كلمة حق: منى عبدالفتاح جريدة الصحافة !!

 


 

 


بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: ( هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية
هذا بلاغ للناس


توطــئة:
الأستاذ الصديق محمد المبروك إستثارني حينما قال لي : أرجو أن تشاركنا في برنامج حواري قطبا الحوار فيه طرفان أحدهما مع والآخر ضد المرأة تبثه قناة النيل الأزرق  وليتك تقف عند الجانب المناويء للمرأة لنثري الحوار ، فأعتذرت له وقلت : كيف تريدني أن أقف ضدها وأنا من أجل أمي أحببت كل نساء العالمين ، ثم  قلت له لن أكون جاحداً فقد حملتني أمي في بطنها تسعة أشهر وغذتني من دمها ، وتحملت من أجلي آلام المخاض ، وهدهدتني  ورعتني حتى بلغت الرشد ، فهل أسدي جميلها بالجحود ، لا أدري لماذا أورت  ما دار بيني وبينه وأنا أكتب عمود اليوم عن خريدة  الصحافة منى عبدالفتاح؟!.!
بلا جدال ، فإن النرجسية الذكورية  في كثيرٍ من الأحيان تغمط الأنثى الكاتبة ، القاصة، الصحفية ، الروائية،  والشاعرة  حقها الذي إكتسبته بفكرها ، ولعمري أن الأفكار والفكر ليس حكراً على أحد سواء كان ذكر أو كانت أنثى ،  وعبارة إنسان عندما وردت في القرآن الكريم جاءت  لشمولية الجنسين دون تفرقة
ظللت وما زلت أتابع عمود  الكاتبة الصحفية منى عبدالفتاح  بإعجاب وتدقيق بلغا بي حد الدهشة  والادمان ، ولقد تعجبت كثيراً من إحجام أقلامنا من التقريظ والإطراء المستحق لمن يستحقه ، بالرغم من أننا شعبٌ تميز بالكرم  والايثار إلا أننا عندما نصل إلى المبدعات نكون بخلاء، بل ونحرص على بخلنا لدرجة أننا نستكثر عليهن كلمة تقدير أوعبارة إعجاب لعطائهن ، قد نختلف أو نتفق مع ما يحمل / يحملن من مباديء ولكن المهنية تقتضي التجرد.
إن مهمة الإعلام وطنياً أن يسلط الضوء على أصحاب وصويحبات العطاء ، إذ أن كثيرٍ من الدول حولنا تحاول جهدها أن تؤسس لرموزٍ في شتى المجالات ، لتباهي وتنافس بهم في شتى المحافل ، أما نحن فلنرجسية متأصلة في نفوسنا ـ أهم أركانها الذكورية ـ تعطي لنفسها حق الوصاية والتقييم الدوني ، لذا فنحن  نقوم بوأد كل برعمة وبرعم يتفتح في أي حديقة في مجالات حدائقنا ، كالفن والثقافة والأدب ، كما الصحافة والاعلام!!
المــتن:
ظللت أتابع كتابات منى عبدالفتاح التي تنم عن جهدٍ ملموس في التحضير لمادتها ، أو هكذا أخالني اعتقد ،  فمادتها تستصحب فيها  بعض من شواهد وأدلة مما ينم على شغف ٍ  وولعٍ بالثقافة والاطلاع في مجالاتها المتنوعة ، وتستعين  بقراءآتها في تكوين فكرة الموضوع  لذا يأتي مشوقاً ، والتشويق  أهم عوامل إجتذاب القاريء/ القارئة ، إن الحديث عن  علاقة الأنثى بالممارسة الابداعية هو حديث عن موقع ومكانة وأهمية الإبداع النسوي في صيرورة الكتابة الأدبية من جهة ، ثم هو حديث عن المرأة كمادة للاستهلاك أو موضوع استهوى العديد من المبدعين والأدباء ، وعن المرأة كمبدعة  وفاعلة ومنتجة للإبداع من جهة ثانية.  يبدو الحديث عن الكتابة النسائية مغامرة مليئة ومحفوفة بكثير من الصعوبات والمخاطر ، لأن هذا المصطلح أثار ، ولا يزال يثير ، جدلا واسعا وإشكالا كبيرا في المشهد الثقافي وإن حاولت أقلام ذكورية إخفاء هذه النزعة وإطهار عكسها ، وهو إشكال مرتبط بمسألة تخصيص هذه الكتابة بأنها نسائية ، خاصة وأننا لا نلجأ إلى هذا التخصيص عندما يتعلق الأمر بأعمال إبداعية ذكورية ، كما أن تصنيف هذه الكتابة/الإبداع  تم على أساس الجنس (Gender ـ امرأة مقابل رجل)، لذلك كانت هذه التسمية مرفوضة وغير مقبولة ومستساغة لدى الكثير من والمبدعات ومن بعض الباحثين والمبدعين ، شخصياً أعتبر أن هذا التصنيف ذكوريا ، حيث كان الغرض منه ، إبقاء تلك الحواجز الحريمية الموجودة في عالمنا العربي وترسيخها حتى في مجال الإبداع، وبالتالي، فهذا التصنيف الجنسي لا ينسجم وطبيعة الابداع نفسه ، لأن "الإنتاج يعطي نفسه ويملك الحكم عليه في ما يقدمه دون اعتبار للقلم سواء كان رجاليا أو نسائيا".
الحاشية:
منى عبدالفتاح كسرت كل حواجز الممانعة سواء بوعي أو لاوعي  منها أو ربما مع إدراكها وتجاهلها متعمدةً ، لذا أبدعت في كتابة عمودها،  وقد ينطبق عليها التصور الأفلاطوني في مسألة الابداع بين الجنسين إذ قال أفلاطون: [ أنه وعلى العموم يفوق أحد الجنسين أخاه الجنس الآخر، في بعض الأشياء، وأن كثيرات منهن يفقن كثيرين منهم في أمور كثيرة ] ، مما يعني أن العلاقة بين الجنسين مبنية على فلسفة الاختلاف (بيولوجيا، عقليا، فنيا، ثقافيا..) فضلا على أن حقيقة اختلاف التفكير نجد مبررها عند ديكارت الذي يقول: [ العقل هو أحسن الأشياء توزيعا بين الناس (بالتساوي).. وإن اختلاف آرائنا لا ينشأ من أن البعض أعقل من البعض الآخر وإنما ينشأ من أننا نوجه أفكارنا بطريقة مختلفة].
كثيرٌ منا من يولي الإهتمام بالمرأة كجسد مبدع ، وهذا تقصير في حقها , و انتقاص من قدراتها العقلية والثقافية , وإن من واجب المرأة  أن تحارب ما تبقى من تلك النظرة الدونية للمرأة كمفكر ومبدع ، أغلب المبدعات فيفي عالمنا العربي , مازلن يتلمسن الخطو في عالم الإبداع , الذي ظل الى عهد قريب حكرا على الرجل إلا من رحم ربي والمبدعة السودانية كما بقية إخواتها العربيات  , كفيلة ان تقف حنبا لجنب مع الرجل.. هي محتاجة لبعض الوقت والتفهم والتقدير لا أكثر.
الهامش:
أما من الناحية الدينية التأصيلية ، فنجد في مرجعيتنا الدينية أن القرآن الكريم، يؤكد حقيقة الاختلاف بين الجنسين، لكن الله سبحانه وتعالى لم يضع الحواجز بينهما (المرأة والرجل) ولم يحث على النظر إلى جنس ما نظرة احتقار، بل كرمهما معا، وعلى قدر عمل الرجل أو المرأة يكون الجزاء والعطاء الإلهي: -(يا أيها الذين آمنوا إن خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)- ، بل الأكثر من ذلك ، أن الله سبحانه وتعالى يدعو في كثير من الآيات  الكريمة إلى ضرورة السكن والمودة والرحمة والستر بين الجنسين. إن مقاربتنا لنصوص قصصية لمبدعاتنا هي محاولة لرصد تيمتي (theme) الحرية والاحتجاج ، كموضوعتين تحكمت فيهما مجموعة من الرؤى التي توجه السرد نحو بلورة جملة من القناعات الفكرية التي تحاول المرأة المبدعة/القاصة تضمينها في نصوصها. فضلا عن أن مقاربتنا هاته ستركز على الشخصيات الأساسية في هذه نصوصهن الصحفية والأدبية  والقصصية، سواء كانت عبارة عن الشخصية-الساردة (Narration Personality ) أو الشخصية-الممثلة (Actress Personality  )، حيث الأولى تقوم بوظيفة السرد ، في حين الثانية تضطلع بوظيفة الفعل ، لكن دونما إغفال لباقي العناصر المميزة للمادة/ النص والتي تتعالق معها الشخصية كالوصف وزوايا النظر والزمان والمكان.. خاصة وأن "الشخصية تلعب دورا من الدرجة الأولى وأن عناصر السرد تنتظم انطلاقا منها" وبالرغم من أن الشخصية القصصية تتخذ بعدا خياليا إلا أنها حاملة لأبعاد وقيم اجتماعية أو ثقافية أو أخلاقية أو نفسية، مما يجعلنا نخالها شخصا (person) واقعيا ما دام "الكاتبة/ الكاتب يخلق أشخاصه، مستوحيا في خلقهم الواقع، مستعينا بالتجارب التي عاناها هو أو لاحظها" هذا هو المنطلق المتحكم في مقاربتنا لشخصيات المواد الصحفية أو النصوص القصصية النسائية، لكن دون النظر إليها باعتبارها نماذج بشرية حقيقية، بل باعتبارها حاملة لأبعاد دلالية عميقة. برأيي أن منى عبدالفتاح هي واحدة من الكاتبات الثصحفيات المبدعات  التي ينبغي أن نربت على كتفها تحفيزاً لمزيد من العطاء والابداع!!
قصاصة:
الأدب الذكوري كان وما زال بعضه يعتبر نفسه الوصى القيم على الأنثى المبدعة ، وهو فقط من يحق له تصنيفها وتوصيفها من  بناءً على وهم هذه الوصاية الزائفة!! إن الابداع نسائي عبر بجلاء عن حقيقة المرأة، بعيدا عن تصورات الرجل عنها، إلا أن المشهد الثقافي لا زال ينم عن رغبة ذكورية وربما حتى أنثوية ، أقول رغبة أو نية تصنيفية مبيتة لهذا الإبداع ، على أساس جنسي محض ، الشيء الذي لا يتسم مع طبيعة الأدب ذاته. إن القول بحقيقة وجود كتابة إبداعية نسائية تمتلك هويتها وملامحها الخاصة تفضي إلى واحد من حكمين: إما كتابة ذكورية تمتلك مثل هذه الهوية وهذه الخصوصية وهو ما يردها بدورها إلى الفئوية الجنسية فلا تعود صالحة كمقياس ومركز، وإما كتابة بلا خصوصية جنسية ذكورية ، أي كتابة بالإطلاق كتابة خارج الفئوية ، مما يسقط الجنس كمعيار للتمييز إلى ذكوري وأنثوي " . وأنا شخصيا أرى أن المرأة لا يمكنها أن تنتظر من الرجل أن يمنحها لقب المبدعة كيفما كان نوع هذا الإبداع ، وإنما عليها أن تفرض انعتاقها أولا في كثير من المجالات ... وأن تسعى هي ذاتها إلى فرض تجاوز هذا التصنيف الذي لا يزال قائما على اعتبارات بيولوجية محضة  . المرأة أخت الرجل , ولكل واحد منهما خصوصياته في كل ميادين الحياة, ومنها الإبداع بمختلف أجناسه ، فإبداع المرأة مختلف عن إبداع الرجل , وإن توحدت تيمة الاشتغال , لكن قيمة العمل تظل رهينة بالمبدع نفسه وليس بجنسه .. رمضان كريم .. عوافي،،،،،،

Abubakr Yousif Ibrahim [zorayyab@gmail.com]

 

آراء