مجاهدون بلا حدود.. وشهادات كاذبة

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

لا بد أن أبدأ برد تحية الصحفي المخضرم الوالد محمد سعيد محمد الحسن وفضائله  في عنقي منذ حبو  قلمي فما  ذكر من رعايته لي إلا غيض من فيض  أهمه  نصاحه الغالية  بين الحين والآخر، وإني  لأرجو أن أكون دائما عند حسن ظنه وأدعو الله أن يحفظه لنا منارة وسندا.
وأقول: سوف يدرك الشعب السوداني يوما ما بعض المفاهيم التي تحجبها المعاصرة. فمثلما أدرك غالبيتهم قدر المهدية في طورها الأول متجاوزين حملة ونجيت باشا ومن استكتبهم، وأدرك الباحثون أو جلهم مجاهدات الطور الثاني للمهدية في ذكرى مئوية مولد الإمام عبد الرحمن المهدي بعد دعاية التاج المصري ومن شايعه، فسوف يدركون قدر الرجال والنساء الذين اشتركوا في منازلة الطغيان المايوي عبر انتفاضة 2 يوليو 1976م المسلحة، التي بلغت فيها تسمية الشيء بنقيضه أن سميت حركة "المرتزقة" وهم مجاهدون بلا حدود، في وجه نظام عميل ومرتزق رهن إرادته لأمريكا بتسهيلات قاعدة البحر الأحمر العسكرية وترحيلات الفلاشا ونال ما نال من سند ومال.
بعد أقل من شهر ستمر الذكرى الخامسة والثلاثون لتلك الانتفاضة التي لم تبلغ مداها لأسباب روتها كتب ومدونات أهمها كتاب المصالحة الوطنية من الألف إلى الياء الصادر عام 1978م. ومن المجاهدين من دوّن ويدون ذكرياته وشهاداته. فالمسألة ليست (خلاء معرفيا) بالشكل الذي يخوض فيه البعض (خوض الحمقى في أماكن يلجها الملائكة على طرف أصابعهم)، كما يقول الفرنجة، على النحو الذي صنع السيد إبراهيم السنوسي في مقاله (ردا على الصادق المهدي) المنشور في مطلع يونيو هذا في صحيفة التيار. وكنا نظن أنه سوف يوضح ما فعلوه وخاض فيه صادقٌ أو يفند أقواله، وقد قال إن المؤتمر الشعبي ساقط (ديمقراطيا) ويصحح كراسات الآخرين، وإنهم اختبرونا حينما استلموا السلطة وعرضوها علينا مناصفة عددا من المرات فأبينا المشاركة إلا بالحريات، فكيف يشككون في حوارنا مع الوطني؟ بدلا عن نقض هذه النقاط الواضحة دلف السنوسي لنقض تاريخ (صادق) أيان النميري وانتفاضة المجاهدين –أكرمهم بالدارين يا الله، بتعبير الحبيب المادح عابدين- واستفرغ كذبا قراحا، وقد نفي (ص) عن المؤمن الكذب وإن ارتكب كبائر سأله عنها الصحابة، فهو قد يسرق وقد يزني وقد..وقد، ولكنه لا يكذب!
أثبت عدد من الأحباب المجاهدين الذين سألناهم أكاذيب السنوسي فلم تكن له أية بطولة كالتي نسبها لنفسه. كذلك ما درس الصادق دروسا عليا بل إنه منذ قام انقلاب عبود أقلع عن نيته دراسة الزراعة مبتغاه وتماهى مع الشأن الوطني، ودرجة الماجستير التي نالها عن جامعة أوكسفرد كانت عام 1959م وتلقائيا ضمن عرف جامعته بإعطاء الماجستير للطالب المتخرج بدرجة الشرف بعد عامين.
تطلع السنوسي أن ينال وزملاؤه قيادة الانتفاضة المسلحة وهم حفنة كان الأنصار يدربونهم بسلاحهم وبه يعودون! كان الأنصار وحزب الأمة بالآلاف والباقون يعدون بعشرات قليلة، وكان حضور المذكورين للمشاركة الأدبية لا الفعلية ولكنها كانت مطلوبة نشدانا للقومية، ومع ضآلة وجودهم هذا واستغلالهم لتضحيات الأنصار عنهم، تطلع السنوسي لتسنمهم القيادة! ألأنهم تخرجوا في الجامعات، ولأنهم ليسوا من غرب السودان؟! معيرا الأنصار بأنهم ما تخرجوا من الجامعات وأنهم ليسوا من العاصمة بل من الغرب؟ وما دك هذه البلاد سوى خريجو الجامعات تلك التي أقلامها زادت الآلام و(الأبلام)!
أكاذيب السنوسي يصعب حصرها وما قاله عن الصادق من افتراءات سيرد عليه التاريخ في مسيرته الاستقصائية ولا تؤخذ فيه شهادتنا بل شهادة الحقائق والوثائق. ولكن كذبة السنوسي الكبرى قوله إن (أحد الأنصار) اعترف في المحكمة ونشر بالصحف أنهم كانوا سيصفون الأخوان وجماعه الشريف الهندي لو نجحت الحركة. ومع أن السنوسي أورد تواريخ وصحف أقواله المتروكة إلا أنه هنا أرجع المستزيد لصحف تلك الفترة! إنا نتحداه أن يأتي بالدليل على كذبته البلقاء، أو اسم الشاهد المذكور، ولن يفعل، مع أنه لو كان سمع بالفعل شهادة كهذه ما كان عليه إلا أن يردها لأن الأخوان كما شهد العم ميرغني ضيف الله وهو من قيادات المهاجرين،  كانوا 27 شخصا يوم الزحف، وجماعة الهندي كان منهم واحد فقط!  وما كانوا يضيرون الآلاف من الأنصار شيئا (كذبابة في أذن فيل) كما يقول المثل، بينما يشكل ظهورهم ذلك الرمزي قوة معنوية!
لقد تم تفعيل المعارضة بالخارج بعد إطلاق سراح الصادق المهدي في أبريل 1974م وذهابه للخارج حيث تسارعت عملية نقل الأنصار من أثيوبيا لليبيا سرا عبر السودان، وبدأ التخطيط العملي للانتفاضة المسلحة.  وعقد باسم الجبهة الوطنية اتفاق في مايو 1974م مع الليبيين لتساعد ليبيا  الجبهة السودانية في معارضتها علي أن تقرر الجبهة وسائل المعارضة ولا تدخل ليبيا طرفا مباشرا، وأن يحدد الشعب السوداني مستقبلا (باستفتاء حر) شكل العلاقة مع ليبيا عبر (قرار شعبي حر لا فوقي مفروض). وهو اتفاق صحح اتفاق نوفمبر 1973م قبله الذي كانت عليه مآخذ في التعاون مع ليبيا بكل الوسائل، والنص على وحدة اندماجية معها بعد الظفر.
وما قاله السنوسي حول خيانة حزب الأمة ورئيسه لهم في المصالحة أمره عجب، كأنما ينحاز بأثر رجعي لموقف المرحوم الشريف حسين الهندي الذي بعد أن أيد المصالحة عاد وانتقدها، وكانت القيادة الليبية راجعت موقفها من المصالحة. ففي 23/7/1977م اشترك الهندي في برنامج إذاعي بهيئة الإذاعة البريطانية وأكد موافقته على المصالحة، وقد أثبت ذلك كذلك الدكتور حسن مكي في الجزء الثاني من كتابه: تاريخ الحركة الإسلامية السودانية. أما السنوسي وجماعته فشاركوا في المصالحة (من طقطق) في 1977م، وحتى بعد أن قال لها حزب الأمة (السلام عليكم) في أكتوبر 1978 معلنا فشلها وانضمامه لصفوف المعارضة، ظل السنوسي وجماعته يساندون النميري. اشترك حزب الأمة في الانتفاضة المباركة وكتب رئيسه مسودة ميثاقها والسنوسي ليس له فيها ناقة ولا جمل، ليس لأن النميري اعتقل قادة تنظيمهم بل حتى أولئك الذين كانوا بالخارج لم يشتركوا فيها من قريب ولا بعيد، وحينما قامت الانتفاضة وتحدث الناس عن سدنة مايو كان الجزء الأكبر منهم هم قادة تنظيم السنوسي، وسعوا بيديهم ورجليهم لإجهاض الانتفاضة ورفعوا شعارا: لا لإلغاء قوانين سبتمبر، ولا لمحاكمة سدنة مايو.. فقد كانوا هم هم! وغنى لهم البعض: سدنة ديل ما تصوتولم/ النميري كان عديلم/ في الفساد مافيش مثيلم/ أيدوه وبايعوه وقالوا زولم!
إن في عنق السنوسي من الصادق وكيانه جمايل كثيرة ولكن: إن أنت أكرمت الكريم ملكته أو أنت أكرمت اللئيم تمردا! وليس آخرها أن حزب الأمة هو من جعل المعارضين يقبلون الجلوس معهم تحاشيا للإقصاء.
إنهم جميعا –وطني وشعبي- لا يزالون يحملون في أعناقهم أوزار دك الحكم الديمقراطي وخراب البلاد، وكون السنوسي ورهطه الآن ليسوا في سدة الحكم لا يعني أكثر من كونهم تصارعوا حول السلطان، وكيف نصدقهم وكم كذبونا ولا يزالون، فإن كان الجلوس للوطني هو ما يحملونه علينا فكثيرون من خلص قاعدتنا يرون الجلوس إليهم مما يُحمل عليه، فهم رأس الحية وأس البلاء. ثم ها هم يجلسون للمرشد العام للأخوان المسلمون يود أن يتوسط بينهم وبين أخوانهم الذين هم منهم وإليهم فهل عيرناهم بها؟
وأغرب من الخيال أن يغضب السنوسي وقبله يحذرنا الأستاذ كمال عمر الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي أن نعود لمثل انتقادنا لهم وما كان ذلك إلا ردا على هجومهم الصاروخي علينا وتعييرنا كل مرة أننا نحاور أخوانهم في الخديعة وقد اختلفوا معهم وتركوا الطابق مستورا في ملفات عديدة! (انظر الصحف بتاريخ 20/5) ثم يعيرنا السنوسي بانشقاقات في حزبنا وقد صنعتها أيديهم وأيدي تلامذتهم من الوطني، فهل كان انشقاق عنا مؤثر أو هزنا كانشقاقهم ذاك الذي جعلهم على هامش دولة حاكتها أيديهم الآثمة؟
ليس للشعبي من فضيلة على الوطني فكلهم صناعة واحدة، اللهم إلا أن الأول يقول ولا نصدقه أنه آمن بالحرية، والثاني يقول ونصدقه أنه سادر في الشمولية. ومن يدري لعل ذلك الخلاف الظاهر كله مثل مشهد (حبيسا ورئيسا) صاغته ضرورات المرحلة!
وجملة القول إن جلوسنا إلى الشعبي، مثل جلوسنا إلى الوطني، هو جلوس من أجل الوطن، لا نرغب منه زمالة ولا محبة ولا التقاء إلا حوله، وهم برأينا سواء من أهل التآمر والبغضاء!
وليبق ما بيننا
Rabah Al Sadig [ralsadig@hotmail.com]

 

آراء