ما حضرت معانا العيد يا محجوب

 


 

 

melmekki@aol.com



قال لي الياس  فتح الرحمن ان محجوب شريف سمع انك بالبلد ويريد  ان يراك.
- وانا ايضا اريد ان اراه
وكان معنا صديقنا المهندس عمر ياجي فأخذنا في سيارته رباعية الدفع وانطلق في طريق هو في مبلغ علمي يؤدي الى ناحية الحاج يوسف ولكنهم قالوا انه سيؤدي بنا الى مدينة الثورة ولم يفارقني الاحساس بأننا على الطريق الخطأ الا عندما  انعطفنا جهة الشمال فاطلت الحلفايا ثم جسرها الجديد ووجدنا انفسنا  في مدينة الثورة.وبعد سؤال او سؤالين اهتدينا الى منزل الشاعر

كان سرير مرضه منصوبا له في نهاية صالونه الواسع لكنه لا يكاد يستقر فيه فهو في حركة دائبة وفرفشة لا تنتهي ومطايبة لزواره كأنهم هم المرضى ومحور الاهتمام.والواقع انه لم يكن عليه من دلائل المرض سوى الشيب والنحافة الشديدة وانبوب الاوكسجين الملتصق بأنفه طيلة الوقت.
كان معه حسن الجزولي والفنان وردي الصغير والمهندس عثمان الخير بالاضافة الى سيدات الدار.
يسألني:
-كيف احوالك..كيف صحتك
وبعد قليل
- تعال نأخذ صورة مع بعض
و بعد قليل
- غنينا يا عبد اللطيف(الاسم الحقيقي لوردي الصغير)
ويتغني عبد اللطيف بأغنية عذبة كتب كلماتها الشاعر المريض ثم ينطلق اثرها بنشيد اكتوبري مما كتبت في ايام السعادة الذاهبة ولا يخفى على ان ذلك بايعاز من محجوب على سبيل الترحيب بزيارتي الاولى لداره  .
ا قول في نفسي:لمحجوب صفات تليق بالقديسين ..جئنا نعوده ونطمئن عليه فاذا هو الذي يعودنا ويطمئن علينا., جئنا نعرب له عن المحبة فأعرب لنا عن محبة اكبر وأوسع مدى.وأقول في نفسي بمثل هذه السعادة وهؤلاء الاصدقاء سيعيش الى الابد
ثم جاء الطعام بسيطا وشهيا ومشفوعا بأسمى آداب المؤاكلة السودانية..خذ من هذا..جرب هذا..اميرة   تزعل اذا لم تأكل من هذا.
لطف وذوق وايثارواهتمام بالآخراكثر بالف الف مرة من الاهتمام بالنفس.وفي معارفي المتواضعة ان الرجل يتحول الى الانانية وتقديم الذات في حالتين:حال التقدم في العمر وحال المرض.الا صديقنا الشاعر فقد جعل المرض وراء ظهره وراح يحتفي بالاخرين
في لحظات الوداع سار معنا حتى الشارع واطلعنا على ناحية مسورة اصطفت عليها مئات من أصايص النبات من ظليات وعصاريات قال انهم سيشاركون بها في معرض الزهور القادم وسيوزعونها بالمجان او على حد قوله الضاحك
-         ما كمان الغبش  ديل لازم يستمتعوا مع الناس بالزهور والحاجات ال كده.
كان ذلك جزءا من مشروعه الكبير لرد الجميل للشعب الذي احبه والذي اطلق لسانه باجمل الاشعار.
والآن لا استطيع ان اتذكر محجوبا  دون ان اذكر ما دار في تلك الليلة في داره والافكار الكثيرة التي ادخلها في جناني ذلك اللقاء الاخير.


انا والراحل العزيز ابناء جيل واحد(اذا تسامحنا قليلا في تعريف الجيل)
عشنا نفس العهود وخضعنا لنفس المؤثرات وقاسينا  من سيطرة الدكتاتوريات على مصائرنا واقدارنا وبالتالي على انتاجنا الابداعي كما وكيفا.واذا خصمنا من ذلك العمر سبعة واربعين عاما (6+16+25) من انعدام الحرية فان ما يتبقى جد قليل وغير كاف لاحداث النضوج الفكري والفني المطلوب لمن يريد ان يرتقي الى مصاف الشعراء والكتاب العظام.
حياة  من البؤس  صمد لها الراحل العزيز صمود الابطال الاسطوريين وأزهر شعره الرائع في زنازينهم كما قال في احدى روائعه ولكنه سدد فاتورة تمرده من صحته الشخصية ومن رفاهية عائلته ولولا بذرة العبقرية التي حباه بها الله لما كتب  ولا عشر معشار ما كتب  من الشعر

الخالد الصالح لمقارعة الدكتاتورية في كل مكان وزمان .
لكم تمنيت لمحجوب ان يفرح الفرحة الكبرى صبيحة انتصار شعبه ولكن ارا دة الله الغلابة شاءت ان لايتم ذلك وان لايحضرمعنا عيد الديموقراطية القادم وان لانستمتع معه برائعة اخرى من طراز
(بلا وانجلى)
والله نسأل ان يعوضه عن عذابات  عمره بصحبة الاكرمين المقبولين عنده تعالى وا ن ينزل السكينة على عائلته المكلومة وكافة محبيه ومعجبيه ومتذوقي شعره النبيل.

melmekki@aol.com
/////////

 

آراء