قُبَتا شارع عباس الشركسية في الخرطوم: حكام وجنود في سودان القرن التاسع عشر .. ترجمة وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي
The Circassian Qubba -s of Abbas Avenue, Khartoum: Governors and Soldiers in the 19th Century Sudan
Andrew McGregor أندرو مايكقروقر
ترجمة وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي
مقدمة: هذه ترجمة مختصرة لمقال بقلم أندرو ماكقروقر نشر في عام 2001م بالعدد العاشر من مجلة بلدان الشمال الأوروبي للدراسات الأفريقية Nordic Journal of African Studies التي تصدر في هيلسنكي. والكاتب كندي الجنسية، ويعمل الآن بحسب ما جاء في سيرته الذاتية المبذولة في الشابكة العنكبوتية خبيرا وصحافيا في شئون الشرق الأوسط ومديرا لشركة في مدينة تورنتو تعمل في مجالات بحثية تتعلق بالعالم الإسلامي . حصل الكاتب على درجة الدكتوراه من قسم حضارات الشرق الأوسط والأدنى بجامعة تورنتو الكندية في عام 2000م. وعمل في عام 2007م في مؤسسة The Jamestown Foundation، ونشر كتابا عن تاريخ الآثار في دارفور ومؤلفات أخرى عن شئون بعض الدول الإسلامية.
أما شارع عباس المذكور في العنوان فهو شارع البلدية الآن، وكان قد حمل اسم الخديوي عباس حلمي (الذي سمي باسمه أيضا مسجد الخرطوم العتيق).
المترجم
****** ********** ********* ****
يمر يوميا آلاف الناس في وسط الخرطوم على قبتين تشبهان في الشكل خليتي نحل. ويحيط بهما اليوم عدد من مباني المكاتب الحديثة العالية، ولا يغرى منظرهما الخارجي الساكن المغبر المرء علي إعادة النظر إليهما. وقد يعدهما كثير من السودانيين من بين قباب شيوخ في عهود ماضية ، إذ أن القبب ارتبطت في مخيلتهم بالصالحين من رجال الدين . غير أن الحقيقة هي أن هذه القباب لا علاقة لها بالدين ورجاله ، ولكنها تذكار لمجموعة متنوعة من البشر بلغوا السودان في القرن التاسع عشر ، قدم بعضهم ليحكم ، وبعضهم ليستغل ، وأتى بعضهم لنشر التقدم والنمو بالبلاد ، بينما أتى آخرون ليستعمروها . ووصل بعض هؤلاء الناس من أوروبا والمغرب العربي والقوقاز والشرق الأوسط وحتى من آسيا الوسطى للمساهمة في فتح هذه البلاد الواسعة ، بينما أتى بعضهم إليها بأوامر (حكومية) ، أو حتى سجناء أو منفيين مقيدين بالسلاسل. وبرز من هؤلاء رجال من الشركس كانوا يعملون في الجيش المصري، صعد بعضهم من إسار العبودية إلى رحاب السلطة حيث تقلدوا مناصب مهمة في إدارة السودان.
وتعد قبتا شارع عباس مثالا متفردا لقباب "علمانية" في السودان إذ أنها تحوي قبري حكمدارين شركسيين حكما السودان في القرن التاسع عشر في عهد محمد علي باشا وأحفاده. وكثيرا ما تجد في السودان مقابر حول قباب الصالحين من الفقهاء يدفن فيها تابعو الشيخ الصالح أو غيرهم ممن يدفنون طلبا لبركة الشيخ . وموافقة لذلك التقليد دفن حول القبتين "العلمانيتين" عدد من الضباط الشركس واثنان من الضباط السودانيين عملا في الجيش المصري في مناطق بعيدة شملت القرم واليونان والمكسيك.
وبعد انتصار المهدي في عام 1885م وهجر الخرطوم باعتبارها عاصمة للبلاد، وتدمير معظم مبانيها، ونقل مواد بنائها لأمدرمان لتشييد العاصمة "الإسلامية" الجديدة على النيل الأبيض ، بقيت القبتان الشركسيتان المبنيان الوحيدان اللذان لم تطالهما يد التدمير في العاصمة السودانية التي سبقت عهد المهدية. وربما يفترض بعض الناس أن المهديين قد تحاشوا – تحت تأثير فكرهم الديني- تدمير القبتين لشبههما بقباب الصالحين من رجال الدين . غير أن الأسباب التي أنقذت القبتين من التدمير ربما تكون أكثر تعقيدا من ذلك ، فعلى الرغم من أن المهدي قام بهدم قبة الحسن الميرغني (1810 – 1869م) في كسلا وذلك لمعارضة ولده للمهدية، وتم هدم مسجد الخرطوم الكبير ونقلت مواد بنائه لأمدرمان، إلا أن الإبقاء على قبتي الأتراك يظل مجهول السبب. ويعتقد بعض الخبراء أن الشبه المعماري والبنائي بين هاتين القبتين ، والقبة التي بنيت فوق قبر المهدي (والذي توفي بعد أشهر قليلة من سقوط الحكم المصري – التركي) ربما يدفع للاعتقاد بأن القبتين قد استخدمتا كمثال معماري Architectural model في عملية بناء قبة المهدي.
الشركس
للشركس (أو الأدغية Adyghe) تاريخ قديم في النصف الغربي من شمال القوقاز ، ووطد هؤلاء بين القرنين العاشر والثالث عشر الميلادي من وجودهم على ساحل البحر الأسود، ومن التبادل التجاري مع بيزنطة ومدن البحر الأبيض المتوسط . وكانت أهم بضائعهم العالية القيمة الغوانى الشركسيات المسترقات ، واللواتي اشتهرن بالجمال الفائق، وأيضا رجال الشركس الذين عرفوا بالشجاعة الحربية . وكان الشركس مسيحيين (بالاسم فحسب) ويحتفظون بكثير من تقاليدهم الوثنية القديمة. وتحولوا بعد ذلك للإسلام على يد تتار القرم في القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر، وكان ذلك تفاعلا مع التهديد الروسي القادم من الشمال. وارتبط الشركس سياسيا بالخلافة العثمانية ، غير أن الخلافات القبلية بينهم أتاحت للروس غزوهم عسكريا .
وفي عام 1829م أبرم الروس في مدينة أدرنة التركية اتفاقا تخلى بموجبه العثمانيون عن أراضي الشركس الخصيبة. غير أنه بعد مرور سنوات قليلة على تلك الاتفاقية دبت الحياة مجددا في الروح القومية الشركسية بمساعدة الأتراك والبريطانيين ، وأشعل ذلك كثيرا من التدخلات الأجنبية من الحلفاء (فرنسا وبريطانيا وتركيا) ضد الروس في حرب القرم . وانهارت في 1864م المقاومة الشركسية للروس بعد حروب استمرت نحو 35 عاما متصلة ، وتم ترحيل نحو نصف مليون شركسي من أرضهم بالسفن إلى تركيا . وبلغ عدد الشركس المرحلين نحو مليون فرد في عام 1866م. وقام الشركس – بعون من الأتراك- في عام 1877م بمحاولة أخيرة لاسترداد أراضيهم من الروس كان مصيرها الإخفاق. ونتج عن تلك الكارثة هجرة الشركس إلى مختلف البلدان مثل سوريا وتركيا والعراق وفلسطين حيث التحق رجالهم بالجيوش والحرس الملكي في البلدان التي لجأوا إليها.
ولتفسير سبب دفن الرجلين الشركسيين العسكريين في قبتين تشبهان القباب الدينية بالسودان يتعين النظر إلى مصر في حوالي عام 1260م حين استولت طبقة قوية من المسترقين العسكريين (عرفوا بالمماليك) على زمام الأمور من سادتهم . وكان المماليك قد تم شراؤهم وهم في سنوات الصبا من تجار الرقيق في جبال القوقاز وتركستان ومنغوليا. وأعقبهم في الحكم مسترقون آخرون جلبوا من خارج مصر. وفي عام 1282م بزغ نجم العنصر الشركسي من مماليك شمال القوقاز ، ودخلوا في معارك (صغيرة) في مصر استمرت لنحو 135 عاما متصلة. ولم يفلح الغزو التركي لمصر في عام 1517م في إنهاء سيطرة المماليك. ثم أتى محمد علي على رأس 10000 من الجنود الألبان في غزو عثماني – بريطاني مشترك لمصر التي كانت تحت السيطرة الفرنسية. واستولى محمد علي على السلطة في عام 1803م وقام بالقضاء على المماليك في عام 1811م في مجزرة (سميت بمذبحة القلعة)، وعمل أيضا على قطع الطريق أمام وصول المزيد من المسترقين من أرض الشركس وجورجيا.
ورغم تمكن محمد على من تدمير "مؤسسة" المماليك، إلا أنهم ظلوا – وبمقدرة فائقة على الصمود والبقاء- أصحاب نفوذ وسيطرة على كثير من مقاليد الأمور في مصر لسبعين عاما تلت تلك المذبحة، رغم أنهم كانوا تحت أعين الخديوي ومن خلفوه . وكان الشركس أقرب ثقافيا للأتراك منهم للعرب بحكم استخدامهم للغة التركية ، ونشأتهم بين الأتراك - رغم كونهم أقلية لا يزيد عددها عن 1% من السكان - وتحولوا لطبقة صفوية في مصر تمتعت باحتكار القوة والوظائف العليا بالبلاد. ومع تناقص أعداد الشركس القادمين لمصر نشأ أبناء الشركس - الأتراك بحسبانهم مصريين يتحدثون اللغة العربية.
وبعد سبعينيات القرن التاسع عشر، ومع انتشار اللغة العربية وتكاثر الإداريين المصريين الأصليين ، غدت كلمتا "تركي – شركسي" تعبر عن طبقة اجتماعية - اقتصادية وليس عن عرق معين . ومع تنامي الشعور القومي المصري، وقيام ثورة أحمد عرابي المناهضة لقبضة طبقة الأتراك – الشركس الصفوية، قام الضباط الأتراك – الشراكسة في 1882م بعمل انقلاب مضاد لـ "الوطنيين العرابيين" الذين كانوا في السلطة، ولكنهم أخفقوا في هدفهم وحكم عليهم بالنفي إلى السودان (وخفف الخديوي فيما بعد الحكم للنفي إلى تركيا).
وفر بضع مئات من المماليك من غضبة محمد على إلى السودان. ولملاحقة هؤلاء، والحصول على مسترقين سود لتجنيدهم في جيشه وذهب من مناطق سنار، أرسل محمد على ولده إسماعيل في عام 1820م للسودان. وكان ذلك الجيش مكونا من خليط من أتراك ومغاربة وبدو وبوسنيين ومتطوعين من الباشبوزق، مع قليل من الجنود غير النظاميين من الألبان والشركس والأكراد والرقيق. وصحب المشاة في ذلك الجيش بطارية مدفعية الميدان التي لعبت دورا حاسما في كثير من المعارك المهمة التي خاضها ذلك الجيش.
الفتح المصري – التركي للسودان
لم تواجه قوات إسماعيل أدنى مقاومة حتى بلغت منطقة الشايقية بين كورتي والشلال الرابع. وأبدى الشايقية (وهم قوم فخورون ومولعون بالحرب) في معركتين في ديسمبر 1820م مقاومة شجاعة ، للجيش الغازي ، ولكنها كانت عديمة الجدوى. وسقط في المعركتين خلق كثير من جنود الشايقية، وقام الجنود الأتراك بارتكاب فظائع في أوساط المدنيين. ورغم كل هذا ، فقد التحق من بقي من جنود الشايقية بخدمة الأتراك ، وغدوا من أكثر أدوات القوة فعالية في ذلك النظام حتى سقط بعد نحو 65 عاما.
وبلغت كتيبة من ذلك الجيش بقيادة إبراهيم باشا محمد علي سنار في يونيو من عام 1821م حيث استسلم لها المك بادي الرابع سلطان مملكة الفونج. ووكل الدفتردار (صهر محمد علي باشا) بفتح كردفان ، والتي كانت تحت سيطرة سلطان الفور. واستسلمت كردفان في معركة بارا. وكان من المأمول مواصلة الزحف غربا لفتح دارفور لولا قيام تمرد في جزيرة موريا اليونانية ضد الحكم العثماني. وشرع الجنود الغزاة في أداء واجبهم في القبض على بضعة آلاف من الرجال وترحيلهم للقاهرة ليجندوا في جيش محمد علي (أو ما سمي "النظام الجديد" لجيشه المكون من المسترقين السود والفلاحين . وقيل إن محمد علي باشا صرح بأن أولئك الجنود "أغلى من الجواهر".
ولم يعثر جيش محمد علي على ما توقعوه من ذهب في سنار وكردفان مما أضطرهم لفرض ضرائب
ومكوس باهظة لتعويض تلك الخسارة. وكان الأتراك يحكمون مناطق سيطرتهم بقسوة مفرطة أدت لقيام السكان في كثير من المناطق باحتجاجات وثورات. وكانت دنقلا هي الاستثناء لذلك بسبب حاكمها عبيد بك الأرناووطي، والذي أدخل في غضون سنواته (1821 – 1826م) تحسينات محسوسة في أساليب الإدارة شجعت على الاستقرار والنماء.
ومر إسماعيل باشا في 1822م على مدينة شندي والتقى بملكها (مكها) نمر محمود ، ووجه إليه اساءات واهانات بالغة. ورد المك وابن عمه مساعد بقتل إسماعيل باشا ومن كانوا معه. وتركت مهمة الانتقام من المك نمر وقبيلته للدفتردار ، والذي أنجز المهمة بمجازر وفظائع لم تستثن أحدا. وأخيرا اكتشف محمد على باشا أن الدفتردار يمثل عبئا liability على حكمه ، فدس له السم ليلقى حتفه في 1833م.
ولم تتغير الإدارة التركية - المصرية كثيرا بتولية حكم بربر وسنار لحاكم جديد هو عثمان جركس البرنجي ، وهو من مماليك الشركس ومن عائلة الخديوي ، والذي حاول إحياء حكم المماليك بتعيينه 14 من المماليك حراسا شخصيين له، مما أغضب الخديوي عليه. وأدت ممارسات البرنجي لجمع الضرائب لفرار المزارعين من أرض الجزيرة الخصبة للصحراء حيث مات معظمهم من الجوع أو المرض.
وعقب موت البرنجي في عام 1823م عين الخديوي كرديا من المماليك هو ماحي بك الورفلي ، والذي حكم لعام واحد فقط أنجز فيه الكثير في مجالات تهدئة الأوضاع ، وإيقاف جمع الضرائب لثلاثة أعوام ، وألغى مركزية الإدارة . غير أن الخديوي رأى استبداله بعلي خورشيد أغا والذي غدا أول حكمدار للسودان. واستمر حكم علي خورشيد إلى عام 1938م أسس فيها الخرطوم عاصمة للبلاد ، وأدخل عدة محاصيل زراعية ، خاصة القطن في منطقة الجزيرة. وحاول علي خورشيد أيضا تنظيم تجارة الرقيق ، وسير عددا من الحملات ضد الشلك والدينكا والهدندوة ، قوبلت بمقاومة عنيفة من تلك القبائل.
قبة أحمد باشا أبو ودان
أتاح فتح محمد علي باشا للسودان فرصة عظيمة للشركس كي يحكموا البلاد بعيدا عن أنظار الخديوي الذي كان كثير الشك فيهم ، وفي ذات الوقت أن يحكموا باسمه رسميا. وقبتا الخرطوم هما تذكار خالد لرجلين من أولئك الشراكسة ؛ الأول هو أحمد باشا أبو ودان حكمدار السودان بين عامي 1839 1843م. جلب أحمد أبو ودان لمصر صبيا مسترقا ، وألحق بالجيش ، حيث عمل مع إبراهيم باشا محمد علي في الجزيرة العربية وسوريا واليونان. وعين بعد ذلك وزيرا للحربية فى مصر ، ثم شارك في حملة امتدت لثمانية أشهر ضد الهدندوة في شرق السودان في عام 1840م ، عين بعدها حكمدارا للسودان . وقام بحملة كبيرة في النيل الأزرق للحصول على رجال لتجنيدهم فى جيش محمد علي.
وفي عام 1843 أمر محمد علي بتجهيز حملة لغزو دارفور ، السلطنة المستقلة في غرب السودان. غير أن الحملة ألغيت في آخر لحظة بسبب شكوك الخديوي في ولاء أحمد باشا أبو ودان. وكان ذلك الحكمدار قد قام بإدخال إصلاحات إدارية واسعة ، وأدخل أيضا بعض الصناعات الخفيفة بالبلاد ، وفرض على الآهلين تقديم عدد من "العبيد" للحكومة مع ضرائبهم كل عام ، وحارب فساد الموظفين والمحاسبين الأقباط . وكان ذلك الحكمدار محبوبا من الجنود السودانيين في الجيش المصري لدرجة أثارت شك وغيرة الخديوي ، إذ تذكر الخديوي أن شعبيته في أوساط الجنود الألبان هي التي مكنته من حكم مصر. وسرت إشاعات مفادها أن أحمد أبو ودان يتفاوض مع الخلافة العثمانية لفصل السودان عن مصر . لذا لم يجد الخديوي بدا من استدعاء أبو ودان لمصر. وهنا قرر الرجل – فيما يبدو – أن يريح ويستريح ، فانتحر بالسم. وقيل إن الخديوي كان قد دس السم لأبي ودان مع رسول له. وأجبرت عائلته على البقاء في الخرطوم لعام كامل بعد وفاته/ مقتله حتى تهدأ الأقاويل عن نهاية الرجل ، وعدت اسطنبول الأمر برمته فضيحة مؤسفة.
قبة موسى باشا حمدي
تحوي القبة الغربية قبر الحكمدار موسى باشا حمدي، الذي حكم السودان بين عامي 1862 و1865م. كان الرجل جنديا وصاحب خبرة طويلة في البلاد . بدأت حياته بمصر عندما بيع صبيا في سوق الرقيق لرجل تركي. ثم التحق بالجيش، وقبض عليه أسيرا في سوريا، ولكنه هرب من الأسر. وترقى في الجيش بصورة سريعة بسبب قسوته ومكره معا ، وفصل من الجيش ذات مرة بسبب تلك القسوة . ووظف الرجل عند تعيينه حكمدارا على السودان تلك القسوة ، خاصة في حملاته على البجا بشرق السودان.
وخلافا لما قام به من سبقه من الحكام، سمح موسى حمدي بإعادة تجارة الرقيق دون عوائق، ورفع الضرائب بصورة غير مسبوقة ، غير أن الخزانة المصرية رأت أن إدارة السودان صارت عبئا عليها. ودخل الحكمدار في صراعات مع الجيوش الخاصة للجماعات العربية والنوبية التي كانت تعمل في تجارة الرقيق ، ومع تجار الرقيق في شمال السودان. وشن موسى حمدي حملة عسكرية ناجحة على الحبشة، نال على إثرها ترقية لباشا من الدرجة الثالثة (روملي بلربي) . غير أن حملته ضد سكان جبال النوبة بجنوب كردفان منيت بالإخفاق . وقام موسى حمدي على إثر ذلك بتسليف القوات النظامية في الجيش الحكومي لتجار الرقيق بالجنوب. وبعد ذلك أصيب الحكمدار بمرض الجدري وتوفى عام 1865م. وخلفه حكمدار آخر أشاع عنه أنه كان رجلا سكيرا عربيدا ولصا مقامرا. وكان ذلك أمرا معتادا عند كل حكمدار جديد، وذلك ليظهر حكمه وكأنه الأفضل بالمقارنة مع ما سبقه. وصف صمويل بيكر موسى حمدي ، وكان يعرفه جيدا بأنه: "مثال مبالغ فيه لرجل السلطة التركي ، ذلك الذي جمع أسوأ خيبات الشرق مع قسوة حيوان مفترس". ووصفه هـ. ماكمايكل حاكم عام السودان بأن "القتل والتعذيب كانت بالنسبة له لا تعدو أن تكون مجرد تسلية فحسب".
المقابر الأخرى حول القبتين
معروف أن قباب الشيوخ المسلمين تحاط بمقابر التابعين والأبناء والأحفاد. ويحيط بالقبتين في شارع عباس عدد من القبور لـ:
1. محمد بيه الماظ ، وهو دينكاوي من جنوب السودان، بدأ حياته جنديا في الجيش المصري- التركي عام 1834م، ثم تدرج في الرتب حتى صار ضابط صف. قاد أوروطه سودانية مكونة من 447 جنديا سودانيا شاركت في حرب في المكسيك بطلب من الإمبراطور نابليون الثالث للخديوي (للمزيد عن حملة المكسيك انظر المقال المترجم "سودانيون في المكسيك" بقلم ر. كيرك، وعرض كتاب "صفوة الفيلق الأسود: كتيبة المجندين المصريين - السودانيين مع الجيش الفرنسي في المكسيك" لجيفري قادش).
2. أدهم باشا العريفي (ويعرف أيضا بالتقلاوي). ولد العريفي في جبال النوبة، وكان أول سوداني أسود يذهب به لمصر لتلقي التعليم العسكري. أشترك في حروب محمد علي باشا في سوريا وفي القرم. وعاد للسودان عام 1862م حيث عمل في جمع الضرائب في جمال فازوغلي بمنطقة النيل الأزرق. ثم بعث ليخمد تمردا في كسلا. وإثر نجاحه في تلك المهمة عين نائبا للحكمدار وقائدا لكل القوات في السودان (للمزيد عن أدهم العريفي انظر مقال آدم باشا العريفي: أول لواء وقائد عام سوداني" لجون يودال).
3. كذلك يوجد حول القبتين مدافن أخرى منها مقبرة زوجة ماري بيه (ويعرف أيضا ببكري أغا) وهو مغامر ورحالة من كورسيكا. وكان يعمل في جيش محمد علي الذي سيره لقتال الوهابية في الحجاز. ثم عمل في شرطة القاهرة، ولسبب ما تم نفيه للخرطوم حيث توفيت زوجه ودفنت قرب القبتين. وتوجد كذلك مقبرة لمصري اسمه إبراهيم بيه مرزوق عمل كاتبا بالحكومة المصرية – التركية، وعمل في إحدى اللجان التي عهد إليها بالتحقيق في الفساد الحكومي بالبلاد.
alibadreldin@hotmail.com