نفسيات ..!!

 


 

عثمان ميرغني
28 October, 2009

 

حديث المدينة

 

osman mirghani [hadeeth.elmadena@gmail.com]

أمس الأول في جلسة البرلمان لمناقشة قانون جهاز الأمن والمخابرات الوطني ، إنسحب نواب الحركة الشعبية وكتلة التجمع ..احتجاجاً على بعض بنود القانون ..وهو مسلك يذكر بالمأزق الذي وقعت فيه دولة لبنان قبل حوالي العام ..عندما استعصم بعض النواب بالأعراض عن تسجيل الحضور في البرلمان بهدف منع انتخاب الرئيس..وفعلاً نجحوا لأن بنود الدستور أتاحت لهم ذلك..فظلت لبنان لعدة أشهر بلا رئيس إلى أن حلت الوساطة القطرية المعضلة وجمعت الساسة اللبنانيين في الدوحة.

من الأجدر أن يظل النواب داخل قاعة البرلمان ويجادلوا في البنود صحيح التي لا يتفقون معها..ويبذلوا جهدهم في اقناع غيرهم من النواب..صحيح أدرك البعض قد يقول لا فائدة من ذلك طالما أن حزب المؤتمر الوطني لديه كتلة برلمانية غالبة تستطيع بالتصويت الميكانيكي دحر أي صوت معترض لكن الأصح أيضاً أن الانسحاب لا يوفر أغلبية والمعارضة لا تملك ما كانت تملكه المعارضة اللبنانية وهو ما يطلق عليه (الثلث المعطل) أي النصاب الذي يعطل الجلسات ويمنع المضي قدماً في إجازة القرارات.

قرأت كل نسخ الخبر في كل الصحف ..وحاولت أن أجد سبب اعتراض الحركة الشعبية وكتلة التجمع لم أجد تحديداً واضحاً لما هو معترض عليه في القانون ..العبارات التي استخدمت خاصة من الاستاذ فاروق ابو عيسى تبدو فضفاضة ..مثلاً قوله 0هو الأسوأ) يقصد قانون جهاز الأمن ..وتصريحات لآخرين في الحركة الشعبية تصفه بأنه قانون (مزور) و (مسيئ للشعب السوداني) ماهي نقاط الخلاف على قانون الأمن..الواضح أنها حالة نفسية أكثر منها قانونية ..!

الخلاف حول قانون الأمن.. على الأقل في ما أثير في بعض الندوات يتركز حول سلطة التفتيش والاستدعاء واعتقال المواطنين وهما بالتحديد المادتان (50) و (51) في مشروع القانون..

الواضح أن الخلاف على هذه المادتين سببه واحد ..هو الموقع الذي ينظر به كل طرف إلى (الجهاز) وليس القانون ..ومن هنا تنشأ النكبة..النكبة في التفكير الوطني أن تصبح أجهزة الدولة الحتمية التي لا غنى عنها لأية دولة عصرية ..مجرد مساومة حزبية ..أو بطاقة في مباراة الكر والفر السياسية .

الحاجة لجهاز أمن (تنفيذي) وليس استشارياً أمر لم يعد محل خلاف في أية دولة بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية ..لأن مبدأ الوجود العصري للدولة في عالم اليوم صار أمراً (أمنياً) في المقام الأول...بعبارة أخرى أن الخوف حتى من الغزو العسكري الذي تجيش له الجيوش لم يعد هو السمة الغالبة على مطلوبات الدولة الحديثة بل صار 0الأمن) هو القضية المحورية التي يتوقف عليها بقاء وفناء الأمم في عالم اليوم.

في تقديري أن النظر لجهزا الأمن يجب أن يقوم على اعتبار أنه المنطقة الوسطى بين الشرطة والجيش ..الشرطة مهمتها حماية المجتمع من الجريمة والخروقات الجنائية ..والجيش مهمته جماية حدود الدولة والدفاع عنها ..أما الأمن فهو لمواجهة ما هو أعلى من الشرطة وأقل من الجيش وهي منطقة (ليست منزوعة السلاح).

هل يمكن تحقيق ذلك بدون سلطات تنفيذية ..؟؟ ألم نتعلم بعد من الخطأ التاريخي القاتل الذي حدث بعد انتفاضة أبريل عندما حل جهاز أمن الدولة ..فانهارت الدولة.

 

آراء