مثلث حمدي ومربع المعارضة
صديق محيسي
15 January, 2009
15 January, 2009
diaa_sedig@hotmail.com
صديق محيسي/الدوحة
ثلاث مقالات قرأتها في وقت واحد , لثلاثة كتاب, اثنان منهما أكاديميان , هما صديق امبدة , وحيدر ابراهيم , والثالث هو محمد علي جادين رئيس حزب البعث السوداني , والثلاثة تربطني بهم صلات حميمة نشأت من هم مشترك هو السودان, ذلك الوطن الذي اصبح بلا ابواب او نوافذ , امبدة وجادين تصديا لعبد الرحيم حمدي القيادي الاسلاموي الذي كشف عن جزء من استراتيجية الجبهه القومية الاسلامية في شكلها المعدل الجديد , وحملا علي افكاره التي هي بالقطع افكارالتنظيم, ورؤيته لمستقبل حكم السودان في ظل الشراكة مع الحركة السعبية التي ترعاها الولايات المتحدة الامريكية, وبالرغم من اختلاف الموضوع بين الثلاثة كتاب, الا انهم جميعا يلتقون في هدف واحد ,هو المال الذي صار عليه السودان, ثم الذي ينتظره من معلوم مجهول في الدورة القمرية الجديدة تحت حكم بارونات الاسلام السياسي.
لقد سجل حيدر مناحته , وكال الرماد علي وطن يبست شفاهه من العطش للحرية والكرامة والاستقرار, مستعينا في ذلك بالرومانسي جبران خليل جبران, بينما تصدي كل من صديق ام بده وجادين لعبد الرجيم حمدي القيادي الاسلاموي المسئول الاول عن توظيف اقتصاد البلاد لمصلحة الجبهة الاسلامية من قبل, ولاحقا المرجعية الاقتصادية التي طلب منها الحزب رسم الاستراتيجية الجديدة من اجل السيطرة علي الحكم اطول مدة ممكنة, وربما الي الابد في ظل غياب كامل لاحزب سياسية لا تزال تفكر بعقلية العصر الجيري.
لم يكن مفاجأة أن اقرأ هذه الانتباهة الهامة من ثلاثة مثقفين عرفوا بقدر كبير من حب الوطن مما جعل رويتهم تكون سابقة , وثاقبة لاخطار محدقة تلوح فى الأفق , متجاوزين غيبوبة فكرية تغشي الجميع .
ان ما طرحة حمدي هو سودان بارونات الاسلام السياسي مقابل سودان حيدر, وامبدة, وجادين, واذا كانت اقسام من حركة المعارضة, وفي مقدمتها الحركة الشعبية لتحرير السودان قد رفعت شعار السودان الجديد طوال سنوات المعارضة, فأن حركة الاسلام السياسي قد نزلت هذا الشعار من فضاء النظرية الي ارض الواقع, ونفذت بنوده بندا , فصار السودان الجديد من منظورها واقعا ماديا طاول كل اجهزة الدولة, سيطرة علي الاقتصاد, وتوظيفا للإعلام والصحافة, وصولا الي المحصلة النهائية وهي الهيمنة علي الحكم (التمكين) وعليه يصبح ما طرحه عبد الرحيم حمدي, ان هو الا مواصلة لمسيرة طويلة اعترضتها متغيرات جديدة تتطلب تغيير الرؤية وادوات العمل, وهذا ما يميز حركة الاسلام السياسي عن نظائرها من الاحزاب التقليدية التي يجيد بعص منها التنظير الفكري ويخاصم بعضها الفكر اصلا باعتباره خطرا يهدد قيادتها ويقترب من (ملكيتها الفردية) (الاتحادي الديمقراطي والامة نموذجان ).
ليس بمحض الصدفة ان تسربت ورقة عبد الرحيم الي الصحافة لتثير هذا الجدل وتفتح الباب لمزيد منه , ومن طرائق علم الاحتمالات هو استطلاع الرأي العام, او جس نبضه بفكرة تريد لها الاختبار لمعرفة رد الفعل عليها في ادني, او اعلي درجاته, واذ يفعل الحزب الحاكم ذلك عبر احد قادته التاريخيين, فأنه بريد ان يقول لنا انه انتصر في جهاده الاول (نيفاشا) وعليه الانتصار, اوالغلبة في جهاده الديمقراطي الثاني في المرحلة الانتقالية, استعدادا لورثة نهائية لحكم الشمال اذا اختار الحنوبيون الانفصال, وهو امر مؤكد وان طال الزمن عليه.
يري حمدي او بالاصح حزبه الحاكم (ان الجسم الجيو سياسي في المنطقة الشمالية محور دنقلا سنار كردفان اكثر تجانسا , وهو يحمل فكرة السودان العربي الاسلامي بصورة عملية من الممالك الاسلامية قبل مئات السنين ولهذا يسهل تشكيل تحالف سياسي عربي اسلامي يستوعبه ,وهو ايضا الحزء الذي حمل السودان منذ العهد التركي الاستعماري الاستقلال .. وظل يصرف عليه حتي في غير وجود البترول, ولهذا فإنه حتي اذا انفصل عنه الاخرون) ان لم يكن سياسيا, فاقتصاديا عن طريق سحب موارد كبيرة تكون لديه إمكانية الاستمرار كدولة فاعلة , ويصدق هذا بصورة مختلفة قليلا حتي اذا ابتعدت (انفصلت) دارفور ويستمر حمدي اي الحزب الحاكم يقول انحسار موارد اقتصادية هائلة من المركز الشمالي محور دنقلا كردفان قد تصل بحسابات اليوم الثابتة الي خمسة وستين في المائة من ناتج القومي الاجمالي للسودان ويترتب علي هذا ضرورة تطوير موارد السودان الشمالي التقليدية بصورة دراماتيكية وسريعة جدا لمقابلة متطلبات اهله اذا اردنا ان نكسب اهل هذا المحور لمشروعنا السياسي) ويستمر حمدى (ان الوحدة قذ لاتتم ولهذا يجب ان نعمل للبديل يجد ومنذ الان وان لانستسلم لافتراض ان الوحدة ستصبح جاذبة بقدرة قادرلأن القوي الاجنبية ذات التأثير الفاعل قد تلجأ الي تأجيج نار الانفصال اذا فشلت في تحويل الوحدة الي ميكانيزم لتفكيك السودان وحكمه علي شروط الاقلية غير العربية والاسلامية كما فعلت مع دول الحزام العازل للإسلام جنوب الصحراء من اثيوبيا الي السنغال مرورا بنجيريا) هذا هو ملخص فكر بارونات الاسلام السياسي والتي صاغها حمدي بلغة ركيكة جدا لاتليق بوزير سابق , وقيادي استراتيجي كلف بأعداد ورقة لإضافة سنوات أخرى من اجل الانفراد بحكم السودان .
ان الذي يدعو للدهشة ان حمدي لايحدثنا ابدا عن دور حزبه كحزب وطني في مواجهة هذا السيناريو (الخطير) الذي يري ان القوي الاجنبية قد تعد له اذا فشل خيار الوحدة ووصلت العناصر الكافرة الي السلطة في السودان, ويراوغ لغويا في مداراة ان هذه هي الرغبة الحقيقية للنخبة الرأسمالية التي استخدمت الاسلام استخداما معيبا لسرقة ثروات وطن بأكمله, فالباطن كما يقول علماء النفس هو مركز الرغبة في الاحلام الغامضة التي يتحول تفسيرها الي واقع بعد فترة طويلة من الزمن, علي ان حمدي او حزبه الحاكم لم يصبرا حتي يحاكم الناس احلامهم القديمة فهم دائما في عجلة من امرهم لتحقيق احلام اخري جديدة, ومن وراء سطوره يكتشف المرء ان بارونات الجبهة الاسلامية لاتهمهم وحدة السودان بقدر ما يهمهم الحكم حتي لو اقتصر علي مثلث دنقلا سنار كردفان, ولايستبعد احد ان تكون هذه هي الاستراتيجية القادمة بعد الاتفاق الامريكي الذي اسبغ عليهم الشرعية , فقد حدثني مسئول امني كبير سابق يعيش الان خارج السودان ان النظام الحاكم في الخرطوم يمسك بعصبه الحساس ما يطلق عليه بالسداسية, والسداسية هذه قامت بعد الغاء المجلس الاربعيني حسب هذا المصدر, وتتكون من الرؤوس الكبيرة كتنظيم سري جدا يصنع القرارات الهامة, وهي التي تداولت طويلا مستقبل التنظيم والحكم معا بعد ان قررت الولايات المتحدة تقديم اسلاميي السودان كنموذج للاعتدال في المنطقة ضمن مشروع افريقيا الكبير المخطط الامريكي رديف الشرق الاوسط الكبير, وكان من اخطر قرارات الدائرة الضيقة ان تقبل الحل الامريكي بكل تفاصيله مادام هذا الحل لا يكرر تجربة صدام حسين, فاذا كان صدام قد اسقط بواسطة عمل عسكري فعلينا ان نقبل السقوط بالعمل الدبلوماسي, مقابل هذا انطلق التنظيم السري جدا صانع القرارات الكبيرة يخطط لدخول المرحلة الجديدة حاملا معه اجندته الخاصة والتي تجد قبولا امريكيا مؤقتا صامتا , والاجندة التي كشف عنها حمدي عندما اشار الي وصول المسيحيين الي السلطة في كل من اثيوبيا ونيجيريا والسنغال هي التي جعلت هاجس التنظيم يتململ من كون المحافين الجدد في واشنطن يسعون علي المدي البعيد الي احلال العنصر الافريقى مكان العنصر العربي في السودان ضمن مشروع ما يطلقون عليه القضاء علي الارهاب, والتنظيم المصغر يعرف جيدا ان القبول الامريكي لهم هو امر تكتيكي مرحلي, وهو اشبه بعلاقة بائعة هوي مع طالب متعة, اذن فهم مطالبون منذ الان بالاستعداد للمستقبل, والمسقبل في منظور اسلاميو السودان هو الاصرار علي مشروع الدولة الدينية التي تمكنهم من الاستمرار في نهب ثروات البلاد, من هذ الفهم فان السودان الجديد الاسلاوموي هو مشروع بدأ في صبيحة يوليو1989 واستمر حتي توقيع اتفاق نيفاشا ويتواصل الان عبر حزب غير جلده ولم يغير طبيعته, وواهم من يظن ان الانقاذيين قد اختاروا التعددية بعد فشل الاحادية , فهم حسب نظرية حمدي لن يستسلموا لان الولايات المتحدة قررت استبعاد العنصر العربي الاسلامي من حكم السودان, ولكنهم مستعدون لاقامة دولتهم في اي رقعة من الارض حتي لو كانت مثلث حمدي, بعد ذلك يبقي العنوان (مستقبل الاستثمار في الفترة الانتقالية) الذي قدم تحته حمدي ورقته هو باطن فكر مأهول بالخطر, وفهم للسلطة يغيب الاخرين, ويختار لهم الابعاد الي اقصي زوايا التاريخ ظلاما, هذا ما اعلن عنه الشريك القوي في التحالف الثنائي, فماذا عن الشريك الثاني الذي تخلي عن السلاح ليختار القصر طريقا الي تحقيق احلامه؟ ثم ماذا عن قوي المعارضة التقليدية التي وصلت بعد نهاية الحفل لتجد المدعويين غادروا المكان ؟, واخيرا ماذا عن القوي الجديدة التي تقرأ ما يجري الان قراءة فاحصة ومستوعبة للتفاصيل؟, عن الاجابة علي السؤال الاول, فأن الحركة الشعبية لتحرير السودان الشريك الثاني في الحكم تحدد وجودها السياسي, وترسم خططها الانية والمستقبلية اعتمادا علي رؤيتها للسودان الجديد من منظورها هي ايضا, وحين وافقت علي نيفاشا كانت قد تأكدت ان هذا الطريق الامريكي المدعوم اوربيا سيفضي بها في نهاية الامر الي الدولة الجنوبية المستقلة فالمعركة التي خاضتها مع تجمع المعارضة طوال السنوات الماضية كانت تستخدم فيها البندقية بينما الحليف الشمالي كان يستخدم اللغة , وحين نقلت الحركة جنودها الي شرق السودان لتفتح جبهة ضد نظام الانقاذ , ولتقاتل نيابة عن التجمع, كان اسارير الاخير تنبسط حين ينسب اليه في البيانات العسكرية انه احرز انتصارات علي نظام الخرطوم, كانت اهداف الحركة واضحة منذ ان اختارت البندقية لتقاتل حكومات الخرطوم علي مختلف مشاربها السياسية, فهي حددت اهدافها واختارت ادواتها لتصل الي نقطة انتزاع حق الجنوبيين السياسي تحت شعار السودان الجديد , والسودان الجديد الذي تقصده الحركة لا يختلف عن السودان الجديد الذي تحدثت عنه ورقة حمدي الا في الطبيعة والمحتوي , فالحركة في نهاية المطاف تريد دولة علمانية مستقلة اكد عليها اتفاق نيفاشا ,وحزب المؤتمر الوجه الاخر للحركة الاسلاموية يريد دولة دينية في مثلث حمدي اكد عليها ايضا الاتفاق نفسه, اذن فأن الشريكان كل له سودانه الجديد, وكل له اجندته الخفية. ولكن ماذا عن المعارضة التقليدية التي وجدت نفسها لاول مرة خارج اللعبة السياسية؟ ماذا عن سودانها الجديد؟, ماذا عن فهمها لحركة الاحداث التي كانت تصنعها هي واليوم يحدث العكس؟ , فلا تجد من يكلمها, مثل كولينيل ماركيز يطن فوق راسه الذباب, لم يكن عصيا علي الفهم ان السودان الجديد هذا الشعار المخاتل الذي كان يريده زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي هو ان تعود اليه اولا ممتلكاته التي صادرتها منه سلطة الانقاذ, وقد تحقق هذا ولم يتحقق شوقه الي سلطة شارك هو في ضياعها, ولم يكن عصي علي الفهم ايضا ان زعيم حزب الامة الذي غادر سفينة التجمع متوجها الي جيبوتى كان يحلم بسودان جديد يعيد فيه عجلة تاريخ الي الوراء , فا ختار ان يناضل باللغة ضد نظام لا يعترف باللغة , وعندما حسم الامر اكتفي ان يزاوج الامامية بالحداثية الحزبية , وظل ينتظر انتخابات قد تجري او لاتجري, فالكلمة الان انتقلت الي خارج الحدود, اذن فأن العودة الي مثلث حمدي ومواجهته تبقي القضية الاخطر والاهم, والمواجهة التي نقصدها يجب الا تتم من داخل الصيغة التي فرضتها الولايات المتحدة علي السودان اذ يتعين علينا البحث عن صيغة جديدة لبداية معركة طو يلة ضد مستقبل غامض واضح يراد لنا ان نقبله بكل امراضه, اما ان ننتصر, او يضيع السودان.
ليس بخاف علي الذين ينظرون بعمق الي الوضع الراهن ان النظام الشمولي لايزال يسيطر علي مفاصل الدولة بعد مضي مايقارب اربعة شهور علي قيام الحكم التنائي الجديد, وليس بخاف كم كانت العصبة الحاكمة مسرورة بوفاة جون قرنق وقدوم نائبه سلفا كير, فهم ينظرون الي كير باعتباره رجلا بقبعة فقط ليس في كل الاحوال في دهاء وحنكة وخبرة قرنق السياسية, ولايزال الكثيرون لايجدون اجابة للسهولة التي تنازل بها كير عن اهم وزارة, وهي وزارة النفط ,ذلك الكنز الذي شكل, وسيشكل في المستقبل البئر الثانية لبارونات الاسلام السياسي, ومن ايات ان نسيج السطة القديمة لايزال سليما , وان السيطرة المادية علي كل شيء مستمرة, فلننظر فقط الي الخدعة الاعلامية التي تمارسها حكومة (الانقاذ) حاليا لايهام الجميع ان تحولا جذريا قد حدث في خطابها السياسي, وان التعددية بدأت تأخد مكانها في اجهزة الدولة الاعلامية, بينما الحقيقة غير ذلك تماما, فلا يمكن اعتبار رقصات من الجنوب, او الغرب, اوالشرق وندوات لجنوبيين ودارفوريين تمثل تعددية سياسية, او الحكم عليها بفتح الباب للجميع, فالتغيير المنشود يبدأ اولا بتفكيك ماكينة الدولة القديمة, وهذا التفكيك وان ورد في اتفاق نيفاشا , فأنه يظل قابعا تحت ظل شعار اقتسام السلطة الذي اعطانا عمليا حكومة ظل تضحك اكثر مما تبكي , ويشك الكثيرون في ان تنافس الحركة الشعبية في صراع طويل لاتملك اسلحته, ولاتعرف طرائقه حتي لو اسعفها مستشاروها في ذلك , فهذا التراث الكبير من الخداع , والسرقات, وشراء الذمم يصبح مستحيلا علي قا دم جديد معرفة كنهه, فالشريك الاول عندما فرض عليه الحل الامريكي كان يعلم كيف سيتعامل مع الشركاء الجدد , وكيف سيجر القابلين للإفساد الي حضيضه, فالخبرة الوحيدة التي اكتسبها بارونات الاسلام السياسي هي الفساد تحت حماية المصحف, وهذا ما نشاهد دورته مستمرة متسارعة وتيرتها في الوقت الراهن, ويبقي بعد كل هذا , ان مثلث حمدي الذي قصد به جس النبض يحمل تحت قشرته البيان الاول لانقلاب قادم هو الاستيلاء علي مثلث دنقلا سنار كردفان بعد ان تأ خذ الحركة الجنوب, الدارفوريون دارفور , انها حقا القارعة تقرع ابواب السودان.