ما بعد الضيق إلا الفرج

 


 

فيصل بسمة
25 May, 2023

 

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

{ ذَ ٰ⁠لِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ یَكُ مُغَیِّرࣰا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمࣱ }
[سُورَةُ الأَنفَالِ: ٥٣]

إنهارت الدولة السودانية و الأخلاق و القيم و عمت الفوضى و العبث و اللامعقول بسبب سياسات و مشاريع جماعة الإخوان المسلمين (الكيزان) الفاشلة التي ألغت مفاهيم الدين و الوطن و أبدلتهما بمناهج فاسدة و سلوك غير سوي و وسآئل خآطئة خلطت فيها عن قصدٍ و عمدٍ بين مفاهيم: العقيدة الدينية و عبادة الأشخاص و سيطرة الدولة و بطش/عنف السلطة و فساد الحزب و عنصرية القبلية و تعصب الجهوية و أطماع المنفعة الشخصية فكان النتاج مسخاً إسمه ثورة/إنقلاب/نظام (الإنقاذ)...
و من أجل إطالة أمد بقآءها على سدة الحكم عمدت الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) إلى الأخذ بالخوف و الرعب و الإرهاب و وسآئل أخرى و أليات بطش عديدة و متنوعة تقهر و تخضع بها المواطنين العاديين و جميع الخصوم و المعارضين السياسيين ، و من أجل تثبيت تلك المباديء حاولت الجماعة العبث بالقوات النظامية و تخريب بنياتها و إفساد عقيدتها ، و لذات الغرض أنشأت الجماعة المليشيات المسلحة ذات المسميات المتعددة: جهاز الأمن/جهاز العمليات/الإحتياطي المركزي/الدفاع الشعبي/كتآئب الظل/مجالس الصحوة/حرس الحدود/مليشيات الجنجويد (الدعم السريع) ، و أسرفت في الصرف عليها و على بقية القوات النظامية حتى أصبحت جميعها سرطاناً يمتص أغلب/كل إمكانيات الدولة السودانية و شيطاناً/بعبعاً/غولاً مدججاً بالإسلحة يهدد كيان/بقآء الدولة و يزعزع حياة جميع المجتمعات/الشعوب السودانية...
خلال فترة حكم الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) و من خلال وسآئل القهر و البطش/العنف و الكبت و الحروب و بقية الممارسات الفاسدة مثل: المحسوبية و الرشا و الغلول و سياسات: التمكين/الإقصآء/الفصل للصالح العام/الولآء قبل الكفآءة و سلسلة المشاريع و الدعاوى الباطلة مثل: الأمن القومي و بسط الأمن و رتق النسيج الإجتماعي و الجهاد و الدفاع عن سلامة العقيدة و حماية بيضة الدين و التأصيل و الأسلمة و ديوان الزكاة و ”نأكل مما نزرع و نلبس مما نصنع“ و التعريب و ”ثورة التعليم“ و توطين العلاج بالداخل و غيرها من المشاريع الفاشلة أصبحت جميع مؤسسات الدولة و السلطة و جميع موارد البلاد ملكاً لمنسوبي الجماعة أو حقاً مستباحاً لها و لأذنابها من جماعات: المتأسلمين و الإنتهازية و الطفيلية السياسية/الإقتصادية و السواقط الحزبية و الفواقد التربوية و المجتمعية ، و كانت النتيجة الحتمية لتلك السياسات و الممارسات إنتشار الفساد و الفوضى بصورة غير مسبوقة مما أدى إلى إنهيار جميع مرافق الدولة دون إستثنآء...
و كان أثر الدمار/الخراب/الفوضى/الفساد/العبث/اللامعقول الكيزاني جلياً في جميع مناحي الحياة في بلاد السودان و في كل مؤسسات الدولة السودانية ، لكنه كان أبلغ ما يكون في قطاعات: التربية و التعليم و الصحة و الأخلاق و القيم...
ثم جآءت ثورة ديسمبر ٢٠١٨ ميلادية و تم خلع الطاغية عمر حسن البشير و بعض من المتنفذين و حبسهم ، و فر من فر من قيادات الجماعة إلى خارج السودان بالجمال و ما حملت ، و نشأ إثر ذلك فراغ سياسي كبير و غياب تآم للسلطة أدى إلى تدافع عظيم و سباق محموم على كراسي السلطة و مفاصل الدولة و الثروات و موارد البلاد من قبل فئات (غير القادرين) من: قيادات الصف الثاني للجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) العسكرية و المدنية و جماعات الإنتهازية الثورية و السواقط الحزبية و أمرآء حروب المليشيات و الحركات المتمردة المسلحة و الأرزقية و الطفيلية السياسية/الإقتصادية و الفواقد التربوية و المجتمعية ، و تفاقم أمر الصراع على السلطة و نهب الثروات و الموارد بصورة عظيمة حتى بلغ مرحلة الإقتتال الذي طال شوارع و أسواق و أحيآء العاصمة السودانية بمدنها الثلاث و ضواحيها و أحل فيها الدمار و الخراب ، و غاب الأمن و عمت الفوضى و نزحت/هاجرت جموع المواطنين إلى الأقاليم و الأرياف و الدول المجاورة...
و قد أبانت الأحداث الأخيرة و النزوح و التعديات المؤسفة على المنشآءات العامة و أنفس المواطنين و الممتلكات الخآصة بواسطة مليشيات الجنجويد (الدعم السريع) و عصابات النهب عدة أمور:
١- إن إسناد الأمور لغير أهلها يورث الكوارث و المصآئب
٢- إن العبث بمؤسسات الدولة يفضي إلى الخراب و الفوضى
٣- أهمية تواجد القوات النظامية على الأرض و دورها الحيوي في حفظ الأمن و النظام و تحقيق الإستقرار
٤- صدق إلتفاف جماهير الشعوب السودانية خلف القوات المسلحة السودانية رغم المآخذ الكثيرة على القيادات الفاسدة من أعضآء اللجنة الأمنية العليا لنظام الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان)
٥- ثقة الكثير من السودانيين في الكفآءات القتالية للقوات المسلحة و مقدراتها و قدرتها على تحقيق النصر
٦- إن نتيجة القتال الدآئر الآن كانت سوف تكون مغايرة تماماً في غياب القيادات الحالية الفاسدة
٧- أن تغييرات كثيرة قد طرأت على الشخصية السودانية ، و أنها ليست كما تلك الموصوفة في الأدب و التراث أو تلك المرسومة في الأذهان
و على الرغم من قتامة الوضع الراهن و البؤس الشديد إلا أنه ليس بدٌ من التفآؤل و أن ليس من بعد الضيق إلا الفرج ، و سوف تنتصر القوات المسلحة السودانية و سوف يتوقف القتال و سوف يأتي السلام ، و سوف تتجاوز بلاد السودان المحنة و كوابيس المليشيات و أمرآء الحروب و جماعات الإنتهازية و الطفيلية السياسية/الإقتصادية و السواقط الحزبية...
و عقب توقف القتال فسوف تكون هنالك حوجة مآسة و فورية إلى قيادات وطنية واعية تقود المرحلة المقبلة ، و لا بد من التنويه هنا على أنه يجب الإشتراط/الإصرار على إبعاد كل اللاعبين/العابثين الذين كانوا فاعلين في فترة ما بعد سقوط الطاغية عمر البشير و الذين تسببوا في فشل الفترة الإنتقالية و الخراب و مأساة الوضع الراهن و التأكيد على عدم توليهم الأمر العام خلال المرحلة المقبلة خصوصاً أصحاب الجنسيات المزدوجة...
و يجب أن لا يكون هنالك خلاف على أن تكون القيادات الوطنية القادمة من الشخصيات المشهود لها بالرشد و النزاهة و الإهتمام/الإنشغال بالوطن و الأمر العام دون تحيز أو تمييز ، و لا شك أن منابر و منتديات أهل السودان السياسية/الإجتماعية الجآدة تذخر بالعديد من الأسمآء و المرشحين المتفق عليهم من الذين يحظون بالكثير من الإحترام و التقدير و الثقة...
و يعتقد كثيرون من أن لا جدوى في إضاعة الوقت في المشاورات و المحاصصات ، و أنه يجب الشروع الفوري في تشكيل أركان السلطة الوطنية التي تتولى أمر بنآء/إعادة بنآء الدولة السودانية و مرافقها و عمليات تنمية بلاد السودان...
و يعتقد كثيرون أن أول خطوات البنآء تكون في إنفاذ:
١- العدالة و إيقاع العقاب على المجرمين و الفاسدين
٢- إتفاق سلام حقيقي يحقق العدل و يثبت الحقوق و يخلق الأمن و يضمن الإستقرار
و يعتقد كثيرون أن عمليات البنآء و إعادة البنآء سوف تكون شآقة و معقدة بقدر عظم فساد/فشل فترة حكم الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) و بقدر تعقد تركيبة الشعوب السودانية...
و هنالك إتفاق على أن تثبيت أركان دولة العدالة و القانون و المؤسسات تكون بدايته في الإسراع بعمليات إصلاح/إعادة هيكلة مؤسسات/مرافق الدولة السودانية ، و ذلك في تزامن مع برامج (فَرمَتَة الإنسان السوداني) و إعادة ضبطه على مناهج و أسس و مباديء: الحرية و العدالة و سيادة القانون و المسئولية المجتمعية/الوطنية المرتكزات على مرجعيات كريم المعتقدات و العرف ، و في ذات الوقت لا بد من تفعيل عمليات/برامج بنآء الإنسان السوداني الحقيقية التي تكمن في تطبيق مناهج تربية و تعليم متفق عليها تركز على تنشئة الأطفال و الصبية و الأجيال القادمة على مكارم الأخلاق و حب الوطن و نبذ العنصرية و الجهوية...
و ختاماً:
{ لَا یُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَیۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَاۤ إِن نَّسِینَاۤ أَوۡ أَخۡطَأۡنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَیۡنَاۤ إِصۡرࣰا كَمَا حَمَلۡتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَاۤۚ أَنتَ مَوۡلَىٰنَا فَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ }
[سُورَةُ البَقَرَةِ: ٢٨٦]
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

فيصل بسمة

fbasama@gmail.com

 

آراء