قراءة أولية في دفاتر تعيين السفير الأمريكي بالخرطوم

 


 

 

تداولت وسائط الإعلام خبر تعيين الولايات المتحدة الأمريكية سفيراً لها بالخرطوم، وأعتقد إن هذه الخطوة التي أقدمت عليها “إدارة بايدن” في ظل الأوضاع المعقدة التي يمر بها السودان، وفي وجود سلطة إنقلابية منبوذة دولياً ومرفوضة شعبياً ، لا تخرج عن الصراع المحموم بين روسيا وأمريكا في إيجاد موطيء قدم في هذا البلد المهم “جيوسياسياً” .

تُفهم هذه الخطوة “المفاجئة” في سياق السعي الأمريكي الحثيث لإبعاد الشبح الروسي عن هذه المنطقة الإستراتيجية، وحتي تكون أمريكا قريبة من دائرة الأحداث بالسودان و”جواره” عبر تمثيل دبلوماسي عالي المستوي.
أعتقد إن التنافس الروسي الأمريكي على شرق إفريقيا والسودان تحديداً، ومحاولات كل منهما إيجاد موطئ قدم في ساحل البحر الأحمر، جعل أمريكا تُسرع في تعيّين سفيرها بالخرطوم بعد طول إنقطاع، لإبعاد النفوذ الروسي المتنامي على الساحل الشرقي والحدود الغربية للسودان مع تشاد وأفريقيا الوسطى.

بلا شك أن هذا الحدث سوف يلقي بظلال “ما” على الأحداث بالسودان خلال الأيام والشهور القادمة ، وستحاول أمريكا فرض رؤاها تجاه السودان ومحاولة هندسته بما يتماشى مع المصالح الأمريكية بالمنطقة ، وربما ضغطت “حكومة الإنقلاب ” لتشكيل حكومة “ذات نكهة ومزاج أمريكي” لحماية مصالحها بالسودان، ولكن هنالك ثمة سؤال، هل إذا إستطاعت أمريكا فرض رؤاها على الإنقلابيين وحلفائهم للتوصل إلى تسوية ما وتشكيل حكومة “سمك لبن تمر هندي” ، هل تستطيع فرض ذلك على الشعب السوداني والثوار ولاءاتهم الثلاث؟!

من جانب آخر ، أعتقد أن تعيين السفير الأمريكي في ظل الأوضاع الماثلة بالسودان ،سوف يشعل الصراع بين طرفي الإنقلاب “البرهان وحميدتي” لا سيما وأن الأخير قد قطع أشواطاً بعيدة في خلق علاقة إستراتيجية مع روسيا، مما أغضب أمريكا وجعلها تسرع في تعيين سفيرها قبل أن يصبح الوجود الروسي بالسودان واقعاً يصعب التعامل معه مستقبلاً، وربما إنتقلت المعركة الأمريكية الروسية في أوكرانيا إلى ساحة جديدة مسرحها السودان.

أعتقد أن روسيا لن تصمت على هذه الخطوة الأمريكية، وسوف تتحرك لمقاومتها بطريقة أو بأخري، مما يفاقم من الأوضاع السودانية المأزومة أصلاً، وقد ينتج عن ذلك مواجهة أمريكية روسية مفتوحة ولكن بأدوات سودانية.

ربما سارعت أمريكا إلى تقديم “جزرة” للإنقلابيين للإبتعاد عن الحلف الروسي والقبول بترتيب المشهد السوداني مع بعض الضمانات “الشخصية”، مقابل إعتراف أمريكا بحكمهم وغض الطرف عن جرائمهم، لا سيما وأن كل الإدارت الأمريكية لا تحفل كثيراً بشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأن معظم حلفائها في المنطقة من عتاة الدكتاتوريين، ولكنها لن تتواني في رفع “العصا” لكل من يخالف توجهاتها وإن استدعي الأمر تدخلاً عسكرياً رغم استحالة ذلك “نظرياً” ، بناءًا على تجارب تدخلاتها العسكرية الفاشلة في الصومال والعراق وأفغانستان وسوريا، مما أجبرها على سحب قواتها والخروج المُذل من تلك البلدان رغم تفوقها العسكري.

 

24 أغسطس 2022م

elnairson@gmail.com
/////////////////////////////

 

آراء