مذهب المعتزلة: قراءة منهجية لأصوله الفكرية

 


 

 

Sabri.m.khalil@gmail.com

عرض لأصول مذهب المعتزلة:

تعريف: أسميت هذه الفرقة بالمعتزلة نسبة إلى أن واصل بن عطاء " مؤسسها " اعتزل - أي اختلف مع - أستاذه الحسن البصري في مسألة مرتكب الكبيرة ، فقال البصري إنه فاسق ، وقال واصل إنه في منزلة بين المنزلتين ، أي لا مؤمن ولا كافر، وأدى هذا الاختلاف إلى استقلال واصل الفكري عن أستاذه ، وتكوينه فرقة المعتزلة في مرحلة تالية.

الأصول الخمسة للمذهب: وقواعد المذهب الاعتزالي الأساسية خمسة هي:

أولاً: العدل والتوحيد:

ا/ التوحيد:

1/ تصور المذهب لمفهومى التنزيه والتأويل: قدم المذهب تصور خاص لمفهوم التنزيه " نفى التشابه بين الوجودين الإلهي المطلق والانسانى المحدود " ، يتطرف فيه لدرجة تحوله الى تعطيل" جزئى"، اى تحديد "تقييد" - وبالتالي
نفى- جزئى للوجود الإلهي المطلق كما سنوضح ادناه. وترتب على هذا تقديم المذهب لتصور خاص لمفهوم التأويل" الانتقال من المعنى الحسي - الظاهر - للمفهوم للمعنى المجازى" ، لا يتقيد - فى أحيان كثيرة - بضوابطه الشرعية ، ويقف عند حدود المعانى المجازية المشهورة لهذه المفاهيم ،والتى يعرفها العربى بدون تأويل ، كما عند مذاهب أهل السنة الكلامية "الاعتقادية"(الاشاعره والماتريديه والطحاوية وبعض علماء أهل الظاهر كابن حزم، وبعض علماء الحنابلة كابن الجوزى)، طبقا له أولوا الآيات التي يفيد ظاهرها التشابه بين الوجودين الالهى والإنسانى .

2 / نفي الصفات الإلهية الزائدة على الذات الالهيه " التعطيل الجزئي":
كما تناول المعتزلة طبيعة العلاقة بين الذات الإلهية والصفات الإلهية، فانتهوا إلى التوحيد بينهما ، فقالوا أن الصفات هي عين الذات، وبالتالي نفوا الصفات الزائدة على الذات - أي نفوا وجود صفة إلهية مستقلة عن الذات
الإلهية- وأولوا الصفات الإلهية الواردة في القرآن بأنها أسماء للذات وليس وصفاً لها، لذا أطلق عليهم لقب المعطلة بمعنى تعطيل الصفات الإلهية (أي نفيها)، والصواب هو أنهم لم ينفوا الصفات لصوره مطلقة ، بل نفوا الصفات الزائدة عن الذات ، أي أن مذهبهم يقوم على التعطيل (النفي ) الجزئي وليس التعطيل الكلي.

ب/تصور المذهب لمفهوم العدل الالهى: ذهب المعتزلة إلى أن العدل الإلهي يقتضي أن يثاب المحسن ويعاقب المسيء، وهو ما يقتضي أيضاً أن يكون للإنسان القدرة على الفعل والاختيار بين الخير والشر، إذ لو كان الإنسان مجبوراً على فعله لكان محاسبته عليه ظلما ً، والله تعالى منزه عن نسبة الظلم إليه، لكنهم تطرفوا في فهم حرية الإنسان فرتبوا على ذلك إن الإنسان خالق لأفعاله.

ثانيا:التحسين والتقبيح العقليين: وقال المعتزلة أن الحسن والقبح ذاتيان في الأفعال ، أي أن الخير والشر يرجعان إلى صفة هذه الأفعال ، وليس لأن الشرع أمر أو نهي عنهم)، وأن الشرع يأمر بالفعل لما فيه من حسن وينهى عن الفعل لما فيه من قبح، وأن العقل مكلف ورود الشرع ، أي أن الإنسان سيحاسب على أفعاله حتى لو لم يصله شرع.

ثالثاً: المنزلة بين المنزلتين: كما قال المعتزلة إن مرتكب الكبيرة في منزلة بين منزلة الكفر ومنزلة الإيمان،أي لا هو كافر ولا هو مؤمن، لكنهم ذهبوا إلى أنه لا مانع أن يطلق عليه اسم مسلم تمييزاً له عن الذمي ،ولأن التوبة مطلوبة له ، يقول ابن أبي حديد (إنا وإن كنا نذهب إلى أن صاحب الكبيرة لا يسمى مؤمناً ولا مسلماً ،نحبذ أن يطلق عليه هذا اللفظ ،إذا قصد به تمييزه عن أهل الذمة وعابدي الأوثان(.

رابعاً:تصور المذهب للوعد والوعيد الالهيين ونفي الشفاعة: وقدم المذهب تصور خاص للوعد والوعيد الإلهيين مضمونه أن الله لا يجوز عليه أن يخلف وعده للمحسنين بالثواب ، ولا وعيده للمسيئين بالعقاب، وبالتالي نفوا الشفاعة وفسروها بأنها الزيادة في الفضل الإلهي.

خامساً:تصور المذهب لمفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أما تصور المذهب لمفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيقوم على وجوب الخروج على السلطان الجائر، ولكنهم – و خلافاً لمذهب الخوارج- لم يجعلوا هذا الإيجاب مطلقاً ، بل مشروطاً بتوافر ظروفه.

تصور المذهب لبعض المفاهيم:

نفى صفه الكلام الإلهية الزائدة عن الذات الإلهية والقول بان القران
مخلوق: وترتب على تصور المذهب المتطرف في التنزيه نفي صفة الكلام الإلهية الزائدة عن الذات الإلهية ، أي نفي أن يكون الله تعالى متكلماً بكلام مستقل عن الذات الإلهية، لأن ذلك –عندهم- من صفات الحوادث "المخلوقات"
،ولأن هذا يفيد – عندهم ايضا - الأثنية "أي يفيد أن هناك إلهين". وهم هنا يردون على المسيحيين الذين احتجوا بوصف القرآن للمسيح عليه السلام بأنه كلمة الله، لتبرير قولهم بألوهيته. أما ما ورد في القرآن من إسناد الكلام لله تعالى ، فقد أولوه بمعنى أن الله تعالى خلق الكلام كما يخلق أي شيء، وبالتالي فإن كلام الله (القرآن الكريم) مخلوق (محدث) وليس قديم .

النفى المطلق الرؤية: كما ترتب عليه نفي المذهب إمكانية رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة. وفسر البعض أن المقصود بالرؤية التي نفاها المعتزلة هي رؤية الله بالأبصار لا الرؤية مطلقاً ، يقول الشهرستاني (واتفقوا على نفي رؤية الله تعالى بالأبصار في دار القرار).

تعليل أفعال الله تعالى"وجوب الصلاح والأصلح على الله تعالى : كما قرر المذهب أن الله تعالى يعمل الأعمال معللة بمقاصد، لأنه حكيم لا يصدر عنه الفعل جزافاً، ثم بنى المذهب على هذا القول بوجوب الصلاح والأصلح، أي أن الله تعالى لا يفعل إلا ما يكون حكمة، فمستحيل أن يأمر بغير الصالح أو ينهى عن الطالح، فيجب له الصلاح ويجب له الأصلح.

ثانيا: القراءة المنهجية للأصول الفكرية للمذهب:

محاولة للرد على الاديان المخالفة باستخدام المناهج العقلية"ذات الجذور اليونانية ": ظهرت فرقه المعتزلة أساساً للرد على أصحاب الديانات والاعتقادات المخالفة للإسلام ، باستخدام المناهج العقلية - التجريدية ، المقبس أساسا من الفلسفة والمنطق اليونانيين .

تحول العقل من أداه إلى غاية: ولكن هذه الآلة " المناهج العقلية" تحولت بطول الممارسة من أداة إلى غاية، فتحول العقل لديهم من نشاط معرفي محدود بالوحي في معرفته بالغيبيات، إلى مصدر مطلق لمعرفة الغيبيات.

محاوله نفى التشبيه : كما جاء تصور المعتزلة للذات الإلهية ، كرد فعل على تصور المشبهة (المجسمة)، الذي ينتهي على القول بالتشابه بين الوجودين الإلهي المطلق والإنسانى المحدود.

التعطيل الجزئي للصفات الإلهية: ولكن هذا التصور تطرف فى التنزيه لدرجه يمهد لانقطاع الصلة بين هذين الوجوديين الإنسان ، فضلاً عن أنه يفضي على التعطيل الجزئي- اى التحديد"التقييد"وبالتالى النفى- الجزئى - للوجود الإلهي المطلق كما في مسألة الصفات الإلهية.

الحسن والقبح العقليين وإطلاق العقل عن حدوده: أما قول المعتزلة بالحسن والقبح العقليين، فيترتب عليه إطلاق العقل عن حدوده ، كما يتضح في قولهم أن العقل قادر على إدراك حسن أو قبح الأفعال بصورة مطلقة ، وقولهم بتوقف الثواب والعقاب على العقل.فيصبح العقل وسيلة معرفة مطلقة ، خلافا للموقف الصحيح لمنهج المعرفه الإسلامي ، الذى يقر بالعقل كوسيلة للمعرفة ، لكنه يقيدها بوسائل المعرفة الاخرى، كالوحي فى إدراكه الوجود الغيبي" المطلق عن قيزد الزمان والمكان"، والحواس فى إدراك الوجود الشهادى " المقيد بالزمان والمكان".

القول بخلق الإنسان لأفعاله وتحويل حركة الإنسان الى فعل مطلق: كما أكد تصور مذهب المعتزلة لمفهوم العدل الإلهي على قدرة الإنسان على الفعل والاختيار ، ولكنه تطرف أيضاً في تأكيد حرية الإنسان، فتحولت حركة الإنسان عنده من فعل محدود" تكوينياً وتكليفياً" بالفعل الالهى المطلق "
الربوبية " إلى فعل مطلق، عندما قالوا أن الإنسان خالق لأفعاله، إذ الخلق صفة ربوبية (مضمونها دال على هذا الفعل الالهى المطلق،وبالتالي فإن إسنادها سواه هو شرك في الربوبية (شرك اعتقادي - عند غير المسلمين - أو عملي -عند المسلمين (-.

القول بوجوب الأصلح لله وتحديد الفعل الالهى المطلق: وقول مذهب المعتزلة بوجوب الأصلح لله تعالى، يوحي بأن فعله تعالى محدود بفعل لسواه، أوجب عليه فعل الأصلح وألزمه به، والفعل المطلق (الذي ينفرد به الله تعالى) هو الفعل الذي لا يحده فعل لسواه ،وكل فعل لسواه محدود به، وبالتالي ينبغي القول بأن الله تعالى أوجب على نفسه(وليس يجب عليه) فعل الأصلح،وبالتعبير القرآني (كتب الله على نفسه)كما فى قوله تعالى ( قُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ).

--------------------------
الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات https://drsabrikhalil.wordpress.com
////////////////////////

 

آراء