ما هو ذلك الضعف الذي يجعل الشخص غير مؤهل لتولي السلطة؟

 


 

 

هل تُصدقون أن هناك أشخاصاً لا حصر لهم بيننا يعتقدون أنهم أقوى من سيدنا أبي ذرٍ الغفاري؟
من أهم الصفات في شخصية الصحابي الجليل، الاستثنائي، أبي ذرٍ الغفاري، أنه كان قوياً جداً بكل معاني القوة التي نفهمها: فقد كان، رضي الله عنه، قوياً في جسمه، قوياً بشجاعته، وقوياً بقبيلته. ولما أسلم أصبح قوياً أيضاً بإيمانه. وعُرف أبو ذر بأنه لا يخشى في قول الحق لومة لائم، حتى قال عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم الحديث المشهور: "ما أقلّت الغبراء ولا أظلت الخضراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر."
ويذكر أن أبا ذر حين أسلم فعل مثل ما فعل عمر بن الخطاب من إعلان إسلامه على الملأ. ولما هجم عليه المشركون يريدون قتله حذّرهم بعضهم قائلين: ألا تعرفون أنه من قبيلة غفار؟ ومن دلائل قوته وشجاعته أن مهنته التي كان يعيش منها في الجاهلية كانت السلب والنهب. وكان يُغير في وضح النهار على فرسه شاهراً سيفه.

إذن فإن أبا ذر كان قويا بكل معاني القوة التي نفهمها.

لماذا نذكر كل ذلك؟ لأن هذا الرجل القوي، بكل معاني القوة التي نعرفها، وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بالضعف فقال له: إنك لضعيف!!
لكن الضعف الذي عناه الرسول صلى الله عليه وسلم ليس هو ضعف القوة البدنية، ولا ضعف الإيمان، ولا ضعف القبيلة والعشيرة، ولا ضعف الشخصية، بل ذلك الضعف هو حب السلطة الكامن في النفس!

تقول الروايات إن أبا ذر قال للرسول صلى الله عليه وسلم: "ألا تستعملني يا رسول الله؟"، أي ألا توليني ولايةً؟ فكان أنْ ربّت الرسول صلى الله عليه وسلم على منكبه، وقال له "إني أحب لك ما أحب لنفسي"، وذلك لكي يخفف عليه وقعَ ما سيقوله لة:
"يا أبا ذر، إني أراك ضعيفاً، وإنها لأمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة". وأضاف (ص): "لا تأمّرن على اثنين"، أي لا تكن أنت الأمير ولو كنت ثاني اثنين.

"إني أراك ضعيفا"، أي أنك قد تعتقد أنك قوى، وقد تبدو للناس قوياً، ولكني أراك ضعيفاً بمقياس آخر، هو ضعف أن يكون في قلبك حب للرئاسة.
وقول الرسول (ص) لأبي ذر "إني أحب لك ما أحب لنفسي"، يعني أنه صلى الله عليه وسلم لو كان فيه حب للسلطة لما تحمّل مسؤوليتها، ولكن الله قبل أن يختاره لها قد هيأه لها: "أدّبني ربي فأحسن تأديبي".

إذن فإن حب السلطة والزعامة والرئاسة هو ضعف يجعل الشخص غير مؤهل للرئاسة.
وعدم الأهلية للرئاسة ليس شراً وليس عيباً البتةَ، بل هو خير عظيم يُجنّبك الفتنة، ويجنبك تحمّل أمانة قد تورثك الحسرة والندامة.
ولو أطاع المرءُ هوى الرئاسة في قلبه يكون قد جنى على نفسه وعلى الناس، لأن من جاءته الرئاسة من غير طلب أعانه الله عليها، ومن سعي إليها وحرص عليها أوكله الله لنفسه، فضاع وأضاع، وفسد وأفسد، كما يشير إلى ذلك حديث صحيح.

لقد أوتي الرسول ﷺ نور البصيرة، فعرف أن في قلب أبي ذر حبّاً للرئاسة، فعلّمه دواء حب الرئاسة: أن يبتعد عنها ولا يقربها أبداً.
البعد عن طلب الرئاسة هو الوجاء لشبق السلطة.

فماذا فعل سيدنا أبي ذر بنصيحة الرسول (ص)؟ هل طلب الولاية من سيدنا أبي أبكر؟ أو عمر؟ أو عثمان؟
كلا، بل نأي بنفسه عن طلب السلطة، فابتعد عن عاصمة الحكم، منتبذا مكاناً بعيداً عن السلطة. فعاش في الربدة وحيداً حتى مات وحيداً.

فما بال الربدة في بلادي مهجورة غير معمورة؟
وما بال رجالٍ كثيرٍ ونساء يحبون الرئاسة حباً جماً، ويقتلون من أجلها خلقاً كثيراً؟
هل يرى هؤلاء أنهم أقوى من سيدنا أبي ذر؟ أم أنهم يريدون أن ينالوا بها خيراً لم ينله أبو ذر؟
#مشروع التواضع الوطني: تواضعٌ على التواضع

elrayahabdelgadir@gmail.com
//////////////////////////

 

آراء