كُلنا شركاء في الجريمة!!

 


 

 

 


حديث_المدينة

مِن مَشاهد فيلم أمريكي.. زعيم الهنود الحُمر كان يقود قومه في معارك شرسة ضد غُزاة الأراضي الجديدة.. ولكنه في كل مرة يُهزم، فيتراجع إلى خُطوط دفاع أخرى ليخوض مزيداً من المعارك وتستمر الهزيمة تلو الهزيمة.. أخيراً جمع مُقاتليه الذين يرفضون الاستسلام وقال لهم: (من حقنا أن نقرِّر مصيرنا ونستمر في القتال.. لكن ليس من حقنا أن نُقرِّر مصير الأطفال الصغار معنا فهم لا يُشاركوننا في اتّخاذ القرار..) ثُمّ قرّر الاستسلام لينقذ الأطفال..

عندما يمتطي تلميذٌ صغيرٌ قارباً بائساً ليذهب به إلى المدرسة، ثُمّ يعود به نهاية اليوم.. ويفعل ذلك على مدار عام دراسي كامل.. بل لمرحلة دراسية كاملة.. فهو ليس شريكاً في اتّخاذ القرار.. ولا علم له بالمُتَسَبِّب في الحال الذي يجبره على ارتكاب هذا الخطر المُحيق.. وعندما يغرق المركب البائس بحُمُولته من هؤلاء الأطفال الصغار فهو ليس مُجرّد حادث عابر في يومياتنا المُرهقة بالألم الوطني.. بل هو إعلانٌ جهيرٌ بأنّنا كلنا نرتكب خطيئة لا تُغتفر في حق أجيال حاضرة وأُخرى قادمة.. جريمة أن نُقرِّر مصير أطفال صغار لا يعلمون معنى أن يزدحموا ويتراصوا مثل صناديق البضاعة الرخيصة في مركب صغير فقير ليس به وسيلة إنقاذ..!

أمس رُوِّع السُّودانيون بنبأ غرق (23) تلميذاً يافعاً في بحيرة سد مروي.. غرقوا أمام سمع وبصر الجميع.. وهم في (طريقهم!!) إلى المدرسة.. وكلمة (طريقهم!!) هنا لفظٌ غير دقيقٍ، الأجدر أن يكون في (إبحارهم) فوق قارب بائس هو وسيلة نقلهم إلى المدرسة..!

أسرة واحدة فَقَدَت خَمسة من أبنائها الصغار، وأخرى ثلاثة.. وأخفّ المصائب من فقد اثنين من أطفاله..

هل تعطّلت الحركة في شوارع العاصمة اليوم؟ هل أعلن الناس الإضراب عن الوقوف في صُفُوف الخُبز اليوم؟ فقط اليوم ولو لمدة ساعة واحدة حِدَادَاً على هؤلاء الصغار الذين لم يُشاركوا في صنع هذا الوضع المَأزوم الذي نكابده.. لكنهم يدفعون ثمنه ظلماً وعُدواناً..؟!

كُلّنا شُركاء في جريمة الصمت اللئيم على واقع الحَال.. مَن المسؤول عن أوضاع هؤلاء المُواطنين في تلك المناطق؟ مَن حرمهم من أبسط الخدمات لا لشئ سوى أنّهم رفضوا التهجير وارتضوا الإقامة في موطنهم.. وبُح صوتهم وهم يُطالبون بحُقوقهم.. ثم اعتصموا أمام رئاسة ولاية نهر النيل لعدة أشهر التحفوا بالسماء وناموا على أرض جَرداء ولم تصغ لهم أُذن.. فكبتوا الحسرة على وطنٍ لا يقدر مُواطنة مُواطنيه..!

مَن المسؤول عن قتل (23) تلميذاً لا ذنب لهم سوى أنّهم أرقام في دفاتر الوطن المنسية؟

كلكم وكلنا شُركاء في الجريمة..!!

ولا حول ولا قوة إلا بالله..

 

آراء