كتاب “شيخ العلماء: الدكتور محمد حمد ساتي” .. عرض وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي
بدر الدين حامد الهاشمي
5 August, 2013
5 August, 2013
أهداني زميل عزيز كتابا صغير الحجم عظيم الفائدة والامتاع صدر هذا العام (2013م) بعنوان "شيخ العلماء: الدكتور محمد حمد ساتي. نذر العمر في خدمة بحوث الطب" عن دار "مدارك" للنشر. لم يذكر للكتاب مؤلف أو محرر، إذ أن الكتاب هو تجميع لمواد لعلها نشرت من قبل في أماكن مختلفة، وهو مكون من مقدمة ضافية أتت بعنوان "كلمة الأسرة" وأجزاء متتالية من مذكرات الدكتور ساتي في الفصل الأول بعناوين بعضها لا يخلو من غرابة وبعضها ليس معرفا بالألف واللام ومكتوبة بقالب قصصي بديع كان أولها بعنوان "ميلاد" ثم "حياة" و"يوم ليك ويوم عليك" و"حول العالم" و"الدراسات" و"عاشوا في حياتي" . جاء الفصل الثاني بعنوان "قالوا عن الفقيد" وفيه شهادات من زملاء الفقيد وطلابه السابقين منهم بروفسيور أحمد الصافي والذي كتب مطولا وبدقة عالية مقالا مجودا عن الدكتور ساتي عنونه بـ "رحل شيخ العلماء 1910 – 2005م" ، ليس كما في كتابات الرثاء التقليدية المعتادة التي تعدد مآثر الفقيد الخاصة والعامة، بل تطرق فيه لرصد وتحليل سيرة الرجل وجيله وحملاته العلمية ومبادراته المختلفة
هذا الكتاب على صغر حجمه مليء بالكثير والمتنوع من الفوائد والأخبار واللطائف أيضا. وفوق هذا وذاك، فهو يتطرق لتاريخ ربما كان مجهولا عند الكثيرين (وأنا منهم!). فقد ورد في "كلمة الأسرة" الرصينة تلخيص موجز ووافي لتاريخ السودان في تلك الفترة المضطربة الحافلة بالتحولات السياسية والاجتماعية التي شهدت ميلاد دكتور ساتي في عام 1910م في شندي. وصفت تلك الكلمة الظروف والتحولات التي اعترت البلاد منذ أن بدأت الإمبراطورية العثمانية والخلافة الإسلامية في التدهور ثم السقوط الكامل بعد الحرب العالمية الأولى. عاشت أسرة الدكتور ساتي (التي نزحت من منطقة دنقلا العجوز) في المتمة ثم انتقلت منها للعيش في شندي، ولا يدري أحد أسباب ونوازع تلك هجرة تلك الأسرة جنوبا، إلا أن تكون بسبب قلة الرزق أو نزاع عائلي حول حيازة الأرض أو ما إلى ذلك من الأسباب المعتادة. تطرقت "كلمة الأسرة" أيضا لعلاقات سكان شندي وما حولها بالحكم المهدوي، وكيف أنها جيدة في بداية المهدية ثم سأت عندما تولى الخليفة عبد الله التعايشي الحكم، وأتت الطامة الكبرى عندما قام جيشه بقيادة محمود ود أحمد بمجزرة دامية ضد أهالي المتمة عرفت بـ "كتلة محمود" دفعت بأهالي المنطقة للشعور بالعداء الشديد للمهدية والاتجاه للطريقة الختمية ثم للحزب الوطني الإتحادي ذراعها السياسي. ورد في "كلمة الأسرة" أيضا أن آمنة بنت الحداد (المحسية) والدة د/ محمد حمد ساتي ما فتئت تذكر أنه قتل في تلك "الكتلة" أحد عشر رجلا وطفلا من أقربائها، ولم تنفك عن ترديد قصص تلك المجزرة حتى لقيت ربها في عام 1972. مما حفظه دكتور ساتي عن والدته الأبيات التي كان يرددها في فخر "جهادية" ذلك الزمان تكريما لمحمود ود أحمد:
محمود ود احمد الحوية غمه يوم لملم الجيوش دخل المتمة
قطع راس ود سعد زقله بي دمه وآ خراب بيت امه
فرش فروته من التراب ما جمه ضرب الرصاص كتر حرق الجبة والعمه
تطرقت "كلمة الأسرة" في إيجاز لتطور التعليم في العهد الإستعماري وإنشاء كلية غردون التذكارية من أموال المتبرعين البريطانيين وتاريخ "مدرسة كتشنر الطبية" التي أفتتحت في عام 1924م، وغدت فيما بعد كلية الطب بجامعة الخرطوم. كان دكتور ساتي من طلاب الدفعة الثالثة لتلك المدرسة الطبية إذ تخرج في عام 1935م. أشارت "كلمة الأسرة" لحدثين هاماين وقعا في غضون سنوات دراسة الطالب /ساتي، كانت إحداهما هي إضراب الكلية في عام 1929م والذي كان "أحد الإرهاصات الرئيسة لنشأة الحركة الوطنية"، وهو من جوانب تاريخ البلاد السياسي الذي لم يجد حظا وافرا من الدراسة المتعمقة، والحدث الثاني الذي تطرقت إليه المذكرات هو زيارة المستعرب الشهير "لورانس العرب" للسودان في عام 1930م وإقامته بالسودان لبعض الوقت، بل قيامه بالصلاة والصيام مع طلاب كلية غردون خلال شهر رمضان، وذلك بعد أن أسمى نفسه "صالح مؤمن"، وتم كشف حقيقة أمره – بحسب رواية ساتي- بواسطة عبد الله عشري وحسين الكد. جاء في "كلمة الأسرة" أن خضر حمد في مذكراته قد تطرق أيضا لتلك الحادثة. لا يوجد بالطبع من الأدلة البينة ما يؤكد أو ينفي واقعة زيارة "لورانس العرب" للسودان، وبحسب رواية صديق خبير فإن أحدا لم يجزم بحقيقة من زعم عشري والكد أنه "لورنس العرب"، بل ما حدث هو أن بعض الطلاب شكوا في حقيقة الرجل "الغامض" فحاولوا التلصص ودخول حجرته لمعرفة محتويات الحقيبة الحديدية الوحيدة التي كان يملكها، وأن مفتش أم درمان البريطاني الشهير "برامبل" قد زاره في البيت، ثم طرد من البلاد بعيد تلك الزيارة.
في باب "حياة" من مذكرات الدكتور ساتي يكثرالرجل من التذكير بأنه ولد لأبوين فقيرين، وتربى يتيما بعد أن توفي والده وهو في الخامسة عشر من العمر ففكر في هجر الدراسة والعمل بالسكة حديد، ولكن إصرار ناظر مدرسته (والذي كان بتفوقه معجبا) على أن يكمل دراسته هو الذي أقنع شقيقه الأكبر بتحمل نفقات معيشة الأسرة حتى يكمل دراسته من مدرسة كتشنر الطبية في عام 1930م مع زملائه التجاني الماحي وإبراهيم المغربي وستة آخرين. عمل بعد التخرج في مستشفى بورتسودان، ثم نقل إلى مستشفى سنجة حيث عمل مع طبيب بريطاني في تجربة علمية على القرود (النسانيس) الصحيحة والمصابة بمرض الكلازار نشرت نتائجها في عام 1937م (هنا أتذكر وأنا أمر في بدايات الستينات بمعمل استاك الواقع حينها على جانب من شارع القصر وجود قرود في أقفاص لعلها كانت تستخدم في أبحاث ذلك المختبر العريق). وظل دكتور ساتي في سنجة – بناء على رغبته- لمدة خمسة أعوام كاملة، بينما يقضي الطبيب العادي عادة عامين فقط في "منطقة الشدة" تلك. أنجز الرجل في خلال تلك المدة عددا من الأبحاث في مرض وعلاج الكلازار. نقل بعد ذلك إلى سنار ثم إلى القضارف، حيث ذكر من ضمن ما ذكر من وقائع طريفة أنه عالج ذات مرة مريضا بإصابة في الجمجمة أدت لفقدانه الذاكرة، فأطلق الناس عليه اسم " إبراهيم كاتم سره"، وكان من عادته أن يصحب الطبيب وهو يقوم بمروره على المرضى، وعندما يأمره الطبيب بالعودة إلى سريره لا يتذكر الرجل أن يقع سريره فيستلقي على أقرب سرير فارغ يجده! ومن المآثر التي خلفها دكتور ساتي في القضارف هو تحويله لعربته الجديدة الخاصة لعربة اسعاف مجانية لنقل النساء الحمل المتعسرات في الولادة إلى المستشفى بعد أن كن ينقلن بالجمال مما يتسببب في إصابة أو وفاة هؤلاء النسوة، وإجراءه لعمليات جراحية مستعجلة ومجانية في قطاطي الأهالي بمساعدة اثنين من الممرضين عندما تشتد الحاجة لذلك. وبعد القضارف نقل للخرطوم للعمل في معمل استاك ولكنه اختلف مع البريطانيين الذين يعملون به لتصريحه بآراء سياسية لم يرضونها فنقل للعمل في بحر الغزال بعد أن رأوا أنه "مجنون بالبحوث" على حد قوله. هنالك بدأ مشروعا بحثيا في مرض "عمى الجور" والحشرات التي تنقله، وبعض الأدوية التي يمكن أن تعالجه، وذلك في مناطق تكثر فيها الأسود المفترسة، وكان كما سجل في مذكراته يسمع يوميا " الأسد يزأر ويدور حول الاستراحة من المغرب حتى الفجر، وهكذا كانت المخاطر تحيط بنا ولكن متعة البحث العلمي تهون من أجلها كل المخاطر". نقل بعد عمله في بحر الغزال إلى بربر لمدة قصيرة في عام 1950م لبناء مستشفى بها، ثم نقل بناءا على طلبه لشندي لمكافحة انتشار الملاريا بها بعد أن كتب السيد/ إسماعيل الأزهري شكوى لمنظمة الصحة العالمية عن تفشي مرض الملاريا في تلك المدينة، والتي ردت عليه بأنها تتعامل مع الحكومات وليس الأفراد. ثم نقل مجددا إلى بورتسودان حيث بدأ عمله بنزاع مع الطبيب البريطاني (والذي كان في نفس درجته الوظيفية) الذي قرر أن يعمل في الفترة الصباحية فقط ويترك للسوداني بقية الورديات. بعث بعد فترة قصيرة من بورتسودان إلى لندن مباشرة لدراسة الطب الباطني بين عامي 1953 – 1954م، وشغل في تلك الفترة منصب رئييس اتحاد الطلبة السودانيين ببريطانيا. هنا ذكر الدكتور في شفافية وصراحة غير مألوفة عند متعلمي اليوم بأنه نجح في امتحانات الزمالة النظرية ولم يوفق في الجزء العملي منها. من طريف ما كتب الدكتور أنه بعد رجوعه من البعثة كلف بالسفر عاجلا إلى كسلا لمعالجة السيد محمد عثمان الميرغني فرفض التكليف لأنه كما كتب "تصادف مع موعد إجازتي" وذهب إلى رفاعة لقضاء عطلته مع أهله. أيقن المراغنة أن الرجل لن يأتي لعلاج السيد الميرغني مرغما، فأتصل به السيد الحسن بصفة شخصية للحضور وعلاج أخيه السيد محمد عثمان، وهنا استجاب دكتور ساتي لنداء الإنسانية وسافر على حسابه الخاص بسيارة خاصة من رفاعة إلى كسلا في رحلة استغرقت أكثر من يوم كامل وقام بما يجب القيام به وشفي المريض بيد أنه رفض تلقي "مليم أحمر" حسب قوله نظير جهده. نقل بعد ذلك إلى أتبرا ومنها لبعثة في جامعة "جون هوبكنز" والتي تحصل منها على درجة الماجستير في الصحة العامة في عام 1959م. عاد بعدها للعمل نائبا لمدير معمل استاك ثم مديرا له بين عامي 1963 – 1968م.
من أهم انجازات دكتور ساتي الكثيرة عمله الأكاديمي المتميز والذي كان يربط فيه طلابه بمجتمعهم، فعندما كان يدرس طلابه علم السموم مثلا لم يكن يقدم لهم فقط ما هو متوفر في الكتب من مادة علمية جافة مملة بل كان يحكي لهم بعض القصص التي تقرب لهم تلك المادة العملية. فمثلا كان يحكي في محاضرته (بحسب رواية بروفسيور عبد الساتر) عن "حرامية قطار الأبيض" الذين كانوا يبيعون في محطة سنار التقاطع الشاي ممزوجا بمستخلص نبات السكران (الداتورة) للركاب، فينومون نوما عميقا لا يستيقظون منه إلا وقد خلت جيوبهم وحقائبهم مما غلا ثمنه وخف وزنه! كذلك عمل دكتور ساتي على تأسيس ثقافة البحوث العلمية/ الطبية الميدانية في أوساط الجيل الذي تلى جيله، وساهم في إنشاء المبنى الحالي للمعمل المركزي ونجح في أن يوفد المئات من الأطباء والعلماء والفنيين للدراسة بالخارج، وكذلك أنشأ "مركز ومستشفى الذرة" و"مدرسة طب المناطق الحارة" وكان أول من اقترح قيام مجلس للبحوث الطبية. كذلك أفلح دكتور ساتي في خلق صلات علمية بين السودان وكثير من الجمعيات والمؤسسات العلمية في كثير من الدول المتقدمة والنامية.
يرصد الدكتور ساتي في باب "الدراسات" ملخصا وافيا لما قام به من أبحاث تطبيقية أهلته ليوصف بأنه عالم (أكثر منه مجرد طبيب). لم أعجب بما أنجزه الرجل في سنوات حياته الباكرة شابا فتيا وكهلا رغم فرادته وأصالته وغزارته كما ونوعا، بقدرما أعجبت بما سجله الدكتورعن عملين بحثيين ميدانيين في مناطق نائية شارك فيهما في عامي 1977و1976م وهو في سن السادسة والستين والسابعة والستين من العمر، وهي السن التي يركن فيها غالب من هم في مثل سنه للتقاعد والأعمال المريحة. كانت المنطقة النائية الأولى هي منطقة قبيلة المولي (ومركزها البيبور) والتي كان سكانها يعانون من العقم ربما بسبب عدوى عند نسائهم، حتى بلغ بهم الأمر لخطف الأطفال من القبائل الأخرى مثل الدينكا والنوير، مما تسبب في صراعات دموية في بعض الأحايين. ومصدر الإعجاب هو أن تلك الحملة العلمية قد أخذته إلى مناطق بعيدة وخطرة في جنوب السودان يتحاشى الذهاب إليها من هم في نصف عمره، فقد سافر مع زملائه في تلك الحملة العلمية إلى "جبل بوما" على بعد 150 كيلومتر من "البيبور" وهذه المسافة خالية من السكان تماما وكلها غابات مأهولة بالأسود والحيوانات المفترسة الأخرى، وبها خيران ملئية بالتماسيح، وثعابينها تجوس حولهم تصطاد الجرذان أمام أعينهم، وفوق هذا وذاك لم يكن بالمنطقة طريق معبد أو شبه معبد. بل وتسلق الجبال ذات مرة للوصول لمنطقة أخرى في سبيل ذات البحث. وفي العام التالي (1977م) إنضم لرحلة علمية ذهبت إلى الرهد في كردفان للبحث في مرض "الفرنتيت"، بيد أن اهتمام ذلك الفريق البحثي إنصرف لمرض آخر يسمونه محليا "الندى" وهو يحدث عادة في فصل الخريف ويصيب الأطفال الذين يمشون حفاة. لم يكن ذلك المرض معروفا أو مسجلا في الكتب والدوريات الطبية، بيد أن الدكتور ساتي وفريقه البحثي توصلوا إلى أن الدودة التي تسبب هذا المرض تخرج من مياه الحمامات التي تدلق في الشوارع، وتوصل أيضا – بعد تحليل روث البهائم في المنطقة- إلى أنها مصدر تلك الديدان، وأن هذا المرض موجود أيضا في الأبيض وأم روابة، ولعل انتشار المرض مرتبط بكثرة أعداد الحيوانات في المنطقة.
وفي خارج مجال تخصصه المهني الدقيق لعب دكتور ساتي دورا كبيرا في ما أعقب ثورة أكتوبر 1964م من حوادث وتطورات سياسية وصراعات نقابية بين الأطباء وغيرهم من المهنيين كإنعكاس للصراعات بين الأحزاب التقليدية والحديثة، ولخص كل ذلك بحيدة كبيرة وبتواضع معتاد ودون تمجيد أو تضخيم لدوره التصالحي المهم، خاصة في تلك الأيام التي بقيت فيها البلاد دون حكومة من 8- 23 فبراير عام 1965م بعد أن استقال (أو أجبر على الاستقالة) سر الختم الخليفة رئيس أول وزارة مدنية بعد سقوط النظام العسكري بقيادة إبراهيم عبود. سجل الكتاب آراء بعض أصدقاء ومعارف الدكتور ساتي من غير الأطباء مثل الأستاذين دفع الله الحاج يوسف وميرغني النصري المحاميان الشهيران. أشاد الأخير بقدرة الدكتور على التمرد والخروج على مجتمع الأطباء والذي نعته بأنه "مجتمع نخبة منغلق على نفسه وبه تعصب مهني" وأفراده يدورون في إِطار المهنة الضيق ... لا يشاركون بفعالية في المجتمع العريض ولا يسهمون في حل مشاكله. ذكر السيد النصري بأن الدولة قد كرمت الدكتور ساتي في عام 1988م بمنحه "وسام السلام" من الطبقة الأولى، ولم ينس أن يشيد بزوجة الدكتور فاطمة حسن عبد النور والتي أتاحت لع الفرص لعمل كل ما قدر له أن ينجزه.
كان أحد أسباب إعجابي بالدكتور ساتي - ومنذ زمن بعيد - هو أنه من الأطباء السودانيين (القليلين للأسف) الذين جعلوا من علم "الطب التجريبي" والعمل الميداني والتعلم المستمر مبلغ همهم، ولم ينصرفوا إلى ما سواه مما ينصرف إليهم كثير منهم. وكان كما سمعت من أناس كثر عاصروه وعملوا معه مثالا للزهد والتواضع والشغف بالعلم والبحث والتقصي، ليس من أجل الترقية الأكاديمية ونيل المناصب (رغم أن له من الأبحاث ما يزيد على الستين بحثا منشورا)، فقد كان يعف عن كل ذلك ويزهد فيه، وفي هذا كتب أحد طلابه السابقين الأستاذ الدكتورعلي عبد الساتر ما نصه :" لم يتسرب إلى نفسه الرياء ...يمشي على الأرض هونا..لم يفكر يوما في جمع الدولارات... ولا شراء العمارات... أو اقتناء البي أم دبليوهات...هو أقرب إلى الصوفيين من جيل أبو ام مريوم وخوجلي أبو الجاز.....كان زاهدا في لقب الأساتذية مع أنه له من الأبحاث ما يؤهله ليكون أول البروفسيرات في طب المختبرات، ولكنه متصوف بحب الناس وبحب الأحياء الدقيقة ومايكروب اللشمانيا على وجه التحديد...". وكان لذلك الإعجاب بعمل وشخصية دكتور ساتي جانب شخصي فقد زاملت واحدا من أصغر أبنائه هو "عبد الرحيم" في فصل واحد بمدرسة الخرطوم الوسطى الأميرية في منتصف ستينات القرن الماضي (ولعله يعمل أستاذا للهندسة في جامعة ما)، ثم تعاونت في بحث علمي منشور مع ابن آخر له هو عبد المنعم (وكان يعمل أستاذا بقسم الكيمياء بكليه العلوم) حيث استعنت فيه بجهاز HPLC الخاص بقسمه، ولعله كان هو أول جهاز من نوعه في السودان وفي كلية العلوم بجامعة الخرطوم، وكان ذلك قبل ثلاثة عقود من الزمان. ومؤخرا تعرفت على ابن آخر له هو نور الدين (والذي عمل أستاذا في كلية الآداب، وسفيرا ومديرا للمكتبة الوطنية الآن) في زيارة له لعمان قبل سنوات قليلة.
أخلص إلى أن هذا كتاب يخلد حياة مثقف (نوعي؟) حقيقي ... مجود لتخصصه... انشغل بقضايا الناس وهمومهم وقضى طيلة حياته مسخرا علمه في خدمتهم دون من أو أذى أو مطمع دنيوي. أتمنى أن تخرج طبعات أخري في المستقبل القريب من هذا الكتاب بتوسع أكثر في انجازات الدكتور العلمية والطبية، تكون خالية من الأخطاء الطباعية ومزودة بمحتويات الكتاب وفهرس، فالرجل يستحق ما كتب عنه وأكثر.
badreldin ali [alibadreldin@hotmail.com]
///////////////