قصص وغرائب عن الشخصية السودانية: كلمة آخر حاكم عام السودان السير روبرت جورج هاو .. عرض د. عادل عبد العزيز حامد

 


 

 

قصص وغرائب عن الشخصية السودانية:
كلمة آخر حاكم عام السودان السير روبرت جورج هاو ( ٨ / ابريل / ١٩٤٧م
الي ٢٩ / مارس / ١٩٥٤م ).
عرض د. عادل عبد العزيز حامد
ومركز سما العالمي للإستشارات – بريطانيا

*هذا حفل شعبي، أحسبه إشارة لطيفة وكرم عظيم منكم، حيث منحتموني هذه الفرصة لأودع الناس هنا. تمثل الخرطوم وأمدرمان والخرطوم بحري قلب السودان النابض،
وعند توديعي للحضور في هذا الحفل، فإنني أضع في مخيلتي وذهني أنني أودع بالفعل كل السودانيين في كافة أرجاء البلاد.
إنكم أيها السودانيين شعوب مختلفة في شمال البلاد وجنوبها، وفي غرب البلاد وشرقها. شعوب ذات أصول مختلفة وعادات متباينة. هذه الاختلافات قد تمثل نقطة قوة، وقد تمثل في ذات الوقت نقطة ضعف. قد تمثل نقطة قوة إذ أن التنوع يولد حيوية عظيمة، وقد تمثل نقطة ضعف، إذ أنها قد تفضي إلى نزاعات مدمرة.
أود أن الفت نظركم في كلمتي القصيرة هذه إلى اختلافات شعوب السودان. لقد كان من حسن حظي أن تشرفت بقيادة الحكم في هذا البلاد لأعوام ثمانية كانت هي أخصب سنوات البلاد، وأكثرها غنى بالأحداث التاريخية الهامة. أتيحت لي في سنواتي هنا زيارة كل مناطق السودان عدا منطقة الناصر والبيبور، وإدراك مدي اتساع
الاختلافات والفروقات بين شعوب السودان في مناطقه المختلفة إدراكا تاما.
أستطيع القول هنا إن هذه الاختلافات والفروقات هي مصدر تحدي كبير للبلاد وحيويتها، وستظل كذلك في ما يقبل من سنوات. تتطلب مواجهة هذه التحديات التزاما صارما ينبذ الأنانية من أجل تحقيق هدف مشترك هو التنمية الشاملة للأمة السودانية بكل مكوناتها (واكرر هنا وأؤكد على "كل مكوناتها"). لابد من توفر
أكبر قدر من المهنية والتجرد وسلامة المقصد عند الجهات الحكومية والإدارية عند مواجهة هذه الاختلافات بين شعوب السودان. يتطلب حل المشاكل المترتبة على هذه الاختلافات قدرا كبيرا من الحنكة والفهم والتسامح. أنني شديد الثقة في أن بمقدوركم حل هذه المشاكل. فلتجعلوا من حلها هدفكم الأول من أجل المحافظة على
كل ما تم بناءه من أجلكم في هذه البلاد في السنوات الماضية، ومن أجل ما قمنا بعمله معا، ومن أجل أطفالكم، والذين وضع مستقبلهم في أيديكم.
كتب رجل روماني عظيم قبل عقود طويلة مدونة لقواعد القانون لخصها في الجملة التالية: "فلتجعل الخير في الناس هو قانونك الأساس". هلا وضعتم ذلك كشعار لنا في سنواتكم المقبلة. إنه شعار يؤكد أن الحرية تترتب عليها التزامات، وإن الحرية دون قانون هي فوضى. قد تودون التفكر في مثل قديم لطالما أثار إعجابي يقول:" ولكن ما هو الفهم الصحيح للحرية؟ الحرية هي رخصة لك لعمل الخير". لا يغدو المرء حرا دون أن يكون عضوا فاعلا في المجتمع، يلتزم بالقانون. لن تهنأ البلاد وتنعم بمستقبل سعيد ومسالم وفخور بنفسه إلا عند تقرر القبول بتسويات ديمقراطية لكل المشاكل التي تواجهها.
والآن لم يبق لي إلا أن أودعكم. أشكر لكم بالنيابة عن الليدي هاو وشخصي هذه الهدية من مشغولات فضة أم درمان. سنحتفظ في إعزاز بهذه الهدية القيمة التي ستظل تذكرنا في غروب حياتنا بالأعوام الثمانية التي قضيناها في هذه البلاد وسط أناس ما عرفنا عنهم وما لمسنا منهم إلا اللطف والمجاملة والكرم، حتى في أصعب الأوقات وأقساها. أناس نشعر نحوهم بعاطفة وود عميقين، ونصلي دوما من أجل مستقبل زاهر لهم. فليحفظكم الله ويرعاكم وداعا.

 

Skyseven51@yahoo.com

 

آراء