مجذوب عيدروس..عطاء ثقافي مميز لنصف قرن

 


 

صلاح شعيب
20 March, 2023

 

النقد الأدبي عنصر مهم في العملية الإبداعية. وما يزال الناس بحاجة ملحة إليه في ظروف الانفتاح الثقافي الذي أثر على مجمل حراك المبدعين من روائيين، وشعراء، وقصاصين، وغيرهم.
وفي بلادنا كان النقد الأدبي منتجاً بكثافة عبر الأكاديميا، وكذلك في مجالات الإعلام الرحبة. وشهدت جامعة الخرطوم في أوج مجدها دوراً كبيراً في دعم ساحة النقد الأدبي عبر فطاحلة النقاد أمثال إحسان عباس، ومحمد مصطفى هدارة، وعبده غانم، ومحمد عبد الحي، وعلي المك، وعبدالله الطيب، وعبدالله علي إبراهيم، ومحمد إبراهيم الشوش، ومحمد المهدي بشرى، وكثيرين يصعب حصرهم.
وتزامناً مع هذه المجهودات النقدية في البيئة الأكاديمية، كان هناك أساتذة كبار في المجال وظفوا طاقتهم لدعم الصحف والمجلات أيضاً بمجهودات قيمة لرفع قيمة الكتابة النقدية. ومن خلال هذين المنبعين للنقد تنوعت التيارات، والمدارس النقدية، حتى وصلنا إلى مرحلة النقد البنيوية الذي اضطلع به شبان في نهاية السبعينات.
معظم النقاد الأدبيين كانوا في ذات الوقت يمارسون النقد الثقافي الذي يتناول قضايا الثقافة من زوايا فكرية، وسياسية، واجتماعية. وكانت مساهمتهم تسعى إلى معالجة قضايا تتصل بالسياسات الثقافية للدولة، ومسألة الهوية، وهموم المبدعين، وغيرها من القضايا التي تشغل الانسانية، والدولة، والمجتمع، والفرد. بالإضافة لهذا كان هولاء النقاد - ومعظمهم مبدعون في مختلف المجالات - يقومون بترجمة آداب اللغات الإنسانية إثراءً للمعرفة بشكل عام.
مجذوب عيدروس كان واحداً من نقادنا المخضرمين الذي قدم مساهمات عظيمة ومستقرة في إعداد الملفات، أو الملاحق الثقافية، التي تصدرها الصحف بجانب عمله التحريري في المجلات، حيث قام برئاسة تحرير بعضها. ولذلك خدم الثقافة والأدب في الصحافة، وبالمقابل نقل قراءها إلى مناخات المنتج الإبداعي، وبالتالي صارت صحافته المجودة تعطيه أهمية قصوى لدى ناشري، وروساء تحرير الصحف، لما لصياغته البديعة للعمل الصحفي الأدبي من تأثير في استقطاب القراء المهتمين.

-٢-
مجذوب عيدروس من مواليد مدينة الدامر، وتنقل بين بربر ومدني حيث كان والده موظفاً. ولكن في مدني استقرت الأسرة، وتعلم بمدرسة مدني الشرقية الأولية، ومدني الأميرية المتوسطة، وودمدني الثانوية.
عمل موظفاً في رئاسة محافظة الجزيرة، والتحق بمعهد الموسيقى والمسرح (كلية الموسيقى والدراما) الآن متخصصا في النقد ودراسات المسرحية. في منتصف الثمانينات أسس مجذوب مع عدد من زملائه ١٩٧٣ رابطة الجزيرة للإداب والفنون.
وشغل منصب الأمين العام لها عدة دورات، وساهم في تأسيس اتحاد المسرحيين بولاية الجزيرة، وانتخب السكرتير الثقافي للاتحاد.
بدأ عيدروس بنشر مقالات، ودراسات، بالصحف والمجلات السودانية والعربية في عام ١٩٧٦. وفي عام ١٩٨٦ أشرف علي الملف الثقافي لصحيفة الهدف. وفي عام ١٩٨٨ أصبح مدير تحرير مجلة الثقافة الوطنية التي توقفت مع استيلاء انقلاب ٣٠ يونيو على السلطة، ومصادرة المجلة وممتلكاتها.
وفي عام ١٩٩٢ أصبح مدير تحرير مجلة الخرطوم ثم رئيس تحرير لها خلفاً للأستاذ عيسي الحلو.
و منذ التسعينات أشرف علي الملفات الثقافية لصحف الرأي الآخر، والشارع السياسي، والصحافة، والبعث السوداني.
قام بجمع وتقديم ديوان البوشي وشارك في كتابة بحوث في الرواية السودانية. كما صدر له كتاب مختارات من الشعر السوداني ضمن سلسلة كتاب في جريدة في عام ٢٠٠٥.
كذلك صدر له كتاب الظواهر المسرحية في السودان(١٨٧٥/ ١٩٠٠) عن مركز عيدابي للفنون ١٩٢١. أسس مجذوب في عام ٢٠٠٥م رابطة الكتاب السودانيين، وشغل منصب الأمين العام فيها، وترأسها الشاعر عبدالله شابو.
شارك عيدروس في مهرجان المربد الشعري ببغداد، ومهرجان بابل، وفي مؤتمرات وملتقيات ثقافية في القاهرة، والجزائر، وتونس، وقطر، والسعودية، والأردن، والإمارات، وسلطنة عمان. عند تأسيس جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي ٢٠١٠ ، واختير أميناً عاما لها. له عدة كتب، ودراسات في التاريخ، والنقد الأدبي، والمسرحي، والهوية في طريقها للنشر. وكتبت عيدروس عدة مسرحيات فازت إحداها بالجائزة الأولي في مهرجان الإبداع الثقافي عام ١٩٨٤ بودمدني، وهناك جوانب أخري منها ممارسة كرة القدم، والكتابة في مجالها في فترة باكرة.

-٣-
معرفتي بالأستاذ مجذوب عيدروس تزامنت مع بدء التحاقي بالمهنة في منتصف الثمانينات، وظللت من قرائه المداومين لما يكتبه من دراسات نقدية ومقالات تناقش قضايا الساعة الثقافية، والأدبية، بكثير من الموضوعية. وبرغم انتمائه الفكري إلا أنه ظل من أكثر النقاد حياداً في التعريف بإنتاج الجيل الرائد، وجيله الذي عاصره، وكذلك الأجيال الجديدة. وقد وازن في قناعاته النقدية بين كل المدارس النقدية، ولم يتطرف في الانتماء إلى مدرسة نقدية محددة تحصره دون أن ينظر لمنهجيات نقدية أخرى قد تعينه في عمله النقدي الأدبي. وربما كان ارتباط عيدروس المستمر بالصحافة المستقلة قد حرره من الانحياز الايديولوجي لتيار أدبي، وغض الطرف عن آخر. وكذلك ساهم هذا في أن يتخذ موقفاً مستقلاً في منهجيته النقدية التي تزاوج الأصالة بالمعاصرة بقناعة أن الأدب مدارس. ولهذا يصعب لنقده أن ينطلق من فرضيات نقدية أحادية، وإنما هناك ضرورة لموسوعية الناقد حتى يتحرر من المدارس النقدية نفسها. ذلك ما دام الأدب أصلاً متحرراً في طبيعته، وأنه يقدم على الدوام رؤية جديدة تضيف للمعرفة ما لم يكن كامناً في السابق.
بل ربما رأى عيدروس إمكانية للناقد لتأكيد صوته الخاص الذي هو عصارة قراءاته لمجمل الاتجاهات النقدية الإنسانية. أضف إلى هذا أن طبيعة الملفات الثقافية، وكذلك المجلات المتخصصة في الأدب تفرض نهجاً مهنياً متنوعاً في العرض الإعلامي ما يتطلب ذلك من الصحافي الناقد أن يكون أمينا في تغطيته الصحفية، بحيث ألا يجعل من الوسيلة الإعلامية ضيعة لفرض مذهبيات أدبية، أو نقدية، أو أيديولوجية بعينها.
عرف مجذوب بجديته في المواصلة في درب التفرغ التام للصحافة الأدبية برغم الصعوبات التي واجهتها في كل الفترات، ومع تراجع فرص الصحافة الورقية بما فيها المجلات لم يبق الكثير من اهتمام صحفي بتحرير الملف الثقافي الأسبوعي، والذي كان ينتظره القراء بشغف.
والآن انفتحت للناقد الكبير مساحات معتبرة للنشر عبر الإنترنت، إذ وقفنا على ثراء للمادة الثقافية، والأدبية. ومع ذلك ما تزال صحافة مجذوب الأدبية تناضل لتأكيد وجودها، وهناك مجلات ثقافية محكمة تصدر ورقياً واليكترونياً محاولةً لحفظ الإرث.
نحن نفتقد اهتمام الدولة، والقطاع الخاص، بهذه المجلة الثقافية التي تعرف بالبلد، ومساهمتها في رفد عطائها الثقافي، والأدبي. وأتمنى أن يهتم وزير الثقافة والإعلام القادم بأن يوكل لمجذوب مهمة رئاسة المجلة الثقافية، وهو بها جدير، ومؤهل، ومأمون.
///////////////////////////

 

آراء