التغيير والتحرير، وقد انتفعت البشرية من ثوراتهم في محطات عديدة، كما يرى محمود محمد طه، حيث أرجع تطور كلمة الشعب في مسيرة البشرية، إلى يقظة المستضعفين/ المهمشين في الأرض.
 يقف الكتاب عند نشأة مصطلح التهميش ومفهومه وتطوره في العالم، وتاريخ ظهوره في السودان.
 تعاني أقاليم/ أطراف السودان من تراكم المظالم في مجالات التنمية، وتوزيع الثروة والسلطة، والحقوق الثقافية وهضمها دستورياً، لا سيما عدم الاعتراف باللغات المحلية.
 لم يُوصف أهل الأقاليم المهمشة في السودان بالمهمشين، إلا في العام 1983 حيث ظهرت مصطلحات "المناطق المهمشة" و"المجموعات المهمشة".
 يدرس الكتاب صورة السودان في المخيلة العربية- الإسلامية من خلال سرديات القرون الوسطى العربية- الإسلامية، وقدم لمحات من أثر تلك السرديات في المخيلة الأوروبية، وفي حقبة التكالب الاستعماري.
 يقدم الكتاب قراءة في آراء محمود محمد طه ومواقفه من قضايا التهميش في السودان.
 نادى محمود محمد طه منذ عام 1946 بضرورة تحقيق الوحدة الداخلية أولاً، فهي التي يجب أن تتحكم في تكييف علاقات السودان الخارجية، لا سيما عضويته في جامعة الدول العربية.
 دعا منذ عام 1955، إلى إقامة الحكم الفيدرالي لجميع أقاليم السودان، وإلى تشجيع الحكم الذاتي، كما نادى منذ عام 1958 بضرورة احترام التنوع الثقافي وحسن إدارته.
 جدد دعوته للحكم الذاتي عندما عُقد مؤتمر البجة/ البجا بمدينة بورتسودان (أكتوبر 1958)، واصفاً مخرجات المؤتمر بأنها دون مستوى حقوق أهل المنطقة.
 وقف الكتاب عند تعريف محمود محمد طه للسودان انطلاقاً من ذاتيته، وسلط الضوء على رؤيته لمستقبل السودان، ولدوره المرتجى في مسيرة الإنسانية.

abdallaelbashir@gmail.com

 

آراء