مجلة “صالون” الامريكية: البابا في السعودية؟ عداء 1,400 سنة .. واشنطن: محمد على صالح

 


 

 

في الشهر الماضي، انعقد في السعودية مؤتمر هو الأول في تاريخ الأديان.
دعت رابطة العالم الإسلامي قادة الأديان الرئيسية: المسيحية، واليهودية، والهندوسية، والبوذية. غير ان حضور وزير خارجية الفاتيكان كان رمز نهاية عداء الفاتيكان للإسلام، والذي بدأ قبل 1,400 سنة تقريبا.
لكن، لم يهتم الاعلام الغربي، وربما حتى الشرقي، بالمؤتمر. انشغلنا بالحرب بين روسيا وأوكرانيا، و اضطراباتنا الداخلية، وبتفاقم الوضع الاقتصادي، هنا، وفي اروبا، وفي بقية العالم.
غير ان مؤتمر الرياض كان حدثا تاريخيا هو الأول من نوعه. ليس لان السعوديين قالوا ذلك، ولكن لان غير المسلمين قالوه.
نشرت صحيفة "جويش نيوز" التي تصف نفسها بأنها "أكبر صحيفة يهودية بريطانية"، تقريراً عن المؤتمر عنوانه: "وهو يأكل "كوشير " (طعام مطبوخ بالطريقة اليهودية)، حاخام بارز ينضم إلى قمة تاريخية بين الأديان في السعودية".
ركز التقرير على تصريحات ديفيد روزين، الحاخام الأكبر سابقا في إيرلندا، وحاليا مدير شئون الأديان في اللجنة اليهودية الأمريكية. وعلى قوله ان المؤتمر كان "خارقا".
نظمت المؤتمر رابطة العالم الإسلامي، ومقرها مكة المكرمة، وهي منظمة غير حكومية عمرها 60 عامًا، وتمولها الحكومة السعودية. وتدعو الرابطة إلى "إسلام معتدل"، والى "حوار بين الأديان، وتسامح ديني، وتعايش سلمي"، كما قال مؤخرا تقرير أصدرته وزارة الخارجية الأميركية عن الحكومات والأديان.
يمكن بالتأكيد فهم هذا المؤتمر بأنه محاولة من قبل الحكومة الملكية السعودية لتلميع صورتها العالمية. وذلك لمواجهة الانتقادات الواسعة لسجلها في مجال حقوق الإنسان. وكذلك لإضعاف، أو تقويض، المذهب الوهابي، الأكثر تطرفا، والذي طالما ارتبط بالحكم في السعودية.
خلال السنوات القليلة الماضية، يوضح سجل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، محمد العيسى، انه صار من الأصوات الرائدة في الاعتدال في العالم الإسلامي.
وأنه قام بتواصل واسع النطاق مع القادة العالميين اليهود والمسيحيين.
وانه استنكر، مرات كثيرة، قول بعض الناس ان "الهولوكوست" (مذبحة اليهود في ألمانيا) لم تحدث.
وانه، في عام 2020، قاد وفدا من العلماء المسلمين زاروا معسكر "أوشفيتز" في بولندا (موقع واحد من سجون "الهولوكوست").
حسب صحيفة "جويش نيوز" البريطانية، اكل الحاخامات اليهود الأرثوذكس في مؤتمر الأديان في السعودية من مطبخ "كوشر" (حلال) جهزته رابطة العالم الإسلامي. وقالت الصحيفة: "قبل سنوات قليلة، ما كان يمكن تصور حدوث ذلك في السعودية".
وقال الحاخام روزن للصحيفة من هناك: "تقدم كبير أن أكون هنا في السعودية للمرة الأولى. هذه هي حجر الأساس للإسلام. وظلت دائمًا تريد تصوير نفسها في نقاء هذا الدين. لهذا، فإن عقدها لهذا المؤتمر التعددي والتسامحي دليل على انها تقدمت كثيرا في محاولتها هذه."
أيضا، علقت على المؤتمر صحيفة "تايمز اوف انديا"، أكثر صحيفة باللغة الإنجليزية انتشارًا في العالم. وأشارت إلى أن الزعيم الديني الهندوسي، براهميشان وأشاريا سوامي، سيلقي كلمة رئيسية في المؤتمر باسم هندوسيي العالم.
أيضا، علقت على المؤتمر صحيفة هندية أخرى: "أحمد آباد ميرور" (مرآة). وقالت إنه "ثاني انفتاح تاريخي للقادة الهندوس على العالم الخارجي." وذلك بعد مرور 125 سنة من تمثيل سوامي فيفيكاناندا للهند والهندوسية في مؤتمر للأديان في شيكاغو. كانت تلك المرة الأولى والأخيرة، حتى جاء مؤتمر السعودية.
أيضا، علقت على المؤتمر صحيفة "ذي ايلاند" (الجزيرة) فى سريلانكا. وأنه شهد "الزيارة الأولى في التاريخ لكهنة بوذيين من سريلانكا إلى السعودية." كان الوفد برئاسة "المبجل" باناجالا أوباتيسا ثيرا، رئيس جمعية مهابودي في سريلانكا. وإن "المبجل" ثيرا، الذي كان يرتدي رداء الزعفران التقليدي، "ركز في خطابه أمام المؤتمر على التشابه بين تعاليم الإله بوذا والتعاليم والممارسات في العقيدة الإسلامية."
قال "المبجل" ثيرا: “سيصاب كثير من الناس بصدمة إذا قيل لهم أن الإسلام والبوذية متشابهان بأي شكل من الأشكال. لكن، إذا نظروا إلى الاله بوذا، والى جهودهم نحو السلام، والتسامح، سيرون ان الدينين أكثر تشابهًا مما يعتقدون."
أيضا، علقت على مؤتمر السعودية صحيفة "نيو فاتيكان" (الفاتيكان الجديد)، الناطقة الرسمية باسم البابا. وأشارت الى وجود الكاردينال بيترو بارولين، وزير خارجية الفاتيكان، في المؤتمر ممثلا للبابا.
وقالت الصحيفة ان من بين المواضيع التي ناقشها المؤتمر: "الدور الأساسي للدين في المجتمع. والأساس الروحي لحقوق الإنسان، ومعارضة نظرية "صدام الحضارات والأديان."
أيضا، الحاجة إلى "حماية الأسرة، ومراقبة تربية الأطفال."
هذه إشارة غير مباشرة الى موجة المثليين، التي توسعت، خاصة في الدول الغربية، بعد ان كانت مظاهرات، ثم قوانين. ودخلت مقررات المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية. وتهدف الى تغيير مفاهيم أخلاقية وعائلية تاريخية، بحجة "حقوق الطفل."
على ضوء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والتي عكست انقساما في الكنيسة الأرثوذكسية بفرعيها الروسي والأوكراني، كان هناك، في مؤتمر السعودية، ممثلون بارزون من كل من الكنيستين. لكن، يبدو أن المؤتمر لم يناقش هذه الاختلافات. ولم يرد ذكرها فى البيان الختامي للمؤتمر.
من الولايات المتحدة، نشر كببر الأساقفة، الكاردينال توماس بول شيرماخر، الأمين العام للتحالف الإنجيلي العالمي، في حسابه في "انستاغرام"، 20 صورة تقريبا من مؤتمر السعودية. عن لقاءاته مع قادة الطوائف المختلفة، وعن استضافة السعوديين لغير المسلمين، وعن مسلمين يصلون نحو مكة المكرمة.
الآن، على ضوء مؤتمر السعودية التاريخي، عودة الى التاريخ. الى 1,500 سنة من عداء الفاتيكان للإسلام.
في القرن السابع الميلادي (قرن نزل الإسلام)، صنف الفاتيكان الإسلام بانه "بدعة." و لقرون وقرون، ظل هذا راي كثير من المسيحيين. وحتى في القرن الحادي والعشرين، يوجد مسيحيون يؤمنون بذلك.
في أساس اللاهوت المسيحي، النبي محمد ليس الا "منحرف، أو كاذب، أو رجل تمتلكه الشياطين."
وحتى وقت قريب، كان رجال دين وأكاديميون مسيحيون يطلقون اسم "محمديانز" (محمديين) على المسلمين. هذا مصطلح مهين، لأن المسلمين يؤمنون بان محمدًا رسولً من عند الله، وليس هو نفسه إلها.
في القرن الثالث عشر، كتب الفيلسوف الإيطالي توماس الأكويني أن محمدًا "لم يأتِ بأي رسالات هامة خارقة للطبيعة."
وبعد قرن من الزمان، وصف زميله الفيلسوف الإيطالي، دانتي أليغيري، مؤلف كتاب "الكوميديا الإلهية"، النبي محمدا وهو يتعرض للتعذيب بتهمة الهرطقة. وقد تناثرت أجزاء جسده، وخرجت احشاؤه من داخل بطنه.
في الحقيقة، حتى منتصف القرن العشرين (بعد 14 قرنا)، لم يعترف الفاتيكان بالإسلام كدين عالمي شرعي. وحتى بعد ذلك، قاد الفاتيكان نقاشا دينيا بيزنطيا عن مواضيع، مثل: هل الإسلام دين او نظام سيأسى؟ هل يحترم الانسان حقوق المرأة؟ هل يعادي الإسلام المسيحية واليهودية؟
بل حتى في القرن الحادي والعشرين، في عام 2006، نقل البابا بنديكتوس السادس عشر عن إمبراطور بيزنطي من القرن الرابع عشر قوله: "أروني أي شيء جديد جاء به محمد. إذا جاء بشيء، فهو شرير، وغير أنساني. مثل أوامره لا تباعه بنشر دينه بالسيف."
لكن، ربما كان هذا الاقتباس المؤسف (قال البابا لاحقًا إنه نادم على نقله) خيرا وليس شرا، رغم كثير من ادانات حكومات الدول الإسلامية، وكثير من المظاهرات ضد، والاعتداءات على/ المسيحيين في دول إسلامية.
الذي حدث هو ان زعماء مسلمون بارزون، وأكاديميون مشهورون، ومسؤولون حكوميون كبار رسالة إلى البابا بعنوان "كلمة سواء بيننا وبينكم" (مقتبسة من القرآن). وان هذه الرسالة ساعدت على فتح طريق إلى تبادل غير مسبوق للآراء والزيارات بين قادة المسلمين والمسيحيين.
في عام 2007، زار الملك عبد الله، ملك السعودية، الفاتيكان، وقابل البابا بنديكت. لكن، نقلت وسائل الإعلام الغربية ان اللقاء كان عن اهتمام البابا بالأقلية المسيحية الصغيرة في السعودية. في الجانب الآخر، عكست وسائل الإعلام السعودية الأهمية التاريخية للاجتماع، وأنه كان لحظة فخر كبير لبلاد مكة المكرمة، التي نحوها يصلي المسلمون في جميع أنحاء العالم.
عندما هاجم البابا بنديكت الإسلام، انتقده عبد الرحمن الراشد، صحفي سعودي بارز، وله صلات وثيقة مع كبار المسئولين في السعودية. وقال الراشد ان البابا "يسمع عن أعمال إرهابية من قبل المسلمين. ويسمع تسجيلاتهم وشرائطهم التي تبرز أفعالهم كجزء من الإسلام." وأضاف الراشد أن البابا "كان يجب أن يعرف أحسن من ذلك." لان “مثل هذه الأعمال لا تمثل الإسلام."
لكن منذ مجيء البابا فرنسيس عام 2013، تغيرت العلاقة بين الفاتيكان والإسلام كثيرًا.
زار عددًا من البلدان الإسلامية. وقال تقريبًا نفس الشيء الذي كتبه الراشد: "ليس من الصواب ربط الإسلام بالعنف. هذا ليس صحيحًا ... إذا تحدثت عن العنف الإسلامي، يجب أن أتحدث عن العنف الكاثوليكي."
لم يكتف الراشد بالإشادة بالبابا فرنسيس على زيارته لدولة الإمارات العربية المتحدة عام 2019، بل انتقد بشدة المسلمين الذين عارضوا الزيارة.
اخيرا، قد تكون زيارة البابا للسعودية تعهدا سياسيا ودينيا كبيرا، لكن يبدو أنها ممكنة."

 

https://www.salon.com/2022/06/18/could-the-pope-visit-saudi-arabia-the-unlikely-religious-breakthrough-no-one-noticed/
--------------------
(محمد علي صالح ظل مراسلا في واشنطن لصحف عربية في الشرق الأوسط منذ سنة 1980).
===========
mohammadalisalih@gmail.com
//////////////////////////

 

آراء