مأساة وطن في موازنة 2023: إنه الكساد وليس التضخم

 


 

 

(1)
أكثر المؤشرات تعبيرا عن الخلل السياسي و سوء التدبير ، أن البلاد حتي يومنا هذا دون موازنة! عام كامل مر ولم تتهيأ الوحدات بمقترحاتها ولم يتوفر للتكنوقراط من الوزراء والولاة والوكلاء وقت لإعداد مقترحات موازنة للعام 2023م أو يمكن القول أن الوطن يسير علي غير هدي أو خطة وإنما خبط عشواء ..
وما تم إجازته حتي الان من خلال القطاعات ومجلس الوزراء محبط ، لم تتغير المعادلة في الميزان التجاري وما زال العجز يتسع بين الصادرات والواردات..
آخر تقارير بنك السودان يشير إلي ان الواردات حتي سبتمبر 2022م بلغت 7 مليار و192 مليون دولار ، بينما الصادرات لم تتجاوز 3 مليار و 689 مليون دولار!!! لا يحتاج الأمر لعبقرية لإكتشاف الخلل..
ومع ذلك ، وبكل بساطة جاءت موازنة العام 2023م بعجز داخلي كبير ، حيث حددت حجم الإنفاق 8 تريليون و180 مليار جنيه والإيرادات بمبلغ 7 تريليون و 373 مليار جنيه بنسبة عجز 1.4% ومؤكد إن هذا مجرد تقدير لتخفيف الصدمة..
وندلل علي ذلك بإشارة بسيطة ، فقد زاد عرض النقود من شهر يونيو إلي سبتمبر 2022م من 4.086 مليار جنيه إلي 4.472 مليار جنيه بنسبة زيادة 9.5% ، وهذا مؤشر للإستدانة من الجهاز المصرفي وطباعة النقود ، لمقابلة الإحتياجات المتزايدة والإحتجاجات المطلبية وزيادة المرتبات لقطاعات كثيرة..

(2)
وغالب العجز هو إنعكاس للأداء الحكومي ، ونوضح ذلك بأرقام مبسطة ، أنخفض صادر البترول ومنتجاته من 474 مليون دولار عام 2018م إلي أقل من 30 مليون دولار العام 2022م وهو إمتداد لتراجع إنتاج البترول في البلاد من 130 الف برميل يوميا الي 74 الف برميل الي 47 ألف برميل الآن وهناك معاناة في تشغيل المصفاة بطاقاتها القصوي ، وتراجع إنتاج النفط لغياب الصيانة الدورية والتواصل مع الشركات المنتجة ، و لا يقتصر الأمر علي ذلك ، بل اضطرننا للاستيراد لمقابلة الإحتياجات بما يقارب 900 مليون دولار..
ومع ان اكثر الصادرات وأهمها من الزراعة والثروة الحيوانية ، فإن الاهتمام بها أقل من أي بند آخر ، وللعلم فإن صادر اللحوم والحيوانات بلغ 458 مليون دولار والسمسم 406 مليون دولار والقطن 350 مليون دولار والفول السوداني 341 مليون دولار والصمغ العربي 149 مليون دولار ، وهذا اكثر عائدا من الذهب (مليار و 614 مليون دولار) ، والزراعة ثروة نابضة وزيادة بينما المعادن متناقصة.. فأيهما يستحق الأولوية والاهتمام..

(3)
تقارير الجهاز المركزي للاحصاء تشير إلي تراجع نسبة التضخم من ثلاثة أرقام الي رقمين ، اي أقل من 100 ، وآخرها 89% ، ومع ذلك لم يشعر المواطن بتحسن وضعه المعيشي ، وزادت احتحاجات قطاعات واسعة ، من العاملين بالمالية الي الكهرباء واساتذة الجامعات والمعلمين والاطباء والكوادر الصحية وغيرهم.. والشكوي واحدة ، المرتبات لا تكفي سد الرمق ولا مقابلة صرف الترحيل من والي مكان العمل؟ فمن أين جاءت أرقام انخفاض التضخم..أنه الركود وتوقف كل شئ..
والحقيقة أن ما نعايشه أخطر ، فهو الكساد ، فقد توقفت المصانع تقريباً ، فلا أحد يشتري وكل الهم فيما يكفي الرمق! ..
كل التجار في شكوي ، والمزارعين هبطت أسعار منتجاتهم الموسمية ، من طماطم وبصل وخيار ونحوه ، وهذا خداع.. هل يمكن لمزارع حضر للموسم الزراعي وثابر وفلح وحصد ويكتشف أن سعر محصوله لا يكفي لمقابلة الحصاد.. !

(4)
هذا الواقع البائس هو نتاج سياسات قوي الحرية والتغيير المجلس المركزي حين هتفوا تشجيعا لإقتصاد حر ورفع الدعم عن السلع دون ضمانات ومع وعود واهية من مؤسسات دولية ، ومع ذلك فإن الراهن الاقتصادى لم يحظ بأي ورشة عمل أو تقييم أو بند في مناورات القوي السياسية ، والريف مهمش بكلياته في مخيلة ساسة الخرطوم ، قضاياه ، واهتماماته وتطلعاته ، مع انه مكمن الحلول وكنز الثروات..
الموازنة الجارية الآن ، والاتفاقات الممهورة بمسميات هلامية كلها يمكن إجمالها في (مأساة وطن)..
فهل ينهض اهل الريف والزراع والرعاة والمنتجين إلي المنابر والمنصات والفضاءات قبل فوات الآوان ؟..
هل قرأ خبراء الاقتصاد واساتذة الجامعات موازنة (إمتداد اعوام الرمادة)..
هذا أخطر مهددات الوطن والمواطن دون ان يتصدر المشهد..
د.ابراهيم الصديق علي

ibrahim.sidd.ali@gmail.com

 

آراء