ليلة القبض على المرشد

 


 

سارة عيسى
20 August, 2013

 




تابعت خبر إلقاء القبض على مرشد الإخوان المسلمين في مصر الدكتور محمد بديع ، وآخر مرة شاهد الناس فيها  المرشد كان في ميدان العربية حيث كان  يتحدث للحشود وهو يتقمص شخصية العقيد  القذافي ، كان المشهد مهيباً وتاريخياً ، وقد كان ميدان رابعة العدوية مسرحاً جيداً رعته  قناة الجزيرة ، تحدث المرشد وقتها وهو واثقٌ من نفسه وقد تسلق حبل الأماني وهو يعد خصومه بالويل والثور ، خطت قناة الجزيرة على  شريطها الإخباري بالخط الأحمر : عاجل المرشد يلقي خطاباً هاماً ، فقد استخف المرشد  بقومه فـاطاعوه وأعتقد كذباً بأن  الملايين تأتمر بأمره  وسوف تخرج للشارع لتعيد مرسي رئيساً ، وفي ذلك الخطاب الحماسي تحدى المرشد السلطة الإنتقالية الجديدة ، فالرجل رفض المثول أمام  القضاء وتخفى عن أعين الشرطة ، ولكنه ظهر فجأة بصورة تشبه أفلام هوليوود وتحدث عن الشجاعة والنصر والشهادة ، كان الإخوان يراهنون على غضب الشارع ومقدرتهم في الحشد لمواجهة السلطة الجديدة حيث رسخوا شعار صدرونا العارية سوف تهزم الرصاص . لكن ما حدث خيب كل التوقعات ، الفريق السيسي لا يعبأ بالضغوط الخارجية طالما توفرت له جبهة داخلية قوية ، فالرجل ترك قراره للشعب المصري عندما قال أمنحوني تفويضاً لمواجهة الإرهاب .
بالأمس فاجأني خبر إعتقال المرشد ، الرجل الذي يخطب في الملايين بعد أن صورته قناة الجزيرة بأنه بطل للتحرر والإسلام يرقد في شقة مفروشة ، يرقد في مكان غير بعيد عن ميدان رابعة العدوية حيث طوت الدماء صفحة مؤلمة من حياته ، من عاش بالسيف قد يموت بالسيف ، ربما يكون المرشد بحاجة لهذا المثل بعد أن راي مشهد إبنه القتيل وهو لا يستطيع تقبل العزاء من المحبين الذين طالما أرشدهم ، فلا أعتقد بأن الإخوان كانوا يتوقعون بأن ينتهي إعتصام رابعة العدوية بهذا الشكل ، فهم كانوا يراهنون على ضغط المجتمع الدولي وأموال قطر لتغيير بوصلة السلطة الجديدة ، وقد شاهدوا بأم أعينهم كيف تتقاطر الوفود الغربية لزيارة مرسي في محل إعتقاله ، بل وصل الحال بالوفود الأجنبية زيارة بعض المحبوسين من الإخوان في السجن وذلك في سابقة لم تعرفها اي دولة في العالم ، حتى نيلسون مانديلا رمز التحرر في العالم لم يزره السفراء في وهو في السجن ، وربما يكون الجنرال السيسي قد أراد خديعة الإخوان وإعطائهم الشعور بالإطمئنان ثم يحدد ساعة صفر فض الإعتصام  .
كان البرادعي هو الحلقة الضعيفة داخل الحكومة الجديدة ، وكان الدكتور البرادعي وسيطاً مقبولاً للإخوان والمجتمع الدولي  بحكم الصلات القديمة ، وقد حصد النظام الجديد الكثير بإستقالة البرادعي ، فالحكومة اصبحت يدها مطلوقة وتحررت من المفاوضات والبيروقراطية التي حالت من دون فض هذه الإعتصامات من أول يوم نشأت فيه ، فقد كان الدكتور البرادعي مثل الإخوان ، فقد تصور أن تكلفة فض الإعتصامات سوف تكون باهظة ومكلفة ، وكان يسعى للخنوع للإخوان باي شكل ، وكان الإخوان سوف يتعنتون أكثر وهم يروون تهديد الرئيس أوباما للسلطة الجديدة ، بل كانوا سوف يطالبون بتقديم الفريق السيسي للمحاكمة قبل الجلوس للتفاوض  . لكن كما  قال سيدنا عمرو بن العاص بعد أن نجى من عملية إغتيال نفذها ضده  الخوارج : أرادوني فأراد الله عاتكة ، وعاتك هذا رجل قتله الخوارج بالخطأ ظناً منهم أنه عمرو بن العاص ،
نعود للمرشد محمد بديع ، فالرجل الذي رايته في حجر الإعتقال ليس بذلك الرجل القوي الذي رايناه يخطب بين الاشهاد في قناة الجزيرة ، بدأ كرجل عجوز منهك من كثرة التوتر وقرب الأخطار ، بدأ كرجل ضعيف ويائس وقد فقد كل شئ بين عشية وضحاها ، لم يكن محاطاً بالحشود والحراسات والسبب لأنها سوف تلفت الأنظار ، عملية إعتقال المرشد كانت سلسلة وخالية من التعقيدات العسكرية ، فالرجل الذي حث أنصاره على الموت والشهادة لم يكن يملك " طبنجة ) ساعة القبض عليه ، وزوار الفجر الذين أعتقلوه أكدوا أنه كان مهيئاً لذلك ، فقد سقط نجم المرشد عندما قامت أول جرافة للشرطة بدك حصنه في رابعة العدوية ، الأمر الذي يدخل البهجة في النفس أن الأفراد الذين أعتقلوه عاملوه بشكل لائق وإنساني ، وقد حرصوا على أن يظهر بثوب أبيض ، نظيف ، ومن هيئته  نلاحظ أنهم لم يواجهوه بالعنف ، وخاصةً و في  الظروف الحالية ومشاهد رجال الشرطة والجيش وهم يسقطون قتلى بسبب تحريض الإخوان ، فربما يكون العنف ضد الإخوان تحت هذا الظرف النفسي مبرراً ، لكن السلطات لم تقابل السيف بالسيف ، وتخيلوا لو أن هذا المرشد كان مطلوباً للجيش الأمريكي ؟؟ أنظروا ماذا فعلوا بصدام حسين عندما اعتقلوه  ، تركوه عدة شهور في السجن ومن دون نظافة شخصية لينبت شعره  ، ثم عرضوه أمام الفضائيات كأنه من أهل الكهف ، وامام الكاميرات قاموا بفحص إسنانه ثم سلطوا الاضواء على القمل والبراغيث التي عشعشت في جلبابه إمعاناً منهم في التشفي وإذلاله ، والمثال الثاني قتلهم لاسامة بن لادن ورمي جثته في البحر ، والمثال الأخير عدالة الناتو التي نفذها الإخوان في حق الزعيم معمر القذافي وقد صفق القطريون لقتله وسحله في الشارع .

sara issa [sara_issa_1@yahoo.com]

 

آراء