ماذا تبقى للعسكر من خيارات؟

 


 

 

قام قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، في 25 أكتوبر الماضي، بانقلاب عسكري فتح الطريق أمام عودة فلول نظام الطاغية المخلوع، عمر البشير، للسلطة مرة أخرى بعد أن أطاحت بهم الثورة الشعبية التي اندلعت في ديسمبر 2018.

بدأت أولى خطوات رجوع فلول نظام البشير من الإسلامويين وحلفائهم بالقرار الذي أصدره قائد الجيش بتجميد نشاط لجنة إزالة التمكين المسؤولة عن استرداد الأموال العامة المنهوبة بواسطة منسوبي جماعة الإخوان وكذلك استعادة قومية وحيادية الجهاز البيروقراطي للدولة الذي تم احتلاله من قبل كوادر التنظيم.

تبع ذلك الإجراء صدور قرارات بإرجاع مئات العاملين الذين طالتهم قرارات اللجنة للخدمة فضلا عن إلغاء قراراتها الخاصة باسترداد عشرات الشركات والمؤسسات المالية والاقتصادية من كوادر التنظيم لصالح حكومة السودان.

واستمر التعاون بين العسكر والتنظيم الإخواني بصدور قرارات بالإفراج عن عدد كبير من قيادات التنظيم من السجون، بالإضافة إلى غض السلطات الانقلابية الطرف عن اعتقال عدد كبير من المطلوبين والسماح لبعضهم بالهروب خارج البلاد.

كانت نتيجة التنسيق والعمل المشترك بين العسكر والإسلامويين هو عودة كوادر النظام البائد إلى ممارسة نشاطهم السياسي بصورة علنية وتحت حماية العسكر على الرغم من أن حزبهم قد تم حله في أعقاب الثورة.

وفي الوقت الذي يواجه فيه العسكر المواكب السلمية بالرصاص الحي والعنف المفرط، فقد تم السماح لفلول النظام البائد بإقامة مؤتمراتهم في الهواء الطلق، بل وأكثر من ذلك أعطتهم سلطات الانقلاب الضوء الأخضر لممارسة العنف من جديد، ومثال ذلك مهاجمتهم بالعصي والحجارة مبنى نقابة المحامين أثناء انعقاد الورشة الخاصة بالإعلان الدستوري.

وجاء تتويج التعاون والتنسيق بين العسكر والنظام البائد بالمبادرة التي أطلقها أحد شيوخ التصوف المعروف بولائه للإخوان بتوجيه من التنظيم "الحركة الإسلامية", وقد تمت مباركتها من قبل قائد الجيش ولم تشارك فيها أي قوى سياسية سوى فلول النظام البائد، وكانت نتيجتها الحتمية هي الفشل الذريع.

لا شك أن العلاقة بين قادة الجيش والإخوان محكومة بمدى خدمة كل طرف لمصالح الآخر، فالعسكر يسعون للإمساك الكامل بزمام السلطة وإجهاض عملية التحول المدني الديمقراطي، ولكنهم يفتقدون للظهير السياسي الذي يستطيعون العبور من خلاله لتحقيق مسعاهم، والإخوان يحلمون بالعودة للمشهد من خلال تحالف مرحلي مع العسكر ريثما يلتقطون أنفاسهم ليستعيدوا السيطرة على السلطة.

وقد حاول العسكر طوال الفترة الانتقالية خلق نصير سياسي من خلال التحالف مع بعض الكيانات القبلية (الإدارات الأهلية) وبعض الطرق الصوفية ولكنهم فشلوا في ذلك للعديد من الأسباب المرتبطة بطبيعة تلك الكيانات ومن بينها قابليتها للانقسام المتولد عن أصل التحالف القائم على استخدام المال السياسي، وخير دليل على ذلك الخلافات التي دبت في الكيان الذي يقوده أحد النظار الذين دعموا الانقلاب في شرق السودان.

وكذلك عمل العسكر وما زالوا يعملون على استخدام بعض الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا، التي أيدت الانقلاب عبر الإغراء بالمناصب والامتيازات، ومثلما أوعزوا لفلول النظام البائد بصناعة إعلان دستوري عبر مبادرتهم التي أشرنا إليها أعلاه، فقد وجهوا الأخيرين بعمل ذات الشيء حتى يقطعوا الطريق أمام الإعلان الدستوري الذي طورته قوى الثورة.

إذا، العسكر يوظفون كل إمكانيات الدولة لرعاية مسعاهم في السيطرة على الحكم وذلك عبر الكروت الثلاثة : الإخوان وفلول النظام البائد والإدارات الأهلية وبعض الحركات المسلحة، وقد شارفت هذه اللعبة على نهايتها، حيث تم تجريبهم جميعا ولم يفلحوا في رفع الضغط الشعبي والدولي عن كاهل الانقلاب.

وغنيٌ عن القول إن العلاقة بين العسكر وبعض هذه الأطراف هي علاقة ذات طبيعة مؤقتة هدفها المشترك هو ضرب قوى الثورة وإجهاض عملية التحول المدني الديمقراطي، إذ يوجد بينها من التناقضات ما هو كفيل بأن يسعى كل طرف منها للتخلص من الآخر في أية مرحلة قريبة قادمة.

والحال هكذا، وبعد فشل كروت الضغط التي بحوزتهم، فقد يقوم العسكر بخطوة أحادية مثل خطوة الانقلاب، يتم بموجبها المضي مع حلفائهم في الأطراف الثلاثة بتعيين رئيس وزراء وتشكيل حكومة بغرض فرض الأمر الواقع، وهو خيار سيفاقم الأزمة بصورة أكبر.

ولا شك أن خطوة كهذه ستعقبها إجراءات قمع واسعة لمواجهة الرفض الشعبي المتوقع، وسيعمل العسكر والحكومة الصورية التي سيتم تشكيلها على شن حملة إعتقالات كبيرة ربما تطال الآلاف من الثوار وقادة العمل السياسي، وهو ما يعني عودة البلاد لمربع الشمولية والحكم الدكتاتوري مرة أخرى.

ومن الجلي أن الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في البلاد قد باتت في غاية الخطورة وهي مفتوحة على احتمالات الانزلاق للفوضى الشاملة وهو الأمر الذي لا يحتمل اتخاذ المزيد من الخطوات اليائسة من قبل العسكر كما أنه يتطلب ضرورة ممارسة المزيد من الضغوط عليهم من أجل إنهاء الانقلاب.

ولا يمكن وقوع ذلك الضغط المطلوب إلا بالعمل الجاد والسريع على توحيد صفوف قوى الثورة وضرورة تقديم جميع التنازلات المطلوبة من قبل هذه القوى حتى يتحقق إجماع شبيه بذلك الذي تم قبل سقوط نظام الجنرال المخلوع، عمر البشير، وهو الإجماع الذي أدى لنجاح الثورة وزوال الديكتاتورية التي راهن كثير من الناس على أنها لن تزول.

 

آراء