لنتفق أولاً على نزع هالة التقديس عن الاحزاب بعد انكشفت الهالات المزيفة !!

 


 

 

بـــهدوووء_
تنبيه:
إياك والإكتفاء بقراءة العنوان لتكوين صورة كاملة عن الفكرة، فإن كانت (المظاهر) خداعة فـ(العناوين) أيضاً كذلك.
ورثنا من زمن الدكتاتورية خطأ منهجيا في التحليل لا يزال يفسد علينا الرؤية الصواب أو ما يجب أن يكون صوابا وقد تحررنا (إلى حد ما في زمن قريب) من قيد الدكتاتورية لكنها سرعان ما عادت مع انقلاب 25 اكتوبر. هذا الخطأ هو التسليم بأن كل معارض للسلطة يفعل الصواب ويخطط للخير وبالتالي فهو منزه عن كل غرض فاسد ويجب الوقوف معه بلا أدنى مساءلة عن دوافعه وعن نواياه وعن بدائله للسلطة التي يعارضها. لقد كشفت لنا فسحة الحرية أن معارضي السلطة لا يقلون عنها فسادا أخلاقيا وأن بدائلهم ليست بالضرورة أفضل من فعل السلطة التي جرونا إلى معارضتها. لقد آن للتحليل أن يخرج من المسلمة البلهاء أن معارضي السلطة أفضل منها. دون أن يقع المرء بالضرورة في تمجيد السلطة لكن نزع القداسة عن المعارضة صار ضرورة منهجية لفهم ما يجري وما قد يكون.
في مرحلة اشتداد الدكتاتورية وانعدام فرص معارضة مدنية صريحة (كمنع تكوين الأحزاب) وجد كل سياسي مدني في النقابات ستارا يتخفى داخله ليعارض السلطة وكان يجري تقاسم المواقع داخل النقابة بنظام المحاصصة الحزبية وتوزع مقاعد التنفيذي قبل عقد المؤتمرات. ومن هنا جاءت تسمية الخيمة (التي تظل كل مضطهد وكل معارض وطني لسلطة عميلة تابعة. دون أي سؤال عن مشروعية ذلك من وجهة نظر ديمقراطية). هذه السلطة وهذا الدور حولا النقابات إلى بؤرة دكتاتورية لا تختلف بل ربما أسوأ من السلطة وقد كانت لها دوما ميليشيا لضرب المخالفين. وقد كان النقابيون يغلقون بابها ضد كل دخيل خاصة من هم ضد الإسلاميين او من هم من اليسار بمعنى أصح وفي ردهات كثيرة عملت النقابات كذراع للسلطة في معركتها ضد المعارضيين (قوى اليسار عموما).
خلقت حكومة الإنقاذ ترهلاً حزبيّاً بدأ في التشكُّل منذ عام 2007، وهو تاريخ بدء مجلس شؤون الأحزاب دورته الخماسية التي انتهت عام 2012. وفتحت الباب لتكوين الأحزاب باسم الاستعداد للتحول الديمقراطي، والانتخابات الشكلية، التي أجريت عام 2010 وفاز فيها الرئيس السابق عمر البشير بأغلبية ساحقة انتشرت فيديوهات تزييفها قبل إعلان النتيجة.
وعلى الرغم من وصول عدد الأحزاب إلى 100، إلَّا أنَّ القاعدة السياسية ظلت تشغلها الأحزاب العريقة التي تعرضَّت لتصدعاتٍ في عهد الحكومة السابقة. من القوى السياسية التاريخية، هناك الأحزاب الطائفية مثل حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي المعتمد على تكوين "هيئة شؤون الأنصار" التي تتولى الجانب العقائدي والاجتماعي. والحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة محمد عثمان الميرغني، المستند إلى الطريقة "الختمية" الصوفية، الذي انتهج الوحدة مع مصر على عكس حزب الأمة. ينتهج الحزبان تقديس الأشخاص وتفعيل الاصطفاف على أساسٍ يرتبط بالثقافة والهوية وتوظيف صورة زعيم الحزب الرمزية عبر إثارة مشاعر تاريخية كآلية من آليات توحيد الحزب وتقويته. ولأنَّ الزعامة هنا مُتنازعة بين الزعامة الحزبية والزعامة الشخصية، فقد خلقت نوعاً من الديكتاتورية أدت إلى انشقاقات عديدة في صفوف الحزبين العريقين.
هناك أيضاً الحزب الشيوعي السوداني، الذي لا يزال يتمسك بمواقفه الدون كيشوتية، فقد أظهرته الثورة في مظهر الحزب غير المواكب، فيلمع نجمه عندما تغيب بقية الأحزاب ويختفي عندما تكون هناك فرصة للظهور. انتهت جاذبية الحزب الشيوعي السوداني منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي، وكحال كل الأحزاب الأيديولوجية التي ترتبط بأفكار كونية، أوإقليمية المنشأ والأصل، يكون مصيرها مرتبطاً بمصير ومصدر الفكرة الأم. وقد ترسّخت صورة الحزب الشيوعي السوداني في أذهان الناس بشكله التنظيمي الاستخباري الذي يعتمد على الاستقطاب للمنتمين للحزب من دون الاهتمام بجانب التنظيم السياسي، ومن دون الاهتمام بنوع العناصر وتأثيرها الاجتماعي. وهذا الشكل أحدث انشقاقات مستمرة في الحزب منذ تأسيسه بفعل بعض الوجوه التي رأت فيه فرصة لتحقيق طموحاتها الشخصية.
أما حزب المؤتمر الشعبي، الذي يرتبط اسمه بزعيمه السابق حسن الترابي، فعندما اقترب من الاندماج مرةً أخرى في النظام السابق، باعتماد معاونين، ومساعدين للرئيس السابق داخل القصر الجمهوري، قامت الثورة، ورجع الحزب مرةً أخرى إلى دكة المعارضة مدعيّاً أنَّه شارك في الثورة، وقام بخلخلة النظام من الداخل. ومثلما شكلت فترة الديمقراطية الثالثة (1986-1989) أرضية خصبة لتقوية الحزب حتى استيلائه على الحكم عن طريق العسكر، ينشط الإسلاميون الآن في دكة المعارضة، لإعادة السيناريو استناداً إلى الذاكرة السياسية التي تحتفظ بالكليات من دون التفاصيل. ولكن هذا النشاط يفتقر إلى قوة كان محورها حسن الترابي، فبعد وفاته ضعفت مكانة المؤتمر الشعبي وتبدّدت قياداته، ومن المتوقع أن يندمج مرةً أخرى مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم. السابق..انكشفت كل شيء بعد ثورة ديسمبر المجيدة وظهرت حقيقة الاحزاب السياسية كجزء من منظومة الحكم الفاسدة وقد واصلت دورها بعد الثورة في خدمة السلطة الانقلابية الساقطة بإذن الله فخربت كل خطوة قطعت في اتجاه تجسيد مطالب الثورة. وهي تقف الآن بلا مواربة مع الانقلاب وتحميه وتوفر له الاكسجين المنعش (ربما تلحظ الهبوط وتتابع الرقاد والانبطاح في كثير من البيانات التي تصدر عن تلك الاحزاب منذ حدوث انقلاب الربو هذا) الاحزاب السودانية تروج في الأثناء أنها خيمة كل سوداني مضطهد. إن السلطة لم تبلغ في مستويات الكذب السياسي ما بلغته الاحزاب السياسية. ولن يتسع المجال لسرد الفظاعات الحزبية وآخرها العبث بلوائحها و بقوانينها الداخلية لتظل قيادتها في مواقعها.
يتسم التكوين الحزبي السوداني بالروح القبلية والجهوية والولاءات المختلفة، مع شيوع التنقُّل بينها. ومع خضوع الحزب لرئيس واحد لأكثر من نصف قرن، مثلما في نموذجي حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي، فقد أسَّست هذه الصفات مع غيرها لما يُعرف بالبداوة السياسية. واستطاعت الأحزاب السودانية المختلفة التعايش مع فترات حكم النُظم العسكرية التي تخللتها تجارب ديمقراطية قليلة، ذلك أنَّ تكوينها الداخلي لا يخضع لانتخابات وإنَّما لسلطوية تُعلي من مكانة زعيم الحزب وترفض تغييره، مما أنتج أحزاباً هشَّة لم تستطع التغيير ومواجهة الاستبداد العسكري، إلى قيام كل الثورات بانتفاضة شعبية من دون غطاءٍ حزبي. هذا الوضع هو نتاج للصراع بين سلطة الدولة، وثقافة القبيلة أو الجهة ذات الولاء، فبدلاً من أن تعيش الأحزاب تحت جناح الدولة، تسيطر زعامة الحزب المحكومة بالولاء القبلي أو التوجه الطائفي على شكل القوى السياسية المكونة للدولة. وذلك وفق متغيرات يشهدها السودان، أهمّها حالة انكسار برزت في معادلة تغول الدولة على المجتمع، التي ابتدأت منذ انقلاب الإنقاذ 1989. حينها كانت الأحزاب السودانية حتى في مهجرها ترفع صوتها مقابل ضعف المواطنين. وطوال 30 عاماً، فإنَّ المواطنين لم يشعروا أنّ هذه الأحزاب تمثلهم بعدما كفت قياداتها التي تنتمي لأطياف سياسية مختلفة عن التحدث باسمهم، وحصرت كل تفكيرها في اقتسام السلطة مع الحزب الحاكم.
الأحزاب بؤر فساد سياسي وليس اضعف من الانقلاب إلا احزابنا السياسية جميعها بلا استثناء ..
ولدت الأحزاب في المعارضة زمن الدكتاتورية. وأثبتت أن الحزب الواحد الجامع باسم الوحدة القومية كان جريمة سياسية صنعها الحزب المستبد (الشيطان الأكبر) فالتعددية واقع فعلي قبل الاستقلال وبعده. وفي زمن الدكتاتورية كان مجرد تأليف (حُزيب) سياسي يحول قيادته إلى أبطال شعبيين. كيف وقد تجرؤوا على معارضة السلطة. لكن لا أحد كان ينفذ إلى داخل الأحزاب ليرى طرق تسييرها الداخلي والتزامها بالديمقراطية في هياكلها. وكانت معارضة الدكتاتورية مبررا للتغافل عن الأمر فالعمل الحزبي يجري في السرية والديمقراطية مؤجلة. بعد الثورة انكشفت أن الإرجاء الديمقراطي فعل من صميم الفساد الحزبي. فالزعامات (ولا نستثني أحدا) حولت جمهورها الحزبي إلى قطعان تسمع وتطيع. وكان هذا أحد أهم أسباب فشلها في التطور الداخلي والانسجام مع شروط الديمقراطية. حتى أن الحزيبات التي ظهرت بعد الثورة والتي لم يكتمل تسجيلها حتى الآن أعادت إنتاج نفس الأخطاء السياسية أي تحويل الأنصار إلى قطيع وراء الزعيم الفذ. لقد كانت أحزابا على نفس منوال حزب السلطة أو نسخا رديئة منه. والحزيبات التي لم تفلح في توليف قطيع انتهت تجتر خيباتها في المقاهي والأسواق. أما الزعامات السياسية المعارضة فلم تكن أكثر من نسخ رديئة من الزعيم الميت.
اذن فقد انكشفت الهالات المزيفة ..
ميزة الثورة أنها أزالت الكثير من الغشاوة وفضحت الأحزاب فهي ليست أفضل من حزب السلطة ولا السلطة الانقلابية التي تحكم بقزة السلاح الآن. لقد أفقدتها التعاطف القديم بصفتها كتلا من الفرسان الشجعان تقف في وجه السلطة الغاشمة (لقد كانت تلك صورة مزيفة بنتها لأحزاب حولها وسلمنا لها بها ربما تخففا من كلفة النضال). والذين تحرروا من الغشاوة ابتعدوا عن الأحزاب ولكنهم عجزوا عن تأليف كيانات أخرى وذلك أيضا راجع في تقديرنا للسمعة السيئة التي التصقت بالعمل الحزبي جراء ممارسات هؤلاء الذين لا يتطورون ولا يسمحون للساحة بأن تتطور. ومن دلائل الفشل الحزبي أن يحكم البلد الآن شخوص لم ينخرطوا في حزب ولا نقابة ولم يناضلوا نضالا كان يبدو من الخارج نبيلا ولكنه يحسن تمويه فساده باسم المعارضة الشجاعة. لقد استثمر المنقلب في رداءة المشهد الحزبي القديم الجديد وأفلح.
هذه الأحزاب عتيقها وحديثها لم تنجح حتى قيام الثورة في طرح برامج مقنعة تلامس احتياجات المواطنين، كما تعاني من عدم اتساق الهويات. وإن كانت الأحزاب القديمة المعروفة منذ الاستقلال وما بعده ترتكز إلى هذه اللحظة على شخصيات مؤسسيها الذين أورثتهم صنمية فريدة، فإنَّ الأحزاب حديثة التكوين لا تمتلك حتى هذه الصفة. وإذا كانت الأحزاب القديمة المعروفة تجتر مجموعة من البرامج لا هي قادرة على تنفيذها، ولا تجديدها في صيغة تتناسب واحتياجات المرحلة
وإننا نعاين مرة أخرى محاولة الأحزاب الاستيلاء على التيار المعارض للانقلاب وتجييره لمصالحها الحزبية دون سؤال أخلاقي عن مشروعية ذلك وهو السؤال الذي كان يقتضي سؤالا أول عن تقييم الأحزاب لأدوارها وممارساتها ومدى إسهامها في تخريب الساحة السياسية.
لقد تطلبت الساحة السياسية المفتوحة لتيار شبابي واسع وغير متحزب بعد الثورة قيادات سياسية جديدة وعملا حزبيا ديمقراطيا. لكن القيادات التاريخية التي استفادت من التقديس القديم ظلت متمسكة بالواجهة وبطرقها السابقة على الثورة واعتبرت كل نقد لها هو طعن في شرعيتها التاريخية. وصادرت بذلك كل أمل في تغيير النخب. وهذا سبب كبير في جنوح غير المتحزبين إلى رئيس بلا حزب فهو انتقام لهم من المتحزبين ومن القيادات الحزبية الواقفة حاجزا ضد التغيير.
هنا يحين أوان نزع الهالة التقديسية عن هذه القيادات الحزبية وتفكيك وهم قداستها. بل إننا نعاين سقوط هذه القداسة من النفوس قبل أن نكتب عن ضرورتها. لقد تجاوز الناس العاديون الأحزاب وخلصوا إلى أن اللا انتماء إليها أفضل من البقاء تحت سقف شيوخ السياسة الذين كلما حاورهم المرء في ضرورة الديمقراطية دمغوه بالشرعية التاريخية.
هل دافعنا عمن في السلطة الانقلابية الحاكمة الآن؟ لا لم نفعل لقد حررنا أنفسنا من تعاطف مرضي مع كل من يزعم المعارضة وهو أقل كفاءة ممن يحكم. لم نتحدث هنا عن أن كل من كان في( المعارضة الديكورية) وأتاحت له الثورة فرصة مشاركة في الحكم لم يفعل سوى أن أعاد إنتاج سياسات السلطة التي أسقطتها الثورة. ولهذا حديث آخر قريبا.
من بريد الهدوووء:-
نكسة أخرى .. تفاجأ أولياء أمور طلبة معهد النور لتعليم المكفوفين بأن وزارة التربية والتعليم قد سحبت الأربع عربات (ترحيل الطلاب) ونقل خدمتها للوزارة؛ تاركة الطلاب وأولياء أمورهم وإدارة المعهد تتخبط في إيجاد حلول لتكملة العام الدراسي.. فلجات الإدارة لإسكان كل الطلاب بما فيهم الطالبات في السكن الداخلي؛ وذلك بدون توفير مشرفين للسكن الداخلي (غير مشرف واحد وهو أستاذ كفيف)... مما اضطر بعض أولياء الأمور الإقامة بالداخلية مع أبنائهم وآخرين تكفلوا بأعباء نقلهم من وإلى المعهد في ظل هذه الظروف السيئة للبلد عموما.
الجدير بالذكر أن الأربع عربات ليست لوزارة التربية فيها ناقة ولا جمل؛ فهي اهداء من خيرين واحداها اهداء من السفير الياباني ..
السيد: محمود سر الختم الحوري
إن كنت تدري ذلك ولم تحرك ساكنا فهذه مصيبة؛ وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم
السادة الإعلاميين:
على عاتقكم تحمل هذه الأمانة؛ في إيصال صوت أولئك المستضعفين للجهات العليا.
خريجي معهد النور وأولياء أمور الطلاب بالمعهد وكل من مسته هذه القضية؛ ندعوا لتنظيم وقفة احتجاجية أمام وزارة التربية والتعليم وتسليم مذكرة للوزير.. والله المستعان.
د. رندا الكاروري
mido34067@gmail.com
////////////////////////

 

آراء