قلوبنا مع كندا في أولمبياد لندن

 


 

 



يتابع الناس في جميع أنحاء العالم دورة الألعاب الأولمبية في لندن وذلك عن عام 2012 ، وهي دورة ناجحة بكل المقاييس ومنذ الإفتتاح الباهر يوم الجمعة الماضية ، كل شيء منظم ويدعو للدهشة ، والسينما كانت هناك من خلال فنان اسمه داني بويل المخرج السينمائي الكبير،   مخرج الحفل الإفتتاحي ، وبالطبع أتابع اللاعبين الكنديين  باعتباري كندي الجنسية رغما عن أصولي السودانية ، وأحفظ لهذا البلد جميله وتنفيذ القانون وهو ما نفتقده في بلدنا الأصلي للأسف الشديد ، سأظل سودانيا بالطبع ، ولا أحد يستطيع حرماني من ذلك ، وسأظل كنديا وممتنا لهذا البلد ولا أحد يستطيع حرماني من ذلك
وأتمنى من كل قلبي أن تحصد كندا أكبر عدد من الميداليات الذهبية . 
في متابعتي لأولمبياد لندن أكاد أتنقل بين جميع الألعاب باهتمام شديد ، وفي كل يوم يزداد إعجابي بفريق التغطية الكندي ، ولكن لفتت ‘نتباهي كرة القدم النسائية التي أتابعها منذ زمن طويل ، وعلى الرغم من أنها لعبة تعتمد على القوة بدرجة أساسية وعلى " الحرفنة " إلا أن النساء برزن بشكل يثير الإهتمام ، وفجأة وبلا مقدمات أصبحت من مدمني مشاهدة مباريات كرة القدم النسائية ، ومعجبا بالفريق الكندي النسائي  ، وأعرف عددا من اللاعبات المشهورات في الفرق النسائية في كندا وألمانيا وأمريكا والصين والبرازيل وغيرها ، وبما أنني بطبعي مناصر لقضايا المرأة فقد أصبحت مشجعا " درجة أولى " للفرق النسائية .
ولكن كرة القدم الرجالية لها مذاق خاص ، بالطبع لا أريد أن أقدم قراءة لمستقبل كرة القدم النسائية ، ولكني أظن أنها منافس قوي لكرة القدم الرجالية ، وإذا ما وجدت التشجيع اللازم فإنها قد تسرق الأضواء من كرة القدم الرجالية والتي يضايقني فيها حاليا المبالغ الضخمة التي تدفع للاعب والتي تصل في بعض الأحيان إلى عشرات الملايين ، بل أن بعض لاعبي كرة القدم دخلهم الشهري يساوي أضعاف أضعاف المهندس والطبيب وغير ذلك .
حاليا المقارنة صعبة إلى حد ما ولكن بما أن المستديرة لها قوانينها فهذ الأمر له قانونه ، فالمرأة أيضا برعت في كثير من أنواع الرياضات ألأخرى   ، ويكفي أنها برعت في مجال تحكيم مباريات كرة القدم.

لكي أكتب عن  هذا الموضوع إضطررت للرجوع لكثير من المصادر والمراجع ، وهذا ما فتح شهيتي أكثر، فقد وجدته موضوعا شيقا وجديدا  ،  والصحافة حاليا هي الجري خلف الموضوع الجديد الشيق ،  و حتى الآن  كرة القدم من الرياضات التي عادة لا تلقى المرأة فيها ترحيباً كافياً، ربما لأنها من المجالات التي مازال الرجل يحتكرها ،  والتي قررت المرأة رغم ذلك اقتحامها. لاشك أن الهدف من ممارسة كرة القدم ليس إزعاج الرجال أومنافستهم، فكرة القدم للنساء لها طابعها الخاص وهي قبل كل شيء نوع من الحرية في ممارسة الإنسان لما يحب.
لقد شاهدت الكثير من الأفلام السينمائية  التي تعكس رياضة كرة القدم النسائية مثل  الفيلم البريطاني "إركليها كبيكهام" و تدور قصته حول فتاة هندية، هاجرت أسرتها إلى لندن وترغب في لعبة كرة القدم رغم معارضة أسرتها، التي تأمل من ابنتها إنهاء دراستها لتتزوج وتصبح سيدة بيت وطباخة ماهرة. لكن "  ياسميندا "  والتي تدعي أيضاً جيس، لديها تصور مختلف تماماً، حيث تقرر مواصلة لعب كرة القدم في السر بل وتقع في حب مدربها غير الهندي.

في هذا الفيلم تتصادم تقاليد الأسرة الهندية بواقع المجتمع البريطاني. وكأول شخص يدرك الأب أن مفاهيمه لم تعد تتماشى مع العصر يسمح لابنته في يوم عرس أختها أن تذهب إلى ملعب كرة القدم لتشاهد المباراة النهائية لفريقها.
لا  يخطر على بال المشاهد فكرة أن كرة القدم للنساء بطيئة وذلك بفضل تسارع الصور بصحبة الموسيقى ذات الوتيرة السريعة. الفيلم ممتع، به كثير من الألوان  والكوميديا والتعددية الثقافية والرياضة ويشبه سينما بوليوود إلى حد ما ، وسينما " بوليود "  يقصد بها السينما الهندية 
"الكرة بملعب الفتيات"
في  فيلم "الكرة بملعب الفتيات" قامت المخرجة  أيسون باديمسوي ما بين عامي 1995 و 2008 بمرافقة مجموعة مكونة من خمس فتيات تركيات وصنعت من حكايتهن فيلما رائعا مكون من ثلاثة أجزاء عن حياتهن، التي تجاوزت كرة القدم فيها أهميتها كنوع من الرياضة لتصبح ركن للراحة، يبتعدن فيه عن مشاكل الحياة اليومية والأسرية وعن الصراع الدائم بين تقاليد الأسرة وثقافة المجتمع الذي يعشن فيه. المدهش في الأمر هو عدم اضطرار الفتيات لإخفاء هذا الأمر عن أسرهن. ويعد النادي "أجريسبور" للفتيات التركيات، ومقره في حي كرويتسبيرج، تجربة فريدة على مستوى أوروبا كلها، طبعا نحن في السودان نقول أن السودان غير تماما كما يقول السياسيون في ظل ثورات الربيع العربي ليبيا غير ومصر غير واليمن غير وسوريا غير  وهكذا ، ولكن من يدري ما يخبئه المستقبل للمرأة السودانية ؟

كرة القدم مدى الحياة
في الجزء الثاني من الفيلم الذي يحمل إسم (ما بعد المباراة) تتضاءل أهمية كرة القدم في حياة الفتيات اللاتي ينشغلن بالتعليم والمستقبل والعلاقة مع الجنس الآخر والزواج. وفي الموسم النهائي للفريق، تلعب الفتيات المباراة الأخيرة.
عنوان الجزء الثالث هو (سأدخل الآن)، وتستعرض فيه المخرجة، بعد مرور حوالي عشر سنوات، حياة الفتيات الخمس، اللاتي أصبحن بالغات وعايشن أشياءً كثيرة؛ إحدى الفتيات أصبحت مطلقة ولديها طفل وبدون عمل، وأخرى رفضت أن تحكي عن معايشتها المؤلمة وقررت الهروب من الواقع عن طريق التدرب لسباق الماراثون، لكنها وجدت الراحة في الدين الإسلامي، فيما تزوجت اثنتان منهن برجلين من أبناء جلدتهن وأنجبتا أطفالا. فقط فتاة واحدة ما زالت تمارس لعبة كرة القدم وتعمل مدربة للعبة. وهي الوحيدة التي لم تتخل عن حلمها، وليس لديها رغبة بالزواج أو ممارسة وظيفة تقليدية.
ولا يوجد تعليقات في الفيلم، فالمخرجة تكتفي بالملاحظة وتمنح الفتيات أو النساء الشابات لاحقاً الفرصة كي يعبرن عن أنفسهن. وفي الفيلم لا تقوم المخرجة فقط باستعراض حياة الفتيات الخمس، بل إنها تقدم أيضاً دراسة اجتماعية رائعة عن الحياة في قلب حي كرويتسبيرج ببرلين.
"كرة القدم بالحجاب"
وبنفس النمط قام المخرج الإيراني آيات نجافي وزميله الألماني ديفيد أسمان بتصوير فيلم "كرة القدم بالحجاب" عن كرة القدم للنساء. في هذا الفيلم يحاول المخرجان الشابان، اللذان يعيشان في برلين، إيصال رسالتهما التي تؤمن بأن كرة القدم تبني جسوراً للتواصل بين الثقافات مهما كان حجم الاختلافات. وبهذا الشكل يسافر الشابان إلى إيران، البلد الذي سمح فيه للنساء بلعب كرة القدم في عام 1968، أي قبل ألمانيا بسنوات عدة.

يقوم طاقم الفيلم بمرافقة فريق كرة القدم للنساء في رحلته من برلين إلى إيران، حيث يلعب لأول مرة في مباراة دولية ودية ضد المنتخب الإيراني. تتميز أحداث الفيلم بالإثارة حيث تتوالى المفاجآت. فالمسئولون الإيرانيون يغيرون البرنامج وهناك تأخير في إجراءات الحصول على التأشيرة والفتيات ليست لديهن فكرة كاملة عن حقيقة الخصم.
الشيء المؤكد الوحيد هو ضرورة الالتزام بالتقاليد الإيرانية، وأولها لعب كرة القدم بالحجاب. وهو أمر شاق حتى بالنسبة للفتيات المسلمات في الفريق الألماني. من ناحية أخرى لا يسمح للرجال بالدخول للإستاد، وهناك "حرس الفضيلة"، الذي تتمثل وظيفته في مراقبة الجمهور النسائي ومنع المشجعات من فعل أشياء "مخلة" كالرقص والغناء. على أية حال فالفيلم يتميز بروح الدعابة رغم غرابة المشاهد والأحداث.
كرة القدم تعني تقرير المصير
ليس الهدف من هذه الأفلام عمل حملة دعائية لكرة القدم للنساء، فكرة القدم تعد هنا شيء هامشي ولكنها في ذات الوقت من أهم الأشياء في الحياة. وهناك أمثلة كثيرة على ذلك ،  مثل كرة القدم للنساء في ألمانيا في الخمسينات ومثل كرة القدم للنساء في إيران، التي تمارسها النساء وهن مرتديات الحجاب، بعيداً عن أعين الرجال وعن و سائل الإعلام. وهناك اللاعبات في فريق " سامزيبار سوكر كوين "  اللاتي يتحملن العنف الجسدي من رجالهن من أجل كرة القدم. بالإضافة إلى البنات التركيات من فريق  " أجريسبور " ، اللآتي يتركن مشاكل الحياة اليومية قبل دخول الملعب والفتاة الهندية التي تتمرد على التقاليد البائدة.
كرة القدم تعد بالنسبة لهؤلاء النساء تقرير مصير ونوعا من الإستقلالية، وهي أشياء لا يستطعن ممارستها أكثر من مرتين لمدة 45 دقيقة، هي فترة كل شوط، بعدها يطلق حكم المباراة صفارته، ليعدن من جديد إلى أدوارهن القديمة...
نحن في السودان ليس لدينا فريق لكرة القدم النسائية ، ونحن الآن في عام 2012 ولا ندري كيف ستكون خريطة الرياضة في السودان عام  2050  ، أليس كذلك ؟
badreldin ali [badreldinali@hotmail.com]

 

آراء