مؤسسات السلطة التنفيذية (الجيش والشرطة والخدمة المدنية) من شرعية العنف الي الشرعية الديمقراطية

 


 

 

الجذور التاريخية لضعف القيادة وفقر القيم في مؤسسات الدولة التنفيذية (الجيش والشرطة والخدمة المدنية)

بينما يقرظ البعض الموروث من قيم الموسسات والخدمة العامة التي تركها المستعمر وبينما يدعي عملاء الاستعمار مثل اللورد كرومر الحاكم الفعلي لمصر والسودان في الحقبة الاستعمارية ان هدفهم من انشاء تلك المؤسسات وضع السودان علي طريق التقدم والازدهار
فاننا نجد ان سمات وقيم مؤسسات الدولة التنفيذية في الحقبة الاستعمارية من ١٨٩٩ وحتي ١٩٥٥ قبيل الاستقلال كانت قاصرة علي القدر من القيم الذي يجعل هذه المؤسسات الحكومية ( قوة دفاع السودان والشرطة والادارة ) تعمل بكفاءة لخدمة المصالح الاستعمارية.

المستعمر الذي اعتمد علي شرعية العنف وابتدع مفهوم " حق الفتح" وانكر حق السودانيين في تقرير مصيرهم و تعمد اغفال ذكرهم وهم اصحاب المصلحة في دستور الحكم الثنائي قد استخدم تلك المؤسسات ايضا لتنفيذ سياسات تم تغييبها عن الشعب يقول ونجت رئيس الاستخبارات في السودان والحاكم العام ومهندس سياسات- فرق تسد- "حكمنا السودان بكثير من الخداع" في اشارة لكثير من السياسات التي رسمها الانجليز لدق اسافين للتفرقة بين القبائل والطوائف والكيانات واطراف الوطن. لقد كانت تجربة وحدة السودانيين في الثورة المهدية تؤرق خيال المستعمر. بل مازال كتاب المستعمر وسياسات ونجت في التفرقة بين القبائل والكيانات والطوائف حتي يومنا هذا مرجعا هاما لاجهزة الامن الوطنية والخارجية تستخدمه لضمان استمرارية شرعية العنف والحكم الاستبدادي حتي يسهل لها استغلال ثروات البلاد .

لقد تشربت المؤسسات كل سمات وقيم تلك الحقبة الطالح منها كما الصالح مثل عقيدة التفوق والاستعلاء ( الوصاية) وقبول شرعية العنف والولاء للرئيس القائد وبغض مبدأ " الشعب مصدر السلطات" واحتكار حق تحديد المصلحة العامة وانكار حقوق المواطنين واحتقارهم وممارسة الخداع لضمان الولاء للرئيس القائد.

لم يكن للمستعمر اي خطة لادارة الانتقال وتعليم الشعب فنون وعلوم القيادة وادارة مؤسسات السلطة التنفيذية في ظل شرعية ديمقراطية.

التغييرات التي احدثتها الحرب العالمية الثانية وما ترتب عنها من موجة تحرر واستقلال فاجأ عملاء الاستعمار في السودان كما اتضح من اعترافات قادة عملية السودنة التي كشفت كما سنستعرض لاحقا عن خلو المستعمر من اي خطة لادارة الانتقال ولتعليم وتدريب السودانيين فنون وعلوم القيادة وادارة مؤسسات الدولة التنفيذية في ظل حكم ديمقراطي.

ترتب علي ذلك أن تلك المؤسسات في ظل الدولة الوطنية التي اعقبت الحقبة الاستعمارية فشلت في التأقلم مع بيئة مختلفة لم تعتادها وقيم ديمقراطية لم تتمرن عليها ولم يمارسها قادتها الاوائل الانجليز وسرعان ما بدأت في التدهور والتآكل حتي صارت مسخا مشوها بعضها يقتل شعبه اواخر عهد الانقاذ وما تلاها من حكم عسكري.

لقد كان قادة تلك المؤسسات من عملاء الاستعمار من الانجليز يعملون موظفين تحت امرة وزرائهم في بريطانيا الذين يعملون بدورهم تحت امرة ومحاسبة البرلمان الانجليزي الذي يمثل سلطة الشعب.

هذا الجانب من المحاسبية السياسية للشعب وتقدير واحترام المواطن والشفافية والمشاركة والمصداقية غاب عن تلك المؤسسات التي اسسها المستعمر فضلا عن ارث مقدر من ثقافة الاستعلاء والتفوق وانكار
حقوق الشعب .هذه الثقافة والقيم اثرت علي اداء هذه المؤسسات في ظل الدولة الوطنية التي اعقبت الحقبة الاستعمارية وكانت سببا وعاملا حاسما في استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي مابين انقلاب علي الشرعية الديمقراطية والعودة اليها ذلك ان هذه المؤسسات التنفيذية يقع عليها العبء الاكبر في ادارة الدساتير في اي دولة . فاذا صلحت صلحت الادارة الديمقراطية . ان حالة عدم الاستقرار السياسي علي مدي اكثر من نصف قرن انعكست سلبا وترديا علي اوجه الحياة المختلفة في المؤسسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وصارت الدولة السودانية منهارة.

شريف محمد شريف علي

سلسلة مقالات تتناول
مؤسسات السلطة التنفيذية ( الجيش والشرطة والخدمة المدنية) من شرعية العنف الي الشرعية الديمقراطية

١/٨/٢٠٢٢

sshereef2014@gmail.com

 

آراء