ما هي نتائج الإفلات من عقوبة الانقلاب العسكري؟

 


 

 

مقولة راسخة في وسط المجتمع السوداني مفادها "من أمن العقاب، أساء الأدب" ولم يرصد التاريخ وقائع معاقبة انقلابي في السودان علي فعلته منذ الأزل، وما أكثر هذه الجرائم، مما يعني بديهيا أنّ الانقلابات العسكرية في السودان مأمونة العواقب، لذا كانت إساءة الأدب من العسكر تجاه المواطن امر طبيعي.
ارتكب العسكر ضربة الجزيرة أبا مارس 1970م، ومجزرة طلاب العيلفون في الثاني من أبريل 1998م ومئات الآلاف من ضحايا الإبادة الجماعية في دارفور منذ 2003م، ومجزرة فض اعتصام القيادة العامة في الثالث من يونيو 2019م، واغتالوا أكثر من مائة شهيد في شوارع الخرطوم فقط منذ انقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر 2021م ولا يزال الجبل على الجرار، هذا بالإضافة إلي شهداء السدود.
نحصر حصائد سوء أدب الانقلابين في الأرواح لأنها أغلى ما يمتلكه الإنسان، ولما كان الذين يتوقع منهم محاسبة الانقلابين علي مرّ التاريخ، بيوتهم من زجاج، فمن المثالية أن ننظر منهم رمي مجرمين الانقلابات العسكرية بالحجارة، وإلاّ تهشمت دورهم الحزبية، وارتدت القذائف إلي نحور قياداتهم، وهؤلاء ينطبق عليهم المثل، "من في فمه ماء، لا يستطع الكلام".
لذلك نشكك في مقدرة الأحزاب التاريخية علي محاسبة الذين ارتكبوا جرائم انقلابية، إذ لم يسلم حزب من الضلوع علي الأقل في واحدة منها. وما لم توجد معالجة لهذا العجز الأخلاقي، إجرائيا يصعب وضع حدٍ لسلسلة الجرائم الانقلابية المتكررة، تلك الجرائم المأمونة العواقب، المفضية إلي السلطة إن نجحت.
اثبت التاريخ أنّ العسكر أشد مكرا من المدنيين، بحرصهم الشديد علي إيجاد حاضنة سياسية "ماكنة" لأي محاولة للاستيلاء على السلطة بقوة السلاح .
لم يعد مجديا إنكار حزب الأمة تورطه في أول انقلاب عسكري في نوفمبر 1958 لذلك عندما اسقطوا نظام عبود مع آخرين، في 24 اكتوبر 1964 فيما يبدو أنهم تحاشوا محاسبة الانقلابيين، لانهم ببساطة سيقولون للشعب السوداني "نحنا ندافننو سوا".
ولما كان ضباط محسوبين على الحزب الشيوعي السوداني والقومين العرب، وراء انقلاب الخامس والعشرين مايو 1969م، إي انقلاب جعفر النميري، وأن الجبهة الوطنية المكونة من الإخوان المسلمين، وحزب الأمة، والاتحادي الديمقراطي، ومكونات أخرى، قد تورّطت في محاولة محمد نور سعد الانقلابية في يوليو 76 مستعينين بنظام القذافي كقوة أجنبية، ما كان بإمكانهم محاسبة مدبري انقلاب النميري بعد إسقاطه في ابريل 1985م لذا اكتفى المشهد السياسي السوداني آنذاك بمحاربة قوانين سبتمبر بصورة هزلية وإلهائية.
حتي إن سقطت بعض الجرائم الانقلابية بالتقادم؛ فإنها لن تسقط أخلاقيا، وستظل وصمة عار في جبين من تعاون عليها، تمنعهم وتقدح في أهليتهم للجلوس علي كراسي العدالة الوطنية.
تنهي عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إن فعلت عظيم
وما نشاهده الآن من استمرار محاكمة مدبري انقلاب الـ 30 من يونيو 1989م، بعد انقلاب الـ 25 من اكتوبر، ما هي إلاّ مسرحية هزيلة، مفضوحة الغرض، معلومة الدوافع، فالرسالة من هذه الألاعيب معّنونة إلى بريد الكفلاء والحلفاء الإقليمين والدوليين، الذين لهم مواقف من تنظيم الإخوان المسلمين، يضاف إلى ذلك فإن اطلاق صراح رموز النظام البائد، مدبريّ انقلاب الثلاثين من يونيو، سيقضي على مضض على تحالف شركاء انقلاب الخامس العشرين من أكتوبر، ويضرب أسفين بين داعميه في أعلى سلم الهرم السلطوي. لذلك، لم ولن يتوقع أحد أن يحاكم قاضياً مهما كانت جرأته، ولي نعمته، وينتظر منه أن يدينه!.
عدم وجود الكيانات السياسية المؤهلة للمحاسبة علي جرائم الانقلابات العسكرية، بلا شك لها أسباب مباشرة وغير مباشرة علي توالي جرائم الاستيلاء علي السلطة بقوة السلاح، والبطش بالمعارضين والعبث بمصير البلاد والعباد، ولابد من محاكمات عادلة وناجزة، على غرار محاكمة دكتاتور رومانيا شاوسيسكو، ليكونوا عظة وعبرة لمن يعتبر.
ebraheemsu@gmail.com

 

آراء