مات، أو لم يمت حميدتي !!

 


 

 

مات حميدتي ، أو مات البرهان، أو مات كلاهما في حربهما العبثية هذي، فإن هذا لم يعد يهم بأية حال من الأحوال. فقد فتحا باباً للريح لن يستطيعا إغلاقه، وأشعلا حريقاً لن يمكنهما السيطرة عليه أو إطفاءه.
ولم يعد أمام الشعب السوداني سوى الأخذ بزمام الأمر بيده، والمضي قدماً بقطار ثورته إلى محطته الأخيرة، حيين سواء كانا، – حميدتي والبرهان – أو ميتان !.
فمصير السودان، وشعوبه التي تضرب بجذورها في عمق التاريخ لآلاف العصور أكبر من رجلين، مهما بلغت قوتهما وحجم جيوشهما. فكثيرون مثلهم، أشد منهم بأساً وأعز نفرا، عبروا بهذه الأرض ودفنوا تحت ثراها ودرست آثارهم. وبقيت البلاد وأهلها.

2
ومِن جهلٍ لا تدري، أو من غفلة أو لامبالاة، كأننا نشاهد شريطاً من أفلام الويسترن ترانا نتساءل: هل مات "بطل الفيلم" أم لم يمت؟!. يغرق بعدها الفريقان في ضجة الجدال و"الغلاط" حول مَن مِن الرجلين البطل، ومن منهما الخائن؟. ويتبارز الفريقان بتفسير الحيثيات وتأويل الوقائع ويقتتلان.
يقول أحد المغالطين للآخر: البرهان عميل يأتمر بأمر مصر السيسي التي تدعمه سياسياً ولوجستياً لتواصل نهب موارد وثروات السودان.
فيرد الآخر: بل حميدتي هو العميل لصالح دولتي روسيا والامارات، اللتان تدعمانه لتضمنا تدفق الذهب الذي يضخه في شرايين اقتصادهما.

3
صاحب البرهان يتهم حميدتي بأنه يستعين بالأجانب من غرب أفريقيا في حربه ضد السودان وبمرتزقة فاجنر !.
فيرد عليه صاحب حميدتي بأن البرهان يستعين بالطيران المصري لقتل المدنيين في منازلهم وهدم البنية التحية للعاصمة، وهي دولة احتلال!!.
يتهم صاحب البرهان حميدتي بأنه يسعى بتحالفه مع قحط للسيطرة على السلطة وإقصاء ما عدهما من القوى الوطنية !.
فيرد صحب حميدتي بأن البرهان بتحالفه مع الفلول يسعي لإعادة عقارب الساعة لما قبل الثورة ليضيع دم الشهداء هدراً.
وكما ترى :البرهان يتغطي بالتوافق الوطني، وحميدتي يتدثر بالديقراطية!.

4
يدور هذا اللغط ويحتدم الجدال، دون أن يستمع أي منهما للآخر، أو يعير أي منهما انتباها لرؤية الآخر. ولو أصغيا لبعضهما لثانية، لتبين لهما بأن المتقاتلان – حيَّان سواء كانا أو ميتان – إنما هما، وشركائهما حليفان في الحرب على السودان: أرضاً وشعباً، وسماءً، وتاريخاً (حاضراً ومستقبلاً).
إنهما شريكان في جريمتي بيع السودان وسيادته وإهدار دم شعبه.
وأن دواعهما لارتكاب تلك الجرائم متطابقة: الخوف والطمع.
- الخوف من الحساب على ما ارتكبا من جرائم لا تحصى في حق الوطن ومواطنية في حال آلت السلطة للمدنيين (أصحاب المصلحة وأولياء الدم).
- والطمع في نهب المزيد من موارد وثروات الدولة بالبقاء في السلطة.

5
وبالتالي، فإن هدفهما المشترك يتلخص في اجهاض الثورة، ومشروع بناء الدولة الحديثة البديلة، الدولة المدنية التي تحقق الحرية والسلام والعدالة.
وبداهة هما لا يعلنان أهدافهما بمثل هذا الوضوح، وإنما ذراً للرماد في وعي الشعب يستتران خلف شعارات الثورة:
- البرهان يتخفى تحت ستار "التوافق" الوطني الشامل ليدس لغم الفلول !.
و حميدتي يتغطى بـ "الإطاري" ليقصي حليفه البرهان ويبسط سيطرته !.
ترى، هل فهم هذا يحتاج إلى ذكاء استثنائي أو "درس عصر" ؟!.
المسألة بهذه البساطة: كلاهما وجهان لعملة واحدة (طرة وكتابة).
وهذا كل شيء.
6
والآن، سواء مات حميدتي كما يروِّج البرهان والفلول وينفي حميدتي . أو سواء ماتا، الاثنان، أو لم يموتا، فإن هذا لا يغير في الأمر شيئاً. فقد "حدث ما حدث" (على راي الكباشي). وأشعلاها – الفتنة – ناراً تقضي على كل شيء وحي، لا تُبقي ولا تذر.
لقد أخذ سكان العاصمة المستباحة يخلون مساكنهم هرباً بجلودهم لتنهبها عصابات اللصوص، ويتخذها مقاتلو الدعم السريع سواتر وخنادق لحرب الشوارع القادمة، ويدكها الطيران من أعلى.
إخلاء العاصمة من سكانها سيكون الخطأ الاستراتيجي الذي تقع فيه لجان الأحياء، وقوى الثورة الحيّة، والباردة/ الصامتة معاً. لأنه يحقق أول هدف لقوى ممانعة التغيير (العسكرية وغير العسكرية)، وهو صبّ الماء البارد على نار الحراك الثوري السلمي، بإخلاء مسرحه/ الشارع منهم. وهذه معضلة، وعقبة كانت تواجه المتقاتلين، تحطمت مؤامراتهما تحتها عندما كانا في قمة توافقهما وتوحدهما.

7
هل تدعو لأن يواصل الشباب وقوى الثورة مسيرات احتجاجاتهم السلمية وسط معارك هؤلاء الوحوش وأزيز رصاصهم المتطاير ودوي قنابلهم العشوائية وقصف طيرانهم الأعمى؟؟!!.
بالطبع لا.
ولا يمكن لعاقل يتمتع بالحد الأدنى من الأخلاق والمسؤولية أن يرى بأن النصر وتحقيق أهداف الثورة وبناء الدولة/ الحلم يتم بالانتحار الجماعي للشعوب.
إذن ما المطلوب لتحقيق هذه الأهداف؟.
المطلوب بكلمة واحدة يتلخص في:
- التفكير خارج الصندوق، بمعنى أن ننسى كل ما قرأناه واستقر في وعينا مما عرفناه من تجارب الشعوب الأخرى.
- أن ننطلق من قراءة تجربتنا ومساراتها وتعرجات مسالكها، ونستخلص منها خارطة طريق ننطلق منها لإكمال مشروعنا الوطني. وتكون خارطة الطريق هذه هي مرجعيتنا، وليس أي خارطة طريق سابقة مستخلصة من تجربة شعب آخر.
فالثورة هي فن إبداع الحياة على نمط خاص برؤية/ حلم الشعب لنفسه، وبنفسه.
وسنرى لاحقاً أبرز نقاط خارطة الطريق العملية لمسار ثورتنا بإذن الله.

izzeddin9@gmail.com
///////////////////////

 

آراء