مجاعات الحرب: سوق الغلال بالبحر الأحمر ومجاعة شرق السودان بين عامي 1889 – 1891م .. ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي

 


 

 

 

Famines of War: The Red Sea Grain market and Famine in Eastern Sudan, 1889 - 1891

Steven Serels استيفن سيرلس
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
مقدمة: هذه ترجمة لملخص وخلاصة مقال عن مجاعة حدثت في شرق السودان في السنوات الأخيرة لحكم المهدية بقلم الدكتور ستيفن سيرلس Steven Serels المؤرخ الاقتصادي والبيئي بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد الأمريكية.
نشر المقال في عام 2012م بالعدد الثاني عشر من مجلة دراسات شمال شرق أفريقيا. (NAS)
المترجم
** ** ***
الملخص
تدفق على سواكن في غضون الشهور الأولى من عام 1890م آلاف المعوزين والجوعى من البجا شبه الرعاة (semi - pastoralists) من مختلف شرق السودان بحثا عما يسد رمقهم. وعلى الرغم من أن المنطقة كانت قد تعرضت لموجة من الجفاف ولغزو أسراب الجراد في الموسم الزراعي لعامي 1889 – 1890م، إلا أن تلك المخاطر البيئية ليست كافية لتفسير تلك المجاعة التي سببت هجرة أولئك النازحين.
وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر كان سكان شرق السودان شبه الرعاة ينتجون نصف ما يستهلكونه من حبوب. وكانت تلك المجتمعات تعتمد على تبادل / مقايضة منتجاتهم من الزراعة والرعي بالحبوب التي تستورد من الهند وتأتيهم عبر موانئ البحر الأحمر. ولم تكن مجاعة عامي 1889 – 1890م بسبب نقص في كميات الحبوب التي تم استيرادها، وكانت مخازن وأسواق الغلال في تلك السنوات تحتفظ بكميات كبيرة من الحبوب، وكان سعر الذرة حينها مستقرا. غير أن الأفراد في مجتمعات شبه الرعاة في تلك المنطقة كانوا بنهاية عام 1889م قد فقدوا فجأة رأس المال والبضائع اللازمين لشراء أو مبادلة الحبوب الكافية لإعاشتهم، مما يشير إلى أن السبب كان هو تفشي مرض الطاعون البقري، الذي قضى على كل ما عندهم من ماشية. واستمرت المجاعة في الموسم الزراعي في 1890 -1891م. غير أن سبب تلك المجاعة كان مختلفا عن سببها في العام المنصرم، إذ أن سببها هذه المرة كان هو نقص الحبوب.
وبحلول شهر يوليو من شهر 1890م كانت حامية المهدية في كسلا عاجزة عن توفير الطعام الكافي لجنودها وعائلاتهم ولأنصارها الآخرين. لذا عمد أنصار تلك الحامية الجوعى للنزوح من دلتا القاش بشمال كسلا إلى دلتا طوكر على ساحل البحر الأحمر، مما ضاعف من الطلب على الحبوب في مناطق تلال البحر الأحمر. وفي ذات الوقت قررت القيادة العسكرية البريطانية في سواكن فرض سياسة تجويع شامل لسكان مناطق تلال البحر الأحمر حتى يستسلموا لهم. ومنع الضباط البريطانيون منعا باتا أي نوع من التبادل التجاري بين سواكن والمناطق الداخلية، وأوقفوا تماما كل أشكال العون الغذائي – وأفضى ذلك إلى ارتفاع سريع في أثمان الحبوب في شرق السودان، وتفشى المجاعة وقطع الطرق والموت في مناطق تلال البحر الأحمر ودلتا طوكر.
الخلاصة
لم تبدأ الآثار المدمرة للمجاعة في شرق السودان إلا في نوفمبر من عام 1890م، عندما تم الرجوع لاستيراد الحبوب لسابق عهدها. ولما تم إعلان أن جدة خالية من داء الكوليرا في بداية نوفمبر، أُجبرت حكومة سواكن على إعادة فتح التجارة مع المناطق الداخلية، واستئناف استيراد الحبوب إلى شرق السودان عبر الموانئ "الطبيعية" المنتشرة على طول ساحل البحر الأحمر والموانئ التي كانت يسيطر عليها الإيطاليون في تكلا / تكلي (Taklai) ومصوع.
وقيل إن عثمان دقنة قام في منتصف ديسمبر من عام 1890م بإبلاغ التجار الأريتيريين بأن كل أسواق شرق السودان متخمة بالحبوب، وأن عليهم التركيز على تصدير بضائع أخرى لشرق السودان. وعلى الرغم من ذلك فقد ظلت آثار مجاعتي 1889 – 1890 و 1890 -1891م محسوسة، وربما كان لها أثر في الانتصارات التي أحرزها الجيش المصري (الذي كان تحت قيادة بريطانية) ضد القوات المهدية في هندوب أواخر شهر ديسمبر من عام 1890م، وفي طوكر في مارس 1891م.
ولا يمكن تفسير أسباب حدوث مجاعتي 1889 – 1890 و 1890 -1891م إلا بوضع شرق السودان ضمن الصورة الكلية لاقتصاديات الحبوب لكل مناطق البحر الأحمر. فقد كانت كل امدادات الحبوب في شرق السودان في أواخر القرن التاسع عشر أكثر اعتمادا على الاستيراد من مصادر في الهند، وبصورة أقل من العراق، وكانت تلك المصادر ترتبط عبر البحر الأحمر بشبكة من البواخر، أكثر منها بمصادر محلية في شرق السودان تجلب الحبوب من أسواق حبوب محلية بالقوافل البرية. ولا شك أن سبب مجاعتي 1889 – 1890 و 1890 -1891م هو أن الوصول إلى أسواق الحبوب في البحر الأحمر لم يكن متاحا لشبه الرعاة في شرق السودان. ففي المجاعة الأولى لم يكن للسكان القدرة على شراء البضائع أو مبادلتها بما عندهم، رغم أن أسعار الحبوب كانت يومها معتدلة، لفقدانهم للعدد الكافي من الماشية للحفاظ على وضعهم الاقتصادي في السوق. أما في المجاعة الثانية فقد قللت السياسة العسكرية البريطانية من انسياب شحنات الحبوب المستوردة إلى أسواق مناطق البحر الأحمر عن طريق قفل ميناء سواكن أمام الحبوب التي يعاد تصديرها، ووضع الكثير من القيود الاقتصادية على شركات التجار الهنود الذين كانوا يصدرون الحبوب للمنطقة.
alibadreldin@hotmail.com
///////////////
////////////

 

آراء